حديث منع الإرث لورثة الرسول (ص).. الميراث يقتضي الأموال وما في معناه، وليس لأحد أن يقول إن المراد بالآية العلم دون المال



زعم الشيعة أن منع الإرث والاستدلال بحديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» مخالف لقوله تعالى: +وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ" [النمل:16]، ومخالف لما حكاه الله عن نبيه زكريا عليه السلام: +وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا` يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا" [مريم: 5، 6].
حيث قالوا: إن الميراث يقتضي الأموال وما في معناه، وليس لأحد أن يقول إن المراد بالآية العلم دون المال([1]).
ويجاب على ذلك بما يلي: إن الإرث اسم جنس يدخل تحته أنواع، فيستعمل في إرث العلم والنبوة والملك وغير ذلك من أنواع الانتقال. قال تعالى: +ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا" [فاطر:32]، وقال تعالى: + أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ` الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [المؤمنون:10، 11] وغير ذلك من الآيات الواردة في هذا الشان، وإذا كان كذلك فقوله تعالى: + وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ" وقوله: +يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ" إنما يدل على جنس الإرث، ولا يدل على إرث المال، وذلك أن داود عليه السلام كان له أولاد كثيرون غير سليمان فلا يختص سليمان بماله فدل على أن المراد بهذا الإرث إرث العلم والنبوة ونحو ذلك، لا إرث المال، والآية سيقت في بيان مدح سليمان وما خصه الله به من النعمة، وحصر الإرث في المال لا مدح فيه، إذ إن إرث المال من الأمور العادية المشتركة بين الناس، وكذلك قوله تعالى: +يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ" ليس المراد به إرث المال لأنه لا يرث آل يعقوب شيئًا من أموالهم، وإنما يرث ذلك منهم أولادهم وسائر ورثتهم لو ورثوا([2]).
كما أن قوله: +وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي" [مريم:5] لا يدل على أن الإرث إرث مال، لأن زكريا لم يخف أن يأخذوا ماله من بعده إذا مات، فإن هذا ليس بمخوف، وزكريا عليه السلام لم يعرف له مال، بل كان تجارًا يأكل من كسب يده كما في صحيح مسلم([3])، ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل الله ولدًا يرث عنه ماله، قدل على أن المراد بالوراثة في هاتين الآيتين وراثة النبوة، والقيام مقامه([4]).
يقول القرطبي في تفسيره للآية: وعليه فلم يسل من يرث ماله، لأن الأنبياء لا تورث، وهذ هو الصحيح من القولين في تأويل الآية، وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال لما ثبت عن النبي (ص) أنه قال: «إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة»([5]), وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند لقوله تعالى: +وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ" وعبارة عن قول زكريا +فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا ` يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا" وتخصيص للعموم في ذلك، وإن سليمان لم يرث من داود مالاً خلفه داود بعده. وإنما ورث منه الحكمة والعلم، وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب، وهكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض([6]).
ومما تجدر الإشارة إليه أن الرافضة خالفوا ما استدلوا به على وجوب الميراث، وذلك أنهم حصروا ميراثه (ص) في فاطمة - رضي الله عنه - فزعموا أنه لم يرث النبي (ص) إلا هي، فأخرجوا أزواجه وعصبته مخالفين عموم الآيات التي استدلوا بها، فقد روى الصدوق بسنده عن أبى جعفر الباقر قوله: لا والله ما ورث رسول الله (ص) العباس ولا على، ولا ورثته إلا فاطمة عليها السلام، وما كان آخذ على عليه السلام السلاح وغيره إلا إنه قضى عنه دينه([7]). وروى الكليني والصدوق والطوسى بأسانيدهم إلى الباقر أيضًا قوله: وورث على عليه السلام من رسول الله (ص) علمه، وورثت فاطمة عليها السلام تركته([8]), بل وأخرجوا فاطمة من ذلك، حيث زعموا أن النساء لا يرثن العقار، فقد بوب الكليني في كتابه الكافي بابًا بعنوان: إن النساء لا يرثن من العقار شيئًا، وساق تحته روايات منها: عن أبي جعفر الصادق إنه قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئًا([9]).
روى الصدوق بسنده إلى ميسر قال: سألته - يقصد الصادق - عن النساء ما لهن في الميراث، فقال: أما الأرض والعقارات فلا ميراث فيه([10]), وبهذا يتبين عدم استحقاق فاطمة - رضي الله عنها - شيئًا من الميراث، بدون الاستدلال بحديث: نحن معاشر الأنبياء لا نورث([11]), فما دامت المرأة لا ترث العقار والأرض، فكيف كان لفاطمة أن تسأل فدك - على حسب قولهم- وهي عقار لا ريب فيه([12]), وهذا دليل كذبهم وتناقضهم فضلاً عن جهلهم([13]).
وأما ما زعموه من كون الصديق - رضي الله عنه - سأل فاطمة أن تحضر شهودًا، فأحضرت عليًا وأم أيمن فلم يقبل شهادتهما، فهو من الكذب البين الواضح، قال حماد بن إسحاق: فأما ما يحكيه قوم أن فاطمة عليها السلام طلبت فدك، وذكرت أن رسول الله (ص) أقطعها إياها، وشهد لها على عليه السلام فلم يقبل أبو بكر شهادته لأنه زوجها، فهذا أمر لا أصل له ولا تثبت به رواية أنها ادعت ذلك، وإنما هو أمر مفتعل لا ثبت فيه([14]).

([1]) منهاج الكرامة: ص(109) نقلاً عن العقيدة في أهل البيت وغيرها من الكتب كالطرائف لابن «آووس» (347).
([2]) منهاج السنة (4/222- 224).
([3]) مسلم رقم 2379.
([4]) منهاج السنة (4/225)، البداية والنهاية (5/253)، العقيدة في أهل البيت: ص (448).
([5]) مسلم رقم 1758.
([6]) تفسير القرطبي (11/35- 45).
([7]) من لا يحضره الفقيه (4/190، 191)، العقيدة في أهل البيت: ص (451).
([8]) الكافي للكليني (7/137)، العقيدة في أهل البيت: ص(451).
([9]) الكافي للكليني (7/137)، العقيدةن في أهل البيت: ص(451).
([10]) الشيعة وأهل البيت: ص(89).
([11]) مسلم 1768.
([12]) الشيعة وأهل البيت: ص (98).
([13]) العقيدة في أهل البيت: ص(452).
([14]) منهاج السنة (4/236- 238).


المواضيع الأكثر قراءة