التغييرات التي تلحق التفعيلة العروضية فَاْعِلاتُنْ.. البَتْر. التسبيغ. التشعيث. الحَذْف. الخَبْن. الشكْل. القَصْر. الْكَفّ

فَاْعِلاتُنْ
فَاْعِلْ 
البَتْر
فَاْعِلاتُنْ نْ (فَاْعِلاتاْ نْ)
التسبيغ
فَاْلاتُنْ 
التشعيث
فَاْعِلاْ 
الحَذْف
فَعِلاتُنْ
الخَبْن
فَعِلاتْ
الشكْل
فَاْعِلاتْ 
القَصْر
فَاْعِلاتُ
الْكَفّ

التغييرات التي تلحق التفعيلة العروضية مُسْتَفْعِلُنْ، مُسْتَفْعِ لُنْ.. التذييل. الخَبْل. الخَبْن. الشكْل. الطيّ. القَصْر. القَطْع. الْكَفّ

مُسْتَفْعِلُنْ، مُسْتَفْعِ لُنْ
مُسْتَفْعِلُنْ نْ (مُسْتَفْعِلا نْ)
التذييل
مُتَعِلُنْ
الخَبْل
مُتَفْعِلُنْ / مُتَفْعِ لُنْ
الخَبْن
مُتَفْعِ لُ
الشكْل
مُسْتَعِلُنْ 
الطيّ
مُسْتَفْعِ لْ
القَصْر
مُسْتَفْعِلْ  
القَطْع
مُسْتَفْعِلُ
الْكَفّ

التغييرات التي تلحق التفعيلة العروضية مُتَفَاْعِلُنْ.. الإضمار. التذييل. الترفيل. الحَذَذ. الخَزْل. القَطْع. الوَقْص

مُتَفَاْعِلُنْ
مُتْفَاْعِلُنْ 
الإضمار
مُتَفَاْعلُنْ نْ (مُتَفَاْعلا نْ)
التذييل
مُتَفَاْعِلُنْ تُنْ (مُتَفَاْعِلا تُنْ)
الترفيل
مُتَفَاْ 
الحَذَذ
مُتْفَعِلُنْ  
الخَزْل
مُتَفَاْعِلْ 
القَطْع
مُفَاْعِلُنْ 
الوَقْص

التغييرات التي تلحق التفعيلة العروضية مُفَاْعَلتُنْ.. الْعَصْب. الْعَقْل. القَطفْ. النقْص

مُفَاْعَلتُنْ
مُفَاْعَلْتُنْ 
الْعَصْب
مُفَاْعَتُنْ 
الْعَقْل
مُفَاْعَلْ 
القَطفْ
مُفَاْعَلْتُ
النقْص

التغييرات التي تلحق التفعيلة العروضية مَفَاْعِيْلُنْ.. الحَذْف. الخَرْم. الْقَبْض. الْكَفّ

مَفَاْعِيْلُنْ
مَفَاْعِيْ 
الحَذْف
فَاْعِيْلُنْ 
الخَرْم
مَفَاْعِلُنْ
الْقَبْض
مَفَاْعِيْلُ
الْكَفّ

التغييرات التي تلحق التفعيلة العروضية فَاْعِلُنْ.. التذييل. الترفيل. التشعيث. الخَبْن. القَطْع

فَاْعِلُنْ
ما تصير إليه
نوع التغيير
فَاْعِلُنْ نْ (فَاْعِلانْ)
التذييل
 فَاْعِلُنْ تُنْ (فَاْعِلاتُنْ)
الترفيل
فَاْلُنْ 
التشعيث
فَعِلُنْ
الخَبْن
فَاْعِلْ 
القَطْع

النبي (ص) لا يورث في السنة والإجماع .. اتفاق أهل البيت الذين كانت بأيديهم صدقة رسول الله، إنهم ما كانوا يرون تملكها، إنما كانوا ينفقونها في سبيل الله

السنة والإجماع دلا على أن النبي (ص) لا يورث:
قال ابن تيمية: كون النبي (ص) لا يورث ثبت بالسنة المقطوع بها، وبإجماع الصحابة، وكل منها دليل قطعي، فلا يعارض ذلك بما يظن أنه عموم، وإن كان عمومًا فهو مخصوص، لأن ذلك لو كان دليلاً لما كان إلا ظنيًا فلا يعارض القطعي، إذ الظنى لا يعارض القطعي، وذلك أن هذا الخبر رواه غير واحد من الصحابة في أوقات ومجالس، وليس فيهم من ينكره، بل كلهم تلقاه بالقبول والتصديق، ولهذا لم يصر أحد من أزواجه على طلب الميراث، ولا أصرّ العمّ على طلب الميراث، بل لما طلب من ذلك شيئًا فأخبر بقول النبي (ص) رجع عن طلبه، واستمر الأمر على ذلك على عهد الخلفاء الراشدين إلى على، فلم يغير شيئًا ولا قسم له تركة([1]). قال ابن تيمية: قد تولى الخلافة (علي) بعد ذي النورين عثمان، وصار فدك وغيرها تحت حكمه، ولم يعط منها شيئًا لأحد من أولاد فاطمة ولا من زوجات النبي (ص) ولا ولد العباس، فلو كان ظلمًا وقدر على إزالته لكان هذا أهون عليه من قتال معاوية وجيوشه، أفتراه يقاتل معاوية مع ما جرى في ذلك من الشر العظيم ولا يعطي هؤلاء قليلاً من المال، وأمره أهون بكثير([2]).
وبإجماع الخلفاء الراشدين على ذلك احتج الخليفة العباسي أبو العباس السفاح على بعض مناظريه في هذه المسألة على ما نقل ابن الجوزي في تلبيس إبليس قال: وقد روينا عن السفاح أنه خطب يومًا فقام رجل من آل على - رضي الله عنه - قال: إنا من أولاد على - رضي الله عنه - فقال: يا أمير المؤمنين أعني على من ظلمني. قال: ومن ظلمك؟ قال: أنا من أولاد علي - رضي الله عنه - والذي ظلمني أبو بكر - رضي الله عنه - حين أخذ فدك من فاطمة، وقال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم، قال: ومن قام عبده؟ قال: عمر - رضي الله عنه - قال: ودام على ظلمكم. قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟ قال عثمان - رضي الله عنه- قال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟ فجعل يلتفت كذا وكذا ينظر مكانًا يهرب منه([3]).
وبتصويب أبي بكر - رضي الله عنه - في اجتهاده صرَّح بعض أولاد علي من فاطمة * رضي الله عنهما- على ما روى البيهقي بسنده عن فضيل بن مرزوق قال: قال زيد بن على ابن الحسين بن على بن أبى طالب: أما لو كنت مكان أبي بكر، لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك([4]), كما نقل أبو العباس القرطبي اتفاق أهل البيت بدءًا بعلي - رضي الله عنه - ومن جاء بعده من أولاده، ثم أولاد العباس الذين كانت بأيديهم صدقة رسول الله، إنهم ما كانوا يرون تملكها، إنما كانوا ينفقونها في سبيل الله، قال- رحمه الله-: إن عليًا لما ولى الخلافة ولم يغيرها عما عمل فيها في عهد أبي بكر وعمر، وعثمان، ولم يتعرض لتملكها، ولا لقسمة شيء منها، بل كان يصرفها في الوجوه التي كان من قبله يصرفها فيها، ثم كانت بيد حسن بن على، ثم بيد حسين بن على، ثم بيد على بن الحسين، ثم بيد الحسين بن الحسن، ثم بيد زيد بن الحسين، ثم بيد عبد الله بن الحسين، ثم تولاها بنو العباس على ما ذكره أبو بكر البرقاني في صحيحه، وهؤلاء كبراء أهل البيت -ر ضي الله عنهم- وهم معتمدون عند الشيعة وأئمتهم، لم يرو عن واحد منهم أنه تملكها ولا ورثها ولا ورثت عنه، فلو كان ما يقوله الشيعة حقًا لأخذها على أو أحد من أهل بيته لما ظفروا بها([5]).
وقال ابن تيمية: قد تولى (علىّ) الخلافة بعد ذى النورين عثمان، وصارت فدك وغيرها تحت حكمه، ولم يعط منها شيئًا لأحد من أولاد فاطمة، ولا من زوجات النبي (ص)، ولا ولد العباس، فلو كان ظلمًا وقدر على إزالته لكان هذا أهون عليه من قتال معاوية وجيوشه، أفتراه يقاتل معاوية مع ما جرى في ذلك من الشر العظيم، ولا يعطي هؤلاء قليلاً من المال، وأمره أهون بكثير؟ ([6]).
وقال ابن كثير: وقد تكلمت الرافضة في هذا المقام بجهل، وتكلفوا ما لاعلم لهم به، وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، ولما يأتهم تأويله، وأدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم([7]), فلو تفهموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله، ولكنهم طائفة مخذولة، وفرقة مرذولة، يتمسكون بالمتشابهة، ويتركون الأمور المقررة عند أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين من بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الأعصار والأمصار، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين([8]).

