الحجاب أعظم دليل على دور المرأة في الحياة.. حجاب البيت وهو مستقر المرأة الصالحة لاتخرج منه إلا لحاجة وحجاب الملبس إذا خرجت من بيتها

حفاظا على المرأة وصيانة لها وقصرا لها على زوجها ودرءا للفتنة شرع الله سبحانه الحجاب للمرأة وهو حجابان حجاب البيت وهو مستقر المرأة الصالحة لاتخرج منه إلا لحاجة وحجاب الملبس إذا خرجت من بيتها.
والحجاب من أعظم الدلائل على ماقررناه من دور المرأة الذي خلقت لأجله، ومع الحجاب الحقيقي لاتستطيع المرأة ممارسة أي عمل خارج بيتها إلا فيما ندر.
وكانت المرأة في زمن التشريع إذا قاربت البلوغ سميت عاتقا وهي التي بلغت أن تدرع أي تلبس الدرع وعتقت من الصبا والاستعانة بها في مهنة أهلها، وإذا بلغت وأدركت ولم تزوج خدرت في بيت أهلها وسميت ذات الخدر، والخدر ستر يمد للجارية في ناحية البيت.

كفر من جعل الملائكة إناثا.. عقيدة المشركين تقول إن الملائكة بنات الله

السبب في تكفير الأولين هو نفي القرآن ذلك صراحة في معرض الآيات التي تعرضت لعقيدة المشركين التي تقول إن الملائكة بنات الله.
وفي سورة الأنعام إجمال في الرد على ذلك وهو قوله سبحانه: (وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم).

الصاحبة للإنجاب والسكن.. الأنثى أقل درجة من الرجل وصفاتها ناقصة وهي غير محببة للواصفين

في الآية (وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم) بيان لدور الصاحبة وهو الإنجاب منها ولذا قال سبحانه أيضا (وأنه تعالى جد ربنا مااتخذ صاحبة ولا ولدا) واتخاذ الصاحبة يكون للسكن والأنس كما قدمنا والله سبحانه غني عن العالمين.
وقد نفى الله سبحانه الصاحبة عنه لادعاء الكافرين أن الله تزوج إلى سروات الجن فخرج منهما الملائكة فهن بنات الله, قال تعالى: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) وادعى غيرهم من النصارى أن الله سبحانه ولد عيسى عليه السلام ومريم أمه.
وقد أبطل الله سبحانه كل ذلك في آيات كثيرة وعلى قمتها سورة التوحيد وصفة الرحمن (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) إلا أن الذي يعنينا هنا هو ما يتعلق بقضية الرجل والمرأة وهو أن الإنكار على من ادعى لله البنات كان من جهتين:
الأولى: ادعاء الولد له سبحانه وهو منزه عنه.
الثانية: وصفهم هذا الولد بأنه أنثى وهي أقل درجة من الرجل وصفاتها ناقصة وهي غير محببة للواصفين، وذهب ابن كثير أن كل واحدة منهما كافية لتخليد صاحبها في النار.
وقد جاء ذلك في آيات عدة منها:
قوله تعالى: (أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين وإذا بشر أحدهم بماضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين, وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون).
الرجل أفضل القسمين:
قال ابن كثير: جعلوا له من قسمي البنات والبنين أخسهما وأردأهما وهو البنات، ثم قال: وهذا إنكار عليهم غاية الإنكار, أي: إذا بشر أحد هؤلاء بماجعلوه لله من البنات يأنف من ذلك غاية الأنفة وتعلوه كآبة من سوء مابشر به ويتوارى من القوم من خجله من ذلك يقول تعالى: فكيف تأنفون أنتم من ذلك وتنسبونه إلى الله عز وجل؟
ثم قال: (أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) أي: المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة، وإذا خاصمت فلاعبارة لها بل هي عاجزة عيية أو من يكون هكذا ينسب إلى جناب الله عز وجل؟ فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن، في الصورة والمعنى، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي ومافي معناه ، ليجبر مافيها من نقص كما قال بعض شعراء العرب:       
وماالحلي إلا زينة من نقيصة -- يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
وأمـا إذا كان الجمال موفرا -- كحسنك لم يحتـج إلى أن يزورا
وأما نقص معناها فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار لا بعارة لها ولا همة كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت: ماهي بنعم الولد: نصرها بكاء وبرها سرقة.
قوله تعالى: (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم مايشتهون وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء مابشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء مايحكمون) قال السدي: بئس ماحكموا شيء لايرضونه لأنفسهم فكيف يرضونه لي؟ ثم قال سبحانه: (للذين لايؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهوالعزيز الحكيم) إلى قوله: (ويجعلون لله مايكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى).
قال مجاهد: قول كفار قريش لنا البنون ولله البنات، وقال قتادة: أي يتكلمون بأن لهم الحسنى الغلمان.
قوله تعالى: (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما),
قوله تعالى: (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) أي تجعلون له ولدا وتجعلون ولده أنثى وتختارون لأنفسكم الذكور فلو اقتسمتم أنتم ومخلوق مثلكم هذه القسمة لكانت قسمة ضيزى أي جورا باطلة فكيف تقاسمون ربكم هذه القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جورا وسفها.
قوله تعالى: (أم له البنات ولكم البنون).
قوله تعالى: (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين مالكم كيف تحكمون) قال قتادة: فكيف يجعل لكم البنين ولنفسه البنات مالكم كيف تحكمون إن هذا لحكم جائر.
قوله تعالى: (إن الذين لايؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ومالهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون).
الذكر مقدم لشرفه:
وجاء في سورة الأنعام التعرض للذكر والأنثى في قوله (قل آلذكرين حرم أم الأنثيين).
ويلاحظ تقديم الذكر لشرفه وأيضا يقدم في بعض المواضع لتقدم خلقه ولكونه الأصل كما في قوله (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى) (فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى).

ما أملك وما لا أملك.. حصول المساواة بين المرأة وبين ضرائرها في المنزلة والحظوة عند الرجل وضمان حقها في عدم تركها معلقة كأنها لا زوج لها

ما أملك وما لا أملك.. خطاب للأزواج وأهميتها للمرأة من جهة أنها تريح بالها من التفكير في حصول المساواة بينها وبين ضرائرها في المنزلة والحظوة عند الرجل، ومن جهة ضمان حقها في عدم تركها معلقة كأنها لا زوج لها.
والآية تسلية للرجال في عدم القدرة على ضبط عواطفهم ورغباتهم المختلفة تجاه الضرائر ونهي لهم عن الميل الكامل لواحدة على حساب الأخرى.
أما حصول بعض الميل فهو أمر لاشك، فيه قال ابن كثير في معنى الآية: لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه فإنه وإن حصل القسم الصوري ليلة وليلة فلابد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع .ا.هـ
ويظهر ذلك جليا في التعبير بـ (لن) التي تفيد التأبيد، وفي نفي استطاعة العدل لا نفي العدل فلم يقل سبحانه ولن تعدلوا بل قال (ولن تستطيعوا أن تعدلوا) ثم قوله جل وعلا (ولو حرصتم) دلالة على استحالة ذلك.
وعن عائشة قالت: كان رسول الله ص يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلاتلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب.
وعن ابن أبي مليكة قال: نزلت في عائشة يعني أن النبي (ص) كان يحبها أكثر من غيرها.
وقد ثبت أن النبي ص سئل من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة قيل له: من الرجـال؟ قال: أبوها.
وختم الله سبحانه هذه الآية بقوله: (وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما).
قال ابن كثير: أي إن أصلحتم في أموركم وقسمتم بالعدل فيماتملكون واتقيتم الله في جميع الأحوال غفر الله لكم ماكان من ميل إلى بعض النساء دون بعض.
أما منكوسو العقول فقد فهموا من الآية تحريم التعدد لعدم حصول العدل، فانظري ياابنتي أنى يؤفكون.

المرأة جزعة.. ضرب الخدود وشق الجيوب ونشر الشعر والدعاء بالويل والثبور والصياح والرنين

من ضعف المرأة وجزعها أنها عرفت بأعمال نهى الإسلام عنها ومن ذلك ضرب الخدود وشق الجيوب ونشر الشعر والدعاء بالويل والثبور والصياح والرنين ونحو ذلك.
وقد حدث ما يقاربه حتى مع خيرة النساء.
فسارة زوج إبراهيم عليه السلام عندما بشرت بالغلام قالت: ياويلتا، وصكت وجهها أي ضربت جبهتها.
وقال ابن عباس: لطمت، وأقبلت في صرة أي صرخة عظيمة ورنة.
وأما عائشة رضي الله عنها فروى ابن إسحق عنها أنها ضربت صدرها وجهها عند وفاته (ص)، وكانت تقول أنها فعلت ذلك من سفهها وحداثة سنها.

خروج المرأة مفتاح الفساد.. تعريضها نفسها للخلوة والاختلاط بالرجال الأجانب مترتب على خروج المرأة

في سورة هود تعرضت إحدى آياتها لشيء ترتب على خروج المرأة من بيتها وتعريضها نفسها للخلوة والاختلاط بالرجال الأجانب وهو ما صدر من بائع تمر أخذ قبلة من امرأة جاءت تشتري منه فأغراها بالدخول لدكانه ليتمكن مما أراد ثم ندم على ذلك وتاب ونزل قوله سبحانه: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) وفيها دلالة أيضا على فتنة الرجل بالمرأة وضعفه أمامها.

الحجاب الشرعي.. أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة

حجاب المرأة يشمل جميع جسدها واستثنى ابن عباس وغيره العين الواحدة لترى بها، وإذا أظهرت العينين فلاحرج لثبوت النقاب وإقرار النبي (ص) له لعائشة وغيرها، والأولى أن تسترهما بشيء يسمح لها بالرؤية.
ولا يجوز لها أن تضرب برجلها ليعلم أنها تلبس خلخالا ونحوه من الزينة الباطنة تشديدا في درء الفتنة وتضيقا عليها في الخروج.
ورخص لها فيما يظهر منها من لون الثياب أو من هبوب الرياح ونحو ذلك.
كذا منعت المرأة من التطيب إذا كانت سوف تمر على رجال أجانب.
هذا هو حجاب اللباس الذي ذكره الله سبحانه في سورة النور، وأشار إليه في سورة الأحزاب في قوله جل في علاه: (ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن).
قال ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.

