شرح وإعراب: تغيّرت البلاد ومن عليها + فوجه الأرض مغبرّ قبيح - تغيّر كلّ ذي طعم ولون + وقلّ بشاشة الوجه المليح

تغيّرت البلاد ومن عليها + فوجه الأرض مغبرّ قبيح
تغيّر كلّ ذي طعم ولون + وقلّ بشاشة الوجه المليح

هذان البيتان منسوبان إلى أبينا آدم عليه السّلام.
وقد يكون قالهما، ولكن ليس بلفظهما، وإنما قال معناهما، أو أن الشاعر ترجم عن حال آدم عليه السّلام عند ما قتل قابيل أخاه هابيل.

أما واضع لفظ البيتين فهو من المتقدمين، وقد يكون من أهل القرن الثاني الهجري، وفي النصف الثاني على وجه التحديد، عند ما بدأت مسائل النحو في الظهور، وبدأ الصراع بين الآراء.

ولأنّ البيتين ذكرا في قصة بمجلس ابن دريد، المتوفى سنة 325 هـ، وكان أبو بكر ابن دريد يحفظهما، وقد أنشدهما واحد ممن يحضر مجلسه.
فشيوع البيتين في أيام ابن دريد دليل على أنّ واضعهما متقدم.

والشاهد: وقلّ بشاشة بنصب «بشاشة» دون تنوين، حيث حذف التنوين لالتقاء الساكنين، لا للإضافة.
وبشاشة: نكرة منتصبة على التمييز.

والوجه: مرفوع، فاعل «قلّ» والمليح: بالرفع صفة الوجه، ومنهم من يرفع «بشاشة» مضافة إلى الوجه، وتكون فاعل «قلّ» والمليح: مجرور، ويكون في البيت إقواء، والرواية للشاهد، على نصب «بشاشة».
[الإنصاف/ 662، والهمع/ 2/ 156].

شرح وإعراب: الآن بعد لجاجتي تلحونني + هلّا التقدّم والقلوب صحاح - وضيف جاءنا والليل داج + وريح القرّ تحفز منه روحا - فطرت بمنصلي في يعملات + خفاف الأيد يخبطن السّريحا

الآن بعد لجاجتي تلحونني + هلّا التقدّم والقلوب صحاح

البيت مجهول القائل.
يقول: أبعد لجاجتي وغضبي وامتلاء قلوبنا بالحقد تلومونني، وتتقدمون إليّ بطلب الصلح وغفران ما قدمتم من الإساءة
وهلا كان ذلك منكم قبل أن تمتلئ القلوب إحنة، وتحمل الضغينة عليكم بسبب سوء عملكم.

والشاهد: قوله: هلّا التقدّم، حيث ولي أداة التحضيض اسم مرفوع، فيجعل هنا فاعلا لفعل محذوف، لأنّ أدوات التحضيض مخصوصة بالدخول على الأفعال وهذا الفعل ليس في الكلام فعل آخر يدلّ عليه.

ومثل هذا البيت، بيت في حرف «التاء» «إلا رجلا... تبيت»، في بعض تخريجاته.
[العيني/ 4/ 474، وابن عقيل/ 3/ 116].

وضيف جاءنا والليل داج + وريح القرّ تحفز منه روحا
فطرت بمنصلي في يعملات + خفاف الأيد يخبطن السّريحا

البيتان للشاعر مضرّس بن ربعي الأسدي، يفخر بكرمه.
قوله: وضيف:
الواو: واو ربّ.
وجملة جاءنا صفة.
وجملة والليل داج: حال.
وجملة ريح القرّ: معطوفة على جملة الحال.
والقرّ: البرد.
وتحفز: تدفع، كأنّ هذا الضيف لما قاسى من شدة البرد ضعفت روحه، فصارت ريح القرّ، تدفع روحه من جثته لتخرجها منه.

وقوله: فطرت: الجملة معطوفة على جواب ربّ المحذوف، أي: وربّ ضيف جاءنا، تلقيته بالإكرام، والمنصل:

السيف، اليعملات: بفتح أوله وثالثه، جمع يعمله، وهي الناقة القوية على العمل.
وخفاف: جمع خفيفة ويروى (دوامي الأيدي) دميت أيديها من شدة السير ووطئها على الحجارة.

ويخبطن السريحا: أي: يطأن بأخفافهنّ الأرض، وفي الأخفاف السريح وهي خرق تلفّ بها أيدي الإبل إذا دميت وأصابها وجع.

وقوله: بمنصلي: في موضع الحال من (التاء)، أي: أسرعت ومعي سيفي، وأقبلت على اليعملات فعقرت ناقة منها، وأطعمت لحمها لضيفي.
يريد أنه نحر لضيفه راحلة من رواحله وهو مسافر مع احتياجه لهنّ.

والشاهد في البيت الثاني: حذف الياء من (الأيدي) لضرورة الشعر واكتفى بالكسرة الدالة عليها.
ويروى: خفاف الوطء ولا حذف فيه.
[سيبويه/ 1/ 9، و 2/ 291، والإنصاف 545، وشرح المغني 4/ 336].

شرح وإعراب: إذا سايرت أسماء يوما ظعينة + فأسماء من تلك الظعينة أملح - ولو أنّ ليلى الأخيلية سلّمت + عليّ ودوني جندل وصفائح - لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا + إليها صدى من جانب القبر صائح

إذا سايرت أسماء يوما ظعينة + فأسماء من تلك الظعينة أملح

هذا البيت لجرير.
وقوله: سايرت: جارت وباهت.
الظعينة: أصله الهودج تكون فيه المرأة، ثم نقل إلى المرأة في الهودج بعلاقة الحالّية والمحلّية، ثم أطلقوه على المرأة مطلقا، راكبة أو غير راكبة.

والشاهد «من تلك .. أملح» حيث قدم الجار والمجرور، على أفعل التفضيل (أملح) في غير الاستفهام، وذلك شاذ، لأن أفعل التفضيل إذا كان مجردا من (أل والإضافة) جيء بعده ب (من) جارة للمفضّل عليه، نحو «زيد أفضل من عمرو»، ولا يتقدم الجار والمجرور على اسم التفضيل إلا إذا كان المجرور اسم استفهام نحو «ممن أنت خير»؟.
[الأشموني/ 3/ 52، والتصريح/ 2/ 103].

ولو أنّ ليلى الأخيلية سلّمت + عليّ ودوني جندل وصفائح
لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا + إليها صدى من جانب القبر صائح

البيتان لتوبة بن الحميّر، صاحب ليلى الأخيلية.
والجندل: الحجر.
والصفائح: الحجارة العراض التي تكون على القبور.
زقا: صاح.

الصدى: ذكر البوم، أو ما تسمعه في الجبال كترديد لصوتك.
يريد: أن ليلى الأخيلية لو سلّمت عليه بعد موته وهو في القبر، لسلّم عليها أو لناب عنه في تحيتها صدى يصيح من جانب القبر.

والشاهد: وقوع الفعل المستقبل في معناه بعد «لو» وهذا قليل، وهو مستقبل وإن كان معناه ماضيا، لأنه لم يمت بعد.

وقوله: ولو أن ليلى.. أن واسمها وخبرها، والمصدر المؤوّل: إمّا مبتدأ خبره محذوف، أو فاعل لفعل محذوف، تقديره: لو ثبت.
[شرح المغني/ 5/ 39، والهمع/ 2/ 64، والأشموني/ 4/ 38].

شرح وإعراب: وقد كنت تخفي حبّ سمراء حقبة + فبح لان منها بالذي أنت بائح - هلّا سألت النّبيتيّين ما حسبي + عند الشتاء إذا ما هبّت الريح - وردّ جازرهم حزما مصرّمة + في الرأس منها وفي الأصلاء تمليح - إذا اللّقاح غدت ملقى أصرّتها + ولا كريم من الولدان مصبوح

وقد كنت تخفي حبّ سمراء حقبة + فبح لان منها بالذي أنت بائح

البيت لعنترة بن شداد، وقوله: لان: أي: الآن. فحذف همزة الوصل والهمزة التي بعد اللام، ثم فتح اللام لمناسبة الألف. وقيل: هي لغة في (الآن).

والشاهد: قوله: (بالذي أنت بائح) حيث استساغ الشاعر حذف العائد على الاسم الموصول من جملة الصلة، لكونه مجرورا بمثل الحرف الذي جرّ الموصول وهو الباء.

والعامل في الموصول متحد مع العامل في العائد مادة، الأول: «بح»، والثاني: (بائح) ومعنى: لأنهما جميعا من البوح، بمعنى الإظهار والإعلان. [الخصائص/ 3/ 90، والأشموني/ 1/ 93، والعيني/ 1/ 478].

هلّا سألت النّبيتيّين ما حسبي + عند الشتاء إذا ما هبّت الريح
وردّ جازرهم حزما مصرّمة + في الرأس منها وفي الأصلاء تمليح
إذا اللّقاح غدت ملقى أصرّتها + ولا كريم من الولدان مصبوح

هذه الأبيات لرجل من بني النّبيت بن مالك - من اليمن - وكان قد اجتمع هو وحاتم والنابغة الذبياني عند امرأة يقال لها «ماوية» يخطبونها، فآثرت حاتما عليهما.
والرجل يفخر بقومه حين الجدب، حيث يكونون كرماء.
والشاهد في البيت الثالث.

وقوله: اللقاح: النوق الحلوب.
أصرّتها: جمع صرار، وهو خيط يشدّ بها رأس الضرع لئلا يرضعها ولدها، وإنما تلقى الأصرة حين لا يكون فيها درّ في سنيّ القحط، وقوله:

مصبوح: شرب اللبن في الصباح.
إذا: أداة شرط، اللقاح: اسم للفعل «غدت» المحذوف، فعل الشرط يدل عليه المذكور بعده، وخبره محذوف يدل عليه ما بعده والتقدير: إذا غدت اللقاح ملقى أصرّتها.
وغدت الثانية: فعل ناقص واسمها مستتر.
وملقى: خبره وهو اسم مفعول.
وأصرّتها: نائب فاعل لـ(ملقى).

لا: نافية للجنس.
كريم: اسمها مبني على الفتح.
من الولدان: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لكريم. مصبوح: خبر لا.

والشاهد فيه: ذكر خبر لا النافية، لكونه ليس يعلم إذا حذف، وقد يحذف إذا دلّ عليه دليل، كقولهم: لا بأس - ولا ضير.
[شرح المفصل/ 1/ 107، والخزانة/ 4/ 217].

شرح وإعراب: نحن اللذون صبّحوا الصّباحا + يوم النّخيل غارة ملحاحا

نحن اللذون صبّحوا الصّباحا + يوم النّخيل غارة ملحاحا

البيت منسوب إلى عدد من الشعراء، ولم يتفقوا أو يرجحوا واحدا منهم.
وقوله: صبّحوا الصباحا، معناه: جاؤوا بعددهم وعددهم في وقت الصباح مباغتين للعدو.

والنّخيل: بالتصغير اسم مكان، لعله شرق المدينة النبوية على بعد مائة كيل.
والصباحا: تعرب ظرف زمان.

غارة: مفعول لأجله ويجوز أن يكون حالا بتأويل المشتق، أي: مغيرين.
وملحاحا: مأخوذ من قولهم: ألحّ المطر، إذا دام وأراد أنها غارة شديدة تدوم طويلا.

والشاهد «اللذون» حيث جاء به بالواو في حالة الرفع، ولكنه لا يكون معربا بالواو، وإنما يكون مبنيا على هذه الصورة كما يبنى على صورته بالياء والنون، ولم أعرف من الذي سمعه من فصحاء البادية، بهذه الصورة.
[الأشموني/ 1/ 149، وشرح أبيات المغني/ 6/ 253، والخزانة/ 6/ 23].

شرح وإعراب: يا ليت بعلك قد غدا + متقلّدا سيفا ورمحا - أبت لي عفّتي وأبى بلائي + وأخذي الحمد بالثمن الربيح - وإمساكي على المكروه نفسي + وضربي هامة البطل المشيح

يا ليت بعلك قد غدا + متقلّدا سيفا ورمحا

البيت لعبد الله بن الزّبعري، والشاهد: «متقلدا سيفا ورمحا»، فعطف «رمحا» على «سيفا» والرمح لا يتقلد، فلا يقال: تقلّد فلان رمحه، والتخريج في مثل هذا: أن ينصب «رمحا» بفعل مقدر مناسب، أو يتضمن العامل الأول «متقلد» معنى يصلح تسليطه على المعطوف.

[الإنصاف/ 612، وشرح المفصل/ 2/ 50، والهمع/ 2/ 51، والأشموني/ 2/ 172، والخصائص/ 2/ 431].

أبت لي عفّتي وأبى بلائي + وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وإمساكي على المكروه نفسي + وضربي هامة البطل المشيح
وقولي كلّما جشأت وجاشت + مكانك تحمدي أو تستريحي
لأدفع عن مآثر صالحات + وأحمي بعد عن عرض صحيح

الأبيات للشاعر عمرو بن الإطنابة، والإطنابة اسم أمه، وهو عمرو بن زيد مناة، والشاهد في البيت الثالث، يخاطب الشاعر نفسه، ويقول لها اثبتي عند الخوف في المعركة، و «مكانك» اسم فعل أمر، و «تحمدي» مضارع مجزوم في جواب الأمر، مع أنه مدلول عليه بصيغة اسم الفعل.

[المفصل/ 4/ 74، والشذور/ 335، وشرح أبيات المغني/ 4/ 243، والهمع/ 2/ 13، والأشموني/ 3/ 312].

شرح وإعراب: بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضّحى + وصورتها أو أنت في العين أملح - ربع عفاه الدهر طولا فانمحى + قد كاد من طول البلى أن يمصحا

بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضّحى + وصورتها أو أنت في العين أملح

بدت: أي: ظهرت.
وقرن الشمس: أولها عند طلوعها، أو أول شعاعها.
ورونق الضحى: أوله.

والشاهد: أو أنت أملح، فقد استدل الكوفيون بهذا البيت على أن «أو» بمعنى «بل» فكأنّ الشاعر قال (بدت مثل) ثم رأى أنها أعلى من ذلك، فأضرب عما قال أولا، فقال: بل أنت أملح، والمعنى يطلب ما قال الكوفيّون.
[الخزانة/ 11/ 65، الإنصاف/ 478، وديوان ذي الرمة/ 857].

ربع عفاه الدهر طولا فانمحى + قد كاد من طول البلى أن يمصحا

منسوب إلى رؤبة بن العجاج.
والربع: المنزل.
ويروى «رسم»، وهو ما بقي من آثار الديار.
وعفا: درس.