([1]) المصدر السابق (4/220).
([2]) المصدر السابق (6/347).
([3]) تلبيس إبليس: ص (135).
([4]) تاريخ المدينة لابن شبة (1/200)، البداية والنهاية (5/253).
([5]) المفهم للقرطبي (3/564).
([6]) منهاج السنة (6/347).
([7]) البداية والنهاية (5/253).
([8]) المصدر نفسه (5/251).

حديث منع الإرث لورثة الرسول (ص).. الميراث يقتضي الأموال وما في معناه، وليس لأحد أن يقول إن المراد بالآية العلم دون المال

زعم الشيعة أن منع الإرث والاستدلال بحديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» مخالف لقوله تعالى: +وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ" [النمل:16]، ومخالف لما حكاه الله عن نبيه زكريا عليه السلام: +وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا` يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا" [مريم: 5، 6].
حيث قالوا: إن الميراث يقتضي الأموال وما في معناه، وليس لأحد أن يقول إن المراد بالآية العلم دون المال([1]).
ويجاب على ذلك بما يلي: إن الإرث اسم جنس يدخل تحته أنواع، فيستعمل في إرث العلم والنبوة والملك وغير ذلك من أنواع الانتقال. قال تعالى: +ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا" [فاطر:32]، وقال تعالى: + أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ` الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [المؤمنون:10، 11] وغير ذلك من الآيات الواردة في هذا الشان، وإذا كان كذلك فقوله تعالى: + وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ" وقوله: +يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ" إنما يدل على جنس الإرث، ولا يدل على إرث المال، وذلك أن داود عليه السلام كان له أولاد كثيرون غير سليمان فلا يختص سليمان بماله فدل على أن المراد بهذا الإرث إرث العلم والنبوة ونحو ذلك، لا إرث المال، والآية سيقت في بيان مدح سليمان وما خصه الله به من النعمة، وحصر الإرث في المال لا مدح فيه، إذ إن إرث المال من الأمور العادية المشتركة بين الناس، وكذلك قوله تعالى: +يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ" ليس المراد به إرث المال لأنه لا يرث آل يعقوب شيئًا من أموالهم، وإنما يرث ذلك منهم أولادهم وسائر ورثتهم لو ورثوا([2]).
كما أن قوله: +وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي" [مريم:5] لا يدل على أن الإرث إرث مال، لأن زكريا لم يخف أن يأخذوا ماله من بعده إذا مات، فإن هذا ليس بمخوف، وزكريا عليه السلام لم يعرف له مال، بل كان تجارًا يأكل من كسب يده كما في صحيح مسلم([3])، ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل الله ولدًا يرث عنه ماله، قدل على أن المراد بالوراثة في هاتين الآيتين وراثة النبوة، والقيام مقامه([4]).
يقول القرطبي في تفسيره للآية: وعليه فلم يسل من يرث ماله، لأن الأنبياء لا تورث، وهذ هو الصحيح من القولين في تأويل الآية، وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال لما ثبت عن النبي (ص) أنه قال: «إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة»([5]), وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند لقوله تعالى: +وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ" وعبارة عن قول زكريا +فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا ` يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا" وتخصيص للعموم في ذلك، وإن سليمان لم يرث من داود مالاً خلفه داود بعده. وإنما ورث منه الحكمة والعلم، وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب، وهكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض([6]).
ومما تجدر الإشارة إليه أن الرافضة خالفوا ما استدلوا به على وجوب الميراث، وذلك أنهم حصروا ميراثه (ص) في فاطمة - رضي الله عنه - فزعموا أنه لم يرث النبي (ص) إلا هي، فأخرجوا أزواجه وعصبته مخالفين عموم الآيات التي استدلوا بها، فقد روى الصدوق بسنده عن أبى جعفر الباقر قوله: لا والله ما ورث رسول الله (ص) العباس ولا على، ولا ورثته إلا فاطمة عليها السلام، وما كان آخذ على عليه السلام السلاح وغيره إلا إنه قضى عنه دينه([7]). وروى الكليني والصدوق والطوسى بأسانيدهم إلى الباقر أيضًا قوله: وورث على عليه السلام من رسول الله (ص) علمه، وورثت فاطمة عليها السلام تركته([8]), بل وأخرجوا فاطمة من ذلك، حيث زعموا أن النساء لا يرثن العقار، فقد بوب الكليني في كتابه الكافي بابًا بعنوان: إن النساء لا يرثن من العقار شيئًا، وساق تحته روايات منها: عن أبي جعفر الصادق إنه قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئًا([9]).
روى الصدوق بسنده إلى ميسر قال: سألته - يقصد الصادق - عن النساء ما لهن في الميراث، فقال: أما الأرض والعقارات فلا ميراث فيه([10]), وبهذا يتبين عدم استحقاق فاطمة - رضي الله عنها - شيئًا من الميراث، بدون الاستدلال بحديث: نحن معاشر الأنبياء لا نورث([11]), فما دامت المرأة لا ترث العقار والأرض، فكيف كان لفاطمة أن تسأل فدك - على حسب قولهم- وهي عقار لا ريب فيه([12]), وهذا دليل كذبهم وتناقضهم فضلاً عن جهلهم([13]).
وأما ما زعموه من كون الصديق - رضي الله عنه - سأل فاطمة أن تحضر شهودًا، فأحضرت عليًا وأم أيمن فلم يقبل شهادتهما، فهو من الكذب البين الواضح، قال حماد بن إسحاق: فأما ما يحكيه قوم أن فاطمة عليها السلام طلبت فدك، وذكرت أن رسول الله (ص) أقطعها إياها، وشهد لها على عليه السلام فلم يقبل أبو بكر شهادته لأنه زوجها، فهذا أمر لا أصل له ولا تثبت به رواية أنها ادعت ذلك، وإنما هو أمر مفتعل لا ثبت فيه([14]).

([1]) منهاج الكرامة: ص(109) نقلاً عن العقيدة في أهل البيت وغيرها من الكتب كالطرائف لابن «آووس» (347).
([2]) منهاج السنة (4/222- 224).
([3]) مسلم رقم 2379.
([4]) منهاج السنة (4/225)، البداية والنهاية (5/253)، العقيدة في أهل البيت: ص (448).
([5]) مسلم رقم 1758.
([6]) تفسير القرطبي (11/35- 45).
([7]) من لا يحضره الفقيه (4/190، 191)، العقيدة في أهل البيت: ص (451).
([8]) الكافي للكليني (7/137)، العقيدة في أهل البيت: ص(451).
([9]) الكافي للكليني (7/137)، العقيدةن في أهل البيت: ص(451).
([10]) الشيعة وأهل البيت: ص(89).
([11]) مسلم 1768.
([12]) الشيعة وأهل البيت: ص (98).
([13]) العقيدة في أهل البيت: ص(452).
([14]) منهاج السنة (4/236- 238).