الخروج من البيت وطبيعة المرأة.. المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ماتكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها

روى الترمذي وغيره عن ابن مسعود عن النبي ص: قال: إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ماتكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها, وقال ابن كثير: إسناده جيد.
وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث رحمه الله: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها.
وروى مسلم عن جابر أن رسول الله ص قال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان.. الحديث.
وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: احبسوا النساء في البيوت فإن النساء عورة وإن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وقال لها: إنك لاتمرين بأحد إلا أعجب بك.
وعن أبي برزة ض أنه جاء فلم يجد أم ولده في البيت وقالوا : ذهبت إلى المسجد فلما جاءت صاح بها فقال: إن الله نهى النساء أن يخرجن وأمرهن يقرن في بيوتهن ولايتبعن جنازة ولايأتين مسجدا ولايشهدن جمعة.
يعني إلا إذا أمنت الفتنة، لثبوت الإذن عن رسول الله ص في المساجد بشرط أن يخرجن وهن تفلات.
وروى ابن أبي شيبة عن عمر قال: استعينوا على النساء بالعري إن إحداهن إذا كثرت ثيابها وحسنت زينتها أعجبها الخروج.
وروي عنه أنه قال: عودوا نساءكم: لا.
وقد روي عن رسول الله ص قوله: أعروا النساء يلزمن الحجال.
يعني إذا قلت ثياب المرأة لزمت بيتها بل سريرها ذا الحجلة. أي الستارة.
وروي أن سودة بنت زمعة رضي الله عنها قالت: أمرني الله أن أقر في بيتي فوالله لا أخرج من بيتي حتى أموت, قال محمد بن سيرين: فوالله ماخرجت من باب حجرتها حتى أخرجت بجنازتها.

سورة النساء وضعف المرأة.. الدفاع عن حق المرأة ونصرة ضعف النساء في كثير من حقوقهن

الآن نتأمل سويا السورة التي سميت بسورة النساء لما تضمنته من أحكام كثيرة تتعلق بهن وتوصي بحقوقهن ونصرة ضعفهن وعجزهن وإصلاح أمرهن مع أزواجهن.
وقد بدأت بالتنبيه على ما نحن بصدده وما أكثرنا من الاستدلال عليه وهو النظر في بدء الخلق والتنبيه على دور المرأة في هذه الحياة فقال تعالى: (ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء).
وفي هذه الآية ملامح كثيرة منها التنصيص على أن أصل الخلق هو آدم عليه السلام والتنبيه على اختلاف خلق آدم عن خلق حواء في الطريقة والهدف بإعادة قوله خلق ولم يقل: خلقكم من نفس واحدة وزوجهاk مثلا، وكذا الإضراب عن ذكر حواء والتعبير عنها بما خلقت لأجله في قوله: زوجها وجعل هذا اللفظ توطئة لما يأتي من نتاج هذه الزوجية من النسل ثم إضافتها لضمير آدم لتبعيتها له ثم التعبير بقوله (منها زوجها) لا بقوله (زوجها منها) اهتماما بآدم واعتناء بأوليته ثم بدأ سبحانه بذكر الرجال قبل النساء لشرفهم وفضلهم ثم وصفهم بالكثرة.
ولم يصف النساء بذلك اكتفاء بوصف الرجال لأن النساء خلقن لهم فلاشك أنهن أيضا كثيرات بل أكثر.
هذه ملامح تسمى عند أهل العلم بلاغية وتتبعها يطول ولكنهـا لاشك مفيدة لما نحن بصدده.
وهذه السورة العظيمة لكونها تتعلق بنصرة ضعف النساء في كثير من حقوقهن جمعت في دفاعها عن حق المرأة الدفاع عن النوع الضعيف الآخر وهم اليتـامى ولذا قال رسول الله ص: اللهم إني أحرج حق الضعيفين المرأة واليتيم.
وقد كان أهل الجاهلية يتحرجون كثيرا في أمور اليتـامى ولا ينظرون في أمور النساء إلى شيء، ولا أريد الإطالة بالتفصيل في ماارتبط في حياتهم من أمور اليتامى وأمور النساء إلا أن الله سبحانه حصر الزواج في أربع من الزوجات بعد أن كان الرجل يتزوج بغير حصر أما التسري بالإماء فبقي على ما كان عليه غير منحصر بعدد معين.

كراهية النفخ في الشراب.. التنفس والنفخ في الإناء فيه أمراض صحية ومنافي للآداب الاجتماعية

عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ (ص) يَنْهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ؟ قَالَ: أَبُو سَعِيدٍ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لاَ أَرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: فَأَبِنِ الْقَدَحَ عَنْ فِيكَ ثُمَّ تَنَفَّسْ قَالَ: فَإِنِّي أَرَى الْقَذَاةَ فِيهِ، قَالَ: فَأَهْرِقْهَا.[1]
فمثلاً شرب أحد الناس ثلاثاً حسب السنّة ولكن في المرّة الثانية ترك الإناء على فمه وتنفّس بداخله، فأحياناً الزفير يحمل بعض الأمراض، فالسنّة ما بين الشربتين أبعِد القدح عن فيك، لذلك نهى النبيّ ص أن يتنفّس في الإناء أو ينفخ فيه لما في ذلك من الأمراض الصحيّة، والمنافاة للآداب الاجتماعية.
[1] - صحيح ابن حبان - (12 / 145) (5327) صحيح.

الحب والمال .. الحب أبقى من زيف المال الزائل

كانت العلاقة القائمة بين حسناء المدينة "حليمة" ذات السنوات العشرين وبين المحروس "حسين" الذي لم يكن يكبرها سوى بثلاث سنوات، علاقة حب بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فقد أحبها "حسين"  منذ نعومة أطفاره حباً عنيفاً جارفاً لا تحده الحدود أو تحجزه الحواجز.
ولم تكن الحسناء "حليمة" بالبليدة التي لا تفهم ما يجول في صدر هذا الفتى المتيم الذي "لا يهنأ عيشاً، ولا يقر له قرار، فبادلته الحب بحب والمشاعر المشاعر الصادقة والعواطف الجياشة بما يماثلها.
وصار فؤادها الجنون بين يدي هذا الفارس المغوار في دنيا الغرام.
ووجدت نفسها غارقة في هوى هذا الحبيب بين عشية وضحاها حتى راح طيف يطاردها أنى ذهبت وحيثما صارت.
وكانت "حليمة" تجد في هذه المعاناة لذة لم تجدها منذ أن تفتحت عيناها على المعالم.. كيف لا وقد أصبح الحب لها بمثابة وسادة مريحة تلجأ إليها كلما داهمتها جيوش الفراغ أو هواجس الوحدة.
وهكذا توثقت عرى المحبة بين قلبي الحبيبين فتعاهدا على الوفاء والزواج..
كانت الفتاة المولهة "حليمة" تنتمي إلى أسرة فقيرة تعاني مرارة الحاجة والعوز.. والدها حارس في أحدى المؤسسات الخاصة.. وما يتقاضاه في الشهر لا يكفي لتأمين نفقات العائلة.. فضلاً عن المستلزمات المدرسية لابنته الوحيدة.. أما الوالدة فكانت تقوم بتدبير شؤون المنزل، لا تخرج من بيتها إلا لماماً لاقتناء ما تحتاجه من الأواني المنزلية وغيرها.. وفيما كان الزوج يشتكي من قلة اليد وسوء الأحوال كانت الزوجة قانعة بقسمة الله للأسرة.. لا تسأل الناس الحافاً. يحسبها الجاهل غنية من التعفف.. أما الصغيرة "حليمة" فكانت تعيش في حالة مد وجزر.. مرة تقف في صف والدها لتلعن الظروف القاسية التي ألمت بالأسرة منذ عهد سحيق.. وأخرى تميل إلى جانب الوالدة فتحمل صعوبة الحياة وترضى بما كتب الله للأسرة من رزق معلوم.. وربما حاولت عدم الخضوع للواقع المرير لكنها سرعان ما تفيق من غفلتها وغيبوبتها بعد لحظات .. لتتأسى بالإمام الشافعي حين يقول:
لو كانت الدنيا تنال بفطنة..
وفضل وعقل نلت أعلى المراتب
...ولكنما الأرزاق حظ وقسمة
بفضل مليك لا بحيلة طالب
هذا ما كان من أمر أسرة "حليمة" وأما ما كان من شأن أسرة المحروس "محمود" فلم تكن حالتها بأفضل من حالة أسرة فتاة أحلامه.. فالطيور في غالب الأحوال على أشكالها تقع.. وهكذا تآلف القلبان المتيمان قبل اتحاد الجسدين.. فناما على أسرة الورود والزهور قريري العينين دون أن يعبرا أدنى اهتمام لما تأتي به الأيام القادمان وما تخفيه بين ثناياها من مفاجآت.. بل نسيا أو تناسيا حوادث الدنيا وعاديات الأيام...
يا نائم الليل مسروراً بأوله  .... إن الحوادث قد تأتين أسماراً
كان "مراد" قد قضى شطراً كبيراً من عمره في الخارج وتنقل بين الكثير من المدن الأوروبية وعمل لسنوات طويلة في بعض المؤسسات الخاصة والعامة حتى جمع مبالغ كبيرة ما جعله من أثرياء البلاد.. لكنه اليوم يفتقر إلى تلك الفتوة والحيوية والنشاط.. حين كان شاباً في ربيع عمره.. عاد اليوم إلى مسقط رأسه ليتم مشوار حياته ويهندس لمستقبله ويدخل القفص الذهبي "الزواج" حتى يخلف وراءه من الأبناء من يخلد ذكره عبر الأجيال إنه في حاجة إلى امرأة متزنة وهادئة تنسيه كل الهموم والغموم التي أقضت مضجعه طيلة السنوات الماضية من عمره لكنه كان يعشق الجمال المرصع بالأخلاق الفاضلة والسجايا في المرتبة الأولى في تلك المواصفات لدى بعض الرجال وما دونه يهون .. بعث "مراد الرسل والوفود حتى يعثروا على ضالته وزوجته المستقبلية .. فلم تستغرق رحلة البحث سوى أيام معدودة حتى وقع الخيار على صاحبة العينين الساحرتين "حليمة" فهي فعلاً جوهرة ثمينة ... لم يتردد لكنه وجدد الطرق المؤدية إلى قلب الحسناء مسدودة.
وبعد تفكير طويل اهتدى إلى الحل المنشود.. ذهب إلى والدة الحسناء "حليمة طالباً يد عزيزته، متقهداً بتوفير الحياة الكريمة والمعيشة الراضية لها وللعائلة كلها.. ولأن الوالد.. يغفر الله له - لم يكن يدري ما يدور وراء الأبواب المغلقة أعلن موافقته بعد أن تأكد بأن "مراد" يمكن أن يسعد ابنته مادياً على الأقل ورأى أنه قد آن الأوان لتودع الأسرة سنوات الفقر والحاجة ولتبدأ حياة جديدة تتوفر فيها كافة مقومات الحياة السعيدة.. وما هي أيام قليلة حتى بدأت مراسم الزواج وانتقلت "حليمة" إلى عش الزوجية والدموع تنهمر من عينيها الجميلتين .. جلست في داخل قصر مشيد تندب حظها التعس وتبكي بكاءً مراً.. تلعن المال ورجال المال الذين لا يعرفون عن المشاعر الإنسانية شيئاً ولا يجيدون إلا لغة المال.. بالأمس القريب كانت تلعن الفقر وقلة اليد.. واليوم ها هي تلعن المال.. فسبحان مغير الأحوال ومقسم الأرزاق...

