الدروس الخاصة وتدني مستوى التعليم.. استغلال المدرسة العمومية لتحويل العلاقة مع التلاميذ إلى ممارسة الابتزاز المادي على التلاميذ



من العوامل التي ساعدت على تدني مستوى التعليم تحويل علاقة العديد من المعلمين بالتلاميذ في المدرسة، في مستوياتها المختلفة، إلى وسيلة للإثراء السريع، عن طريق إيهام التلاميذ بأن الدروس الخاصة التي يتلقونها في بيوتهم سترفع مستواهم الدراسي، و ستضمن حصولهم على نقط جيدة، وستمكنهم من النجاح المتفوق في مختلف المستويات.

فاعتماد التلاميذ على تلقي الدروس الخاصة في بيوتهم هو الضمانة الأكيدة على دخل محترم يناله المعلمون من الآباء يكاد يفوق أجورهم العادية، إن لم يكن مضاعفا، الأمر الذي يجعل المعلم يعتبر تلك الدروس أفضل بكثير من العمل الرسمي، وفي المقابل فإن العمل في إطار المؤسسة التي ينتمي إليها يصير إضافيا.

فالمعلم في القسم لا يقوم بدوره بما فيه الكفاية ، لأن العمل الجاد يصير في اتجاه الدروس الخاصة, واللهث وراء إيجاد التلاميذ الذين يستفيدون من الحصص الإضافية يبقى الهاجس الذي يحكم ممارسة المعلم في مختلف المستويات التعليمية، لأنه بقدر ما يزداد عدد التلاميذ الذين يتلقون الحصص الإضافية بقدر ما يتساقط الأمل في قيام المعلم بدوره الإيجابي داخل المؤسسة الذي يتحول إلى مجرد إغراء التلاميذ بإقناع آبائهم بالحصص الإضافية حتى يزداد مد خولهم. ومعلوم أن تلقي الحصص الإضافية هو عمل غير قانوني، لأنه يؤدي إلى وقوع عمل غير محسوب، وغير مضبوط، وتروج فيه و من خلاله أموال كثيرة فيها تهرب من الأداء الضريبي، ويعتبر السكوت المريب عن هذه الظاهرة وعن عدم محاصرتها تشجيعا لها، و بحثا عن تبرير لتشجيع القطاع الخاص في ميدان التعليم الذي صار بديلا للتعليم في المدرسة المغربية العمومية.

و نظرا لأن الاختيارات القائمة تسير في اتجاه قيام تعليم نخبوي مؤدى عنه، فإن استغلال المدرسة العمومية لتحويل العلاقة مع التلاميذ إلى ممارسة الابتزاز المادي على التلاميذ، و على الأسر و في إطار تعليم لم يعد تنمويا، ولم يصر شعبيا، و ليس ديمقراطي ا، ولا يحقق مجتمعا ديمقراطيا ، صار مباحا ، و معمولا به على مدى التراب الوطني . و لذلك يتحول الهاجس لدى المعلمين إلى تحقق ما يمكن أن نعتبره تسلقا طبقيا على حساب تدني المستوى التعليمي الذي صار يطول كل أبناء الفقراء و الكادحين و طليعتهم الطبقة العاملة الذين لا يستطيعون تحمل مسؤولية أداء واجب الساعات المضافة للمعلمين.

وما يجري في ميدان التعليم في المغرب يلعب فيه توجه الطبقة الحاكمة، من خلال أجرأة "الميثاق الوطني للتربية و التكوين" دورا أساسيا، لأن الطبقة الحاكمة نفسها تصرف أموالا طائلة على تدريس أبنائها مختلف المعارف التي لها علاقة بالتنمية الرأسمالية التبعية، و بحاجيات الشركات العابرة للقارات، و في جميع أنحاء العالم ، وفي مدارس خاصة جدا. ولذلك لا ننتظر تخليص المدرسة المغربية من هذا المرض ، مرض تدني المستوى الدراسي المؤدي إلى استغلال العمل فيها لنسج علاقة مع الأسر في أفق إنجاز دروس إضافية مؤدى عنها في مختلف البيوت، أو في مدارس خاصة . مما يؤدي إلى ضرب أهم مبدأ من مبادئ التربية في المدرسة العمومية، وهو مبدأ تكافؤ الفرص الذي لم يعد واردا، لأن التلاميذ الذين لا قدرة لهم على أداء واجب الساعات المضافة إلى المعلمين الذين يلهثون وراء تلك الساعات يصبح مصيرهم مهددا بسبب تدني مستواهم التعليمي ، و لعجزهم عن مسايرة التلاميذ الذين يؤدون واجب الساعات المضافة.


المواضيع الأكثر قراءة