منع إرث الرسول (ص).. رسول الله (ص) قد خُص من بين الأنبياء بأحكام لا يشاركونه فيها

زعم الشيعة أن حديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» مخالف لقوله تعالى: + يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ " [النساء:11] وقالوا: ولم يجعل الله ذلك خاصًا بالأمة دونه (ص)؟([1]).
والحقيقة أن الخطاب شامل للمقصودين بالخطاب، وليس فيه ما يوجب كون النبي (ص) من المخاطبين بها([2]), فهو (ص) لا يقاس بأحد من البشر، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ولأن الله حرم عليه صدقة الفرض والتطوع، وخُص بأشياء لم يُخص بها أحد غيره (ص)، ومما خصه الله به، هو وإخوانه من الأنبياء عليهم السلام كونهم لا يورثون، وذلك صيانة من الله لهم لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا وخلفوها لورثتهم، أما بقية البشر فلا نبوة لهم يقدح فيها بمثل ذلك، كما صان الله تعالى نبينا (ص) عن الخط والشعر صيانة لنبوته عن الشبة وإن كان غيره لم يحتج إلى هذه الصيانة([3]).
وقال ابن كثير في رده على استدلال الرافضة بالآية: إن رسول الله (ص) قد خُص من بين الأنبياء بأحكام لا يشاركونه فيها.. فلو قدر أن غيره من الأنبياء يورثون، وليس الأمر كذلك، لكان ما رواه الصحابة، وعلى رأسهم أبو بكر، مبينًا لتخصصه بهذا الحكم دون من سواه([4]). وبهذا يتبين بطلان استدلالهم بمخالفة الحديث.

([1]) منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة 4/194.
([2]) منهاج السنة (4/494، 195) العقيدة في أهل البيت: ص(445).
([3]) منهاج السنة: ص (194، 195)، العقيدة في أهل البيت: ص (445).
([4]) البداية والنهاية (5/254)، العقيدة في أهل البيت:ص (446).

أبو بكر الصديق وحديث منع إرث الرسول.. فاطمة لم تقبل بحديث اخترعه أبو بكر وعمر وأخذا فدكًا من أجل استئصال ذرية النبي

زعم الشيعة أن حديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» وضعه أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-:وفي ذلك يقول الحلى: إن فاطمة لم تقبل بحديث اخترعه أبو بكر من قوله: ما تركناه صدقة. وقال أيضًا: والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها([1]). وقال المجلسى بعد أن نص على أن أبا بكر وعمر أخذا فدكًا: ولأجل ذلك وضعوا تلك الرواية الخبيثة المفتراة: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة([2]) ويقول الخميني في ذلك: نقول إن الحديث المنسوب إلى النبي لا صحة له، وأنه قيل من أجل استئصال ذرية النبي([3]).
ويجاب على ذلك: بأن هذا القول كذب محض وافتراء واضح، إذ هذه الرواية لم ينفرد بها أبو بكر رضي الله عنه بل إن قوله ×: «لا نورث ما تركناه فهو صدقة»، رواه عنه أبو بكر وعثمان وعلى وطلحة، والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف والعباس بن عبد المطلب وأزواج النبي × وأبو هريرة وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين([4]) وفي ذلك يقول ابن تيمية: والرواية عن هؤلاء ثابتة في الصحاح والمسانيد، ومشهورة يعلمها أهل العلم بالحديث، فقول القائل: إن أبا بكر انفرد بالرواية يدل على فرط جهله أو تعمده الكذب([5]).
وقال ابن كثير بعد ذكره لمن روى الحديث: «وأن هذا الزعم من الرافضة باطل، ولو تفرد بروايته الصديق- رضي الله عنه – لوجب على جميع أهل الأرض قبول روايته والانقياد له في ذلك»([6]), وقد قال الدكتور سليمان بن رجاء السحيمي صاحب الكتاب القيم «العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط»: ويؤيد هذا ما جاء من كتب الرافضة عن الإمام جعفر الصادق الإمام الخامس المعصوم عندهم فيما رواه الكليني والصفار والمفيد أنه قال: قال رسول الله (ص): «من سلك طريقًا يطلب منه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة، والعلماء أمناء، والأتقياء حصون، والأوصياء سادة، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وأن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر([7]) وفي رواية: «إن العلماء ورثة الأنبياء، وذلك ان الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم»([8]). وما أرث منك يا رسول الله؟ قال: «ما أورث النبيون».

([1]) منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة (4/193) نقلاً عن العقيدة في أهل البيت.
([2]) حق اليقين: ص (191) نقلاً عن العقيدة في أهل البيت: ص(443).
([3]) كشف الأسرار للخميني: ص (132- 133) نقلاً عن العقيدة في أهل البيت.
([4]) العقيدة في أهل البيت: ص(444).
([5]) منهاج السنة (4/199).
([6]) البداية والنهاية (5/250).
([7]) الكافي للكليني (1/32- 34).
([8]) المصدر السابق (1/32- 34)، وبصائر الدرجات للصفار: ص (10، 11) والاختصاص للمفيد: ص(4) وانظر: علم اليقين للكاشاني (2/747، 748) نقلاً عن العقيدة لأهل البيت: ص(444).

أبو بكر الصديق والسيدة فاطمة وميراث النبي (ص).. قضية فدك، ومنع فاطمة من إرثها من أهم القضايا، التي تواطأ عليها الصحابة بعد غصب الصديق رضي الله عنه للخلافة منهم

قالت عائشة رضي الله عنها: إن فاطمة والعباس - رضي الله عنهما- أتيا أبا بكر- رضي الله عنه- يلتمسان ميراثهما من رسول الله (ص) وهما يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: إني سمعت رسول الله يقول: «لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد (ص) من هذا المال»([1]) وفي رواية قال أبو بكر رضي الله عنه... لست تاركًا شيئًا كان رسول الله (ص) يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ([2]). وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إن أزواج النبي (ص)، حين توفى الرسول الله، أردن أن يبعثن عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أبى بكر، ليسألنه ميراثهن من النبي (ص)، فقالت عائشة رضي الله عنها لهن: أليس قد قال رسول الله (ص): «لا نورث، ما تركناه صدقة»([3])  وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): «لا يقتسم ورثتي دينارًا، ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤنة عاملي فهو صدقة»([4]).
وهذا ما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع فاطمة رضي الله عنها امتثالاً لقوله (ص)، لذلك قال الصديق: «لست تاركًا شيئًا كان رسول الله (ص) يعمل به إلا عملت به»([5]) وقال: «والله لا أدع أمرًا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته»([6]).
وقد تركت فاطمة رضي الله عنه منازعته بعد احتجاجه بالحديث وبيانه لها، وفيه دليل على قبولها الحق وإذعانها لقوله (ص)، قال ابن قتيبة([7]): وأما منازعة فاطمة أبا بكر رضي الله عنها في ميراث النبي (ص) فليس بمنكر، لأنها لم تعلم ما قاله رسول الله (ص)، وظنت أنها ترثه كما يرث الأولاد آباءهم، فلما أخبرها بقوله كفت([8]), وقد غلا الرافضة في قصة ميراث النبي غلوًا مفرطًا مجانبين الحق والصواب، معرضين متجاهلين ما ورد من نصوص صحيحة في أنه (ص) لا يورث، وجعلوا ذلك من أصول الخلاف بين الصحابة وآل البيت- رضي الله عنهم أجمعين - وامتدادًا لأمر الخلافة، فاتهموا الصحابة- رضوان الله عليهم- بإيقاع الظلم والجور على آل البيت، ولا سيما أبو بكر الصديق وعمر الفاروق - رضي الله عنهما - الذين غصبا الخلافة من آل البيت كما في زعمهم، وأضافوا إلى ذلك غصب أموال آل البيت، وغصب ما فرض الله لهم من حقوق مالية، ويعتبر الرافضة قضية فدك، ومنع فاطمة من إرثها من أهم القضايا، التي تواطأ عليها الصحابة بعد غصب الصديق رضي الله عنه للخلافة منهم على حد تعبيرهم، وذلك حتى لا يميل الناس إلى آل البيت بسبب هذا المال فيجتمعوا عليه ويخلعوه من الخلافة([9]).