بين الحب الحقيقي والحب الزائف .. يدفع الإنسان إلى الحياة وينتشله من الضياع وينير له الطريق

الحب أعزك لله أوله هزل وأخره جد بهذه المقولة بدأ ابن حزم الأندلسي مقدمته الرائعة في كتابه الشهير طوق الحمامة حول الحب والغرام.
وهذا مما يؤكد أن مسألة الحب والغرام ليست وليدة عصر معين بل تمتد جذورها إلى ما قبل التاريخ هناك من أحب من الملوك والأمراء.
فمنهم من مات لأجله وها هو ابن حزم الأندلسي يذكر لنا في كتابه طرائف العشاق ونوادرهم يصور لنا حياتهم شقائهم وسعادتهم.
ومن الحب ما قتل إنها قضية أزلية باقية مادامت شمعة الحياة تضيء بنورها الخافت.
هذه الطبيعة وما عليها كانت ولا تزال الطبيعة مبعثا للحب والإلهام وتزود لقلوب البائسة بأشياء نورانية تغرس فيها الحب والمودة.
لست هنا بصدد تعريف جديد للحب ولا كباحث يستأنف دراسته حول محور جديد لم يسبقه إليه أحد، إنما أريد بهذه  الكلمات المتواضعة وسطورها القليلة أن أضع النقاط على الحروف لأقطف زهرة من كل بستان متجنبا أشواكه  بحنكة ليقطر القلم أصفى رحيق على صفحات القرطاس.
ولا أدعى أيها القارئ أني أصور لك ما عجز عن وصفه الفلاسفة والكتاب والمفكرين ولا أن أبرز لك جوانب مخفية لم تصل إليه أقلام هؤلاء الجهابذة بل سأرسم لك الخطوط على سطورهم حتى تعطي الكلمات لوناَ أخر غير المعتاد.
وللحب أنواع وأشكال يتيه في أفلاكه عديم التجارب هناك حبٌّ من النظرة الأولى لكنها ليست ككل النظرات قد تكون نظرة مسروقة يرف لها الجفن ويزيد لها القلب حفقانه بشكل لم يسبق له مثيل كمن يستشعر الخطر.
إنه هو الحب الذي يتسرب إلى النفوس دون إنذار مسبق.
وأهم من يظن أن الحب يستأذن القلوب قبل اقتحامها قد يكون هذا بمثابة نقطة سوداء في كتب الغرام، ويستمر هذا الحب فترة غير قصيرة إذا كان التفاهم قائم بين الحبيبين بل سيدوم إلى الأبد إن لم يعكر صفوه معكر.
الحب الحقيقي هو الذي لا يتبدل لونه ولا يتغير طعمه ولا تتلون صبغته هو كالأوتاد لا تحركه العواصف ولا تهزه الحوادث.
هو ذلك النبراس الذي يضيء القلوب ويهذب النفوس.
إنه يدفع الإنسان إلى الحياة وينتشله من الضياع وينير له الطريق يحوله إلى رجل معافى سليم من كل الانحرافات.
هذا هو الحب الذي  يسعد به الإنسان ويواصل لأجله الحياة لأنه نابع من منهل صافي .
الحب الزائف هذا النوع من الحب يقوم على المصالح الشخصية.
وهو منتشر في عصرنا في المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء من جراء العولمة التي تعولم العلاقات الإنسانية والاجتماعية و تمجد المنكرات بعيدا عن الصفات الحميدة.
غالبا ما يكون هذا الحب فاشلاَ وينتهي بالفراق لأنه لم يكن مبنيا على مبدأ الود والتفاهم وإنما كان قائما على المصالح الشخصية ويختفي باختفاء هذه المصالح.
قد يتحول هذا الحب إلى عذاب يؤنب الضمير ويعرض صاحبه إلى أزمات نفسية خطيرة لا تحمد عقباه ويكون سبباً لتدمير حياته.
لذا يجب على المرء أن ينظر إلى نفسه ويبتعد عن المصالح التي  قد تعرضه إلى هذه المشاكل ويرجع إلى فطرته الأولى.
 ومن الحب ما قتل.

انتصار الحب.. الحب إظهار الجسم الجميل حاملًا للجسم الآخر كل أسراره تسيل النفس من رقته لتدمر صلابة الصخر

كل ما يكتب عن حبيبين لا يفهم منه بعض ما يفهم من رؤية وجه أحدهما ينظر إلى وجه الآخر.
وما تعرفه العين من العين لا تعرفه بألفاظ، ولكن بأسرار..
والغليل المتسعر في دم العاشق كجنون المجنون: يختص برأسه وحده.
وضمة المحب لحبيبه إحساس لا يستعار من صدر آخر، كما لا يستعار المولود لبطن لم يحمله.
وكلمة القبلة التي معناها وضع الفم، لن ينتقل إليها ما تذوقه الشفتان!
ويوم الحب يوم ممدود، لا ينتهي في الزمن إلا إذا بدأ يوم السلو في الزمن..
فهل يستطيع الخلق أن يصنعوا حدًّا يفصل بين وقتين لينتهي أحدهما..؟
وهبهم صنعوا السلوان من مادة النصيحة والمنفعة، ومن ألف برهان وبرهان، فكيف لهم بالمستحيل، وكيف لهم بوضع السلوان في القلب العاشق؟
وإذا سالت النفس من رقة الحب، فبأي مادة تصنع فيها صلابة الحجر..؟
وما هو الحب إلا إظهار الجسم الجميل حاملًا للجسم الآخر كل أسراره، يفهمها وحده فيه وحده؟
وما هو الحب إلا تعلق النفس بالنفس التي لا يملؤها غيرها بالإحساس؟
وما هو الحب إلا إشراق النور الذي فيه قوة الحياة، كنور الشمس من الشمس وحدها؟
---------------
* شغلتنا مقالات "القلب المسكين" عن الكتابة في حادثة "القلب المسكين الأعظم"، قلب الملك إدوارد عندما وقعت الحادثة.
قلت: وحادثة تخلي الملك إدوارد عن عرش الإمبراطورية البريطانية في سنة 1936 من أجل امرأة- ذائعة مشهورة.
وهل في ذهبت الدنيا وملك الدنيا ما يشتري الأسرار، والإحساس، وذلك النور الحي؟..
فما هو الحب إلا أنه هو الحب؟
ما هو هذا السر في الجمال المعشوق، إلا أن عاشقه يدركه كأنه عقل للعقل وما هو هذا الإدراك إلا انحصار الشعور في جمال متسلط كأنه قلب للقلب؟ وما هو الجمال المتسلط بإنسان على إنسان، إلا ظهور المحبوب كأنه روح للروح؟ ولكن ما هو السر في حب المحبوب دون سواه؟.. هنا تقف المسألة وينقطع الجواب.
هنا سر خفي كسرِّ الوحدانية؛ لأنها وحدانيته "أنا وأنت".
ناقشوا الحب؛ فقالوا: أصبحت الدنيا دنيا المادة، والروحانية اليوم كالعظام الهرمة لا تكتسي اللحم العاشق..
وقال الحب: لا بل المادة لا قيمة لها في الروح؛ وهذا القلب لن يتحول إلى يد ولا إلى رجل..
ناقشوا الحب؛ فقالوا: إن العصر عصر الآلات، والعمل الروحي لا وجود له في الآلة ولا مع الآلة..
قال الحب: لا، يصنع الإنسان ما شاء، ويبقى القلب دائمًا كما صنعه الخالق..
وقالوا: الضعيفان: الحب والدين، والقويان: المال والجاه؛ فبماذا رد الحب..؟
جاء بلؤلؤة روحانية في "مسز سمبسون"؛ ووضع لها في ميزان المال والجاه أعظم تاج في العالم إدوارد الثامن "ملك بريطانيا" العظمى وإرلندا والممتلكات البريطانية فيما وراء البحار وملك-إمبراطور الهند".
وتنافست الروحانية والمادية، فرجع التاج وما فيه إلا أضعف المعنيين من القلب.
وأعلن الحب عن نفسه بأحدث اختراع في الإعلان، فهز العالم كله هزة صحافية:
الحب. الحب. الحب. ...
"مسز سمبسون"، تلك الجميلة بنصف جمال، المطلقة مرتين. هذا هو اختيار الحب!
ولكنها المعشوقة؛ وكل معشوقة هي عذراء لحبيبها ولو تزوجت مرتين؛ هذا هو سر الحب!
ولكنها الفاتنة كل الفتنة، والظريفة كل الظرف، والمرأة كل المرأة، هذا هو فعل الحب!
ولكنها العقل للأعصاب المجنونة، والأنس للقلب المستوحش، والنور في ظلمة الكآبة؛ هذا هو حكم الحب!
ومن أجلها يقول ملك انجلترا للعالم: "لا أستطيع أن أعيش بدون المرأة التي أحبها"؛ فهذا هو إعلان الحب..
إذا أخذوها عنه أخذوها من دمه، فلذلك معنى من الذبح.
وإذا انتزعوها انتزعوها من نفسه، فذلك معنى من القتل.
وهل في غيرها هي روح اللهفة التي في قلبه، فيكون المذهب إلى غيرها؟ لكأنهم يسألونه أن يموت موتًا فيه حياة.
وكأنهم يريدون منه أن يجن جنونًا بعقل.. هذا هو جبروت الحب!
وللسياسة حجج، وعند "مسز سمبسون" حجج، وعند الهوى..
التاج، الملكية، امرأة مطلقة، امرأة من الشعب؛ فهذا ما تقوله السياسة.
ولكنها امرأة قلبه، تزوجت مرتين؛ ليكون له فيها إمتاع ثلاث زوجات؛ وهذا ما يقوله الحب!
واللحظة الناعسة، والابتسامة النائمة، والإشارة الحالمة، وكلمة "سيدي"1؛ هذا ما يقوله الجمال.
---------------
1 لا تخاطب "مسز سمبسون" إدوارد إلا بكلمة "سيدي"، ولا تتحدث عنه ولا تسميه إلا قالت "سيدي". ولن يأمر الحب أمره بأبلغ ولا أرق من كلمة العبودية اللطيفة هذه حين تنطق بها المرأة في صوت قلبها وغريزتها؛ وقد كان هذا أدب نساء الشرق مع أزواجهن، أما اليوم..
وانتصر الحب على السياسة. وأبى الملك أن يكون كالأم الأرملة في ملك أولادها الكبار..
العرش يقبل رجلًا خلفًا من رجل، فيكون الثاني كالأول.
والحب لا يقبل امرأة خلفًا من امرأة، فلن تكون الثانية كالأولى.
وطارت في العالم هذه الرسالة: "أنا إدوارد الثامن ... أتخلى عن العرش وذريتي من بعدي"!
"وأعلن الحب عن نفسه بأحدث اختراع في الإعلان؛ فهز العالم كله هزة صحافية".
الحب. الحب. الحب ...
مصطفى صادق الرافعي