وقوله: عفاه، يكون الفعل متعديا، مثل محاه يمحوه.
وقوله: يمصح: أي: يذهب. والشاهد قوله: أن يمصحا حيث اقترن المضارع الواقع خبرا لكاد بأن المصدرية.

ومذهب سيبويه أنّ الأكثر بدون (أن) وأن ما جاء مقرونا بأن، ضرورة شعرية، وتشبيها بعسى، وسيبويه صادق في حدود ما وصل إليه من النصوص.

ولكن اقتران خبر كاد بأن كثير ومنه في الحديث الشريف، في شأن أمية بن أبي الصلت «كاد أن يسلم» وفي حديث عمر «ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب»، وأما الشعر فهو كثير.
[الإنصاف/ 566، وشرح المفصل/ 7/ 121، والخزانة/ 9/ 347].

شرح وإعراب: يا ناق سيري عنقا فسيحا + إلى سليمان فنستريحا - فكلتاهما قد خطّ لي في صحيفة + فلا العيش أهواه ولا الموت أروح

يا ناق سيري عنقا فسيحا + إلى سليمان فنستريحا

البيت لأبي النجم العجلي، واسمه الفضل بن قدامة.
وقوله: ناق، مرخّم ناقة، عنقا: بفتح العين والنون، ضرب من السير السريع.
فسيحا: واسع الخطى.
سليمان: هو سليمان بن عبد الملك، يأمر ناقته أن تسرع السير به حتى يصل إلى ممدوحه، ليعطيه العطاء الجزل.
يا ناق: منادى مرخم مبني على الضم في محل نصب.
عنقا: مفعول مطلق مبيّن للنوع وأصله صفة لموصوف محذوف وتقدير الكلام سيري سيرا عنقا.

والشاهد: قوله فنستريحا، حيث نصب المضارع الذي هو نستريح بأن مضمرة وجوبا، بعد فاء السببية الواقعة في جواب الأمر (سيري).
[سيبويه/ 1/ 421، وشرح المفصل/ 7/ 26، والشذور/ 305، والهمع/ 1/ 182، والأشموني/ 3/ 302].

فكلتاهما قد خطّ لي في صحيفة + فلا العيش أهواه ولا الموت أروح

الشاهد: كلتاهما قد خطّ، حيث أعاد الضمير إلى كلتاهما مفردا في قوله «قد خطّ» فدلّ ذلك على أن لكلتا جهة إفراد، وهي جهة لفظه، لأنه من جهة المعنى، مثنى باتفاق العلماء، وكان على الشاعر أن يقول «قد خطت» بتاء التأنيث، لأن الفاعل ضمير يعود على «كلتاهما» المؤنثة اللفظ.
[الإنصاف/ 446].

شرح وإعراب: أخاك أخاك إنّ من لا أخا له + كساع إلى الهيجا بغير سلاح - سأترك منزلي لبني تميم + وألحق بالحجاز فأستريحا

أخاك أخاك إنّ من لا أخا له + كساع إلى الهيجا بغير سلاح

البيت منسوب إلى إبراهيم بن هرمة، أو لمسكين الدارمي.

أخاك: الأولى: مفعول به لفعل محذوف وجوبا تقديره الزم أخاك.
والثانية: توكيد للأولى.
لا أخا له: لا نافية للجنس.

أخا: اسمها مبني على فتح مقدر على الألف، خبره (له) الجار والمجرور.
والشاهد: (أخاك أخاك) فإنّ الشاعر ذكرهما على سبيل الإغراء.

وهذا من النوع الذي يجب معه حذف العامل، لأنه كرر اللفظ المغرى به.
[سيبويه/ 1/ 129، والشذور/ 222، والهمع/ 1/ 170، والخزانة/ 3/ 65].

سأترك منزلي لبني تميم + وألحق بالحجاز فأستريحا

هذا البيت للشاعر المغيرة بن حبناء، وحبناء أمه: كنى بتركه منزله لبني تميم عن أنهم لا يحافظون على حرمة جارهم، ولا يرعون حقوقه.

والشاهد: قوله «فأستريحا» حيث نصب المضارع، الذي هو «أستريح» بعد فاء السببية، مع أنها ليست مسبوقة بطلب أو نفي، وذلك ضرورة في الشعر.

وقد يروى البيت «لأستريحا» ولا ضرورة فيه حينئذ.
[سيبويه/ 4/ 23، والمفصل/ 1/ 279، والشذور/ 222، والهمع/ 1/ 77، وج 2/ 10، 16، والأشموني/ 3/ 305، وشرح المغني/ 4/ 114، والخزانة/ 8/ 522].

شرح وإعراب: فتى ما ابن الأغرّ إذا شتونا + وحبّ الزاد في شهري قماح - إنّ السّماحة والمروءة ضمّنا + قبرا بمرو على الطريق الواضح

فتى ما ابن الأغرّ إذا شتونا + وحبّ الزاد في شهري قماح

هذا البيت قاله مالك بن خالد الهذلي.
وقوله: فتى ما، معناه فتى أيّ فتى، فما، صفة لفتى.

وقوله: إذا شتونا، لأن الشتاء عند العرب زمن القحط، لهذا يكون الكرم نادرا.
وقوله: حبّ - بضم الحاء: فعل مدح مثل نعم.

وشهرا قماح - بضم القاف وكسرها هما كانون الأول، وكانون الثاني، آخر شهر وأول شهر من السنة الشمسية.

والشاهد: «فتى ما، ابن الأغرّ» تقدم فيها الخبر «فتى» على المبتدأ (ابن الأغرّ) ولا يصح جعل «فتى» مبتدأ، لأنه نكرة، وابن الأغرّ معرفة.

وأصل الكلام «ابن الأغر فتى ما إذا شتونا».
[الإنصاف/ 66، واللسان «قمح»، وأشعار الهذليين/ 3/ 5].

إنّ السّماحة والمروءة ضمّنا + قبرا بمرو على الطريق الواضح

البيت من شعر زياد الأعجم، من قصيدة يرثي بها المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة، ومرو: أشهر مدن خراسان.

والشاهد فيه: قوله «ضمنا».
فإنّ ضمّن: فعل ماض مسند إلى ضمير المؤنث وهو الألف العائدة إلى السماحة والمروءة، وكان من حقه أن يؤنث هذا الفعل فيقول: ضمّنتا، لأن كل فعل أسند إلى ضمير مؤنث يجب تأنيثه.

فترك الشاعر في هذا البيت تأنيث الفعل، وذلك شاذّ لا يقاس عليه وربما أعاد الضمير إلى مضاف محذوف تقديره: إن خلق السماحة وخلق المروءة.
[الإنصاف/ 763، والشذور/ 169، والعيني/ 2/ 502].

شرح وإعراب: وأنت من الغوائل حين ترمى + ومن ذمّ الرجال بمنتزاح

وأنت من الغوائل حين ترمى + ومن ذمّ الرجال بمنتزاح

هذا البيت لإبراهيم بن هرمة يرثي ابنه.
وقوله: منتزاح مصدر ميمي فعله انتزح. ينتزح، أي: بعد، وأنت بمنتزح من كذا، أي: بعيد منه.

والشاهد «منتزاح» أصله «منتزح» لكنه لما اضطر لإقامة الوزن أشبع فتحة الزاي، فنشأت عن هذا الإشباع ألف.

ولا يعجبني هذا القول في تعليل مجيء القافية على هذه الصورة، فالشاعر لم يضطر إلى ذلك وزنا، لأن الشاعر الفحل لا يعجز عن الإتيان بكلمة مناسبة لوزن بيته، وتكون متمشية على سنن العربية.

ولولا أن الشاعر سمع أهل الفصاحة يقولون الكلمة ما قالها بل إن ذوقه الأدبي هذاه إلى هذا الاستعمال.

فالشاعر حزين على فراق ولده، وما من حزين إلا يمدّ صوته في أواخر الكلمات التي يندب بها الفقيد، فهو لا يتصوّر نفسه واقفا على منبر يخطب الناس وإنما هو يبكي.

وقد اختار الشاعر مدّ فتحة الزاي، ولم يختر مدّ كسرة الحاء، لأن الفتحة التي صارت ألفا أرأف بحال الحزين، حيث إنّ مدة الألف أرقّ من مدّة الياء.

أقول هذا: لأنّ النحويين سامحهم الله أكثروا من القول بلجوء الشعراء إلى الضرورات، ليساير الشعر رأيهم الذي وضعوه في النحو، فنسبوا فحول الشعراء إلى الخطأ.

وما دام هذا المدّ قد كثر في الشعر لماذا لم يجعلوه قاعدة مباحة، بدلا من القول إنه من الضرورة الشعرية؟ وبذلك ندفع عن شعرنا هجمات الأعداء الذين قصّوا قوافي القصائد ولجؤوا إلى الشعر الحرّ، ركونا إلى ما يقال: إن القافية تؤدي إلى الحشو، والضرائر.
[الإنصاف 25، والخصائص/ 2/ 316، والخزانة/ 7/ 557].

شرح وإعراب: وانضح جوانب قبره بدمائها + فلقد يكون أخا دم وذبائح - يا لقومي من للعلا والمساعي + يا لقومي من للندى والسماح - يا لعطّافنا ويا لرياح + وأبي الحشرج الفتى النفّاح

وانضح جوانب قبره بدمائها + فلقد يكون أخا دم وذبائح

البيت لزياد الأعجم يرثي المهلب بن أبي صفرة، وقبل البيت:
إنّ الشجاعة والسّماحة ضمّنا + قبرا بمرو على الطريق الواضح
فإذا مررت بقبره فاعقر به + كوم الجلاد وكلّ طرف سابح

والبيت شاهد على أن المضارع (فلقد يكون) مؤول بالماضي، أي: ولقد كان.
[الخزانة/ 10/ 4] وانظر الشعر والشعراء، ترجمة زياد الأعجم.

يا لقومي من للعلا والمساعي + يا لقومي من للندى والسماح
يا لعطّافنا ويا لرياح + وأبي الحشرج الفتى النفّاح

من شواهد سيبويه المجهولة.
والبيت الثاني شاهد على أنّ اللام في المعطوف فتحت ك «لام» المعطوف عليه لإعادة «يا»، فأبي الحشرج معطوف على يا لعطّافنا، وعطّاف ورياح وأبو الحشرج أعلام رجال.
والنفّاح: الكثير النفح، أي: العطية.

رثى هذا الشاعر رجالا من قومه وقال: لم يبق للعلا والمساعي من يقوم بها بعدهم.
[الخزانة/ 2/ 154، وسيبويه/ 1/ 319، والمقتضب/ 4/ 257].

شرح وإعراب: أخو بيضات رائح متأوّب + رفيق بمسح المنكبين سبوح - رمى الله في عيني بثينة بالقذى + وفي الغرّ من أنيابها بالقوادح

أخو بيضات رائح متأوّب + رفيق بمسح المنكبين سبوح

الرائح: الذي يسير ليلا.
والمتأوب: الذي يسير نهارا.
يصف ظليما وهو ذكر النعام، شبه به ناقته، فيقول: ناقتي في سرعة سيرها كظليم له بيضات يسير ليلا ونهارا ليصل إلى بيضاته.

وسبوح: حسن الجري، وجعله أخا بيضات ليدل على زيادة سرعته في السير لأنه موصوف بالسرعة وإذا قصد بيضاته يكون أسرع.

والبيت شاهد على أن هذيلا تفتح عين «فعلة» الاسميّ في الجمع بالألف والتاء كبيضات، بفتحات ثلاث.
[الخزانة/ 8/ 102، وشرح المفصل/ 5/ 30، والهمع/ 1/ 23، والأشموني/ 4/ 118].

رمى الله في عيني بثينة بالقذى + وفي الغرّ من أنيابها بالقوادح

البيت لجميل صاحب بثينة.
القوادح: جمع قادح، وهو السواد الذي يظهر في الأسنان.
والبيت شاهد على أن الشيء إذا بلغ غايته، يدعى عليه، صونا عن عين الكمال، لأن الناس يحسدون الشيء الكامل، كقولهم: قاتل الله فلانا ما أشجعه.

ولكنهم اختلفوا في تفسير هذا البيت:
فقيل: أراد بالعينين: رقيبيها، وبالغرّ من أنيابها كرام ذويها وعشيرتها.
والمعنى: أفناهم الله وأراهم المنكرات، فهو في الظاهر يشتمها وفي النية يشتم من يتأذى به فيها.

وقيل: أراد: بلغها الله أقصى غايات العمر حتى تبطل عواملها وحواسها، فالدعاء على هذا لها، لا عليها.

وقال قوم: إنه يدعو عليها حقيقة، ويستدلون على ذلك، بما رواه أبو الفرج في الأغاني (ج 7/ 79 - 80) أن جميلا لقي بثينة بعد تهاجر بينهما طالت مدّته، فتعاتبا فقالت له: ويحك يا جميل، أتزعم أنك تهواني وأنت الذي تقول:
رمى الله في عيني بثينة.. البيت
فأطرق جميل طويلا يبكي.

وروى أبو الفرج قصة أخرى، تدل على أن جميلا انصرف عن بثينة وهجرها وقال البيت.

قلت: تفسير البيت بأنه دعاء على بثينة حقيقة: ينافي قواعد الحبّ العذري العفيف ولعلّ الشاعر أراد من قوله ذاك، أن تبدو كذلك في عيني زوجها فيكرهها، ولا يستمتع بجمالها، ولكنه لا يتمنى أن تكون كذلك في واقع الحال.
والله أعلم.
[الخصائص/ 2/ 122، والخزانة/ 6/ 398].

شرح وإعراب: سواء عليك اليوم أنصاعت النّوى + بصيداء أم أنحى لك السيف ذابح - وإنّي لأكنو عن قذور بغيرها + وأعرب أحيانا بها فأصارح

سواء عليك اليوم أنصاعت النّوى + بصيداء أم أنحى لك السيف ذابح

البيت لذي الرمّة.
وقوله: أنصاعت: الهمزة للاستفهام.
وأصله: أإنصاعت حذفت الهمزة الثانية لأنها همزة وصل.

وانصاعت، أي: انشقت وذهبت بها النيّة إلى مكان بعيد.
وعليك: متعلق بسواء.
والنوى، والنية: الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد.

وقوله: بصيداء: متعلق بانصاعت وصيداء: اسم امرأة شبب بها ذو الرمة، وهي غير خرقاء، لقب ميّة التي يشبب بها غالبا، وأنحى: قصد نحوك.

والبيت شاهد على أن الفعل بعد همزة التسوية وأم يستهجن ألا يكون ماضيا. كما في البيت.
[الخزانة/ 11/ 152، والديوان/ 873].