([1]) البخاري رقم 6726.
([2]) مسلم رقم 1759.
([3]) البخاري رقم 6730، مسلم رقم 1758.
([4]) البخاري رقم 6729.
([5]) مسلم 1758.
([6]) البخاري رقم 6726.
([7]) شذرات الذهب (2/169).
([8]) تأويل مختلف الحديث: ص19/1.
([9]) العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط: ص (435).

اقتداء على بأبي بكر الصديق في الصلوات وقبول الهدايا منه.. يؤدي الصلوات الخمس في المسجد خلف الصديق، راضيًا بإمامته، ومظهرًا للناس اتفاقه ووئامه معه

إن عليًا رضي الله عنه كان راضيًا بخلافة الصديق ومشاركًا له في معاملاته وقضاياه، قابلاً منه الهدايا رافعًا إليه الشكاوي، مصليًا خلفه، محبًا له، مبغضًا من بغضه([1]), وشهد بذلك أكبر خصوم الخلفاء الراشدين، وأصحاب النبي (ص) ومن تبعهم بهديهم، وسلك مسلكهم، ونهج منهجهم([2]), فهذا اليعقوبي الشيعي الغالي في تاريخه يذكر أيام خلافة الصديق فيقول: وأراد أبو بكر أن يغزو الروم فشاور جماعة من أصحاب رسول الله (ص)، فقدموا وأخروا فاستشار علي بن أبى طالب فأشار أن يفعل، فقال: إن فعلت ظفرت؟ فقال: بشرت بخير، فقام أبو بكر في الناس خطيبًا، وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم، وفي رواية: سأل الصديق عليًا كيف ومن أين تبشر؟ قال: من النبي (ص) حيث سمعته يبشر بتلك البشارة، فقال أبو بكر: سررتني بما أسمعتني من رسول الله يا أبا الحسن، سرك الله([3]).
ويقول اليعقوبي أيضًا: وكان ممن يؤخذ عنهم الفقه في أيام أبى بكر على بن أبى طالب وعمر ابن الخطاب ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود([4]), فقدم عليًا على جميع أصحابه، وهذا دليل واضح على تعاملهم مع بعضهم وتقديمهم عليًا في المشورة([5]) والقضاء، فعندما كتب خالد بن الوليد إلى أبى بكر بقوله له: أنه وجد رجلاً في بعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة، فجمع أبو بكر لذلك أصحاب رسول الله (ص) منهم على، فقال على: إن هذا ذنب لم يعمل به إلا أمة واحدة([6]), ففعل الله بهم ما قد علمتم، أرى أن تحرقه بالنار، فاجتمع رأي أصحاب رسول الله أن يحرق بالنار، فأمر به أبو بكر أن يحرق بالنار([7]) وكان على رضي الله عنه يمتثل أوامر الصديق؛ فعندما جاء وفد من الكفار إلى المدينة، ورأوا بالمسلمين ضعفًا وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة الطغاة، وأحس منهم الصديق خطرًا على عاصمة الإسلام والمسلمين، أمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش، وأمر عليًا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحراس، وبقوا كذلك حتى أمنوا منهم([8]).
وللتعامل الموجود بينهم وللتعاطف والتواد والوئام الكامل كان علي وهو سيد أهل البيت ووالد سبطي الرسول (ص) يتقبل الهدايا والتحف، دأب الإخوة المتساوين فيما بينهم والمتحابين كما قبل الصهباء الجارية التي سبيت في معركة عين التمر، وولدت له عمر ورقية([9]), وأيضًا منحه الصديق خولة بنت جعفر بن قيس التي أسرت مع من أسر في حرب اليمامة وولدت له أفضل أولاده بعد الحسن والحسين وهو محمد ابن الحنفية، وكانت خولة من سبى أهل الردة وبها يعرف ابنها ونسب إليها محمد ابن الحنفية([10]), يقول الإمام الجوينى عن بيعة الصحابة لأبى بكر: وقد اندرجوا تحت الطاعة عن بكرة أبيهم لأبى بكر - رضي الله عنه - وكان على رضي الله عنه سامعًا لأمره، وبايع أبا بكر على ملأ من الأشهاد، ونهض إلى غزو بنى حنيفة([11]).
ووردت روايات عديدة في قبوله هو وأولاده الهدايا المالية، والخمس، وأموال الفيء من الصديق رضي الله عنهم أجمعين، وكان على هو القاسم والمتولى في عهده على الخمس والفئ، وكانت هذه الأموال بيد على، ثم كانت بيد الحسن ثم بيد الحسين، ثم الحسن بن الحسن ثم زيد بن الحسن([12]), وكان على رضي الله عنه يؤدي الصلوات الخمس في المسجد خلف الصديق، راضيًا بإمامته، ومظهرًا للناس اتفاقه ووئامه معه([13]), وكان على رضي الله عنه يروى عن أبى بكر بعض أحاديث رسول الله (ص)، فعن أسماء بنت الحكم الفزاري قالت: سمعت عليًا رضي الله عنه يقول: كنت إذا سمعت من رسول الله علمًا نفعني الله به، وكان إذا حدثني عنه غيري استحلفته فإذا حلف صدقته، وحدثني أبو بكر- وصدق أبو بكر - قال: سمعت رسول  الله (ص) يقول: «ما من عبد مسلم يذنب ذنبًا ثم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلى ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له»([14]) ولما قبض رسول الله (ص) اختلف أصحابه فقالوا: ادفنوه في البقيع([15]), وقال آخرون: ادفنوه في موضع الجنائز، وقال آخرون: ادفنوه في مقابل أصحابه، فقال أبو بكر: أخروا فإنه لا ينبغي رفع الصوت عند النبي حيًا ولا ميتًا، فقال على رضي الله عنه: «أبو بكر مؤتمن على ما جاء به». قال أبو بكر: «عهد إلىَّ رسول أنه ليس من نبي يموت إلا دفن حيث يُقبض»([16]), وشهد على رضي الله عنه للصديق عن عظيم أجره في المصاحف، فعن عبد خير قال: سمعت عليًا يقول: «أعظم الناس أجرًا في المصاحف: أبو بكر الصديق، هو أول من جمع بين اللوحين»([17]).

([1]) الشيعة وأهل البيت، إحسان إلهي ظهير: ص(69).
([2]) الشيعة وأهل البيت إحسان إلهي ظهير: ص (69).
([3]) تاريخ اليعقوبي (2/ 132، 133) نقلاً عن الشيعة وأهل البيت: ص(70).
([4]) المصدر السابق (2/138)نقلاً عن الشيعة وأهل البيت: ص (70).
([5]) الشيعة وأهل البيت: ص (70).
([6]) ألا وهى أمة لوط عليه السلام.
([7]) المغنى والشرح الكبير (12/220) المختصر من كتاب الموافقة: ص (51).
([8]) تاريخ الطبري (4/64)، الشيعة وأهل البيت: ص(71).
([9]) الطبقات (3/20)، البداية والنهاية (7/331- 333).
([10]) الطبقات (3/20).
([11]) الإرشاد للجوينى: ص (428) نقلاً عن أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية للقفاري (1/85).
([12]) الشيعة وأهل البيت: ص(72).
([13]) الشيعة وأهل البيت: ص (72).
([14]) مسند أحمد رقم 47.
([15]) البقيع: مقبرة أهل المدينة وهي داخل المدينة.
([16]) مسند أحمد (1/8) إسناده ضعيف قاله أحمد شاكر، وقال ابن حجر في الفتح (1/631) إسناده صحيح لكنه موقوف.
([17]) المختصر من كتاب الموافقة: ص (44).