الحب والخيانة.. السحر الذي يأسر القلوب ويزيد من تعلقها

اقتربت الشمس من الغروب تاركة وراءها احمراراً في السماء وكان زميلي "محمود" وصديقه "علي" يذهبان لزيارة بيت لم يكن زميلي يعرف  ساكنه  ولكن استجاب لطلب صديقه، وعندما وصلا طرق صديقه الباب بلطف واحترام، وإذا بحسناء تفتح الباب وتستقبلهم بابتسامة تجلي ما يحمل قلبها من حب وحنان.
فوقع عين زميلي "محمود" على عينيها وخفق قلبه خفقات قوية كمن لمسه تياراً كهربائي لكنه تمالك نفسه وتظاهر بابتسامة عريضة ثم دعتهما إلى دخول غرفة الجلوس وجلست بجوارهما بعد أن أحضرت لهما شراباً، بدأ صديقه الكلام بالتعارف فيما بينهما "فاطمة" أعرفك صديقي وأعز الناس عندي بل أخي اسمه "محمود" فقالت وهي مبتسمة تشرفت بمعرفتك وأنا "فاطمة" فأجابها اسم على مسمى.
ثم تجاذب الثلاثة أطراف الحديث وبدأ "محمود" يطأطئ رأسه ويجول بخياله في محيطات لا بداية ولا نهاية لها، يفكر بهذه الفتاة.
لقد تعلق بها، وكان يقول في نفسه ماذا ستفعل لو قيل لك إنها مرتبطة بصديق آخر؟ وكان يتساءل متى تجلسان معاً - يخاطب قلبك قلبها عن قرب لا حائل بينكما تشربان كأس الحب في حديقة يسودها الهدوء والسكون لا يقطع سكونها إلا كلماتها العذبة وابتسامتها الجميلة، قاطعه صديقه "محمود" وردد لا لا، أنا معكم فقط أشتكي من وجع في رأسي، قالت "فاطمة" بصوت ممزوج بلطف آتي لك بقرص لعله يخفف عند الوجع رد عليها لا تتعبي نفسك فأجابته لا يتعبني هذا، هذا واجبي نحو ضيف عزيز عليَ.
هدأت أعصابه وخفت دقات قلبه، نادت أختها الصغيرة، خذي هذه الفلوس واشتري لي قرص الوجع من الدكان.
عادت أختها بسرعة البرق فأعطته القرص وكوباً بارداً من الماء، كان يراقب يديها الجميلتين فتناول منها بيد ترتعش وأردف أشكرك جزيل الشكر ثم واصلوا الحديث صديقه يتحدث ويضحك أما "محمود" فكان يعلق ببعض الكلمات البسيطة مرة ويسبح مرة أخرى في بحر الخيال ويعيش لحظات في كون آخر يختلف عن هذا الكون ليس فيه ضوضاء ولا ضجيج كون كل ما فيه ساكن لا أحد يتكلم مع الآخر فأطعمته "فاطمة" هل زال عنك الوجع؟ أجابها بنعم أشكرك ثم أردفت إذا لماذا لا تتحدث؟
لا تخجل البيت بيتك واعتبرني كأني أختك، حاول التحدث وتمتم بكلمات... نظر إلى الساعة وفهم صديقه "علي" معنى ذلك.
واستأذن منها للذهاب فاصطحبتهما إلى الخارج وسادهم سكون عابر قاطعه "محمود" بكلمة نالت إعجابها، ووجه كلامه صوب صديقه "فاطمة" لماذا لم تعرفني من قبل على هذه الفتاة الجذابة واللطيفة والرائعة إنها تأخذ بالألباب من أول وهلة.

ظهرت عليها علامات الاستحياء والرضي عن كلامه وقرأ في وجهها أنها تقول له: وأنت تأسر القلوب أيضاً ثم أردف إلى اللقاء وما إن خطا بعض الخطوات حتى سأل صديقه أمرتبطة أم لا لاحظ تغيرات وجهه فأجابه بــ لا.
طار من شدة الفرح وتفوه لو قلت لي غير ذلك لوقعت على الأرض مغشياً على لقد ملكت فؤادي إنها فتاة ليست كباقي الفتيات، إنها من حور العين كلامها عذب ونظراتها حانية وحركاتها لطيفة أجابه صديقه لقد أحسنت الاختيار هل تريدها فعلاً لا تقلق هي بين يدي لا ترفض لي طلباً.
قبّل رأسه وهتف أحبك يا صديقي أنت تقف دائماً إلى جانبي أسأل الله أن ندخل الجنة معاً.
افترقا في تلك الليلة المقمرة ذهب "محمود" إلى بيته وهو يفكر فيها إنها أسرت قلبه بل كل جوارحه لا تفارقه لحظة.
طلب من إخوانه على عجل أن يعطوه العشاء فتناوله بسرعة ثم صلى صلاة العشاء واستلقى على فراشه يداعب النجوم حتى غلبه النعاس فنام متأخراً في تلك الليلة.
في الصباح الباكر طرقت أمه باب غرفته يا "محمود" الوقت متأخر جداً، الا تذهب اليوم إلى المدرسة، نهض متثاقلاً وتناول الفطور بسرعة وذهب إلى المدرسة.
جلس على مقعده دخل عليه أستاذ الحصة الأولى وبدأ يشرح الدرس لكن "محمود" لم يكن موجوداً كان جسمه في الفصل أما روحه فكانت تخاطب روحها، إنها تتجول في أرض لا سماء لها، إنه يشعر بالسعادة التامة عندما يأتي طيفها، نبهه الأستاذ بسؤال فرفع رأسه وأفاق كمن لدغه ثعبان دخل عليه أستاذ تلو الآخر وهو في حالته تلك إلى أن دق الجرس، هب منتفضاً وسأله جاره في الفصل ما بك اليوم يا "محمود"؟ تظاهر له بالمرض، فدعا له بالشفاء العاجل.
عاد إلى البيت وهو يجر رجليه من شدة النعاس لم ينم جيداً البارحة، تناول الغذاء ولم يكلم أحداً في البيت ذهب إلى غرفة نومه ولم يستيقظ إلا قبيل المغرب صلى صلاة العصر متأخراً وخرج من البيت وهو ينشد أغاني العشق والحب، إنها نقطة التحول في حياته ، في السابق كان يفكر فقط في التحصيل الدراسي وكان يعاتب أصدقاءه إذا حدثوه بأنهم يحبون أو يتعلقون بفتاة، ولكن الآن تيقن أن لهن سحراً يأسر القلوب فتصبح ملكاً لهن.
التقى بصديقه في المكان المحدد تعانقا وقال له صديقه اليوم سنخبرها بالأمر، دقت نبضات قلبه بسرعة وتغيرت ملامح وجهه واصل صديقه الكلام لا تخف قلت لك نحن أصدقاء منذ زمن طويل  وهي لا ترفض رجلاً مثلك.
فرح "محمود" وهدأت أعصابه ورفع كتفيه ورأسه وتمتم "فاطمة" لي لي...
وذهب صوب المنزل وقد حفظ بعض الفكاهات لعله يضحكها لتطفئ ابتسامتها نار قلبه.....