وإنّي لأكنو عن قذور بغيرها + وأعرب أحيانا بها فأصارح

البيت دون عزو.
وقذور: امرأة.
وأعرب: أبيّن.
وأكنو: أذكرها باسم غيرها.

والشاهد: أكنو، يقال: كنوته - وكنيته، بالواو والياء.
[الخزانة/ 6/ 465].

شرح وإعراب: أتى دونها ذبّ الرّياد كأنّه + فتى فارسيّ في سراويل رامح

أتى دونها ذبّ الرّياد كأنّه + فتى فارسيّ في سراويل رامح

هذا البيت من قصيدة لتميم بن أبيّ بن مقبل، يصف الثور الوحشي.
وضمير دونها، لأنثاه، ودون بمعنى «قدّام».

والذبّ: الثور الوحشي ويقال له: ذب الرياد: لأنه يرود، أي: يذهب ويجيء، ولا يثبت في موضع.

شبه الشاعر ما على قوائم الثور الوحشي من الشعر، بالسراويل، وهو من لباس الفرس، ولهذا شبهه بفتى فارسي، وشبه قرنه بالرّمح.

ولهذا قال: رامح، أي: ذو رمح.
في سراويل: حال من ضمير «فارسي» إذ هو بمعنى منسوب إلى الفرس، أو صفة لفارسي.

ورامح: صفة ثانية لفتى وجرّ سراويل بالفتحة لأنه لا ينصرف، وهو مفرد، لكنه جاء على وزن صيغة منتهى الجموع «قناديل».

والشاعر تميم: أدرك الجاهلية والإسلام، وكان يهاجي النجاشيّ الشاعر، وله مع عمر ابن الخطاب قصة.
[الخزانة/ 1/ 232، وشرح المفصل/ 1/ 64].

شرح وإعراب: كأن لم يمت حيّ سواك ولم تقم + على أحد إلا عليك النوائح

كأن لم يمت حيّ سواك ولم تقم + على أحد إلا عليك النوائح

البيت للشاعر أشجع السلمي، عباسي، عاصر الرشيد، وشعره لا يستشهد به.
وقوله: «كأن لم يمت» كأن مخففة، واسمها ضمير شأن.
يقول: أفرط الحزن عليك حتى كأنّ الموت لم يعهد قبل موتك، وكأن النياحة لم تقم على من سواك.

والبيت شاهد على أنه إذا وقع مرفوع بعد المستثنى في الشعر، أضمروا له عاملا من جنس الأول، أي: قامت النوائح.

والبيت من قطعة في حماسة أبي تمام برقم (280) من شرح المرزوقي، وهي في رثاء (ابن سعيد) حيث يقول في أول القطعة:
مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق
ولا مغرب إلا له فيه مادح
وما كنت أدري ما فواضل كفّه
على الناس حتى غيّبته الصفائح
فأصبح في لحد من الأرض ميّتا
وكانت به حيّا تضيق الصحاصح
سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض
فحسبك منّي ما تجنّ الجوانح
وما أنا من رزء وإن جلّ جازع
ولا بسرور بعد موتك فارح
كأن لم يمت حيّ سواك ولم تقم
على أحد إلا عليك النوائح
لئن حسنت فيك المراثي وذكرها
لقد حسنت من قبل فيك المدائح

يرثي عمرو بن سعيد بن قتيبة الباهلي ولكنني أسأل: هل كانت لابن سعيد هذا مزارع، ينفق على المحتاجين من ريعها، وهل كانت له تجارة يديرها فتدر عليه ربحا ويتصدق على المحتاجين؟ فإذا لم يكن زارعا أو تاجرا، وكان ذا مال وفير، نسأله: من أين لك هذا؟ وليس عنده جواب إلا القول: إنه سرق حقوق الناس في بيت مال المسلمين، ثم فرّقه على من لا يستحقه من المادحين الكاذبين!!
[الحماسة/ 589، والخزانة/ 1/ 295 وشرح الحماسة للأعلم/ 1/ 473].

شرح وإعراب: أفي أثر الأظعان عينك تلمح + نعم لات هنّا إنّ قلبك متيح

أفي أثر الأظعان عينك تلمح + نعم لات هنّا إنّ قلبك متيح

البيت للراعي.
والمتيح: الذي يأخذ في كل جهة.
ورجل متيح: إذا كان قلبه يميل إلى كل شيء.

والبيت شاهد على أن «هنّا» ظرف زمان مقطوع عن الإضافة، والأصل: لات هنّا تلمح، فحذف تلمح لدلالة ما قبله عليه، فهنّا، في موضع نصب على أنه خبر «لات» واسمها محذوف والتقدير: ولات الحين حين لمح عينك.

ومعنى البيت: أن الشاعر خاطب نفسه لما رآها ملتفتة إلى حبائبها ناظرة إلى آثارها بعد الرحيل، فاستفهمها بهذا الكلام ثم أجاب جازما بأنّ عينها ناظرة إلى أثرهن، وسفهها في هذا الفعل، بأن اللمح ليس صادرا في وقته، لأنّ صاحبهن ملتزم أسفار ومقتحم أخطار، شأنه الذهاب وعدم الإياب، فلا ينبغي لها أن تكتسب من النظرة شدائد الحسرة.

[الخزانة/ 4/ 203، واللسان «تيح»، «هنن».

شرح وإعراب: إذا غيّر النأي المحبّين لم يكد + رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح

إذا غيّر النأي المحبّين لم يكد + رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح

البيت للشاعر ذي الرّمة.
ورسيس الهوى: مسّه.
ويبرح: يزول وهو فعل تام لازم،
وميّة: اسم معشوقته.

يقول: إنّ العشاق إذا تعدوا عمّن يحبون دبّ السلوّ إليهم، وزال عنهم ما كانوا يقاسون وأمّا أنا، فلم يقرب زوال حبّها عني، فكيف يمكن أن يزول.

والبيت شاهد: على أن بعضهم قال: إنّ النفي إذا دخل على «كاد» تكون في الماضي للإثبات، وفي المستقبل كالأفعال.
وقوله: للإثبات، أي: لإثبات الفعل الذي دخل عليه كاد، في الماضي.
وقوله: في المستقبل كالأفعال، أي: إن نفي فهو منفي وإن لم ينف فهو مثبت.

والمسألة خلافية، والخلاف نابع من تفاوت الأفهام في إدراك المعاني، فقال قوم إن الإثبات حاصل بعد «كاد ويكاد» المنفيين.
أما «كاد» الماضي، فقد استدلوا له بقوله تعالى في سورة البقرة وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [الآية: 71].

وزعموا أن المراد، أنهم فعلوا الذبح وأما المضارع، فاستدلوا له بقول ذي الرّمة في البيت الشاهد «لم يكد رسيس الهوى يبرح» فزعموا أن ذا الرّمة أنشد قصيدته التي منها البيت، في مجلس شعراء، فقال له أحدهم: يا ذا الرّمة، أراه قد برح، يريد أنك أثبّت زوال الحب.

قالوا: ففكّر ساعة ثم قال:
إذا غيّر النأي المحبين لم أجد.. البيت.
فأبدل «لم أجد» ب «لم يكد» أقول: ربّما كانت القصة مصنوعة، لأنهم رووها عن عبد الصمد بن المعذل (- 240 هـ) وهو شاعر فاسق خمير، ما كان يفيق من سكره، والصحيح أن النفي نفي، والإثبات إثبات.

والمعنى في الآية، أنّ بني إسرائيل ما قاربوا أن يفعلوا للإطناب في السؤالات، وهذا التعنت دليل على أنهم كانوا لا يقاربون فعل الذبح فضلا عن نفس الفعل.
ونفي المقاربة قد يترتب عليه الفعل، وقد لا يترتب. وأما إثبات الذبح فمأخوذ من خارج النفي، وهو قوله «فذبحوها».

أما البيت، فمعناه أنّ حبها لم يقارب أن يزول فضلا عن أن يزول، وهو مبالغة في نفي الزوال، فإنك إذا قلت «ما كاد زيد يسافر» فمعناه أبلغ من «ما يسافر زيد»، ومما أكّد معنى الإثبات في البيت قول الشاعر في القصيدة نفسها:
أرى الحبّ بالهجران يمحى فينمحي + وحبّك ميّا يستجدّ ويربح

أي: يزيد الحبّ كما يزيد الربح، والبيت من قصيدة مطلعها وتابعه:
أمنزلتي ميّ سلام عليكما + على النأي والنائي يودّ وينصح
فلا القرب يبدي من هواها ملالة + ولا حبّها - إن تنزح الدار - ينزح

[الخزانة/ 9/ 309، وشرح المفصل/ 7/ 124، والأشموني/ 3/ 52، وديوانه/ 1192].

شرح وإعراب: نحن - بني جعدة أرباب الفلج + نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

نحن - بني جعدة أرباب الفلج + نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

لا يعرف صاحب هذا الرجز. والفلج موضع. وقال ياقوت مدينة بأرض اليمامة ولعلها «الأفلاج» في يومنا.

والشاهد: ونرجو بالفرج.
وفيه أن الباء زائدة في المفعول به سماعا، وربما ضمن نرجو معنى «نطمع» فتكون الباء أصليّة.

وربما غيّر النساخ هذا الرجز، فقالوا «نحن بني ضبة أرباب الفلج» ولكن الرجز الذي يذكر منه بنو ضبة، قافيته لاميّة، وهو «نحن بني ضبة أصحاب الجمل».

ونحن: مبتدأ، وأرباب: خبر، وبني جعدة، منصوب على الاختصاص.
[الإنصاف/ 284، والخزانة/ 9/ 520، وشرح أبيات المغني/ 2/ 366].

شرح وإعراب: رأى الناس إلا من رأى مثل رأيه + خوارج ترّاكين قصد المخارج - يا عديّا لقلبك المهتاج + أن عفا رسم منزل بالنّباج

رأى الناس إلا من رأى مثل رأيه + خوارج ترّاكين قصد المخارج

البيت في «الهمع» ج 1/ 150.
وأنشده السيوطي شاهدا على أنّ «رأى» بمعنى اعتقد، تنصب مفعولين.
والناس: مفعوله الأول.
وخوارج: مفعوله الثاني.

يا عديّا لقلبك المهتاج + أن عفا رسم منزل بالنّباج

البيت لأبي دواد الإيادي.
والشاهد «يا عديّا» أنشدوه شاهدا على أن المنادى المفرد إذا نوّن لضرورة الشعر، فسبيله النصب، لأنه في موضع نصب، وإنما بني على الضم لمضارعته المضمر.

فإذا نوّن فقد زال عنه البناء، وسبيله أن يرجع إلى أصله.
ويرى بعضهم: أن يترك مضموما.

ويروون بيت الأحوص «سلام الله يا مطر عليها» بالرفع، والنصب، كلّ فريق يؤيد به مذهبه، مع أن الشاعر قاله مرّة واحدة إما بالرفع، أو النصب، فأيّ القولين وافق نطق الشاعر؟
والله أعلم.
[الخزانة/ 6/ 508].

شرح وإعراب: كأنّما ضربت قدّام أعينها + قطنا بمستحصد الأوتار محلوج

كأنّما ضربت قدّام أعينها + قطنا بمستحصد الأوتار محلوج

هذا البيت لا يعرف قائله.
والقطن: هو الذي نعرفه.
ومستحصد الأوتار: من إضافة الصفة للموصوف، أي: الأوتار المستحصدة.
ونقول: هذا حبل أحصد، كأحمر وحصد كفرح ومحصد ومستحصد، بكسر الصاد إذا كان قد أحكم فتله وصنعته، وهذا اللفظ يقال في كلّ ما أحكمت صناعته من الحبال والأوتار والدروع.

وقالوا: هذا رجل محصد الرأي، أي: سديد الرأي، على التشبيه، وقالوا: هذا رأي مستحصد، أي: محكم وثيق، وهو في هذا بفتح الصاد.

ومحلوج: اسم مفعول، من قولهم، حلج القطن، إذا ندفه، وقطن حليج ومحلوج، أي: مندوف، أي: قد استخرج منه الحب.

والشاهد: قوله «محلوج» فإن الرواية بالجرّ، مع أنه نعت لقوله «قطنا» المنصوب، على أنه مفعول لقوله: ضربت، وذلك لأن هذه الكسرة ليست الحركة التي اقتضاها العامل، وإنما هي كسرة المجاورة، فهو منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل، بحركة المجاورة.
[الإنصاف/ 605].

شرح وإعراب: فتى ليس بالراضي بأدنى معيشة + ولا في بيوت الحيّ بالمتولّج - قطعت إلى معروفها منكراتها + إذا خبّ آل الأمعز المتوهج

فتى ليس بالراضي بأدنى معيشة + ولا في بيوت الحيّ بالمتولّج

البيت للشماخ من قطعة في حماسة أبي تمام يصف مضيفا.
يقول: هو فتى لا يرضى في دنياه بأقرب الهمتين وأدنى المعيشتين، ولكن يطلب غايات الكرم ونهايات الفضل، ولا يداخل بيوت الحيّ المجاورة ولا يخالط النساء للريبة والمغازلة.

وقوله: «ولا في بيوت الحيّ» جعل (في بيوت) تبيينا.
وقد حصل الاكتفاء بقوله «المتولج» فيكون موقعه منه كموقع بك بعد «مرحبا بك» لئلا يحصل تقديم الصلة على الموصول، وإن شئت جعلت الألف واللام في قوله: «المتولج» للتعريف، لا بمعنى الذي، فلا يحتاج إلى تقدير الصلة في الكلام.
[شرح الحماسة للمرزوقي ج 4/ 1752، والهمع 1/ 88].

قطعت إلى معروفها منكراتها + إذا خبّ آل الأمعز المتوهج
للشماخ، يصف الصحراء.
وهو أيضا من مطلع قصيدة ذي الرمّة الحائية بقافية «المتوضح».
[ديوانه 1189].

شرح وإعراب: ولم أر شيئا بعد ليلى ألذّه + ولا مشربا أروى به فأعيج - يا ليت شعري عن نفسي أزاهقة + منّي ولم أقض ما فيها من الحاج

ولم أر شيئا بعد ليلى ألذّه + ولا مشربا أروى به فأعيج

البيت غير منسوب.
وعاج يعيج: انتفع، وزعموا أن هذا الفعل لا يأتي إلا منفيا فيقال: ما عاج بالدواء، أي: ما انتفع.
وجاء الفعل في البيت مثبتا، ورواه أبو علي القالي عن ثعلب عن ابن الأعرابي.
[شرح التصريح/ 2/ 92].