تقديم علي رضي الله عنه لأبى بكر.. لا يفضلني أحد على أبى بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى. من فارق الجماعة شبرًا، فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه

تواترت الأخبار عن على رضي الله عنه في تفضيله وتقديمه لأبى بكر رضي الله عنه، فمن ذلك:
1- عن محمد ابن الحنفية قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله (ص)؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين([1]).
2- عن على رضي الله عنه قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر. ثم قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد أبى بكر: عمر([2]).
3- عن أبى وائل شقيق بن سلمة قال:قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول الله (ص) فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرًا فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم([3]).
4- وقال علي رضي الله عنه: لا يفضلني أحد على أبى بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى([4]).
5- قول علي لأبى سفيان رضي الله عنهما: إنا وجدنا أبا بكر لها أهلاً.
وهناك آثار يستأنس بها في إيضاح العلاقة الطيبة بين على وأبى بكر منها:
(أ) عن عقبة بن الحارث قال: خرجت مع أبى بكر الصديق من صلاة العصر بعد وفاة النبي (ص) بليال وعلى يمشى إلى جنبه، فمر بحسن بن على يلعب مع غلمان، فاحتملهن على رقبته وهو يقول:
بأبى يشبه النبي  ليس شبيهًا بعلي
قال: وعلي يضحك([5]).
(ب) وعن على رضي الله عنه قال: «من فارق الجماعة شبرًا، فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه([6])» فهل كان على يفعل ذلك؟ كان رضي الله عنه يكره الاختلاف ويحرص على الجماعة. قال القرطبي: من تأمل ما دار بين أبى بكر وعلى من المعاتبة ومن الاعتذار، وما تضمن ذلك من الاتفاق عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانًا، لكن الديانة ترد بذلك - والله الموفق-([7]).
وأما ما قيل من تخلف الزبير بن العوام عن البيعة لأبى بكر، فإنه لم يرد من طريق صحيح، بل ورد ما ينفي هذا القول، ويثبت مبايعته في أول الأمر، وذلك في أثر أبى سعيد الصحيح وغيره من الآثار([8]).
(ج) قال ابن تيمية: وقد تواترت عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه أنه قال: «خير الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر»، وقد روى هذا عنه من طرق كثيرة قيل إنها تبلغ ثمانين طريقًا، وعنه أنه يقول: «لا أوتى بأحد يفضلني على أبى بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى»([9]). وقال أيضًا: ولم يقل قط أني أحق بهذا - أي الخلافة - من أبى بكر ولا قاله أحد من بعينه أن فلانًا أحق بهذا الأمر من أبى بكر، وإنما قال من فيه أثر لجاهلية عربية أو فارسية إن بيت الرسول أحق بالولاية لأن العرب في جاهليتها كانت تقدم أهل الرؤساء، وكذلك الفرس يقدمون أهل بيت الملك، فنقل عمن نقل عنه كلام يشير به إلى هذا([10]).
(د) تسمية أبى بكر بالصديق وشهادة على له بالسبَّاق والشجاعة:عن يحيى بن حكيم ابن سعد قال: سمعت عليًا رضي الله عنه يحلف: لله أنزل اسم أبى بكر من السماء، الصديق([11]), وعن صلة بن زفر العبسى قال: كان أبو بكر إذا ذكر عند على قال: السبَّاق تذكرون والذي نفسي بيده ما استبقنا إلى خير قط إلا سبقنا إليه أبو بكر([12]), وعن محمد بن عقيل بن أبى طالب قال: خطبنا على فقال: أيها الناس من أشجع الناس؟ قلنا: أنت يا أمير المؤمنين. قال ذاك أبو بكر الصديق إنه لما كان في يوم بدر وضعنا لرسول الله العريش([13]) فقلنا: من يقم عنده لا يدنو إليه أحد من المشركين؟ فما قام عليه إلا أبو بكر، وإنه كان شاهرًا السيف على رأسه كلما دنا إليه أحد هوى إليه أبو بكر بالسيف، ولقد رأيت رسول الله وأخذته قريش عند الكعبة فجعلوا يتعتعونه ويترترونه([14]) ويقول: أنت الذي جعلت الآلهة إلهًا واحدًا، فوالله ما دنا إليه إلا أبو بكر ولأبي بكر يومئذ ضفيرتان([15]), فأقبل يجأ([16]) هذا، ويدفع هذا، ويقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم.. وقطعت إحدى ضفيرتي أبى بكر، فقال على لأصحابه: ناشدتكم الله أي الرجلين خير، مؤمن آل فرعون أم أبو بكر؟ فأمسك القوم، فقال على: والله ليوم من أبى بكر خير من مؤمن آل فرعون، ذلك رجل كتم إيمانه فأثنى الله عليه، وهذا أبو بكر بذل نفسه ودمه لله([17]).

([1]) البخاري.
([2]) مسند أحمد (1/106، 110، 127) صحح أحمد شاكر معظم طرق الأحاديث.
([3]) المستدرك (3/79) صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
([4]) فضائل الصحابة (1/83) في سنده ضعف.
([5]) مسند أحمد (1/170) إسناده صحيح تحقيق أحمد شاكر.
([6]) مصنف ابن أبى شيبة (15/24) من مرسل أبى طاق الأزدي وهو صدوق ورجال الإسناد ثقات، خلافة أبي بكر الصديق: ص(80).
([7]) فتح البارى (7/495).
([8]) خلافة أبى بكر الصديق، عبد العزيز سليمان: ص (81).
([9]) منهاج السنة (3/162).
([10]) منهاج السنة (3/26)، مرويات أبى مخنف: ص(309).
([11]) المعجم الكبير للطبراني (1/95) رجاله ثقات قاله الحافظ في الفتح.
([12]) الطبراني في الأوسط (7/207، 208) إسناده ضعيف.
([13]) العريش: ما يستظل به وجمعه عروش وعُرش.
([14]) يترترونه: الترترة: تحريك الشيء.
([15]) ضفيرتان: عقيصتان.
([16]) يجأ: الوجأ: اللكز.
([17]) المستدرك (3/67) صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاء ووافقه الذهبي.

مساندة علي رضي الله عنه لأبى بكر في حروب الردة.. إخلاصه لأبى بكر ونصحه للإسلام والمسلمين وحرصه على الاحتفاظ ببقاء الخلافة واجتماع شمل المسلمين

كان علي رضي الله عنه لأبى بكر رضي الله عنه عيبة([1]) نصح له، مرجحًا لما فيه مصلحة للإسلام والمسلمين على أي شيء آخر، ومن الدلائل الساطعة على إخلاصه لأبى بكر ونصحه للإسلام والمسلمين وحرصه على الاحتفاظ ببقاء الخلافة واجتماع شمل المسلمين ما جاء من موقفه من توجه أبى بكر رضي الله عنه بنفسه إلى ذي القصة، وعزمه على محاربة المرتدين، وقيادته للتحركات العسكرية ضدهم بنفسه، وما كان في ذلك من مخاطرة وخطر على الوجود الإسلامي([2]), فعن ابن عمر، رضي الله عنه يقول: «أقول لك ما قال رسول الله (ص) يوم أحد: لم سيفك ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدًا»، فرجع([3]) فلو كان على رضي الله عنه - أعاذه الله من ذلك - لم ينشرح صدره لأبى بكر وقد بايعه على رغمًا من نفسه، فقد كانت هذه فرصة ذهبية ينتهزها على، فيترك أبا بكر وشأنه، لعله يحدث به حدث فيستريح منه ويصفو الجو له، وإذا كان فوق ذلك - حشاه الله - من كراهته له، وحرصه على التخلص منه، أغرى به أحدًا يغتاله، كما يفعل الرجال السياسيون بمنافسيهم وأعدائهم([4]), وقد كان رأي علي رضي الله عنه مقاتلة المرتدين، وقال لأبى بكر لما قال لعلي: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أقول: إنك إن تركت شيئًا مما كان أخذه منهم رسول الله فأنت على خلاف سنة الرسول، فقال: أما لئن قلت ذاك لأقاتلنهم وإن منعوني عقالاً([5]).

([1]) العيبة: وعاء من خوص ونحوه ينقل فيه الزرع المحصود إلى الجرين، ووعاء من أدم ونحوه يكون فيه المتاع.
([2]) المرتضى للندوي: ص (97).
([3]) البداية والنهاية (6/314، 315).
([4]) المرتضى للندوى: ص(97).
([5]) المختصر من كتب الموافقة بين أهل البيت والصحابة للزمخشرى: ص (48)، الرياض النضرة: ص (670).

