التصوير في القصيدة الجاهلية.. التمكن في الفن والدقة في التعبير وخصب الخيال. العناية بالمواضع والمنازل والديار ومخاطبتها ومناجاتها وتحديد أماكنها وتكرار ذكرها



يكثر التصوير في الشعر الجاهلي وخاصة في الوصف، حيث يرسم الشاعر مناظر ومشاهد رائعة مكتملة الجوانب، يعنى بكل تفاصيلها وأجزائها على الرغم من إيجازها، وهذا لا شك دليل التمكّن في الفن والدقة في التعبير وخصب الخيال.

ومن أبرز صفات الصورة: الشمول في الوصف والتدقيق في الصورة والعناية بالجزئيات والتفاصيل.

وقد عرفت الصور الجاهلية في أكثرها أنها تصوير لهيئة الموصوف، فيه تجسيم وتشخيص وفيه جلاء للصورة وتوضيح لجوانبها، وقد اقتضى ذلك عناية بالأجزاء والتفاصيل واهتماماً كثيراً بالتشبيه وعرض صور كثيرة للمشبه به، بحيث يدعو ذلك إلى الاستطراد والخروج عن الأصل.

ولكن بعض الشعراء وجّهوا عنايتهم إلى وصف الحالة (حالة الموصوف) سواء أكان حيواناً أم إنساناً، وصفوه وصفاً داخلياً فصوّروا فيه الحياة والحركة، وتحدّثوا عن نزعاته النفسية والعاطفية من حب وكره وخوف وضعف وجرأة وإقدام، ونشاطه ومرحه وحركاته وسكناته وزهوه وخيلائه، وحتى أفكاره في بعض الأحايين. وإن لم يهمل الشعراء في الحيوان هيئته من وصف أعضائه وحسن شياته وهو مذهبهم العام في الوصف.

وتأتي أوصاف الجاهليين لوحاتٍ كاملة يوفرون لها كل أسباب الصور الدالة الموحية المؤثّرة، فيها الجو الملائم من المكان والزمان واللون والحركة وحتى الصوت في كثير من الأحيان.

ومن تمام الصورة عناية الجاهليين بالمواضع والمنازل والديار، مخاطبتها ومناجاتها وتحديد أماكنها، وتكرار ذِكْرها، ونسبة بعضها إلى بعض من واد وجبل وعين ماء ونجد وسهل، ووصف الديار وما يتعلّق بها - من ذِكْر النساء والنؤي والأثافي - جزء من الصورة به تستكمل جوانبها وتتم أبعادها، فالديار من أبرز مظاهر الصورة الجاهلية.


المواضيع الأكثر قراءة