يا ليت شعري عن نفسي أزاهقة + منّي ولم أقض ما فيها من الحاج

البيت منسوب إلى الفريعة بنت همّام المعروفة بالذلفاء، في القصّة الموضوعة التي جعلت عمر بن الخطاب طرفا فيها.

ونحن نروي ما جاء فيها من الشعر، ولا نلتفت إلى أحداث القصّة، لأنها غير ثاتبة.
وأنشدوا هذا البيت على أنّ خبر ليت محذوف.

شرح وإعراب: ألا سبيل إلى خمر فأشربها + أم لا سبيل إلى نصر بن حجّاج

ألا سبيل إلى خمر فأشربها + أم لا سبيل إلى نصر بن حجّاج

البيت شاهد على أن «ألا» للتمنّي، ولهذا سمّيت قائلة هذا البيت «المتمنّية».

ونصر بن حجاج بن علاط السلمي، من أولاد الصحابة، فأبوه حجاج صحابي، ونصر هذا، تقول الروايات إنه كان جميل المحيّا، فتمنته امرأة في المدينة سمعها عمر بن الخطاب تنشد هذا البيت وهو يعسّ ليلا، فطلبه عمر، فوجده كذلك، فأمر بنفيه إلى البصرة.

هذا القدر من القصة، نقله ابن حجر في الإصابة عن ابن سعد في الطبقات، والخرائطي: وقال إن سنده صحيح، ولكن أهل الأدب والقصة والتاريخ، يذكرون أشياء ليس لها سند صحيح، ولا تصحّ روايتها.

1- فقد زادوا إلى البيت أبياتا مصنوعة لا تصح، وإذا صحت القصة فإن المرأة لم تقل إلا البيت الذي ذكرناه شاهدا.

2- وسمّى بعض الرواة اسم المرأة، فقالوا اسمها «الذلفاء» وأنها أم الحجاج ابن يوسف، وكانت يوم تمنت تحت المغيرة بن شعبة الصحابي رضي الله عنه، وهذا افتراء على زوجة الصحابي، يقصد منه الإساءة إلى الحجاج بن يوسف، وقالوا إن عبد الملك ابن مروان كتب إلى الحجاج مرة يقول له «يا ابن المتمنّية»، وهذا لا يصحّ سندا.

3- وأساؤوا أيضا إلى صحابيّ آخر عند ما قالوا: إن نصر بن حجاج عند ما نفاه عمر إلى البصرة، قرّبه أميرها مجاشع السلمي، للقربى بينهما وأنّ زوجة مجاشع عشقت نصر ابن حجاج، وعشقها، وكان قد أخدمه إياها، وهي أجمل نساء البصرة، وإنهما تكاتبا على الأرض بحضرة مجاشع الذي كان أميّا لا يحسن القراءة.

قالوا: ثم مرض نصر بن حجاج بعد فراقه دار مجاشع، لشدة حبه، فأمر زوجته بالذهاب إليه، وإطعامه وإسناده إلى صدرها، فانتعش.
وكل هذا يحدث من صحابي، وزوجة صحابي، في عهد عمر ابن الخطاب، أليس ذلك غريبا.

4- ونقلوا القصة إلى الشام، وأن زوجة الصحابي الأعور السلمي عشقت نصر ابن حجاج.

5- وقول آخر إن أبا موسى الأشعري لما علم بقصة نصر، أمره أن يخرج إلى فارس، فجرت له هناك قصة تشبه ما سبق، فطلب منه أن يرحل، فهددهم بأن يلحق بأرض الشرك، فلما علم عمر أمر بحلق شعره، وأن يلزم المسجد.

فالقصة فيها شيء من قصة يوسف عليه السّلام، لأن بعض رواياتها تقول أنه تمنّع.
وفيها شيء من قصة المجانين، وفيها دعوة إلى تبريز العشق، فلا تسمع كلام أهل الأدب، فإذا قرأتها، فعدّ رجالها أشخاصا رمزيين لا حقيقة لهم، ولا تأخذ منها واقعا تاريخيا.

وقد أطلت في نقد القصة، وذكر رواياتها، في كتابي «المدينة النبوية، فجر الإسلام والعصر الراشدي» فانظرها هناك.
[الخزانة/ 4/ 80، وشرح المفصل/ 7/ 27].

شرح وإعراب: يا ربّ بيضاء من العواهج + أمّ صبيّ قد حبا أو دارج - فيا ليتي إذا ما كان ذاكم + ولجت وكنت أوّلهم ولوجا

يا ربّ بيضاء من العواهج + أمّ صبيّ قد حبا أو دارج

العواهج: جمع عوهج، وهي في الأصل: الطويلة العنق من الظباء، وأراد بها المرأة.
حبا: زحف.
ودرج الصبي: قارب بين خطاه.

والشاهد: «قد حبا أو دارج» حيث عطف الاسم «دارج» على الفعل: «حبا» لتقاربهما في المعنى.
ومنه قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ [الأنعام: 95].
[الأشموني/ 3/ 120، والتصريح/ 1/ 142، واللسان (عهج)].

فيا ليتي إذا ما كان ذاكم + ولجت وكنت أوّلهم ولوجا

البيت لورقة بن نوفل.
والشاهد «ليتي» ليت، متصلة بياء المتكلم، ولم تفصل بينهما نون الوقاية.

وقد أوجب النحويون اتصالها بنون الوقاية لقوة شبهها بالفعل، وعدّوا البيت من الشذوذ، أو الشاذ، والله أعلم.
[السيرة النبوية 1/ 192، والعيني/ 1/ 365، والتصريح/ 1/ 111].

شرح وإعراب: يحدو ثماني مولعا بلقاحها + حتى هممن بزيغة الإرتاج - ما زال يوقن من يؤمّك بالغنى + وسواك مانع - فضله - المحتاج

يحدو ثماني مولعا بلقاحها + حتى هممن بزيغة الإرتاج

البيت للشاعر ابن ميّادة.
شبه ناقته في سرعتها بحمار وحش، يحدو ثماني أتن أي يسوقها، مولعا بلقاحها حتى تحمل، وهي لا تمكّنه فتهرب منه، لأن الأنثى من الحيوان، لا تمكّن الفحل إذا حملت.

والزّيغة: الميلة، عنى بها إسقاطها ما أرتجت عليه أرحامها، أي: أغلقتها.
يقول: ساقها العير سوقا عنيفا حتى هممن بإسقاط الأجنّة.

والشاهد فيه: ترك صرف (ثماني) تشبيها لها بما جمع على وزن (مفاعل) كأنّه توّهم واحدتها، ثمنية، كحذرية - الأرض الغليظة - ثم جمع فقال ثمان، كما يقال: حذار جمع حذرية، والمعروف صرفها على أنها اسم واحد أتى بلفظ المنسوب نحو: ثمان ورباع، فإذا أنّث قال: ثمانية.
[سيبويه/ 2/ 17، والخزانة/ 1/ 159، والأشموني/ 3/ 248].

ما زال يوقن من يؤمّك بالغنى + وسواك مانع - فضله - المحتاج

الشاهد: «مانع - فضله - المحتاج».
فإنّ فضله: مفعول به لاسم الفاعل «مانع» فصل به بين المضاف «مانع» والمضاف إليه «المحتاج».
والشواهد على الفصل بين المتضايفين كثيرة.
[الأشموني/ 2/ 276، والتصريح/ 2/ 58].

شرح وإعراب: وأمّا قولك الخلفاء منّا + فهم منعوا وريدك من وداج - ولولاهم لكنت كحوت بحر + هوى في مظلم الغمرات داج - وكنت أذلّ من وتد بقاع + يشجّج رأسه بالفهر واجي

وأمّا قولك الخلفاء منّا + فهم منعوا وريدك من وداج
ولولاهم لكنت كحوت بحر + هوى في مظلم الغمرات داج
وكنت أذلّ من وتد بقاع + يشجّج رأسه بالفهر واجي

الأبيات لعبد الرحمن بن حسان، من قصيدة يهجو فيها عبد الرحمن بن الحكم أخا مروان بن الحكم.

وكان عبد الرحمن بن الحكم افتخر على الشاعر بأن الخلفاء منهم، أي: من قريش وابن حسان من الأنصار، فقال له الشاعر: لولا الخلفاء وانتسابك إليهم لكنت مغمورا كحوت في بحر مظلم، وكنت أذلّ من الوتد بقاع، أي: ما استوى من الأرض وصلب يدقّ رأسه بالحجر.

والفهر: الحجر ملء الكف، والعرب تضرب المثل في الذلة بالوتد.
ويشجج: يضرب ويكسر، وذلك في أثناء غرزه في الأرض.
وقوله: واجي بالياء: أصله واجئ بالهمزة، وصف من وجأ عنقه، أي: دقّها.

والشاهد في البيت الثالث: إبدال الياء من الهمزة (واجئ) ضرورة.
[سيبويه/ 2/ 170، وشرح المفصل/ 9/ 111، 114، والهمع/ 2/ 33، والخصائص/ 3/ 152].

شرح وإعراب: كأنّ أصوات من إيغالهنّ بنا + أواخر الميس أصوات الفراريج

كأنّ أصوات من إيغالهنّ بنا + أواخر الميس أصوات الفراريج

البيت للشاعر ذي الرّمة، يصف صوت الرّحل على البعير.
وأوغل في الأرض، إذا أبعد فيها، يعني الإبل، و (من) قبله، للتعليل.

والأواخر: جمع آخرة الرّحل، وهي العود في آخره يستند إليه الراكب.
والميس: شجر يتخذ منه الرحال، والأقتاب.

والفراريج: صغار الدجاج، ويروى: «إنقاض الفراريج»، أي: تصويتها، وذلك من شدة السّير.

والشاهد في البيت: الفصل بالجار والمجرور، بين المضاف والمضاف إليه، وهو أصوات، وأواخر، فصل بينهما «من إيغالهنّ بنا».
[الخزانة/ 4/ 108، والإنصاف/ 433، وشرح المفصل/ 1/ 103، وج 2/ 108، والديوان/ 996].

شرح وإعراب: ودوّيّة قفر تمشّي نعامها + كمشي النّصارى في خفاف الأرندج - أما النّهار ففي قيد وسلسلة + والليل في قعر منحوت من السّاج

ودوّيّة قفر تمشّي نعامها + كمشي النّصارى في خفاف الأرندج

البيت للشماخ.
والدوية: الصحراء.
والأرندج: الجلد الأسود.
وتمشي: تكثر المشي.
شبّه أسوق النعام في سوادها بخفاف الأرندج، وخصّ النصارى، لأنهم كانوا معروفين بلبسها.
والشاهد فيه حذف جواب «ربّ» لعلم السامع.
والمعنى: وربّ دوية قطعت أو نحو ذلك.
والبيت من شواهد سيبويه، ولم يصل إلى سيبويه رحمه الله البيت الذي فيه الجواب، فنفى، ولكن بعد البيت:
قطعت إلى معروفها منكراتها + وقد خبّ آل الأمعز المتوهج

والآل: السراب.
والأمعز: بفتح العين: المكان الكثير الحصى، الصّلب.
[سيبويه/ 1/ 454، والهمع/ 2/ 28، واللسان «ردج»].

أما النّهار ففي قيد وسلسلة + والليل في قعر منحوت من السّاج

هذا البيت من شواهد سيبويه التي لم تنسب.
وصف الشاعر سجينا يقيّد بالنهار، ويغلّ في سلسلة، ويوضع بالليل في بطن محبس منحوت، أي: محفور من الساج، وهو شجر من شجر الهند، وشاهده: المجاز في جعل النهار في سلسلة، وإنما السجين هو المجعول فيها. [سيبويه/ 1/ 80، والمقتضب/ 4/ 331].

شرح وإعراب: أخلق بذي الصّبر أن يحظى بحاجته + ومدمن القرع للأبواب أن يلجا - أضحت ينفّرها الولدان من سبأ + كأنّهم تحت دفّيها دحاريج

أخلق بذي الصّبر أن يحظى بحاجته + ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

الشاهد في البيت قوله: ومدمن القرع، حيث حذف حرف الجرّ قياسا من قوله ومدمن القرع، أي: وبمدمن القرع، بعد كلام مشتمل على حرف جرّ مثله حيث سبقها: أخلق بذي الصبر.
[الأشموني/ 334].

أضحت ينفّرها الولدان من سبأ + كأنّهم تحت دفّيها دحاريج

البيت للنابغة الجعدي، وصف ناقة مرّ بها بحيّ سبأ مجتازا عليهم في زيّ الأعراب، فعرض له الصبيان منكرين له محيطين به تعجبا، فجعلوا ينفّرون ناقته عن يمين وشمال، فشبههم بالدحاريج، جمع دحروجة، بالضم، وهي ما يدحرجه الجعل.

والدفان: الجنبان، تثنية جنب.
والشاهد فيه تنوين (سبأ) على نية الحيّ، أو الأب: فإن أردت القبيلة منعته من الصرف، وقد جاءت في القرآن مصروفة.
[سيبويه/ 2/ 28، واللسان «دحرج»].

شرح وإعراب: إني أتيحت لي يمانية + إحدى بني الحارث من مذحج - تمكث حولا كاملا كلّه + لا نلتقي إلا على منهج - الحجّ إن حجّت وماذا منى + وأهله إن هي لم تحجج

إني أتيحت لي يمانية + إحدى بني الحارث من مذحج
تمكث حولا كاملا كلّه + لا نلتقي إلا على منهج
الحجّ إن حجّت وماذا منى + وأهله إن هي لم تحجج

الأبيات للشاعر العرجي عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان، منسوب إلى «العرج» بالطائف، لإقامته به.

وقوله على منهج: أي: طريق.
يتغزل الشاعر بامرأة ويقول: بعد هذا المكث الطويل لا نلتقي في خلوة، وإنما نلتقي في الطريق.

وقوله: الحج إن حجت، أي: الحج الكامل إن حجّت.
وماذا: أي شيء.
وأهله: بالرفع.

يقول: إن لم تحج هذه المرأة فليس الحج حجا معتدا به، وهو كاذب فيما قال، وما كان لمثله أن يحجّ، وهو لم يقصد تطهير نفسه من الآثام.

والشاهد في البيت الثاني: على أنّ النكرة (حولا) أكدت بكلّ، وأراد النكرة المؤقتة المحدودة، كالحول والشهر والدهر.

وهو مذهب ابن مالك ويرى البصريون امتناع تأكيد النكرة، مؤقتة كانت أو غيره، لأنّ التأكيد يشبه النعت من حيث كونه تابعا بلا واسطة حرف، ومن غير أن ينوى معه تكرار العامل وألفاظ التوكيد معارف، ويرون أنّ هذا ضرورة.