مبايعة علي لأبى بكر بالخلافة رضي الله عنهما.. لم يفارق الصديق ولم ينقطع عنه وكان يشاركه في المشورة وفي تدبير أمور المسلمين

وردت أخبار كثيرة في شأن تأخر علي عن مبايعة الصديق، وكذا تأخر الزبير بن العوام، وجُلّ هذه الأخبار ليست بصحيحة، وقد جاءت روايات صحيحة السند تفيد بأن عليًا والزبير - رضي الله عنهما- بايعا الصديق في أول الأمر، فعن أبى سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: لما توفى رسول الله (ص) قام خطباء الأنصار.. فذكر بيعة السقيفة([1]), ثم  قال: ثم انطلقوا فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليًا، فسأل عنه، فقام أناس من الأنصار، فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله (ص) وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين، فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله (ص)، فبايعه، ثم لم ير الزبير بن العوام، فسأل عنه حتى جاءوا به، فقال: ابن عمّة رسول الله (ص) وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين، فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعاه([2]). ومما يدل على أهمية حديث أبى سعيد الخدري الصحيح أن الإمام مسلم بن الحجاج صاحب الجامع الصحيح- الذي هو أصح الكتب الحديثية بعد صحيح البخاري - ذهب إلى شيخة الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة - صاحب صحيح ابن خزيمة- فسأله عن هذا الحديث، فكتب له ابن خزيمة الحديث، وقرأه عليه، فقال مسلم لشيخه ابن خزيمة: هذا الحديث يساوى بدنة، فقال ابن خزيمة: هذا الحديث لا يساوى بدنة([3]) فقط، إنه يساوى بدرة مال([4]), وعلق على هذا الحديث ابن كثير - رحمه الله - فقال: هذا إسناد صحيح محفوظ، وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة على بن أبى طالب، إما في أول يوم، أو في الثاني من الوفاة، وهذان حق، فإن على بن أبى طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلفه([5]), وفي رواية حبيب بن أبى ثابت، حيث قال: كان على بن أبى طالب في بيته، فأتاه رجل، فقال له: قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج علىّ إلى المسجد في قميص له، ما عليه إزار ولا رداء، وهو متعجَّل، كراهة أن يبطئ عن البيعة، فبايع أبا بكر، ثم جلس، وبعث إلى ردائه فجاءوه به، فلبسه فوق قميصه([6]). وقد سأل عمرو بن حريث سيعد بن زيد، رضي الله عنه، فقال له: متى بويع أبو بكر؟ قال سعيد: يوم مات رسول الله (ص)، كره المسلمون أن يبقوا بعض يوم، وليسوا في جماعة.
قال: هل خالف أحد أبا بكر؟ قال سعيد: لا. لم يخالف إلا مرتد، أو كاد أن يرتد، وقد أنقذ الله الأنصار، فجمعهم عليه وبايعوه. قال: هل قعد أحد من  المهاجرين عن بيتعه؟ قال سعيد: لا لقد تتابع المهاجرون على بيعته([7]), وكان مما قال على - رضي الله عنه - لابن الكواء وقيس بن عباد حينما قدم البصرة وسألاه عن مسيره قال: «لو كان عندي من النبي (ص) عند في ذلك ما تركت أخا بنى تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما ولو لم أجد إلا بردى هذا، ولكن رسول الله (ص) لم يقتل قتلاً ولم يمت فجأة، مكث في مرضه أيامًا وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلى بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبى بكر فأبى وغضب وقال: «أنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس» فلما قبض الله نبيه ونظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله, وكانت الصلاة أصل الإسلام, وهي أعظم الأمور وقوام الدين، فبايعنا أبو بكر، وكان لذلك أهلاً، ولم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبى بكر حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطى([8]).
وكان مما قال في خطبته على منبر الكوفة في ثنائه على أبى بكر وعمر: «فأعطي المسلمون البيعة طائعين، فكان أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أنا»([9]), وجاءت روايات أشارت إلى مبايعة على لأبى بكر- رضي الله عنهما - في أول الأمر وإن لم تصرح بذلك، فعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: إن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ثم قام أبو بكر فخطب الناس، واعتذر إليهم وقال: «والله ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة قط، ولا كنت فيها راغبًا، ولا سألتها الله عز وجل في سر ولا علانية، ولكنى أشفقت من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة، ولكن قلدت أمرًا عظيمًا ما لي به من طاقة ولابد إلا بتقوية الله عز وجل، ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم»، فقل المهاجرون منه ما قال، وما اعتذر به. قال على رضي الله عنه والزبير: «ما غضبنا إلا لأنا قد أخرنا عن المشاورة، وأنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله (ص)، إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعلم بشرفه، وكبره، ولقد أمره رسول الله (ص) بالصلاة بالناس وهو حي»([10]). وعن قيس العبدي قال: «شهدت خطبة على يوم البصرة قال: فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي (ص) وما عالج من الناس، ثم قبضه الله عز وجل إليه، ثم رأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر- رضي الله  عنه - فبايعوا وعاهدوا وسلموا، وبايعت وعاهدت وسلمت، ورضوا ورضيت، وفعل من الخير وجاهد حتى قبضه الله عز وجل، رحمة الله عليه»([11]).
إن عليًا رضي الله عنه لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات ولم ينقطع عنه في جماعة من الجماعات، وكان يشاركه في المشورة، وفي تدبير أمور المسلمين. ويرى ابن كثير ومجموعة من أهل العلم أن عليًا جدد بيعته بعد ستة أشهر من البيعة الأولى أي بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، وجاءت في هذه البيعة روايات صحيحة([12]). ولكن لما وقعت البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليًا لم يبايع قبلها، فنفى ذلك والمثبت مقدم على النافي([13]).
وهناك كتاب اسمه «الإمام علي جدل الحقيقة والمسلمين الوصية والشورى» لمحمود محمد العلى زعم صاحبه بأنه يبحث وينشد الحقيقة، ولكن صاحبه لم يتخلص من المنهج الشيعي الرافضي في الطرح ووضع السمّ في العسل، ولذلك وجب التنبيه، وقد تعرض لبيعة على رضي الله عنه، وزعم بأن أحقية على رضي الله عنه بالخلافة قائمة على الوصية.

([1]) مجمع الزوائد (5/183) رجاله رجال الصحبيح (البداية والنهاية 5/281)، قال بن كثير: هذا إسناد صحيح محفوظ.
([2]) المستدرك (3/76)، السنن الكبرى (8/143) بإسنادين صحيحين.
([3]) البدنة: ناقة أو بقرة تنحر بمكة ولعظمها وضخامتها سميت بدنة.
([4]) البدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف دينار، والمعنى: أنه كنز ثمين.
([5]) البداية والنهاية (5/239).
([6]) الطبري (3/207) والأثر مرسل وفي الإسناد سيف بن عمر متروك، وعبد العزيز بن سياه صدوق يتشيع، التقريب (357).
([7]) تاريخ الطبري (3/207) إسناد الخبر ضعيف، أنظر خلافة أبى بكر الصديق، عبد العزيز سليمان: ص(66).
([8]) تاريخ الإسلام، عهد الخلافة الراشدة: ص (389) إسناده ضعيف خلافة أبي بكر الصديق، عبد العزيز سليمان: ص (65).
([9]) أسد الغابة (4/166، 167) خلافة أبي بكر: ص(66).
([10]) البداية والنهاية (6/341) إسناده جيد، خلافة أبي بكر: ص (67).
([11]) السنة، عبد الله بن أحمد (2/563) رجال الإسناد ثقات.
([12]) البداية والنهاية (5/49).
([13]) البداية والنهاية (5/49).