فصام الحب والزواج.. الزواج نقطة تحول من الحب إلى اللاحب. استفحال ظاهرة العلاقات العاطفية العابرة التي لاترسم حدودا فاصلة بين الحلال والحرام

ألهم الشعراء في قصائدهم وتغنى به الفنانون والمطربون في أغانيهم واستلهم الرواة والقصاصون من مملكته أحداثا وأبطالا في مخيلاتهم، قيل عنه الكثير من أقوال وحكم تحمل مفارقات حتى غابت حقيقته، حيّر الصغار والكبار والشيوخ، رجالا ونساءا، أغنياء وفقراء، عظماء وبسطاء، من دخل مملكته وتجرع من مائه العذب وحمل جنسية الانتماء له، لقّب بالعاشق المحب الولهان، بعد تذوقه وجده البعض نعيم الأشواق، وألفاه آخرين جحيما لايطاق، بدونه لا طعم للحياة، والحياة به مرارة وعلقم.
إنه الحب... يغمر كل مكان وزمان، في الطبيعة والحيوانات والنباتات والأشجار، نجده بألوان شتى تختلف حسب الدين والوطن وحتى العمل.
لكن جل ما يروى ويحكى هو حب النقيضين: الرجل والمرأة ...
نظرات وكلمات وهمسات وأشواق وفراق ثم صلح ولقاء ثم جفاء وعتاب، ومع ذلك نجد تسامحا وتواضعا وابتسامة...
لننظر نظرة متأمل لعالم العشاق، في المقاهي، أو في الحدائق أو في الجامعات أو الثانويات والمدارس أو في الشركات أو الأحياء، سنجد ثنائيا متناغما يظهر عليهم التجانس من خلال مشيتهم وتشابك أيديهم حتى تغيب المسافة الفاصلة بينهما... منظر جميل ورومانسي وأجمل مافي هذا المشهد هونهاية جميلة تكلل بالزواج بليلة صاخبة وعرس يحمل مالذ وطاب من الأكل والشرب...
لكن ... لماذا تتوقف المشاهد التي ألفناها فيما قبل الزواج، نتحدث عن حرارة الحب، إذ سرعان ماتخبو نار الأشواق والنظرات، وتذبل الابتسامة، أهي الحلقة الأخيرة كما هومألوف في المسلسلات العاطفية، هل يمكن أن يكون الزواج نهاية الحب أم بداية نهايته ؟
لماذا لا تستمر الأحلام الوردية كما كان في الأمس القريب وتتغير إلى كوابيس تنتهي بشقاق وفراق ثم إلى طلاق؟
هل ترجع أسباب الطلاق إلى خلل في الحب؟
أم في أحد الطرفين " أقصد الرجل والمرأة " لأسباب نفسية؟
أم توجد مشاكل اجتماعية ترجع في أصلها إلى التنشئة الاجتماعية؟
ألا يمكن أن تكون بعض أسباب الهجر والطلاق ترجع إلى هشاشة البنية الاقتصادية والاجتماعية؟
أم يمكن الحديث عن غضب إلاهي لاستفحال ظاهرة العلاقات العاطفية العابرة التي لاترسم حدودا فاصلة بين الحلال والحرام؟
كيف يمكن أن يكون الزواج نقطة تحول من الحب إلى اللاحب مع العلم أن الزواج مؤسسة وحكمة إلاهية؟
نستغرب كلما سمعنا زوجين حديثي العهد بالزواج في منازعات شقاق في المحكمة يبذل كل طرف أقصى جهده للتخلص من الآخر رغم محاولات الصلح بين الطرفين ، ثم نتساءل هل ماكان بينهما حبا أم شيئا آخر، لقد عبر عن ذلك الفيلسوف اليوناني أرسطو عندما قال ان الحب الذي ينتهي ليس حبا حقيقيا ... عندما نتأمل هذه المفارقة سنخلص إلى نتيجتين: إما أن الطرفين لا يعرفان معنى الحب أو لنقل ثقافة الحب أو أنهما لا يعرفان ثقافة الزواج وبالتالي سقطا في حالة فصامية ولم يستطيعا التأقلم مع الوضعية الجديدة.

القلب المسكين.. لمسة يد الرجل ليد المرأة الجميلة نوع مخفف من التقبيل ويحرم السفور على النساء إلا العجائز والذميمات