وقول ابن مالك مقبول معنى وسماعا وقياسا ما دام قد جاء في النصوص، وفي المثال المذكور، وصف النكرة، قد قرّبها من المعرفة.
[شرح أبيات المغني/ 4/ 187].

شرح وإعراب: قالت وعيش أبي وحرمة إخوتي + لأنبهنّ الحيّ إن لم تخرج - فخرجت خيفة قولها فتبسّمت + فعلمت أنّ يمينها لم تحرج - فلثمت فاها آخذا بقرونها + شرب النّزيف ببرد ماء الحشرج

قالت وعيش أبي وحرمة إخوتي + لأنبهنّ الحيّ إن لم تخرج
فخرجت خيفة قولها فتبسّمت + فعلمت أنّ يمينها لم تحرج
فلثمت فاها آخذا بقرونها + شرب النّزيف ببرد ماء الحشرج

الأبيات لعمر بن أبي ربيعة، يصف أحد خيالاته، وليس فيها من الحقيقة شيء، لأنّ الشاعر عاش في النصف الثاني من القرن الأول، حيث كانت الحجاز تعجّ بالعلماء والأتقياء، وكانت المدينة ومكة مشغولتين بثوراتها على الأمويين، وليس من المعقول أن يكون لعمر هذا الميدان الذي يجول فيه ويصول.

وتنسب الأبيات لجميل بن معمر في الكامل وغيره، وهي نسبة لا تكون، لأننا لم نعهد في الغزل العذري هذا الوصف.

والشاهد في البيت الثالث.
وقوله: النزيف: المحموم الذي منع من الماء.
وقوله: الحشرج: الحسي يكون في حصى، وهو مناسب، لأنه جعل تقبيل ثغرها وامتصاص ريقها - وفي الثغر الأسنان - كأنه ماء بارد على حصى.

والقرون: جمع قرن بالفتح، وهو الضفيرة من شعر الرأس.
ونصب «شرب» على المصدر المشبه به كأنه قال: شربت ريقها كشرب النزيف للماء البارد.

والشاهد فيه: (ببرد) على أن الباء فيه للتبعيض بمعنى (من) وقيل: الباء زائدة.
وقد تتضمن (شرب) معنى (الريّ) فتكون الباء أصلية، لأن روي يتعدى بالباء.
[شرح أبيات المغني/ 2/ 313، والهمع/ 2/ 21].

شرح وإعراب: نحن بنو جعدة أرباب الفلج + نضرب بالسّيف ونرجو بالفرج - أخيل برقا متى حاب له زجل + إذا تفتّر من توماضه حلجا

نحن بنو جعدة أرباب الفلج + نضرب بالسّيف ونرجو بالفرج

هذا الرجز للنابغة الجعدي، مما قيل في يوم الجمل.
والفلج: موضع بعينه أو الماء الجاري، ولعله المسمى اليوم الأفلاج، في منطقة الرياض بالسعودية.

والشاهد فيه زيادة الباء في المفعول به (نرجو بالفرج) وقيل: ضمّن نرجو معنى (نطمع) فتعدّى بالباء.
وبنو جعدة: خبر المبتدأ.
وأرباب: منصوب على الاختصاص.

ويروى: بني جعدة منصوب على الاختصاص وأرباب: خبر.
[الإنصاف/ 384، وشرح أبيات المغني/ 2/ 366، والخزانة/ 9/ 520].

أخيل برقا متى حاب له زجل + إذا تفتّر من توماضه حلجا

قائله ساعدة بن جؤية، وهو في ديوان الهذليين، يصف سحابا.
وقوله: أخيل: مضارع أخال البرق، أي: نظر إليه أين يمطر.

والحابي: السحاب سمّي بذلك لثقله في الحركة فكأنه يحبو، وقيل: الحابي المرتفع.
والتّوماض: اللمع الضعيف، وحلج: أمطر، نقول: حلج السحاب حلجا: أمطر، ويروى «خلجا»

ويروى أوله: أخال برقا: فعل ماض أيضا.
وهو الصحيح، لأن الشاعر يقول لصاحبته في سياق الأبيات إنه يحبّها حبّ إنسان فقير، ووصف الفقر بأنه مثل حمار وحش رأى سحابا ..الخ.

وقوله: متى حاب.
متى: حرف جرّ بمعنى من، في لغة هذيل، وقد مرّ بيت آخر في حرف الجيم «متى لجج خضر لهن نئيج»، والجار والمجرور صفة لبرق، أي: برقا لامعا من سحاب.

وقوله «له زجل» الجملة الاسمية صفة للسحاب الموصوف في قوله «حاب» أي: سحاب حاب.
وجملة إذا الشرطية صفة ثالثة للسحاب.
[شرح أبيات المغني/ 6/ 16، واللسان (حلج)، والأشموني/ 2/ 334].

شرح وإعراب: عشيّة سعدى لو تراءت لراهب + بدومة تجر دونه وحجيج - قلى دينه واهتاج للشّوق إنّها + على الشّوق إخوان العزاء هيوج

عشيّة سعدى لو تراءت لراهب + بدومة تجر دونه وحجيج
قلى دينه واهتاج للشّوق إنّها + على الشّوق إخوان العزاء هيوج

البيتان للراعي.
وقوله: دومة: هي دومة الجندل، في شمال السعودية.
تجر: اسم جمع لتاجر، مثل شرب، وصحب، وسفر.
وحجيج: اسم جمع لحاج، قلى: كره.

يقول: كان الأمر الفلاني في العشيّة التي لو ظهرت فيها سعدى لراهب من عبّاد النصارى مقيم بدومة الجندل، وكان عنده تجار وحجاج يلتمسون ما عنده لأبغض دينه وتركه، وثار شوقا لها.
وقوله: بدومة: الجار والمجرور متعلقان بصفة الراهب، وتجر: مبتدأ، ودونه:

الظرف خبر، وجملة المبتدأ والخبر، صفة ثانية لراهب.
وسعدى: في أول البيت: مبتدأ.
وقلى: جواب شرط «لو».
والجملة: لو الشرطية خبر المبتدأ (سعدى).
إنها هيوج: إنّ واسمها وخبرها.
وهيوج: وزن فعول، من صيغ المبالغة، نصبت «إخوان» على المفعولية قبلها.

والشاهد: قوله «إخوان العزاء هيوج»: حيث أعمل قوله «هيوج» وهو من صيغ المبالغة إعمال الفعل، فنصب المفعول به «إخوان» وهو معتمد على المسند إليه الذي هو اسم (إنّ).

وفي البيت دليل على أنّ هذا العامل وإن كان فرعا عن الفعل، لم يضعف عن العمل في المعمول المتقدم عليه.

وهو خلاف مذهب الكوفيين، ومنه في رواية سيبويه «أما العسل فأنا الشرّاب» بنصب العسل، لصيغة المبالغة (شرّاب).
[س/ 1/ 56، والأشموني/ 2/ 297، واللسان (هيج)].

شرح وإعراب: سقى أمّ عمرو كلّ آخر ليلة + حناتم سود ماؤهنّ ثجيج - شربن بماء البحر ثم ترفّعت + متى لجج خضر لهنّ نئيج

سقى أمّ عمرو كلّ آخر ليلة + حناتم سود ماؤهنّ ثجيج
شربن بماء البحر ثم ترفّعت + متى لجج خضر لهنّ نئيج

البيتان من شعر أبي ذؤيب الهذلي، يدعو لامرأة اسمها أمّ عمرو بالسقيا بماء سحب موصوفة بأنها شربت من ماء البحر، وأخذت ماءها من لججه ولها في تلك الحال صوت عال مرتفع.

والشاهد في البيت الثاني.
وإنما ذكرت الأول لتوضيح معنى البيت الثاني.
وفي البيت شاهدان: الأول: قوله «بماء»، الباء بمعنى (من) الابتدائية أو على تضمين «شرب» معنى روي، فتكون الباء سببية.

والشاهد الثاني: (متى لجج) متى هنا حرف جرّ، حيث جرّت (لجج) في لغة هذيل، وتكون بمعنى (من).

والجار والمجرور بدل من الجار والمجرور الأول (بماء) إذا قدرت الباء بمعنى (من) وإلا فالجار والمجرور متعلقان ب (شرب).

[الهمع/ 2/ 34، والأشموني/ 2/ 205، وشرح المغني/ 2/ 309، والخزانة/ 7/ 97].

شرح وإعراب: أومت بعينيها من الهودج + لولاك في ذا العام لم أحجج - أنت إلى مكة أخرجتني + ولو تركت الحجّ لم أخرج

أومت بعينيها من الهودج + لولاك في ذا العام لم أحجج
أنت إلى مكة أخرجتني + ولو تركت الحجّ لم أخرج

البيتان للشاعر عمر بن أبي ربيعة.
وقوله: أومت: أي: أومأت.
والهودج: مركب يوضع فوق البعير يركب فيه النساء.

يقول: أشارت هذه الفتاة بعينيها من داخل مركبها مخافة الرقباء، وحدثتني أنها لم تخرج للحج إلا رغبة في لقائي.
والشاهد: في البيت الأول فقط، قوله «لولاك».

لولا: حرف جرّ شبيه بالزائد لا يحتاج إلى متعلق.
والكاف ضمير المخاطب: مبتدأ في محل رفع، والخبر محذوف، وقس عليه، (لولاه) و (لولاي).

وللتذكير: إن قول الشاعر هذا، إن صحّت نسبته إليه هو خيال محض، ليس له شيء من الواقع الاجتماعي.
[الخزانة/ 5/ 333، والإنصاف/ 693، وشرح المفصل/ 3/ 118، والهمع/ 2/ 33].

شرح وإعراب: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا + تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا - الحمد لله الذي + لم يخلق الخلق عبث - ولم يخلّنا سدى + من بعد عيسى واكترث - أرسل فينا أحمدا + خير نبيّ قد بعث - صلى عليه الله ما + حجّ له ركب وحثّ

الحمد لله الذي + لم يخلق الخلق عبث
ولم يخلّنا سدى + من بعد عيسى واكترث
أرسل فينا أحمدا + خير نبيّ قد بعث
صلى عليه الله ما + حجّ له ركب وحثّ
الأبيات منسوبة إلى هاتف من الجنّ.
[الخزانة/ 2/ 82].

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا + تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

البيت لعبيد الله بن الحرّ، أو الحطيئة.
قوله: تأججا: التأجج الاحتراق والالتهاب، وهو فعل مسند لألف الاثنين هما الحطب والنار.

يصف الشاعر أنفسهم بالكرم وأنهم يقرون الأضياف. فمن جاءهم وجدهم يوقدون النار، ومن عادة العرب، إذا كانوا في جدب، أن يوقد كرامهم النار ليهتدي بها إليهم السالك.

والشاهد فيه: متى تأتنا تجد، فعل الشرط وجوابه.
وقوله تلمم: فعل مضارع مجزوم، لأنه بدل من فعل الشرط، ولو أمكن رفعه على تقدير الحال لجاز.

والبيت لعبيد الله بن الحرّ، أو للحطيئة.
[سيبويه/ 446، والإنصاف/ 583، وشرح المفصل/ 7/ 53].

شرح وإعراب: فأنت طلاق والطلاق أليّة + بها المرء ينجو من شباك الطوامث - متى ما تنكروها تعرفوها + متى أقطارها علق نفيث

فأنت طلاق والطلاق أليّة + بها المرء ينجو من شباك الطوامث

هذه رواية أخرى لبيت سيأتي في حرف الميم بقافية (أعقّ وأظلم).
[الخزانة/ 3/ 460].

متى ما تنكروها تعرفوها + متى أقطارها علق نفيث

البيت لصخر الغيّ الهذلي.
وهو شاهد على أن «متى» بمعنى «من» أراد: من أقطارها.

وقيل: بمعنى «وسط» وروي قول أحدهم «جعلته في متى كمّي».
وقيل معناها «في».
[الخزانة/ 7/ 98].

شرح وإعراب: كم عمّة لك يا خليد وخالة + خضر نواجذها من الكرّاث - لروضة من رياض الحزن أو طرف + من القريّة حزن غير محروث - أشهى وأحلى لعيني إن مررت به + من كرخ بغداد ذي الرّمان والتوث

كم عمّة لك يا خليد وخالة + خضر نواجذها من الكرّاث

البيت منسوب لجرير من قصيدة هجا بها خليد عينين العبدي.
قال المبرد: وإنما هجاه بالكراث لأن قبيلة عبد القبس يسكنون البحرين (نواحي القطيف في شرق السعودية) والكراث من أطعمتهم.
[الخزانة/ 6/ 493].

لروضة من رياض الحزن أو طرف + من القريّة حزن غير محروث
أشهى وأحلى لعيني إن مررت به + من كرخ بغداد ذي الرّمان والتوث

البيتان لمحبوب النهشلي.
والبيت الثاني شاهد على ان التوث، بالثاء المثلثة في آخره، لغة في التّوت، بالتاء المثناة.
[الخزانة/ 11/ 258].

شرح وإعراب: لو صنت طرفك لم ترع بصفاتها + لمّا بدت مجلوّة وجناتها - فعادى بين هاديتين منها + وأولى أن يزيد على الثلاث

لو صنت طرفك لم ترع بصفاتها + لمّا بدت مجلوّة وجناتها

البيت بلا نسبة في الهمع 2/ 101.
وفيه رفع «وجناتها» ب «مجلوّة» قال السيوطي: وأجري، كعمل الصفة المشبهة، في رفع السببي ونصبه وجرّه، اسم مفعول المتعدي لواحد، وأنشد البيت.
وانظر [التصريح 2/ 72].

فعادى بين هاديتين منها + وأولى أن يزيد على الثلاث

البيت مجهول القائل، ولكنه مروي على ألسنة رواة اللغة، أمثال الأصمعي، وثعلب.

وهما لا ينقلان إلا عن الأعراب.
وقوله: عادى: من العداء، بكسر العين، وهو الموالاة بين الصيدين بصرع أحدهما على أثر الآخر في طلق واحد.
ومنه قول امرئ القيس:
فعادى عداء بين ثور ونعجة + دراكا ولم ينضح بماء فيغسل

والهادية: أول الوحش.
وأولى أن يزيد: قارب أن يزيد.
وأولى: من مرادفات «كاد» ولا تستعمل إلا مع «أن» والظاهر أنه فعل تام متعد و «أن يزيد» مفعوله.
وذلك للزوم «أن» معه أما أفعال المقاربة الناقصة فلا تلزمها أن.