قصة الكتاب الذي همّ النبي (ص) بكتابته في مرض موته.. إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (ص) وبين أن يكتب الكتاب لاختلافهم ولغطهم

ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: لما حُضر رسول الله (ص) وفي البيت رجال فقال النبي (ص):«هلموا أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»، فقال بعضهم: إن رسول الله (ص) قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله (ص): قوموا. قال عبد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (ص) وبين أن يكتب الكتاب لاختلافهم ولغطهم([1]), وفي رواية أخرى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد برسول الله (ص) وجعه، فقال: ائتوني أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده أبدًا، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي نزاع، فقالوا: ما شأنه؟ أهجر، استفهموه، فذهبوا يرددون عليه فقال: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه، وأوصاهم بثلاث، قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالث، أو قال: فنسيها([2]), وليس فيما ثبت في هذا الحديث ورواياته الصحيحة أي مطعن على أصحاب رسول الله، وأما ما ذكره الروافض من مطاعن فباطلة معلومة الفساد، وقد أجاب العلماء قديمًا عن بعضها ومن هذه الردود:
1- اختلاف الصحابة ثابت، وكان سببه اختلافهم في فهم قول الرسول (ص) ومراده لا عصيانه، قال القرطبي صاحب المفهم: وسبب ذلك كله إنما حمل عليه الاجتهاد المسوغ، والقصد الصالح، وكل مجتهد مصيب، أو أحدهما مصيب، والآخر غير مأثوم بل مأجور كما قررناه في الأصول([3])، ثم ذكر أن النبي (ص) لم يعنفهم ولا ذمهم بل قال للجميع: دعوني فالذي أنا فيه خير ([4])، وهو نحو ما جرى لهم يوم الأحزاب حيث قال لهم الرسول (ص): «لا يصلين أحد العصر إلا في بنى قريظة»([5]), فتخوف ناس فوات الوقت،؟ فصلوا دون بنى قريظة، وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله فما عنف أحد الفريقين([6]).
2- وأما ما ادعاه الروافض من أن اختلاف الصحابة وما ترتب عليه من عدم كتابة النبي (ص) لهم ذلك الكتاب هو الذي حرم الأمة من العصمة، فهذا باطل لأنه يعني أن الرسول (ص) قد ترك تبليغ ما فيه عصمتها من الضلال، ولم يبلغ شرع ربه لمجرد اختلاف أصحابه عنده حتى مات على ذلك، وأنه بهذا مخالف لأمر ربه في قوله: +يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" [المائدة:67]. وإذا كان الرسول (ص) مبرأ من ذلك ومنزهًا بتزكية ربه له في قوله: + لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنَفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتِّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" [التوبة:128]، فوصفه بالحرص على أمته، أي على هدايتهم، ووصول النفع الدنيوى والأخروى لهم، ذكره ابن كثير في تفسيره([7])، وإذا كان هذا الأمر معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام عند الخاص والعام، لا يشك فيه من في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان، وأن هذا الرسول الكريم قد بلغ كل ما أمر به، وكان أحرص ما يكون على أمته، بما هو متواتر من جهاده وتضحيته، وأخباره الدالة على ذلك، علمنا علمًا يقينًا لا يشوبه أدنى شك، أنه لو كان الأمر كما يذكر الروافض من الوصف لهذا الكتاب من أن به عصمة الأمة من الضلال في دينها، ورفع الفرقة، والاختلاف فيما بينها إلى أن تقوم الساعة، لما ساغ في دين ولا عقل أن يؤخر رسول الله كتابه إلى ذلك الوقت الضيق، ولو أخره ما كان ليتركه لمجرد اختلاف أصحابه([8]), ولا يتصور أن النبي × يترك أمر ربه، ولو قدر أنه تركه في ذلك الوقت لتنازعهم عنده لمصلحة رآها، فما الذي يمنعه من أن يكتبه بعد ذلك، وقد ثبت أنه عاش بعد ذلك عدة أيام، فقد كانت وفاته - عليه الصلاة والسلام - يوم الاثنين على ما جاء مصرحًا به في رواية أنس في الصحيحين([9]), وحادثة الكتاب يوم الخميس بالاتفاق([10]), وقد ثبت باتفاق السنة والرافضة، أن رسول الله لم يكتب ذلك الكتاب حتى مات، علمنا أنه ليس من الدين الذي أمر بتبليغه لما دل عليه القرآن من أن الله قد أكمل له ولأمته الدين، فأنزل عليه قبل ذلك في حجة الوداع: +الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا" [المائدة:3]، قال ابن تيمية: ولم تكن كتابة الكتاب مما أوجبه الله عليه أن يكتبه أو يبلغه في ذلك الوقت، إذ لو كان كذلك لما ترك × ما أمره الله به، لكن ذلك مما رأه مصلحة لدفع النزاع في خلافة أبى بكر، ورأى أن الخلاف لابد أن يقع([11]), وقال في موضع آخر: وأما قصة الكتاب الذي كان رسول الله (ص) يريد أن يكتبه، فقد جاء مبينًا كما في الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنه- قالت: قال رسول الله (ص) في مرضه: «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر»([12]), إلى أن قال بعد ذكر روايات الحديث: والنبي (ص) قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة، فلما رأى أن الشك قد وقع، علم أن الكتاب لا يرفع الشك، فلم يبق فيه فائدة، وعلم أن الله يجمعهم على ما عزم عليه كما قال: ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر([13]).وأما قوله في الحديث: «لن تضلوا بعدي» فيقول الدهلوى في توجيهه: فإن قيل: لو لم يكن ما يكتب أمرًا دينيًا فلم قال: لن تضلوا بعدي؟قلنا: للضلال معان، والمراد به هنا عدم الخطأ في تدبير الملك، وهو إخراج المشركين من جزيرة العرب، وإجازة الوفد بنحو ما كان يجيزه، وتجهيز أسامة، لا الضلالة والغواية عن الدين وهو ما فعله أبو بكر والصحابة من بعده([14]).
3- وأما معنى قول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (ص) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب([15]), فكما قال ابن تيمية في معناه: يقتضي أن الحائل كان رزية، وهو رزية في حق من شك في خلافة الصديق، واشتبه عليه الأمر، فإنه لو كان هناك كتاب لزال الشك، فأما من علم أن خلافته حق فلا رزية في حقه ولله الحمد([16]).
ويوضح ذلك أن ابن عباس - رضي الله عنه - ما قال ذلك إلا بعد ظهور أهل الأهواء والبدع، من الخوارج والروافض، نص على هذا ابن تيمية([17]), وابن حجر([18]).
4- وأما ادعاؤهم أن النبي (ص) أراد بذلك الكتاب أن ينص على خلافة على - رضي الله عنه - وزعم بعض الروافض أنه ليس هناك تفسير معقول غيره، فهذا الادعاء باطل.
قال ابن تيمية: ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة على فهو ضال باتفاق عامة الناس، من علماء السنة والشيعة، أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبى بكر وتقديمه، وأما القائلون بأن عليًا كان مستحقًا للإمامة فيقولون: إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصًا جليًا ظاهرًا معروفًا، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى الكتاب([19]).
5- وأما طعن الروافض على عمر - رضي الله عنه - وزعمهم بأنه قد اتهم رسول الله × بأنه لا يعى ما يقول: وقال: «إنه يهجر» ولم يمتثل قوله، قال: «عندكم كتاب الله»، «حسبنا كتاب الله» فجوابه: أن ما ادعاه أولاً بأن عمر اتهم رسول الله بالهجر وأنه لا يعى ما يقول فهذا باطل، وذلك أن هذه اللفظة (أهجر) لا تثبت عن عمر - رضي الله عنه - أصلاً، وإنما قالها بعض من حضر الحادثة من غير أن تعين الروايات الواردة في الصحيحين قائلها، وإنما الثابت فيها«فقالوا: ما شأنه أهجر»([20]), هكذا بصيغة الجمع دون الإفراد، ولهذا أنكر بعض العلماء أن تكون هذه اللفظة من كلام عمر، قال ابن حجر: ويظهر لي ترجيح ثالث الاحتمالات، التي ذكرها القرطبي، ويكون قائل ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام، وكان يعهد أن من اشتد عليه الوجع، قد يشتغل به عن تحرير ما يريد([21]), وقال الدهلوى: من أين يثبت قائل هذا القول هو عمر مع أنه وقع في أكثر الروايات (قالوا) بصيغة الجمع([22]).
إن الثابت الصحيح من هذه اللفظة أنها وردت بصيغة الإستفهام هكذا(أهجر؟) وهذا بخلاف ما جاء في بعض الروايات بلفظ (هجر، ويهجر) فإنه مرجوح على ما حقق ذلك المحدثون وشراح الحديث، منهم القاضي عياض([23]), والقرطبي([24]), والنووي([25]), وابن حجر([26]), فقد نصوا أن الاستفهام جاء في سبيل الإنكار على من قال: لا تكتبوا([27]), قال القرطبي بعد أن ذكر الأدلة على عصمة النبي (ص) من الخطأ في التبليغ في كل أحواله، وتقرر ذلك عند الصحابة، وعلى هذا يستحيل أن يكون قولهم (أهجر)، لشك عرض لهم في صحة قوله، زمن مرضه، وإنما كان ذلك من بعضهم على وجه الإنكار على من توقف في إحضار الكتف والدواة، وتلكأ عنه، فكأنه يقول لمن توقف: كيف تتوقف؟ أتظن أنه قال هذيانًا؟ فدع التوقف وقرب الكتف، فإنه يقول الحق لا الهجر، وهذا أحسن ما يحمل عليه([28]), وهذا يدل على اتفاق الصحابة على استحالة الهجر على رسول الله (ص)، حيث إن قائليها أوردوها على سبيل الإنكار الملزم، الذي لا يشك في المخالف، وبه تبطل دعوى الروافض من أصلها([29]).
6- أما ادعاؤهم من معارضة عمر لرسول الله × بقوله: عندكم كتاب الله، حسبنا كتاب الله، وأنه لم يمتثل أمر رسول الله × فيما أراد من كتابة الكتاب، فالرد على هذه الشبهة الواهية، أن عمر - رضي الله عنه - ومن كان على رأيه من الصحابة، ظهر لهم أن أمر الرسول بكتابة الكتاب ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح، وقد نبه على هذا القاضي عياض([30]), والقرطبي([31]), والنووي([32]) وابن حجر([33]), ثم إنه قد ثبت بعد هذا صحة اجتهاد عمر - رضي الله عنه - وذلك بترك الرسول (ص) كتابة الكتب، ولو كان واجبًا لم يتركه لاختلافهم، لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف، ولهذا عد هذا من موافقات عمر([34]), كما أن قول عمر - رضي الله عنه: حسبنا كتاب الله، رد على من نازعه لا على أمر النبي (ص)، وهذا ظاهر من قوله: عندكم كتاب الله، فإن المخاطب جمع، وهم المخالفون لعمر - رضي الله عنه - في رأيه، كما أن عمر - رضي الله عنه - كان بعيد النظر، ثاقب البصيرة، سديد الرأي، وقد رأى أن الأولى ترك كتابة الكتاب، بعد أن تقرر عنده أن الأمر به ليس على الوجوب، وذلك لمصلحة شرعية راجحة للعلماء في توجيهها، أقول: منها شفقته على رسول الله مما يلحقه من كتابة الكتاب مع شدة المرض، ويشهد لهذا قوله: إن رسول الله قد غلبه الوجع، فكره أن يتكلف رسول الله ما يشق ويثقل عليه([35]), مع استحضار قوله تعالى: +مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ" [الأنعام:38]. وقوله تعالى: + تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ" [النحل:89].
قال النووي: وأما كلام عمر- رضي الله عنه - فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث، على أنه من دلائل فقه عمر، وفضائله ودقيق نظره([36]).
كما أن عمر - رضي الله عنه - كان مجتهدًا في موقفه من كتابة الكتاب، والمجتهد في الدين معذور على كل، بل مأجور لقول النبي (ص): «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»([37]), فكيف وقد كان اجتهاد عمر بحضور رسول الله (ص) فلم يؤثمه ولم يذمه به، بل وافقه على ما أراد من ترك الكتاب، وبهذا يظهر بطلان طعن الروافض على الصحابة في هذه الحادثة، وينكشف زيف ما قالوه في حقهم([38]).

