الدعوة السياسية والدينية للمذهب الفاطمي.. إنشاء دولة شيعية في شمال إفريقيا تكريسا لانقسام العالم الإسلامي إلى ثلاث إمبراطوريات متعادية العباسية والفاطمية والأموية



استطاع الإسماعيليون القيام بدعوة سياسية و دينية محكمة، فبدأ زعمائهم بإرسال دعاة لهم إلى جهات متعددة من العالم الاسلامي، ليدعوا إلى مذهبهم، ويبشروا بعودة الإمام المستتر، وهكذا كسبوا أتباعا عديدين في أقاليم مختلفة في العراق، في بلاد فارس و بلاد اليمن، نظرا لما جاء به من وعود،  بخصوص سن العدالة والاصلاح الاجتماعي.

فقد استهوى المذهب الإسماعيلي طبقات اجتماعية، كانت غير راضية عن النظام القائم، غير أن الإسماعيلية لم تحقق ذلك النجاح، الذي كان ترغب فيه في بلاد الغرب الإسلامي، وخصوصا بين قبائل كتامة.

فقد استطاع الفاطميون، الذين كانوا من فروع الإسماعيلية، تأسيس دولة قوية بهذه المنطقة دامت أكثر من قرنين.

وقد بدأت دعوة الفاطميين، في بلاد المغرب، بإرسال داعيتين اسمهما الحلواني وأبو سفيان، اللذان نزلا بأرض كتامة بإفريقية، و قاما بالتمهيد للدعوة الإسماعيلية، بعد ذلك سيخلفهما الداعية أبو عبيد الله الشيعي، الذي استطاع بالفعل أن ينتهز حالة الضعف، التي آلت اليه دولة الأغالبة، و يضم قبائل كتامة إلى الدعوة الإسماعيلية.

وكان أبو عبد الله قد توجه، في البداية، من اليمن بأمر من علي بن حوشب إلى مكة، حيث اتصل بحجاج مغاربة من بلاد كتامة، وعاد بصحبتهم إلى بلاد افريقية، وهناك بدأ نشاطه الدعوي، مستعملا في ذلك كل الأساليب، بما فيها التنبؤ والسحر.

وعلى الرغم من مساعدة  الكتاميين، فإن مركزه كان محفوفا بالأخطار، بسبب معارضة بعض الزعماء المحليين، غير أنه تمكن من جمع قبائل كتامة على أساس روابط عصبية، وكذلك على أسس إيديولوجية جديدة، تمثلت في المذهب الشيعي.

وكانت هذه الإيديولوجية تنطوي على جانب سياسي ثوري، إذ أنها تأمر أتباعها بالثورة ضد الأغالبة، لانتزاع السلطة، واسترجاعها إلى أصحابها الشرعيين أي الفاطميين.

بعد هذه المرحلة الأولى، انتقل أبو عبد الله إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة الثورة المسلحة ضد الأغالبة، و لم يدّخِر هؤلاء أي جهد في القضاء على الدعوة ، ووجهوا ثلاث حملات عسكرية ضد أتباع الفاطميين، باءت كلها بالفشل، وفي سنة 296هـ، استطاع عبد الله الشيعي الدخول إلى مدينة رقادة، التي فر منها زيادة الله الثالث، آخر أمراء بني الأغلب.

و بمجرد ما انتهى ابو عبد الله من توطيد النفوذ الفاطمي بإفريقية، قرر التوجه إلى سجلماسة، عاصمة بني مدرار، ليسلم السلطة إلى الامام عبيد الله (المهدي المنتظر)، الذي كان أسيرا بهذه المدينة، و كان المهدي قد فر من سلمية (سوريا)، فبدأ رحلته من الشام، فلسطين، ومصر متخفيا بزي  التجار.

لكن يبدو أنه لم  يجرؤ على الدخول إلى إفريقية، لأنه وجد أن الأغالبة ما زالوا يسيطرون على الموقف، فتابع رحلته إلى سجلماسة، حيث تم اعتقاله، فلما تم الأمر لأبي عبد الله الشيعي، سارع  في  قوة كبيرة لإطلاق سراح سيده، وفي طريقه احتل تاهرت 296هـ، وقضى على أسرة بني رستم، ثم واصل زحفه إلى سجلماسة، وهزم المدراريين، وبايع المهدي، وفي 297هـ، دخل المهدي رقادة معلنا بذلك زوال سلطان الأغالبة، و قيام الدولة الفاطمية.

"كان إنشاء دولة شيعية في شمال إفريقيا، تكريسا لانقسام العالم الإسلامي إلى ثلاث إمبراطوريات متعادية: الخلافة العباسية في بغداد، والخلافة الفاطمية في شمال إفريقيا، والامارة الأموية في اسبانيا، على أنه بعد ذلك بقليل عام 318ه،ـ عمد أمير قرطبة الأموي عبد الرحمان الثالث - وقد وجد نفسه خليفة واحد (هرطيق) في تونس، و آخر سني بعيدا في بغداد - إلى إعلان نفسه خليفة، وبذلك وُجد خلال فترة من الزمن ثلاث خلفاء في الإسلام...".


المواضيع الأكثر قراءة