وأما هو فحدثني بهذا الحديث العجيب من لطائف إلهامه وفنه، قال: انصرفت إلى داري وقد عز عليَّ أن يكون هذا منها وأن يكون هذا مني، وهي إن غابت أو حضرت فإنها لي كالشمس للدنيا: لا تظلم الدنيا في ناحية إلا من أنها تضيء في ناحية؛ فظلمتها من عمل نورها؛ وكانت ليلتي فارغة من النوم فبت أتململ، وجعل القلب يدق في جنبي كأنه آلة في ساعة لا قلب إنسان؛ وكان في الدنيا من حولي صمت كصمت الذي سكت بعد خطبة طويلة، وفي أنا صمت آخر كصمت الذي سكت بعد سؤال لا جواب عليه؛ وكان الهواء راكدًا كالسكران الذي انطرح من ثقله السكر بعد أن هذى طويلًا وعربد؛ والوجود كله يبدو كالمختنق؛ لأن معنى الاختناق في قلبي وأفكاري؛ ونظرت نظرة في النجوم فإذا هي تتغور نجمًا بعد نجم، كأن معنى الرحيل انتشر في الأرض والسماء إذ رحلت الحبيبة؛ وكأن كل وجه مضيء يقول لي كلمة: لا تنتظر!
فلما عسعس الليل رميت بنفسي فنمت والعقل يقظان، وصنعت الأحلام ما تصنع، فرأيتها هي في تلك الشفوف التي ظهرت فيها عروسًا؛ وما أعجب كبرياء المرأة المحبوبة! إنها لتبدو لعيني محبها كالعارية وراء ستر رقيق يشف عنها كالضوء، ثم تدل بنفسها أن ترفع هذا الستر، فإن لم يتجرأ هو لم تتجرأ هي؛ وكأنها تقول له: قد رفعته بطريقتي فارفعه أنت بطريقتك..
وكانت مصورة في الحلم تصويرًا آخر؛ فلا ينسكب من جسمها معنى الحسن الذي أتأمله وأعقله، ولكن معنى السكر الذي يترك المرء بلا عقل؛ ولم تكن غلائلها عليها كالثياب على المرأة، ولكنها ظهرت لي كاللون على الوردة الزاهية: تظهر فتنة وتتم فتنة.
أيتها الأحلام، ماذا تبدعين إلا مخلوقات الدم الإنساني، ماذا تبدعين؟
قلت: يا صديقي دع الآن هذه الفلسفة وخذ في قص ما رأيت، ثم ماذا بعد الوردة ولون الوردة؟
قال: إنه القلب المسكين دائمًا، إنه القلب المسكين، لقد ضحكت لي وقالت: ها أنذا قد جئت! وأقبلت ترائيني بوجهها، وتتغزل بعينيها، وتتنهد بصدرها، وألقت يديها في يدي، فأحسست اليدين تتعانقان ولا تتصافحان؛ ثم تركناهما نائمتين إحداهما على الأخرى، وسكتنا هنيهة وقد خيل إلينا أننا إذا تكلمنا استيقظت يدانا!
أما صافحتك امرأة تحبها وتحبك؟ أما أحسست بيدها قد نامت في يدك ولو لحظة؟ أما رأيت بعينيك نعاس يدها وهو ينتقل إلى عينيها فإذا هما فاترتان ذابلتان، وتحت أجفانهما حلم قصير؟
قلت: يا صديقي دع الفلسفة؛ ثم كان ماذا بعد أن نامت يد على يد؟
قال: ثم كانت سخرية من الشيطان أقبح سخرية قط.
قلت: حسبي لكأنك شرحت لي ما بقي..
فضحك طويلًا، وقال: إن الشيطان يسخر الآن منك أيضًا، وكأني به يقول لك: وكان ما كان مما لست أذكره.. أفتدري ما الذي كان وما بقية الخبر؟
لقد كنت مولعًا بامتحان قوتي في الضغط بيدي على أعواد منصوبة من الحديد، أو على أيدي الأقوياء إذا سلمت عليهم1؛ فلما صافحتني لبثت مدة من الزمن ثم شددت على يدها قليلًا قليلًا، فتنبهت في هذه العادة، فمسخت الحلم وانصرف وهمي إلى أقبح صورة وأشنعها وأبعدها مما أنا فيه من الحب ولذات الحب؛ فإذا بإزائي وجه، وجه من؟ وجه مصارع ألماني كنت أعرفه من عشرين سنة وأضغط على يده..
قلت: إنما هذه كبرياؤك أو عفتك تنبهت في تلك الشدة من يدك، ولا يزال أمرك عجيبًا؛ فهل معك أنت ملائكة ومع الناس شياطين؟
قال: والذي هو أعجب أني رأيت في أضغاث أحلامي كأن قلبي المسكين يخاصمني وأخاصمه؛ وقد خرج من أحناء الضلوع كأنه مخلوق من الظل يرى ولا يرى إذ لا شكل له؛ وسبني وسببته، وقلت له وقال لي، وتغالظنا كأننا عدوان؛ فهو يرى أني أنا أمنعه لذاته، وأرى أنه هو يمنعني، وأنه أشفى بي على ما أشفى؛ وقلت له فيما قلت: لا قرار على جنايتك، فاذهب عني ولا تتسم باسمي فإنه لا فلان لك* بعد اليوم؛ ولولا أنك مخذول في الحب لعلمت أن لمسة يد الرجل ليد المرأة الجميلة نوع مخفف من التقبيل، فإذا هي تركته يرتفع في الدم انتهى يومًا إلى تقبيل فمه لفمها؛ ولولا أنك مخذول في الحب لعلمت أن هذا الضم بين اليدين نوع مخفف من العناق، فإذا هي تركته يشتد في الدم انتهى يومًا إلى ضم الصدر للصدر؛ ولكنك مخذول في الحب، ولكنك مخذول!.
وقال لي فيما قال: وأنت أيها الخائب؟ أما علمت أن أناملها الرخصة هي أناملها، لا أعوادك من الحديد؟ فكيف شددت عليها ويحك تلك الشدة التي أخرجت لك وجه المصارع؟ ولكنك خائب في الحب، ولكنك خائب!
قلت: فهذه قضية بيني وبينك أيها القلب العدو؛ لقد تركتني من الهموم كالشجرة المنخربة قد بليت وصارت فيها التخاريب؛ فلا حياتها بالحياة ولا موتها بالموت، وكم علقتني بفاتنة بعد فاتنة لا عنها إقصار ينتهي ولا فيها مطمع يبتدئ؛ ما أنت فيّ إلا وحش أكبر لذته لطع الدم!
واستدار الحلم فلم ألبث أن رأيتني في محكمة الجنايات، وكأني شكوت قلبي إليها فهو جالس في القفص الحديدي بين المجرمين ينتظر ما ينتظرون من الفصل في أمرهم؛ وقد ارتفع المستشارون الثلاثة إلى منصة الحكم، وجلس النائب العام في مجلسه يتولى إقامة الدعوى وبين يديه أوراقه ينظر فيها، ورأيت منها غلافًا كتب على ظاهره: قضية القلب المسكين.
وتكلم رئيس المحكمة أول من تكلم فقال: ليس في قضية القلب محامٍ، فابغوه من يدافع عنه؛ ثم التفت إليه وقال: من عسى تختار للدفاع عنك؟
قال القلب: أوَهنا موضع للاختيار يا حضرة الرئيس؟ إنه ليس تحت هذه -وأومأ إلى السماء- ولا فوق هذه -وأومأ إلى الأرض- إلا...
فبدر النائب العام وقال: إلا الحبيبة؟ أكذلك؟ غير أنها أستاذة في الرقص لا في القانون!
- القلب: ولكنني لا أختار غيرها محكومًا لي أو محكومًا علي؛ أنا أريد أن أنظر فيها وانظروا أنتم في القضية..
- الرئيس: فليكن؛ فهذه جريمة عواطف إيذن لها أيها الآذن.
فنادى المحضر*: الأستاذة! الأستاذة!
وجاءت مبادرة، ودخلت تمشي مشيتها وقد افتر ثغرها عن النور الذي يسطع في النفس؛ وأومضت بوجهها يمينًا وشمالًا، فصرف الناس جميعًا أبصارهم إليها وقد نظروا إلى فتنة من الفتن؛ وثارت في كل قلب نزعة، وغلبت الحقيقة البشرية فانتقضت طباع الموجودين في قاعة الجلسة، وأبطل قانون جمالها قانون المحكمة، فوقعت الضجة وعلت الأصوات واختلطت؛ وترددت بين جدران المكان صدى في صدى كأن الجدران تتكلم مع المتكلمين.
أصوات أصوات: سبحان الله! سبحان الله! تبارك الله! تبارك الله! آه آه! آه آه! وسمع صوت يقول: اتهموني أنا أيضًا.. فنفرت الكلمات: وأنا، وأنا، وأنا! واختفت المحكمة وانبعث المسرح بدخول فاتنته الراقصة؛ وكان المستشارون والنائب العام في أعين الناس كأنهم صور معلقة على الحائط؛ لا يخشاها أحد أن تنظر إلى ما يصنع!
فصاح الرئيس: هنا المحكمة! هنا المحكمة! سبحان الله.. المحكمة المحكمة!
-النائب العام: هذا بدء لا ترضاه النيابة ولا تقبل أن تنسحب عليه، نعم إن هذا الوجه الجميل أبرع محام في هذه القضية، ونعم إن جسمها.. آه ماذا؟ إنكم تأتون بالشهوة الغالبة القاهرة لتدافع عن المشتهي.. عن المتهم، هذا وضع كوضع العذر إلى جانب الذنب، وكأنكم يا حضرات المستشارين..
فبدرت المحامية تقول في نغمة دلال وفتور: وكأنكم يا حضرات المستشارين قد نسيتم أن النائب العام له قلب أيضًا...
واشتد ذلك على النائب، وتبين الغضب في وجهه؛ فقال: يا حضرة الرئيس..
-الرئيس مبتسمًا: واحدة بواحدة، وأرجو ألا تكون لها ثانية، ومعنى هذا كما هو ظاهر ألا تكون لها ثالثة.. "ضحك".
---------------
* هو الموظف الذي يكون في الجلسة للنداء على الخصوم.
قال صاحب القلب المسكين: وكنت بلا قلب.. فلم ألتفت للجمال، بل راعني ذكاء المحامية ونفاذها وحسن اهتدائها إلى الحجة في أول ضرباتها، وتعجبت من ذلك أشد التعجب، وأيقنت أن النائب العام سيقع في لسانها، لا كما يقع مثله في لسان المحامي القدير، ولكن كما يقع زوج في لسان زوجة معشوقة متدللة تجادله بحجج كثيرة بعضها الكلام.. وقلت في نفسي: يا رحمة الله لا تجعلي من النساء الجميلات الفاتنات محاميات في هذه المحاكم، فلو ألبسوهن لحى مستعارة لكان الصوت الرخيم وحده من تلك الأفواه الجميلة العذبة، نداء قانونيًّا للقبلات..
ونهضت المحامية العجيبة فسلطت عينيها الساحرتين على النائب، ثم قالت تخاطب المحكمة: قبل النظر في هذه القضية قضية الحب والجمال، قضية قلبي المسكين.. أريد أن أتعرف الرأي القانوني في اعتبار الجريمة. أهي شخصية، فتقصر على صاحبها؛ أو خاصة، فتضر غير جانبها، أو عامة، فيتناولها العموم المحدود لمن تجمعهم جامعة الحب؛ أو هي أعم، فيتناولها العموم المطلق للهيئة الاجتماعية؛ ما هي جريمة قلبي؟
-الرئيس: ما رأي النيابة؟
النائب "ضاحكًا": "غزالتها رايقة" كما يقول الراقصات والممثلات.. أرى أنها جريمة آتية من ضرب الخاص في العام.. "ضحك".
المحامية: جواب كجواب القائل: حب أبي بكر؛ كان ذلك الرجل يحب زوجته الجميلة ويخافها، وكانت تقسو عليه قسوة عظيمة وتغلظ له الكلام، وهو يفرق منها ولا يخالفها؛ فرآها يومًا وقد طابت نفسها، فأراد أن ينتهز الفرصة ويشكو قسوتها؛ فقال: يا فلانة قد -والله- أحرق قلبي .. ولم تدعه يتم الكلمة، فحددت نظرها إليه وقطبت وجهها وقالت: أحرق قلبك ماذا؟ فخاف ولم يقدر أن يقول لها سوء أخلاقك. فقال؛ حب أبي بكر الصديق رضي الله عنه.. "ضحك"، ورنت ضحكة المحامية فاضطربت لها القلوب، ووقعت في كل دم، وفي دم النائب أيضًا؛ فانخزل ولم يزد على أن يقول: أحتج من كل قلبي..
الرئيس: لندخل في الموضوع ولتكن المرافعة مطلقة؛ فإن الحدود في جرائم القلب تسدل وترفع كهذه الستائر في مسرح التمثيل. وعشرون ستارة قد تكون كلها لرواية واحدة.
- النائب العام: يا حضرات المستشارين، لا يطول اتهامي؛ فإن هذا القلب هو نفسه تهمة متكلمة.
المحامية: ولكنه قلب.
النائب: وأنا يا سيدتي لم أحرف الكلمة ولم أقل إنه كلب. "ضحك"، وتضرج وجه المحامية وخجلت*.
- الرئيس: الموضوع الموضوع.
- النائب: يا حضرات المستشارين، إن ألم هذه الجريمة إما أن يكون في شخص الجاني أو ماله، أو صفته كأن يكون زوجًا مثلًا، أو صيته الأدبي؛ فإما الشخص فهذا ظاهر، وأما المال فنعم إن القلب المسكين قرار لنفسه ولصاحبه ألا يبتاع أبدًا تذكرة دخول إلى جهنم.. "ضحك".
- المحامية: أستميح النائب عذرًا إذا أنا.. إذا أنا فهمت من هذا التعبير أن حضرته يعرف على الأقل أين تباع هذه "التذاكر".. "ضحك" وتفرج وجه النائب العام وخجل.
- الرئيس: كنت رجوت ألا تكون للأولى ثانية، وقلت: إن معنى هذا كما هو ظاهر ألا يكون لها ثالثة؛ فهل أنا محتاج إلى القول بأن المعنى المنطقي ألا يكون للثالثة رابعة؟
- النائب: يا حضرات المستشارين، وأما الصفة، فهذا القلب المسكين قلب رجل متزوج؛ ولا تغرنكم صوفية هذا القلب، ولا يخدعنكم تألهه وزعمه السمو. إنه على كل حال يعشق راقصة، وهذا اعتداء في ضمنه اعتداء، على الزواج وعلى الشرف؛ وهبوه متصوفًا متألهًا ولم يتصل بالراقصة، فهو على كل حال قد أخذها واتخذها ولكن بأسلوبه الخاص.. وبهذا اقترف الجريمة؛ آه! إن هذه القضية ناقصة؛ وذلك نقص فيها أخشى أن يكون نقصًا في الحكم أيضًا، فأتموه أنتم. يا حضرات المستشارين، إن النقص فيها أنها لا شهود فيها؛ ولكن هذا عمل إلهي لا يظهر إلا يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
---------------
* إذا كان كلبًا فهو يتبع كلبة.. وهذه هي غمزة النائب للمحامية، ولا ينس القراء أن المحكمة في الرؤيا؛ وفي الرؤيا علمنا أن هذا النائب كأكثر شبان العصر في هذه المدنية الفاسدة، لا يتزوجون؛ لأن المدنية جعلتهم بين الفتيان "أنصاف متزوجين" على وزن "أنصاف عذارى" بين الفتيات.. وفي الرؤيا علمنا أنه يخادن راقصة، ويقال ممثلة -بينها وبين صاحب القلب المسكين منافسة ...
-المحامية: هذا تعبير أكبر من قدرة قائله ومن منزلته ووظيفته، هذا تعبير جسور! يا حضرة النائب، من الذي لا يحمل شهودًا في لسانه ويديه ورجليه، بل ألف شاهد على ليلة واحدة.. يجب أن يكون مفهومًا بيننا يا حضرة النائب أن النون والباء في لفظة "نائب" غير النون والباء في لفظة "نبي".
-النائب: يا حضرات المستشارين، لا أرى مما يحرجني في الاتهام أن أصرح لكم أن مما حيرني في هذه الجريمة أن ليس فيها من أوصاف الجرائم إلا ثلم الكرامة، فلا قذف ولا سب ولا هتك عرض ولا فجور، ولا أصغر من ذلك، ولا كأس خمر للراقصة..
-المحامية: لا أرى أمام حضرة النائب كأس ماء، وسيجف حلقه في هذه القضية؛ فلعل المحكمة تأمر لي بكأس.. "ضحك".
-النائب: يا حضرات المستشارين، يعشق راقصة؛ اسم فاعل من رقص يرقص؛ امرأة لا تلبس ثيابًا، بل عريًا في شكل ثياب.. امرأة لا كالنساء، كذبها هو صدق من شفتيها؛ لماذا؟ لأنهما حمراوان رقيقتان عذبتان محبوبتان مطلوبتان..
المحامية: تضحك..
- النائب "بعد أن تتعتع": امرأة لا كالنساء، جعلتها الحرفة امرأة في العمل، ورجلًا في الكسب..
-المحامية: ولكنك لا تدري أي حمل سقطت* المسكينة، وقد يكون في الرذائل رذائل كبعض أصحاب الألقاب: ذات عظمة..
-النائب: يحب راقصة أي يضعها في عقله الباطن ويشتهيها؛ نعم يشتهيها، فمن عقله الباطن، وبتعبير اللغة، من واعيته -تخرج الجريمة أو على الأقل، فكرة الجريمة.
والصيت الأدبي يا حضرات المستشارين؟ هل من كرامة لمن يعشق راقصة؟ لا بل هل من كرامة في الحب؟ ألم يقولوا: إن كرامة الرجل تكون تحت قدمي المرأة المعشوقة كالممسحة الخشنة تمسح فيها نعليها!
الحب؟ ما هو الحب؟ إنه ليس فكرة، بل هو شيطان يتلبس لجسم العاشق؛ ليعمل أعماله بأداة حية، وهذا التركيب الحيواني للإنسان هو الذي يهيئ من الحب مداخل ومخارج للشياطين في جسمه؛ وهل رضي صاحب القلب المسكين بجناية قلبه عليه، وعظيم ما انتهك من أخلاقه السامية؟ هل رضي عشقه راقصة؟ إن لم يرضَ الرضى الصحيح، أو رضي بقدر ما؛ فعلى كليهما يقوم في نفسه مانع؛ والمانع من الرضى هو الموجب للعقوبة.
-المحامية: ولكن قدرا من الرضى ينزل بالجناية فيردها إلى جنحة كما في القانون الإنجليزي، وقد قرر الشراح أنه ما دام الرضى غير مستلب بكله، فالجريمة غير واقعة بكلها.
-النائب: جنحة كل قلب هي جناية من هذا القلب بخصوصه، على طريقة "حسنات الأبرار سيئات المقربين"؛ والعبرة هنا بالواقع لا بالصفة القانونية، وقد قرر الشراح أن الواقع قد يكون أحيانا سببا في تشديد العقوبة، فلا بد من تشديد العقوبة في هذه القضية. لا أطلب الحكم بالمادة 230 عقوبات بل بالمواد من 230 إلى 241 ضربة واحدة.
-المحامية: قد نسيت أن هذا قلب وعقوبته عقوبة لصاحبه البريء.
-النائب: إذن أطلب عقابه بحرمانه الجمال: وهذا أشق عليه من العقاب باثنتي عشرة مادة وبعشرين وثلاثين.
الرئيس: وما هي الطريقة لتنفيذ الحكم بهذا الحرمان؟
النائب: تأمر المحكم بالمراقص كلها فتغلق، وبالمسارح كلها فتقفل، وبالسينما فتبطل إلا ما لا جمال فيه منها ولا غزل ولا حب، ويحرم السفور على النساء إلا العجائز والذميمات، ويمنع نشر صور الجمال في الصحف والكتب، و...
المحامية: قل في كلمة واحدة: يجب إصلاح العالم كله لإصلاح القلب الإنساني!
وجلس النائب، فالتفت الرئيس إلى المحامية وقال لها: وأما هو؟..
مصطفى صادق الرافعي