([1]) البخاري رقم 4432.
([2]) البخاري رقم 4431.
([3]) المفهم لما أشكل، تلخيص كتاب مسلم (4/559).
([4]) البخاري رقم 4431.
([5]) البخاري رقم 4119.
([6]) المفهم (4/559).
([7]) تفسير ابن كثير (2/404).
([8]) مختصر التحفة الاثنى عشرية: ص (251)، الانتصار للصحب والآل ص (228- 229).
([9]) البخاري رقم (4448)، ومسلم رقم (419).
([10]) الانتصار للصحب والآل: ص (229).
([11]) منهاج السنة (6/316).
([12]) مسلم رقم (2387).
([13]) منهاج السنة (6/23، 25).
([14]) مختصر التحفة الاثنى عشرية: ص (251).
([15]) البخاري رقم (4432).
([16]) منهاج السنة (6/25).
([17]) المصدر السابق (6/316).
([18]) فتح الباري (1/209).
([19]) منهاج السنة (6/25)، الانتصار للصحب والآل: ص (281، 282، 283).
([20]) البخاري رقم (4431).
([21]) فتح الباري (8/133).
([22]) مختصر التحفة الاثنى عشرية: ص (250).
([23]) الشفا (2/886).
([24]) المفهم (4/559).
([25]) شرح صحيح مسلم (11/93).
([26]) فتح الباري (8/133).
([27]) الانتصار للصحب والآل: ص (228).
([28]) المفهم (4/559).
([29]) الانتصار للصحب ولآل: ص (28)،وهذا المرجع من أحسن ما أطلعت عليه في الرد على هذه الشبهة.
([30]) الشفا (2/887).
([31]) المفهم (2/559).
([32]) شرح النووي (11/91).
([33]) فتح الباري (1/209).
([34]) فتح الباري (1/209).
([35]) الشفا (2/888).
([36]) شرح النووي على صحيح مسلم (11/90)، الانتصار للصحب والآل: ص (289، 290، 291، 292).
([37]) البخاري رقم (7352).
([38]) الانتصار للصحب والآل: ص (294، 295).

تشرف علي بن أبي طالب (ض) بغسل النبي (ص) ودفنه.. شاركه الفضل بن العباس وأسامة بن زيد وقثم بن عباس وشقران مولى رسول الله

لما توفي النبي (ص) كان على ممن باشر غسله مع الفضل بن العباس وأسامة بن زيد([1]). وقال على رضي الله عنه: غسلت رسول الله (ص)، فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئًا وكان طيبًا حيًا وميتًا([2]), وقال: بأبي الطيب، طبت حيًا وطبت ميتًا([3]), وكان على رضي الله عنه من ضمن من نزل في قبر رسول الله (ص) وباشروا دفنه هو والفضل بن عباس، وقثم بن عباس، وشقران مولى رسول الله (ص)([4]), لقد كان نبأ وقاة رسول الله (ص) على الصحابة الكرام كالصاعقه لشدة حبهم له وما تعودّوه من العيش في كنفه، عيش الأبناء في حجر الآباء بل أكثر من ذلك، وكان حظ أهل البيت والأسرة الهاشمية - وعلى رأسها فاطمة بنت رسول الله (ص) وعلى بن أبى طالب * أوفر وأكثر بطبيعة الحال، وبحكم الفطرة السليمة والقرابة القريبة، وما يمتازون به من رقة الشعور، وقوة العاطفة، وشدة الحب ولكن احتملوه بقوة إيمانهم والرضا بقضاء الله والاستسلام لأمره([5]).

([1]) أبو داود (3/213) عن الشعبي مرسلاً رقم 3209صححه الألباني في أحكام الجنائز: ص(51).
([2]) سنن ابن ماجة (1/362) رقم 1467 صححه الألباني في أحكام الجنائز: ص (50).
([3]) السيرة النبوية لابن هشام (4/321).
([4]) المصدر نفسه (4/321).
([5]) المرتضى للندوي: ص (59).