رسائل إلى أصدقاء بعيدين.. إلى كمال الهلالي الراعي النحيل الذي سرقت شياهه عند سفح جبل 'طرزه' فعاد مخذولاً إلى أهله



زيتونة عجوز. حمار مسلوخ الظهر ينتظر عَطْف إله لا مكان في قلبه للفراء والمظلومين. بئر معطلة.

غرفة ضيقة محشوة بآثار الأقدمين الإغريق والرومان والعرب. خالة بصيرة تضيء لَيْلَها الأبدي بضحكات خافتة.

وأم تعشق حكايات الهلاليين قبل أن يغزوا القيروان ويعلقوا رؤوس أعيانها على أسوارها الحمراء في ذلك العام الموغل في البعد والذي إذا ما كتبت أرقامه يبدو كما لو أنه رايات حداد...

ذلك هو عالمك. لكن كم هو فسيح ومتعدد. وكم هي معقدة ومتشابكة رموزه ودلائله!!
أنت نفسك لست واحدا..

فأنت الراعي النّحيل الذي سرقت شياهه عند سفح جبل 'طرزه' فعاد مخذولاً إلى أهله وعلى 'قشابيته' القاتمة اللون رائحة القطيع المخطوف...

وأنت الولي الصالح المتخفي وراء شخصية بهلول أعمش العينين، يقذف الناس بالحجارة، وينام في المقابر، ويمشي نصف عار في الشتاء، ويعالج أمراضه بالنوم في الرماد الساخن، ويكشف عورته لنساء الأعيان المهذّبات...

وأنت الثعلب الرمادي الذي يلتهم دجاج الجيران في عتمة الليل ثم يفرّ هاربا إلى جبل 'وسلات'...
وأنت العريس الذي ينتظر عروسًا تأتي له بها الملائكة والناس نيام...

وأنت جميع الرواة الذين كانوا يملأون بوادي القيروان بالطرائف والحكايات المثيرة.
وأنت المغني الذي لا يغنّي في النهاية إلا لنفسه...

فهنيئا لك بكل هذه الأقنعة التي تحمي بها نفسك من شرّ ذئاب 'باب البحر'!
حسونة المصباحي


المواضيع الأكثر قراءة