حب قبل النظرة الأولى .. قولي أحبك واضربي لي موعدا

أنا غارق في بحر عشقك هائجاً            والموج حاصرني فهل من نجدة؟
كيف الوصول وباب خدرك موصد       يا فتنة سبت الفؤاد فولت
قرت بها عيناي حين رأيتها                لكنها كوميض برق مرت
علقتها وقد افتتنت بحبها                    أصبو إليها أشتكي من وحشة
هي من ذوي شرف رفيع ذكرهم         لا تسألن عنهم فهم في الذروة
وعشية غراء زرنا دارهم                  كانت ورب الدهر خير عشية
لما طرقنا بابهم فتحت لنا                   فإذا بشمس أشرقت وتجلت
فرأيت وجهاً مستديراً زاهراً               متلألئ، وعيون حور الجنة
وجمال يوسف ثم قلت تعجباً               ملك، وأبهرني بهاء الطلعة
قالت لنا: أهلاً بثغر باسم                    وتفضلوا فأصبت عند البسمة
لكنها بعد السلام تسترت                    خلف الستار فكان مطلع حسرتي
أنا لست أخفي ما جرى يا قومنا           أحببتها والحب أول نظرة
أنا شاعر سخر الهوى من عقله            وبقلبه نار الجوى واللهفة
لا تعجبوا أنا عاشق أنا مغرم              لا تعجبوا، ليس الغرام ببدعة
لو كان يدري قيس ليلى حالتي             لما ادعى حباً لهول مشقتي
ولأخبر العشاق أني شيخهم                ولجاء معتبراً كثير عزة
يا ذاهبين إلى اليمامة بلغوا                 شعري لها، واحكوا مرارة قصتي
قولوا لمن سحرت فؤادي واختفت        هذي رسالة شاعر ذي جنة
قد كان ذا عقل رزين ثاقب                 فغدا بحبك تائهاً ذا حيرة
ما كاد يملك نفسه في ذا الزمان           وكان يعرف بالذكاء والحكمة
قولوا لها: هل ترحمين معذباً               أم ليس عندك - بنت - أدنى رحمة
ماذا أقول وكيف أروي قصتي؟           أطلق لساني رب واحلل عقدتي
أجهلت مأساتي وبائس منظري؟          أم هل رضيت بويلتي ومنيتي؟
لا الأرز أرزاً في لساني طعمه            وغدا شرابي مالحاً ذا غصة
ولقد هجرت النوم منذ ألم بي               ألم الهوى، إن المصيبة جلت
أسهو بذكرك في الصلاة مناجياً           وبه أغني دائماً في خلوتي
يا قرة العينين تلك قصيدة                 سطرت أحرفها بأصدق لهجة
ردي عليّ إذا أتتك رسالتي               رداً جميلاً وارحمي ذا عفة
قولي أحبك واضربي لي موعدا         ألقاك فيه وليكن في خفية
زكريا حسين

كل عام وأنت بخير يا أمي الحبيبة

توقف رجل عند دكان لبيع الزهور كي يشتري باقة ورد، ويطلب إرسالها لأمه التي تسكن على بعد 400 كيلو متر كهدية لها في عيدها.
بينما كان يخرج من سيارته، شاهد فتاة صغيرة تقف أمام محل الزهور وهي تتنهد بحزن وتهم بالبكاء.
سألها: "لم أنت حزينة؟".
أجابته: "أريد أن أشتري لأمي وردة حمراء ولكن ليس معي من النقود ما يكفي لشرائها".
ابتسم الرجل وقال: "تعالي معي للداخل وسأشتري لك الوردة".
اشترى الرجل للفتاة الصغيرة وردة حمراء وعرض عليها أن يصطحبها بالسيارة لعند أمها.
فرحت الفتاة كثيراً وقالت له" "نعم، أرجوك! خذني لعند أمي".
في الطريق طلبت منه الوقوف عند مقبرة.
نزلت من السيارة وتوجهت إلى قبر محفور حديثاً ووضعت الوردة الحمراء عليه.
عاد الرجل إلى دكان الزهور، ألغى طلبه بإرسال باقة الورد.
أخذ باقة الورد بين يديه وتوجه بسيارته ليقطع الأربعمئة كيلو متر لبيت أمه كي يقول لها: "كل عام وأنت بخير يا أمي الحبيبة".

مدرسة الاتحاد والحلول عند الصوفية.. التأثر بالتصوف الهندي والنصراني. تصور الصوفي أن الله قد حل فيه وأنه قد اتحد هو بالله

مدرسة الاتحاد والحلول: وزعيمها: الحلاج، ويظهر في هذه المدرسة التأثر بالتصوف الهندي والنصراني، حيث يتصور الصوفي عندها أن الله قد حل فيه وأنه قد اتحد هو بالله، فمن أقوالهم: (أنا الحق) و (ما في الجبة إلا الله) وما إلى ذلك من الشطحات التي تنطلق على ألسنتهم في لحظات السكر بخمرة الشهود على ما يزعمون.

الفرق بين الحلول والاتحاد:

- الحلول:
أن تحل الذات الإلهية -كما يقولون- في ذات أخرى، كما تقول النَّصَارَى في المسيح، حيث يقولون: إن الألوهية حلت في المسيح. فعندما كَانَ يحي الموتى كانت الألوهية هي التي تحي الموتى -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً-.

- الاتحاد:
أن تقترن ذات بذات حتى تصبح شيئاً واحداً، فالذين قالوا: إن الله في كل مكان يقولون: هو حال بذاته في هذه الأمكنة وهو قول الحلولية، أو يقولون: اتحد بهذه الأمكنة فأصبح شيئاً واحداً وهو قول الاتحادية.

مدرسة الكشف والمعرفة عند الصوفية.. المنطق العقلي وحده لا يكفي في تحصيل المعرفة وإدراك حقائق الموجودات

تقوم مدرسة الكشف والمعرفة على اعتبار أن المنطق العقلي وحده لا يكفي في تحصيل المعرفة وإدراك حقائق الموجودات.
إذ يتطور المرء بالرياضة النفسية حتى تنكشف عن بصيرته غشاوة الجهل وتبدو له الحقائق منطبقة في نفسه تتراءى فوق مرآة القلب.
وزعيم هذه المدرسة: أبو حامد الغزالي.
والكشف الصوفي هو كشف الحجب عن أولياء الصوفية فيرون ويسمعون ويعلمون مالا يعلمه الناس من مغيبات سواء الماضية أو الحاضرة أو المستقبلية.
مثل: علم الغيب، والنظر فى اللوح المحفوظ، والعلم بوقت الموت، ومعرفتهم لخائنة الأعين وما تخفى الصدور، وأن يوحى إليهم، وغير ذلك.
وفيما يلى يتضح ذلك من النماذج والقصص المذكروة على لسان الصوفية وفى كتبهم المعتمدة , التى تحكى عن أولياء الصوفية الذين اطلعوا على أمور غيبية لا يعلمها إلا الله.
تعريف الكشف عند أولياء الصوفية:
يعرفه أحمد الرفاعى: (الكشف: قوة جاذبية بخاصيتها نور عين البصيرة إلى فيض الغيب) (الطبقات الكبرى للشعرانى صـ 313).
يقول بأن الكشف قوة تجذب صاحبها إلى عالم الغيب فيطلع على الغيب.
يعرفه إبن عطاء السكندرى: (الكشف: هو الإطلاع على ما وراء الحجاب من المعانى الغيبية والأمور الحقيقية وجودا وشهودا) (قائمة بالمصطلحات الصوفية الواردة فى كتاب الحكم العطائية لإبن عطاء الله السكندري).
ويعرفه إبن عربى: (المسامرة: خطاب الحق للعارفين من عالم الأسرار والغيوب (نزل به الروح الأمين)) (الكلمات التى تداولتها الصوفية – إبن عربى صـ 53).
(المطالعة: توقيعات الحق للعارفين إبتداء أو عن سؤال منهم فيها يرجع على حوادث الكون) (الكلمات التى تداولتها الصوفية – إبن عربى صـ 55).