وأما أولى المستعمل مع اللام في قولهم «أولى لك، وأولى له» فهو اسم للوعيد غير منصرف، لأنه على وزن أفعل، وهو من الولي، وهو القرب.
[الخزانة/ 9/ 345، والهمع/ 1/ 128، واللسان «ولي»].

شرح وإعراب: فرم بيديك هل تسطيع نقلا + جبالا من تهامة راسيات - وإذا العذارى بالدّخان تقنّعت + واستعجلت نصب القدور فملّت - دارت بأرزاق العفاة مغالق + بيديّ من قمع العشار الجلّة

فرم بيديك هل تسطيع نقلا + جبالا من تهامة راسيات

البيت غير منسوب، وهو في الهمع 2/ 92.
وفيه أن المصدر «نقل» يقدر بأن والفعل المستقبل. (هل تستطيع أن تنقل).

وإذا العذارى بالدّخان تقنّعت + واستعجلت نصب القدور فملّت
دارت بأرزاق العفاة مغالق + بيديّ من قمع العشار الجلّة

البيت للشاعر سلميّ بن ربيعة، وذكرت تاليه لأن جواب الشرط فيه. وهو من قطعة في حماسة أبي تمام، مضت بعض أبياتها.

يقول الشاعر في الشاهد: وإذا أبكار النساء صبرت على دخان النار حتى صار كالقناع لوجهها، لتأثير البرد فيها ولم تصبر على إدراك القدور بعد تهيئتها ونصبها، فشوت في الملّة قدر ما تعلل به نفسها من اللحم، لتمكن الحاجة والضّرّ منها، ولإجداب الزمان واشتداد السّنة على أهلها، أحسنت.

وجواب إذا في البيت بعده.
وخصّ العذارى بالذكر لفرط حيائهن وشدة انقباضهن ولتصونهنّ عن كثير مما يتبذل فيه غيرهنّ.
وجعل «نصب القدور» مفعول (استعجلت) على المجاز والسعة، ويجوز أن يكون المراد استعجلت غيرها بنصب القدور، فحذف.

ويريد في البيت الثاني أنه يطعم الناس من شحم العشار وأنه يذبح صحاح الإبل وخيارها.
[الحماسة/ 550، وشرح المفصل/ 5/ 104، والهمع/ 1/ 60].

شرح وإعراب: وكأنّ في العينين حبّ قرنفل + أو سنبلا كحلت به فانهلّت - كأنّ بها البدر ابن عشر وأربع + إذا هبوات الصّيف عنها تجلّت

وكأنّ في العينين حبّ قرنفل + أو سنبلا كحلت به فانهلّت

البيت للشاعر سلميّ بن ربيعة من قصيدة البيت السابق.
وكان الشاعر قد فارقته امرأته عاتبة عليه في استهلاكه المال وتعريضه النفس للمعاطب، فلحقت بقومها، وأخذ هو يتلهف عليها ويتحسر في أثرها... والقرنفل والسنبل، من أنواع الطيب، ولكنه قال: كحلت به... ولا أدري كيف تكحل العينان بهما.

فهو يقول: ألفت البكاء لتباعد زوجتي، فساعدت العينان وجادتا بإسالة دمعهما، فكأن في العينين أحد هذين المهيجين الحاليين للعيون.

وقوله «كحلت» إخبار عن إحدى العينين.
قال المرزوقي: وساغ ذلك لما في العلم من أنّ حالتيهما لا تفترقان.

وقال البغدادي: كان الظاهر أن يقول: كحلتا، فأفرد لأنهما لا يفترقان.
[الخزانة/ 5/ 197، والحماسة/ 547].

كأنّ بها البدر ابن عشر وأربع + إذا هبوات الصّيف عنها تجلّت

غير منسوب وهو في الهمع 2/ 150.
وفيه تقديم العشر على أربع في العدد «أربع عشرة».

شرح وإعراب: وذلك حين لات أوان حلم + ولكن قبلها اجتنبوا أذاتي - ولقد رأبت ثأى العشيرة بينها + وكفيت جانيها اللّتيّا والّتي

وذلك حين لات أوان حلم + ولكن قبلها اجتنبوا أذاتي

هذا البيت مجهول القائل.
وهو شاهد على إضافة «حين» إلى «لات» لفظا.
[الخزانة ج 4/ 178].

ولقد رأبت ثأى العشيرة بينها + وكفيت جانيها اللّتيّا والّتي

البيت للشاعر سلميّ بن ربيعة.
من أبيات في حماسة أبي تمام.
وفي «الأصمعيات» لعلباء ابن أرقم، وفي الحيوان: لعمرو بن قميئة.

وقوله: رأبت: أي: أصلحت، والثأى: الفساد.
وقوله: جانيها، من جنى يجني: إن فتحت الياء كان واحدا وإن أدى معنى الجمع، وإن سكّنت الياء جاز أن يكون جمعا سالما وأن يكون واحدا قد حذفت فتحته.

وفي رواية (جانبها) بالباء. وقوله «اللتيا» تصغير التي فجعلهما اسمين للكبيرة من الدواهي والصغيرة، ولهذا استغنيا عن الصلة، وانتقلا عن كونهما وصليّتين، ويذهب بعضهم إلى أن صلتيهما محذوفتان لدلالة الحال عليهما.

يقول لقد سعيت في إصلاح ذات البين من العشيرة ولمّ شعثها، وكفيت من جنى منها الجناية الصغيرة والكبيرة بالمال والنفس والجاه والعزّ.
[الحماسة/ 551].

شرح وإعراب: قلت إني كأنت ثمّة لمّا + شبّت الحرب خضتها وكععتا - من كان أسرع في تفرّق فالج + فلبونه جربت معا وأغدّت - إلا كناشرة الذي ضيعتم + كالغصن في غلوائه المتنبّت

قلت إني كأنت ثمّة لمّا + شبّت الحرب خضتها وكععتا

البيت في الهمع 2/ 31، والشاهد، دخول الكاف على ضمير الرفع.
وكععت: جبنت.

من كان أسرع في تفرّق فالج + فلبونه جربت معا وأغدّت
إلا كناشرة الذي ضيعتم + كالغصن في غلوائه المتنبّت

البيتان في كتاب سيبويه لعنز بن دجاجة.
وفي الخزانة ج 6/ 362، للشاعر كابية بن حرقوص بن مازن، والله أعلم.
والبيتان يتصلان بقصة حرب جاهلية كان أحد طرفيها عمرو بن معد يكرب، والطرف الثاني بنو مازن.

وكان بنو مازن قتلوا أخا عمرو، فأكب عليهم قتلا، وتفرقت بطونهم، مازن وفالج، وناشرة، فقال القائل في ذلك.
وقوله: وأغدّت: أصابتها الغدّة، وهي من أدواء الإبل.
وقوله: المتنبّت: المتأصل.

وقوله: «إلا كناشرة» قال النحاس في (شرح أبيات سيبويه): هذا حجة أنه جعل «إلا» في معنى الواو كأنه قال: وكناشرة، وفي «اللسان - نبت»: وقوله: إلا كناشرة أراد إلا ناشرة فزاد الكاف.

ورواية الخزانة ج 6/ 362، هلّا كناشرة، وهو المعنى المناسب، فكأنه قال: هلّا أعطيتموني مثالا لناشرة، يريد: لا يوجد مثلها.

وقوله: (كناشرة الذي..، وصف ناشرة بالذي، كأنه يريد اسم الجدّ، ولو أراد القبيلة لقال: كناشرة التي.
[سيبويه ج 1/ 368، واللسان (نبت)].

شرح وإعراب: في فتوّ أنا كالئهم + في بلايا عورة باتوا - أبلغ أمير المؤمنين + أخا العراق إذا أتيتا - أنّ العراق وأهله + سلم إليك فهيت هيتا

في فتوّ أنا كالئهم + في بلايا عورة باتوا

البيت لجذيمة الأبرش، وقد مضى قبله:
ربّما أوفيت في علم + ترفعن ثوبي شمالات

وقوله: في فتوّ: جمع فتى، وهو السخيّ الكريم، والشاب أيضا، جمع على فعول و «في» بمعنى مع. متعلقة بأوفيت بالبيت الذي سبقه، وكالئهم: حارسهم.

والبلايا: جمع بلية، و «في بلايا» متعلقان بباتوا.
والعورة: موضع خلل يتخوف منه في ثغر أو حرب.

و «بات» له معنيان، أشهرهما اختصاص الفعل بالليل، كما اختص الفعل في «ظلّ» بالنهار، فإذا قلت: بات يفعل كذا فمعناه فعله بالليل، ولا يكون إلا مع سهر.

والثاني: بمعنى صار.
يقال: بات بموضع كذا، أي: صار. سواء أكان في ليل أم في نهار.
هذا والبيت له روايات أخرى، وقوافي مختلفة.
فشعر ينسب إلى جذيمة الأبرش، لا بدّ أن يكون فيه هذا الخلاف.

فمن يجزم بأنه قال هذا الشعر؟ ونحن لا نعرف له ولادة أو وفاة، ولا نعرف من الذي سمعه فنقله إلى الرواة، فأكثر ما ورد في كتب الأدب من قصص جذيمة يمتزج بالخيال والأسطورة، وبخاصة قصته مع الزبّاء.

أبلغ أمير المؤمنين + أخا العراق إذا أتيتا
أنّ العراق وأهله + سلم إليك فهيت هيتا

لم ينسبوا البيتين، وأمير المؤمنين هنا: قال ابن يعيش: يريد علي بن أبي طالب.
وقوله: «أخا العراق» منادى، حذف منه حرف النداء.
وقوله «سلم» بالتحريك: هو الانقياد والطاعة.

وأراد: أنهم مطيعون منقادون لأوامره.
والمعنى: إذا جئت أمير المؤمنين، يا أخا العراق، فقل له: إن العراق وأهله قد انقادوا لأمرك وخضعوا لرأيك فأسرع إليهم.

والشاهد: هيت هيت. حيث أراد «أسرع أسرع» وهيت: اسم فعل أمر بمعنى أسرع. لازم لا يتعدى إلى مفعول، وفي غير هذا المكان فيه ثلاث لغات «هيت» بالفتح وهيت، بالضم. وهيت، بالكسر. و «لك» من قولك «هيت لك» تبيين للمخاطب جيء به بعد استغناء الكلام عنه، كما كان كذلك في «سقيا لك» فقد جيء ب (لك) تأكيدا فهي في هيت لك كذلك.
[شرح المفصل ج 4/ 32، وسيبويه ج 1/ 337، واللسان «هيت»].

شرح وإعراب: ليت شعري وأشعرنّ إذا ما + قرّبوها منشورة ودعيت - يا أيها الراكب المزجي مطيّته + سائل بني أسد ما هذه الصوت - ألا يا ليتني والمرء ميت + وما يغني عن الحدثان ليت

ليت شعري وأشعرنّ إذا ما + قرّبوها منشورة ودعيت

البيت منسوب للسموأل: وفيه توكيد «أشعرنّ» شذوذا بدون مسوّغ.
[الهمع/ 2/ 79، والأشموني/ 3/ 221].

يا أيها الراكب المزجي مطيّته + سائل بني أسد ما هذه الصوت

البيت لرويشد بن كثير الطائي في الحماسة برقم 166 بشرح المرزوقي.

قال ابن جني: إنما أنث الصوت لأنه أراد الاستغاثة، وهذا من قبيح الضرورة. أعني تأنيث المذكر، لأن التذكير هو الأصل.
[الخزانة/ 4/ 221].

ألا يا ليتني والمرء ميت + وما يغني عن الحدثان ليت

البيت لعمرو بن قعاس المرادي. قال البغدادي: جعل المخفف (ميت) الحيّ الذي لم يمت، ألا ترى أن معناه، والمرء سيموت. فجرى مجرى قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر: 30] وقوله «ليت» أراد اللفظ، فتعرب فاعلا.
[الخزانة/ 6/ 530].

شرح وإعراب: زعمت تماضر أنّني إمّا أمت + يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي - ألا يا بيت بالعلياء بيت + ولولا حبّ أهلك ما أتيت

زعمت تماضر أنّني إمّا أمت + يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي

البيت للشاعر سلميّ بن ربيعة بن زبّان (من أهل الجاهلية) وقد أورد أبو تمام في حماسته قصيدة البيت، ومطلعها:
حلّت تماضر غربة فاحتلّت + فلجا وأهلك باللّوى فالحلّة

وتماضر: زوجه. وكانت غاضبة عليه، فارتحلت إلى أهلها.
وهو يقول: إنّ تماضر تظنّ أن أولادها الصغار يسدّون مكانة الشاعر، وهو يريد القول: لا يسدّ مكانه أحد.

والبيت شاهد على تصغير الجمع «بنون» لقوله «أبينوها» ووصفوا هذا التصغير بأنه شاذّ.
وليس كما قالوا، لأنّ الشاعر قال ما قال، وهو يعلم أنّ الذين يسمعونه من بني قومه، يستخدمون هذا الأسلوب ويفهمونه، وإلا، فكيف يخاطبهم بلغة لا يفهمونها، وهو حريص على أن يوصل لهم المعنى الذي يريده؟

أنظر تفصيل المسألة في [الخزانة/ 8/ 30، وشرح المفصل/ 9/ 5، 41، والهمع/ 2/ 63، والحماسة/ 547].

ألا يا بيت بالعلياء بيت + ولولا حبّ أهلك ما أتيت

البيت مطلع قصيدة للشاعر عمرو بن قعاس المرادي. وهو من شواهد سيبويه.
قال الأعلم: الشاهد فيه رفع البيت، لأنه قصده بعينه ولم يصفه بالمجرور بعد فينصبه، لأنه أراد: لي بالعلياء بيت، ولكني أوثرك عليه لمحبتي في أهلك.

وقال النحاس في شرح أبيات سيبويه، المعنى: بالعلياء بيت، ولولا حبّ أهلك ما أتيت ألا يا بيت، ولولا هذا المعنى لنصب، كما تقول: ألا يا رجلا بالمدينة.

شرح وإعراب: فمن يك سائلا عني فإنّي + بمكّة مولدي وبها ربيت - وقد ربيت بها الآباء قبلي + فما شنئت أبيّ وما شنيت - يا لقوم لزفرة الزّفرات + ولعين كثيرة العبرات

 فمن يك سائلا عني فإنّي + بمكّة مولدي وبها ربيت
وقد ربيت بها الآباء قبلي + فما شنئت أبيّ وما شنيت

القائل، قصيّ بن كلاب.
والشاهد: «أبيّ» فإنها جمع «أب» على «أبين» فلما أضافه إلى الياء أسقط النون للإضافة.

يا لقوم لزفرة الزّفرات + ولعين كثيرة العبرات

الشاهد: لزفرة: بكسر اللام وهي لام الاستغاثة، تكسر لام المستغاث له، وتفتح لام المستغاث به.