مدرسة الإشراق الفلسفية في التصوف.. الجمع بين ثنائية الوجود ديانات الفرس القديمة ونظرية الفيض أو الظهور المستمر في الأفلاطونية الحديثة

ظهرت شطحات وزندقة السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن 549-587ه‍‍، صاحب مدرسة الإشراق الفلسفية التي أساسها الجمع بين آراء مستمدة من ديانات الفرس القديمة ومذاهبها في ثنائية الوجود وبين الفلسفة اليونانية في صورتها الأفلاطونية الحديثة ومذهبها في الفيض أو الظهور المستمر.
ولذلك اتهمه علماء حلب بالزندقة والتعطيل والقول بالفلسفة الإشراقية مما حدا بهم أن يكتبوا إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي محضراً بكفره وزندقته فأمر بقتله ردة، وإليه تنسب الطريقة السهروردية ومذاهبها في الفيض أو الظهور المستمر.
ومن كتبه: حكمة الإشراق، هياكل النور، التلويحات العرشية، والمقامات.
- تحت تأثير تراكمات مدارس الصوفية في القرون السالفة أعاد ابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، بعثَ عقيدة الحلاج، وذي النون المصري، والسهروردي.
- في القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي الطائي الأندلسي أحد رؤوس الصوفية حتى لُقِّب بالشيخ الأكبر.

مدرسة الزهد عند الصوفية.. أصحابها من النُّسَّاك والزُّهَّاد والعُبَّاد والبكَّائين

مدرسة الزهد: وأصحابها: من النُّسَّاك والزُّهَّاد والعُبَّاد والبكَّائين، ومن أفرادها: رابعة العدوية، وإبراهيم بن أدهم، ومالك بن دينار.
بما أن الزهد مقام قلبي رفيع المنزلة لأنه تفريغ القلب من التعلق بسوى الله تعالى، كان الوصول إليه أمراً هاماً يحتاج إلى جهود كبيرة ووسائل ناجعة، وأهمها صحبة المرشد الذي يأخذ بيد المريد، ويرسم له الطريق الصحيح، وينقله من مرحلة إلى مرحلة بحكمة ودراية، ويجنبه مزالق الأقدام.
فكم من أناس أخطؤوا الطريق فجعلوا الزهد غاية، ولبسوا المُرَقَّع من الثياب، وأكلوا الرديء من الطعام، وتركوا الكسب الحلال، وحسدوا أهل المال، وقلوبهم مفعمة بحب الدنيا، وهم يحسبون أنهم زاهدون. وما وقعوا في ذلك إلا لأنهم ساروا بأنفسهم بعيدين عن صحبة الدليل الخبير، وفي هؤلاء يقول المناوي رحمه الله تعالى: (فالزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد منها، وقد جهل قوم فظنوا أن الزهد تجنب الحلال، فاعتزلوا الناس، فضيعوا الحقوق، وقطعوا الأرحام، وجفوا الأنام، واكفهرُّوا في وجوه الأغنياء، وفي قلوبهم شهوة الغنى أمثال الجبال، ولم يعلموا أن الزهد إنما هو بالقلب، وأن أصله موت الشهوة القلبية، فلما اعتزلوها بالجوارح ظنوا أنهم استكملوا الزهد، فأداهم ذلك إلى الطعن في كثير من الأئمة) ["فيض القدير شرح الجامع الصغير" ج3/ص73].
وكم من أناس أقبلوا على الدنيا وملذاتها فشغلت قلوبهم بحبها، وعمرت أوقاتهم بجمع حطامها وهم يزعمون أنهم تحققوا بالزهد القلبي، وأنهم فهموا الزهد على حقيقته، ولو كان لهؤلاء طبيب قلبي ناصح، يكون لهم مرآة صادقة، لَكَشَفَ لهم حقيقة وصفهم، ولأرشدهم إلى سبيل الوصول إلى حقيقة الزهد.
وينبغي الإشارة إلى أن المرشدين قد يصفون لبعض تلامذتهم نوعاً من المجاهدات بغية تفريغ قلوبهم من التعلقات الدنيوية، من باب العلاج الضروري الموقت، فيطلبون منهم أكل اليسير من الطعام، أو لبس البسيط من الثياب لإخراج حبها من قلوبهم، أو يدْعونهم للبذل السخي والعطاء الكثير بغية اقتلاع صفة الشح والتعلق بالمال من قلوبهم، وهذه الأنواع من المعالجات ضرورية ونافعة ما دامت برأي المرشد وإشرافه، فهي ليست غايةً لذاتها؛ بل هي وسيلة مشروعة للوصول إلى الزهد القلبي الحقيقي.
وما أكلُ الرسول صلى الله عليه وسلم للأطعمة البسيطة، وربطُ الحجر على بطنه الشريف من الجوع ـ رغم أن الجبال عرضت له أن تكون ذهباً ـ إلا لبيان مشروعية هذه الأعمال.

ملاحظة وتأطير وفهم نص حكاية الثعلب والغراب.. محاولة الثعلب إقناع الغراب بمصادقته

ملاحظة مؤشرات النص الخارجية:

أ)- مصدر النص:
 النص من كتاب «ألف ليلة وليلة»، دار صادر، ج 1، 1999، ص. 356 – 358 (بتصرف).

ب)- مجال النص:
النص ينتمي إلى المجال الفني الثقافي.

ج)- نوعية النص:
نص حكائي ذو بعد فني/ ثقافي.

د)– العنوان (حكاية الثعلب والغراب):
يتكون العنوان من أربع كلمات تكون فيما بينها مركبين: الأول إضافي (حكاية الثعلب) والثاني عطفي (الثعلب والغراب).

ويتضمن مؤشرا يدل على نوعية النص (حكاية)، وآخر يدل على علاقة بين الثعلب والغراب (واو العطف).

هـ)- بداية النص ونهايته:

- بداية النص:
تشير إلى السارد (شهرزاد) والمسرود له (الملك شهريار)، ونلاحظ فيها تكرار لفظة من ألفاظ العنوان (الثعلب) مما يدل على أهميته في الحكاية.

- نهاية النص:
لم يتكرر فيها العنوان، حيث نتفاجأ بوجود شخصيتين أخريين غير الثعلب والغراب، وهما: (الفأرة والغراب).
كما تشير هذه النهاية إلى حدث عجيب ينسجم مع خصائص الحكاية العجيبة، وهو: نقل الفأرة للدنانير.

2 - بناء فرضية القراءة:
بناء على مؤشرات العنوان وبداية النص ونهايته، نفترض أن موضوعه حكاية الثعلب والغراب وما دار بينهما من حديث.

القراءة التوجيهية:

1- الايضاح اللغوي:
- ذروة: ذروة الشيء: قمته.
- خليلي: الخليل: الصديق المخلص.
- مستجيرا: مستغيثا.

2- الفكرة المحورية للنص: 
محاولة الثعلب إقناع الغراب بمصادقته.

تعديل اتفاقية إنشاء منظمة المرأة العربية.. عقد الاجتماع الأول للمجلس التنفيذي خلال شهر من دخول الاتفاقية حيز النفاذ

يجوز تعديل اتفاقية إنشاء المنظمة بناء على طلب موقع من خمس دول أعضاء على الأقل، وبعد التوصية من المجلس التنفيذي واعتماده من المجلس الأعلى بأغلبية ثلثي الأعضاء في كل منهما ولا يبت في التعديل إلا في دور الانعقاد التالي للمجلس التنفيذي ولا يكون التعديل إلا بعد التصديق عليه من ثلثي الأعضاء على الأقل وفقا للإجراءات الدستورية لكل دولة.
تدخل الاتفاقية حيز النفاذ بعد انقضاء 30 يوما من تاريخ إيداع وثائق التصديق عليها من سبق من الدول الموقعة عليها.
ويتم إيداع وثائق التصديق أو الانضمام لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، التي تقوم بإبلاغ سائر الدول بكل إيداع وتاريخه.
تقوم الدولة التي تتولى رئاسة قمة المرأة العربية بالدعوة لعقد الاجتماع الأول للمجلس التنفيذي خلال شهر من دخول الاتفاقية حيز النفاذ.

بيان التوقيع والتصديق على اتفاقية انشاء منظمة المراة العربية

بيان التوقيع والتصديق على اتفاقية انشاء منظمة المراة العربية:
تاريخ ايداع وثيقة التصديق
تاريخ التوقيع
الدولة
29/7/2002
5/5/2002
المملكة الاردنية الهاشمية
19/1/2002
24/4/2002
الامارات العربية المتحدة
9/9/2002
30/6/2002
مملكة البحرين
-
2/5/2002
الجمهورية التونسية
-
5/2/2002
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
-
-
جمهورية جيبوتي
-
-
المملكة العربية السعودية
30/1/2002
25/6/2002
جمهورية السودان
21/10/2002
15/7/2002
الجمهورية العربية السورية
-
19/6/2002
جمهورية الصومال
-
31/10/2002
جمهورية العراق
14/1/2002
16/7/2002
سلطنة عمان
-
30/5/2002
دولة فلسطين
-
-
دولة قطر
-
6/6/2002
جمهورية القمر المتحدة
-
-
دولة الكويت
9/2/2002
انضمام
24/6/2002
الجمهورية اللبنانية
-
5/5/2002
الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية
23/6/2002
28/4/2002
جمهورية مصر العربية
-
-
المملكة المغربية
-
-4/11/2002
الجمهورية الاسلامية الموريتانية