دراسة تحليل قصيدة أيها الغادون لأحمد شوقي

تحليل ودراسة قصيدة أيها الغادون لأحمد شوقي
1
2
3
4
تحليل ودراسة قصيدة أيها الغادون لأحمد شوقي

دراسة وتحليل قصيدة مددنا خيوط الفجر لمفدي زكرياء

دراسة وتحليل قصيدة مددنا خيوط الفجر لمفدي زكرياء
1
2

3
4
5
دراسة وتحليل قصيدة مددنا خيوط الفجر لمفدي زكرياء

دراسة وتحليل قصيدة هتفت بالشعر لسليمان العيسى

دراسة وتحليل قصيدة هتفت بالشعر لسليمان العيسى
1
2
3
4
5
6
دراسة وتحليل قصيدة هتفت بالشعر لسليمان العيسى

دراسة وتحليل نص غاية الوجود لميخائيل نعيمة

دراسة وتحليل نص غاية الوجود لميخائيل نعيمة
1
2
3
4
5
6
7
دراسة وتحليل نص غاية الوجود لميخائيل نعيمة

دراسة الشخصيات والزمان والمكان في قصة القهوة الخالية لنجيب محفوظ

الشخصيات والزمان والمكان في قصة القهوة الخالية لنجيب محفوظ:

- الشخصيات:
1- محمد الرشيدي: وهو الشخصية الرئيسة الوحيدة في القصة.

2- زاهية: زوجة محمد الرشيدي. كل ما نعرفه عنها ورد على لسان زوجها.
3- صابر: ابن محمد الرشيدي.
4- منيرة: زوجة صابر.

5- توتو: حفيد محمد الرشيدي وابن صابر ومنيرة. طفل مدلل مزعج وقاسٍ.
فقد كان مانعا من تواصل الشيخ حتى مع القطة نرجس.
6- مباركة: خادمة محمد الرشيدي وقد انتقلت للعيش معه بعد وفاة زاهية.

7- القطة نرجس. (إن صح اعتبارها شخصية من الشخصيات).
8- الأصحاب والمعارف:
كل هذه الشخصيات هي ثانوية.

- الزمان: الحاضر.
- المكان: القاهرة - مصر الجديدة- المقهى.

الأبعاد الرمزية في نص القهوة الخالية لنجيب محفوظ.. الذكريات والنوم وسيلة الهروب من الحاضر الخانق القاتم الى الماضي السعيد والمشرق

الأبعاد الرمزية في نص القهوة الخالية لنجيب محفوظ:

1- القهوة الخالية:
ترمز إلى الدنيا الخالية من الأنس والأصدقاء وعطف الأهل والأقرباء.
ترمز الى الوحدة والمعاناة والانعزال عن المجتمع، الى درجة أن الشيخ محمد الرشيدي يقول: "طول العمر لعنة" لأن هناك عوامل كثيرة جعلته يقول ذلك.

فتقاعده وموت أصحابه ومعارفه وموت زوجته رفيقة دربه وانتقاله من بيته الة بيت ابنه في بيئة جديدة غريبة وفشله في التواصل مع عائلته وحفيده والقطة بسبب حفيده، كل ذلك جعله يقول ان طول العمر لعنة.

وقد حاول الخروج من أزمته من خلال محاولته التواصل مع العائلة ثم مع القطة ولكنه فشل ثم حاول من خلال رجوعه الى المقهى الذي اعتاد الجلوس فيه ولكنه وجده "خاليا".

2- الذكريات والنوم:
ترمز الى وسيلة الهروب من الحاضر الخانق القاتم الى الماضي السعيد والمشرق، من الوحدة المرّة إلى السعادة، يستمد منها امكانية الاستمرار في الحياة.

3- توتو:
يرمز الى الدلال الذي يعيشه الجيل الجديد (يظهر الدلال حتى في اسمه)، وإلى عدم احترام الكبار وانقطاع الجيل الجديد عن الماضي.

الشخصيات في مسرحيّة المحلّل لفتحي رضوان.. لطيف بك. ريري. الاعتقاد بترابط النضالات إلى حد الامتزاج

تعمّدَ الكاتب -على ما يبدو- عدم ذكر اسم الرجل المحلّل الصريح (ومن صفاته الضعف والعجز والفشل والتردّد والفقر).

ويمكن تفسير ذلك بأنّ الكاتب ربّما أراد عبْر هذا ضمانَ شموليّة في الطرح؛ فالمحلّل حالة عامّة، إذ يمثّل قطاعات واسعة من المجتمع المصريّ ومن المجتمعات عامّةً، هي قطاعات المغلوبين المُعْوِزين الذين يساهمون في صنع الرذيلة لا لأنّهم من أنصارها، بل لأنّهم محتاجون إلى ما يسدّ الرمق.

كما يمكن تفسير عدم ذكر اسم الرجل برغبة الكاتب في أن يساهم ذلك في التعبير عن التنكير (والمقصود هنا الإشارة إلى الظلم الذي ينصبّ على أبناء هذه الفئات الاجتماعيّة المسحوقة، إذ يُنظَر إليهم باعتبارهم نكرات مغيَّبة مهمَلة، لا يعرفهم أحد، وإن عرفهم فإنّه لا يوليهم اهتمامًا).

أمّا لطيف بك، فاسمه ينطوي على مفارقة (Irony)، ذلك أنّ لطفه شبه معدوم، وحين يبدر منه لطفٌ ما، فذاك -في الغالب- وسيلةٌ هو لبلوغ هدفٍ ما.

بعبارة أخرى، لطف هذه الشخصيّة هو لطفُ الانتهازيّين، لطفُ مَن لا يتصرّف تصرّفًا حانيًا إلاّ إن كان في الأمر ما يصبّ في مصلحته الشخصيّة البحتة.

لطف هذه الشخصيّة ليس لطفَ من اعتاد احترامَ الناس والحنوّ عليهم والنظر إليهم بوصفهم مخلوقات بشريّة مساوية له.

من ناحية أخرى -وبخلاف الحال مع "الرجل" المنكَّر-، يرِدُ اسم هذه الشخصيّة صريحًا.
وهو أمر يتوافق مع مكانته الاجتماعيّة المرتكزة إلى إمكانيّاته المادّيّة، فلطيف بك امرؤ معروف، بل مشهور، كسائر أفراد طبقته الاجتماعيّة (الحاكمة والقليلة العدد- وكونها كذلك يجعلها مشهورة أكثر)؛ وفي هذا التعريف باسمه ما يحمل تلميحًا إلى سموّ مقامه الاجتماعيّ واعتراف المجتمع الظالم بسيادته.

أمّا الشخصيّة الثالثة والأخيرة -وهي الشخصيّة النسائيّة الوحيدة في المسرحيّة-، فقد اختار المؤلّف أن يشير إليها قبل كلّ جملة حواريّة تصدر عنها بكلمة "السيّدة".

وقد يصحّ أن نعزو الأمر إلى رغبة الكاتب في لفت الانتباه إلى أنّ هذه "السيّدة" هي سيّدة الموقف، رغم جذورها الاجتماعيّة المتواضعة، ورغم كونها امرأة يراها بعض أفراد  المجتمع كائنًا ضعيفًا.

وفي هذا ما قد يحمل نبوءة بأنّ المرأة لديها القدرة على امتلاك أو تقرير مصيرها، عَبْر النضال المشترك مع الفئات الاجتماعيّة المضطهَدة (ويمثّل "الرجل" هذه الفئات).
ويمكن ادّعاء الأمر ذاته في ما يتعلّق بـِ "الرجل" (المحلّل).

ويلاحَظ أنّ الكاتب قد أشار في قليل من الحالات إلى هذه المرأة على لسان لطيف بك بالاسم "ريري" (يبدو أنّه اسم التحبّب المختصر الذي يستخدمه المصريّون لاسم العلم المؤنّث "راوية").

ومن المحتمل أنّ الكاتب أراد بهذا أن يلمّح إلى أنّ الطبقة الاجتماعيّة التي حاولت هذه المرأة الانخراط فيها (من خلال اقترانها برجل أرستقراطيّ نقَلَها وَ "ارتقى" بها من طبقة اجتماعيّة إلى أخرى) لم تُبْقِ من اسمها سوى الصورة المشوَّهة هذي التي يُفتَرض أنّها صيغة تحبّب.

وهذه السيّدة تنساق إلى المحلّل أو تنجذب إليه، لأنّها وجدت فيه نفْسًا إنسانيّة أكبر وأطهر من نفْس زوجها السابق لطيف.

وجدتْه مشابهًا لها في كثير من الوجوه، أهمّها أنّه مستضعَف مستغَلّ مستلَب مقهور توّاق إلى الحرّيّة لأنّه كمثلها مستعبَد.

من هنا يمكن القول إنّ الكاتب يعتقد بترابط النضالات إلى حدّ الامتزاج (نضال المرأة، والنضال في سبيل تحقيق العدل الاجتماعيّ –كما توحي هذه المسرحيّة)؛ كما يمكن الافتراض أنّ الكاتب ينفي جدوى النضال الفرديّ، إذ يرى النضال الجماعيّ ضمانةً للفَلاَح.

الإرشادات المسرحيّة في مسرحيّة المحلّل لفتحي رضوان.. مساهمة إخراجيّة من طرف الكاتب كمقترحاتٍ للمُخرِج حول كيفيّة الإخراج

الإرشادات المسرحيّة
Stage Directions

أكثرَ الكاتبُ من استخدام هذه الإشارات أو الإرشادات، وبعضها أتى مطوَّلاً ؛ وهو ما يمكن اعتباره مساهمة إخراجيّة من طرف الكاتب، إذ يشكّل مقترحاتٍ للمُخرِج حول كيفيّة الإخراج، وللممثّل حول كيفيّة التحرّك والتصرّف على خشبة المسرح، ويشكّل مساهمة لقارئ المسرحيّة في أن يتمثّل العرضَ المسرحيَّ، بما تنطوي عليه هذه الإرشادات من وصف للديكور ووصف للحركة المسرحيّة.

ويرتبط كلّ هذا بكون "المحلّل" دراما تمثيل (Acting Drama) أو مسرحيّة دراميّة (Dramatic Play) [والمقصود أنّها كُتبت لتُعرَض على خشبة المسرح لا لتُقرأ فحسب]، لا دراما أدبيّة (Literary Drama) أو مسرحيّة قراءة (Closet Drama).

والمقدار العالي من الدراميّة في هذه المسرحيّة تولّد من مواقف التردّد والتراجع والتشجّع والمواجهة، إضافة إلى استخدام رضوان "الموقف المقلوب" (حيث المرأة/ الزوجة تطارد الرجل/ الزوج/ المحلّل).

فباستخدامه هذا الموقف ضَمِنَ لمسرحيّته مقاديرَ من الحيويّة وعنصرًا فكاهيًّا.
وهذا العنصر الأخير عنصر تشويقيّ مهمّ، أتى هنا بجرعات معقولة متباعدة قليلاً، يتيح لها تباعدُها نجاحًا وتقبّلاً وانسجامًا مع جدّيّة أفكار المسرحيّة.
فالفكاهة هنا -على ما يبدو- غيرُ مقصودةٍ لِذاتها.

مواضيع وأفكار مسرحيّة المحلّل لفتحي رضوان.. فقدان العدالة الاجتماعيّة. الفساد المستشري بين الموظّفين. الخيانة الزوجيّة في الطبقات الأرستقراطيّة. التحايل على الشرائع الدينيّة

تطرح المسرحيّة جملة من المواضيع والأفكار:

1- فقدان العدالة الاجتماعيّة متمثّلاً في الاستغلال وفي استشراء الفقر.

2- الفساد المستشري بين الموظّفين متمثّلاً في السلوك الجاسوسيّ الذي يُفرَض عليهم، والذي يتطلّب كذبًا وتزويرًا (وهو ما يعكس فسادًا شاملاً في المجتمع عامّةً).

3- الخيانة الزوجيّة في الطبقات الأرستقراطيّة (ممثَّلةً بمسلكيّات لطيف بك).

4- التحايل على الشرائع الدينيّة؛ وهو ما يعكس استخفافًا بالدين وبالحياة الزوجيّة.

5- نكران الجميل؛ ويتمثّل في سلوك شقيق المحلّل الذي ضحّى الأخير في سبيل ضمان نفقات دراسته في خارج البلاد (فتنازل عن دراسته هو في كلّيّة الطبّ داخل البلاد، وعمل لكسب الأموال في سبيل ذلك)، بينما تخرّج ذاك الأخ خارج وطنه واستقرّ هناك، ولم يردّ لأخيه ولوالدته أيّ جميل.

6- اضطهاد المرأة والتلاعب بوضعها الاجتماعيّ؛ ويتمثّل ذلك في سلوك لطيف بك تجاه "ريري"، حيث يطلّقها ويسترجعها متى يشاء.

النهاية في مسرحيّة المحلّل لفتحي رضوان.. نهاية ليست مفتوحة على مصراعيها لوجود تلميحات تشير إلى نهاية سعيدة

نهاية المسرحيّة ليست نهاية غامضة، رغم صحّة اعتبارها نهاية مفتوحة -بيد أنّها ليست مفتوحة على مصراعيها.

فثمّة تلميحات تشير إلى نهاية سعيدة (قول الرجل: "سأذهب"، وما ورد في الإرشادات المسرحيّة الأخيرة: "يسير بعزم نحو الباب")، تبشّر بحصول التغيّر الذي ترجوه السيّدة من الرجل.

بعبارة أخرى، تنتهي المسرحيّة بفشل الرجل في أن يكون زوجًا صوريًّا، إذ أصبح زوجًا كامل الحقوق. وفشل كمثل هذا هو نجاح باهر كامل.

مسرحيّة المحلّل لفتحي رضوان.. التكثيف من قلّة عدد الشخصيّات وتسارع الأحداث والتطوّرات

مسرحيّة (المحلل) مكوّنة من فصل واحد. ذاك من عوامل التكثيف في هذه المسرحيّة؛ فانعكس الأمر في قلّة عدد الشخصيّات (ثلاث فقط) وفي تسارع الأحداث والتطوّرات. 

ورغم هذا القِصر (وربّما بسببه) عمل الكاتبُ على توتير خيوط التطوّر وعلى إرجاء هذا التطوّر الدراميّ، فلم يفتعل التغيّرَ في شخصيّة الرجل (المحلّل)، ولم يجعل هذا التغيّرَ في شخصيّته جاريًا في خطّ مستقيم؛ إذ ثمّة كثير من التراجع والتردّد في اتّخاذ قراراته (وهو ما يجعل الحدث المسرحيّ والتطوّر من الأمور الأكثر واقعيّةً وإقناعًا؛ ذلك أنّ التحوّلات العميقة التي تمرّ بها النفس البشريّة السويّة لا تجري بسرعة دقائق. ويبقى التردّد مرافِقًا للرجل حتّى نهاية المسرحيّة).

كذلك الأمر في ما يتعلّق بـِ "لطيف بك"؛ فهو في حواره مع الشخصيّتين الأُخريين يتأرجح بين العنف واللطف، بين الجدّيّة والسخرية، بين الاستبداد والاستجداء.

دراسة وتحليل نص مساواة المرأة بالرجل لسلامة موسى

دراسة وشرح وتحليل نص مساواة المرأة بالرجل لسلامة موسى:

1- الموضوع الذي تتناوله المقالة محدَّد، ينحصر في ما يتضمّنه عنوانها صراحةً: قضيّة مساواة المرأة بالرجل.

2- يمهّد الكاتب لتناول هذا الموضوع بإلقائه الضوء على المدلول العامّ للمساواة، محاولاً ربطه بمدلول العدل. كذلك يلقي الأضواء على التاريخ لتوضيح تطوّر هذا المدلول.

3- من ثَمَّ يَطرق الموضوعَ المحدّد، فيشير إلى العقبات التي تعرقل سيرورة تطوّر أوضاع المرأة في اتّجاه نيل المساواة، فيتركّز في الأعباء المنـزليّة وفي المحافَظة (كون المجتمع تقليديًّا محافِظًا).

4- يَخْلص الكاتب إلى أنّ الاستقلال الاقتصاديّ المنبثق من عمل المرأة خارج المنـزل، مصحوبًا بالنهضة التكنولوجيّة التي بإنجازاتها تخفّف الأعباء المنـزليّة وتتيح الوقت والمجال للمرأة لتعمل خارج إطار المنـزل، هذا الاستقلال يكفل دفْع تطوّر الظروف نحو تحقيق المرأة لمساواتها بالرجل. وهو يشير إلى أنّ هذا الاستقلال على الصعيد الاقتصاديّ ينعكس تطوّره على المستويين النفسيّ والاجتماعيّ.

مقالة اجتماعيّة موضوعيّة:
مقالة سلامة موسى هذه مقالة اجتماعيّة علميّة موضوعيّة. تتمثّل اجتماعيّتها في تناولها لقضيّة اجتماعيّة عامّة كثيرًا ما تُطرَح، تتعلّق بنصف أفراد المجتمع البشريّ، وتهمّ أفراده جميعًا. وهي قضيّة ذات مجموعة أبعاد (نفسيّة؛ اقتصاديّة؛ سياسيّة؛ تاريخيّة) يطرقها الكاتب بغير إطالة، وبترابط.

قضيّة المرأة ومساواتها بالرجل أو عدم مساواتها به ليست قضيّة المرأة لوحدها، بل يمكن اعتبارها قضيّة الرجل كذلك (فلها تأثيرها فيه وفي المجتمع عامّةً). فحصول المرأة على حقوقها وعلى مساواتها يعني أنّ ابنة الرجل وأخته وزوجته قد أصبحن في عداد المُنْصَفات.

كذلك هذا يعني ارتقاء المجتمع. فالمجتمع الذي يحقّق المساواة لكلّ أبنائه يتصرّف كجسدٍ متكامل متناغم صحيح. أمّا المجتمع الذي يُقْصي نصف أفراده إلى زوايا الإهمال والاضطهاد، فيصفّق بيد واحدة، ويسير برِجْل واحدة، وينظر بباصرة واحدة.

من هنا تبرز أهمّيّة تحقيق المساواة بين الجنسين وضرورتها ومنفعتها، فالمجتمع كافّةً يستفيد من حالة التساوي هذه.

وهي قضيّة اجتماعيّة عامّة لأنّها قضيّة كلّ المجتمعات، الغربيّة والشرقيّة منها، المنفتحة والمنغلقة، المتقدّمة والمتخلّفة، القويّة والضعيفة -لكن بتفاوت. ذلك أنّ المرأة لا زالت مغبونة حتّى في المجتمعات المتحرّرة (على صعيد العمل -على سبيل المثال)، رغم كلّ التطوّر الحاصل هناك.

أمّا من حيث الصياغة، فالمقالة ذات سِمات موضوعيّة تامّة. يتبدّى ذلك في ما يلي:

1- التدرّج والترابط المنطقيّ:
نجد التدرّج في الاستعراض التاريخيّ المقتضَب المتسلسل للعدل والمساواة. كذلك نجده ونجد الترابط المنطقيّ في الفقرة التاسعة ("المساواة الحقيقيّة بين الرجل والمرأة تعني" ... "لأنّها عضو مستقلّ منتج في المجتمع")؛ حيث يشير الكاتب إلى الأهمّيّة الشديدة للمساواة في الكسب بين الجنسين، وإلى ما يتولّد عن ذلك من مساواة على أكثر من صعيد واحد، ويعقد صلة وثيقة بين عمل المرأة خارج المنـزل وتحقّق المساواة في مجال الكسب.

ومن ثَمَّ يربط الكاتب بين الكسب والارتزاق، وبين هذين الاثنين واستقلال المرأة اقتصاديًّا (ويتجلّى ذلك في استغنائها عن الرجل معيلاً)، وبالتالي تحظى بالكرامة. كلّ ذلك بربط وثيق بين الإنتاج والاستقلال.

2- تلخيص الآراء:
وذلك كما في قوله: "وخلاصة الرأي"... وفي قوله: "وخلاصة منطقنا"... وفي هذا التلخيص إعادة مقتضَبة وتركيز على الأفكار المهمّة.

وهذا من ميّزات المقالات العلميّة والأبحاث والدراسات، إذ تُجْمِل فكرة الكاتب وتسهّل على القارئ فهْمَ جوهرها -بعد الغوص في بعض الشروح والتفاصيل- وترسِّخها في ذاكرته.

3- سهولة التعبير:
يظهر هذا في العفويّة، وفي الابتعاد عن فصيح الكلام أحيانًا (كما في استعماله "تلفون" وَ "ماكينات" وَ "مَكَنَة" -وهي كلمات غير عربيّة)، وفي استحداث مفردات جديدة ("تَمَكْيَنَ" -بمعنى تأدية الأعمال بواسطة الآلات/الماكينات الكهربائيّة).

4- عدم الاحتفال بالزخرف البلاغيّ:
وهو من مستلزمات الكتابة العلميّة. الكاتب هنا لا يعمد إلى استخدام الصور البيانيّة، أو إلى المحسّنات البديعيّة (سوى حالة تجنيس واحدة وردت في الفقرة الثامنة، ويمكن الافتراض أنّها تلقائيّة، وذلك في قوله: ..."أن يمنع كما كان يمنح"...)؛ فالكاتب بحاجة إلى التحليل لا إلى الخيال، ولا إلى إبراز المقدرات البلاغيّة.

5- التمثيل:
ويستخدمه لتوضيح بعض الأفكار والحقائق. على سبيل المثال، حين يذكر "تَمَكْيُن" بيوت الولايات المتّحدة (والولايات المتّحدة ذاتها تُذكَر من باب التمثيل أيضًا) يوضّح ذلك بأمثلة من الأعمال المنـزليّة التي أصبحت هناك تؤدَّى بالآلات الكهربائيّة: الطبخ؛ الغسل؛ التدفئة والتبريد؛ الاتّصال (بالهاتف).

مقتبَسات:
1- أُخِذت المرأة من جانب الرجل لتكون متساوية، ومن تحت ذراعه لكي يحميها، وقرب قلبه لكي يحبّها ويحترمها؛ ولم تؤخذ من رأسه لئلاّ تَرْأَسه، ولا من قدمه لئلاّ يدوسها.

2- أَرفضُ العالَمَ الذي يَعتبر المساواةَ والعدالةَ خطيئةً، وأخاف العالَمَ الذي يستبدل التمييز بتمييز جديد. [الكاتب التشيكوسلوفاكي لاديسلاف فريدل]

3- يرفع الشعبَ فريقانِ: إناثٌ وذكورُ
  وهل الطائر إلاّ ++ بجناحيه يـطيرُ؟! [معروف الرصافي]

4- إذا ارتكب رجلٌ حماقةً قالوا: ما أحمق هذا الرجل! وإذا ارتكبت امرأةٌ حماقةً قالوا: ما أحمق النساء!

5- إنّ شعار تحرير المرأة، في ظلّ مجتمع مستغِلّ ومقموع، وبمعزل عن تحرير المجتمع ككلّ، يؤدّي إلى افتعال معارك وهميّة تستنـزف الكثير، وبالتالي يؤخِّر التحريرَ الحقيقيّ للمرأة، أو قد يقود إلى جملة من المظاهر والسلوك من شأنها توهُّمُ الخصم، لا تحديدُهُ حقيقةً وفعلاً...

يجب مواجهة المجتمع المتخلّف ككلّ، واعتباره كلاًّ لا يمكن ولا يجوز اختصاره بعدد من الشعارات التي قد تبدو مغرِية؛ كما لا يمكن تجزئة هذا المجتمع، والافتراض أنّه يستطاع الوصول إلى تحرير المرأة بمعزل عن الرجل أو بمناوأته.

إذ من خلال مواجهة التخلّف، ومقاومة القمع، وعن طريق الرجال والنساء معًا، يمكن تحرير المرأة من خلال تحرير المجتمع، والعكس غير ممكن.

إنّ خصم المرأة ليس أباها أو أخاها، ليس الرجل لكونه رجلاً، وإنّما خصم المرأة هو المجتمع بقيمه وتقاليده وأغلاله، فكلّ أب، وكلّ أخ يريد لابنته أو لأخته الحرّيّة والرفاه، ولكن الذي يحول دون تحقيق ذلك هذا الكمّ الكبير من القيود والأعراف المسيطرة، وهذه الرقابة التي يفرضها المجتمع، ويمنع بالتالي على الأب أو الأخ توفير أو تحقيق الحدّ الأدنى من القتاعة التي يؤمن بها،...

... إنّ القمع في بلادنا، وفي بلاد كثيرة أيضًا، يأخذ شكلاً هرميًّا، إذ يبدأ من الأعلى ويتّجه نـزولاً، بحيث نلاحظ أنّ قسمًا كبيرًا من المقموعين يقمع مَن هم دونه، حتّى نصل إلى قاع الهرم الإنسانيّ، حيث نرى ناس القاع يقمعون الحيوانات، وينتقمون من الممتلكات العامّة، ولا يتردّدون في الإساءة إلى الطبيعة بأشجارها وآثارها وما تصل إليه أيديهم، ممّا لا يُعتبَر مُلكيّة خاصّة بهم.

... إنّ تحرّر المرأة يعتمد، بالدرجة الأولى، على أن تكون منتِجة، بالمعنى المتعارَف عليه، أي أن يكون لها دخل، لأنّ هذا يمكّنها من الاستقلال في اتّخاذ الموقف بحُرّيّة ومسؤوليّة، دون أن تكون واقعة تحت تهديد حرمانها من لقمة الخبز.

كما أنّ التحرّر الاقتصاديّ المقرون بالوعي، بالانسجام مع حركة المجتمع، يجنّب المرأةَ العزلةَ، ويحشد أكبر القوى من أجل التحرّر الفعليّ، والذي يُعتبَر في النتيجة كسبًا للمجتمع كلّه، بما فيه المرأة.

[من مقالة "المرأة...، سؤال فيه بعض التحدّي الجميل والخطِر!"، من كتاب عبد الرحمن منيف بين الثقافة والسياسة].

شرح ودراسة فقرات نص من رسالة الدرّة اليتيمة لابن المقفع

الفقرة الأولى:
يتكلم ابن المقفع عن صفات اخلاقية اجتماعية، يجب على كل شخص أن يتمسك بها، فيقول: يجب على الانسان ان يكون مخلصاً لصديقه، ويساعده في اوقات الضيق، وللذين نعرفهم  يجب ان نبني معهم علاقة طيبة، كما ونحرص على زياراتهم، اما العامة فيجب عند ملاقاتهم ان نلاقيهم بالوسامة، أما العدو فيجب ان نعامله بالعدل لكي لا نقع في الظلم، كذلك يوصينا الكاتب بالتمسك الشديد بالدين والعرض.

الفقرة  الثانية:
يقول الكاتب إذا سمعت رأي جيد ليس لك فلا تنسبه إليك، بل يجب ان تنسبه لصاحبه الحقيقي، وذلك لان الانتحال يثير غضب صاحب الكلام الحقيقي، والمُنتحِل يقع في العيب خاصة اذا كان صاحب الكلام الحقيقي في المكان، فإن ذلك سوء أدب، بالمقابل الرجل حسن الخلق يجب ان لا ينتحل ويرجع كلام غيره إلى صاحبه مع التعديل إذا استطاع، وايضاً صاحب الخلق اذا أُنتُحِل وعلم بذلك فيجب عليه ان لا يفضحه بين الناس.

الفقرة الثالثة:
يقول الكاتب، اذا كنت موجوداً في مجلس وكان المتحدّث يتحدّث كلاماً وكنت قد سمعته من قبل، فيجب عليك ان تصغي له جيداً، وان لا تراقبه ليعلم الناس انك تعرف احسن منه، فتلك صفة سخيفة، ويجب ان تعطيه حق الكلام.

الفقرة الرابعة:
يقول الكاتب كما انك تعدل بينك وبين عدوك، فعليك ان ترضي صديقك، وعندما يقع جدالاً مع الأصدقاء، يجب ان نبتعد عن الخصام، وأن نستعمل اسلوب الإقناع والبرهان.

الفقرة الخامسة:
يعطي ابن المقفع مثالاً على رجل صديق له، يتّصف بصفات جيّدة، وهي انه يقنع بما قّدره الله له في الدنيا، ولا يطمع، ثم لا يشكو على أحد ولا يدخل في جدال ليس منه فائدة، ولا يأتي بشهادته الا ببرهان قائم امام القاضي، ثم يسامح الرجل الذي يخطأ في حقه، إذا كان معذوراً؛ يستمر ابن المقفع في حديثه عن الرجل بأنه يأخذ بالسبب، ويتطبب من اجل الشفاء، ويستشير غيره من الناس الذين يقدمون النصيحة، لا يغضب ولا يشتهي كثيراً من الاشياء، ولا يختصم مع صديقه، كما انه يكون حذراً من اعدائه، واخيراً يتوجه ابن المقفع فيقول: عليك ان تلتزم بالاخلاق المذكورة قد المستطاع، ولو الجزء البسيط منها.