الحكاية الشعرية.. الخضوع لتنظيم زمني تصاعدي يؤثر على أدوار العامل التي لا تنفصل عن وضعيته في المجرى الحكائي



نفترض أن لكل قصيدة نواة حكي (مفتاح 1985 و 1990) بالنظر إلى توفرها على بنية عامة تتميز بخاصيتين أساسيتين:

- المحور الدلالي بوصفه مجموعة اتصالية تربط بين حدين بينهما علاقة اتصال، إذ يمكن الانتقال من حد إلى آخر، وعلاقة انفصال لكونهما متقابلين.

وبذلك، يمثل الترابط بين هذين الحدين البنية الأصلية للدلالة (كَريماص 1966).
كما يمثل، في نظرنا، اختزال التطور الزمني من البداية إلى النهاية الذي يسم كل برنامج حكائي.

- التحويل باعتباره يقع في متوالية زمنية منتجة للمحور الدلالي السابق.
وهذا يعني أن كل تحويل من حالة أولية إلى حالة نهائية يقتضي الحذف أو التوسيع أو القلب أو الإبدال مما يجعل الحكاية الشعرية فضاء إسقاطات متبادلة بين مختلف الجهات البلاغية.

وعليه، يمكن تحليل البرامج الحكائية باعتبارها انتقالا من الرغبة إلى الإنجاز وفق المنظور السيميائي لمدرسة باريس.

إن التحويلات الممثلة لنسق التطور في الخطاب، يمكن أن تنتظم ضمن بناء سلمي تراكبي يدمج مختلف التحويلات في سرد كلي أي في تحويل عام. وقد تكون التحويلات متتالية وفق قاعدة السبب والنتيجة.

   ومن هنا تخضع الحكاية الشعرية، في نظرنا، إلى تنظيم زمني تصاعدي، الشيء الذي يؤثر على أدوار العامل (Actant) التي لا تنفصل عن وضعيته في المجرى الحكائي انطلاقا من أن هاته الوضعية ذاتها غير معزولة عن تاريخ العامل وبالتالي عن ذاكرة الخطاب.

ولتمثيل ماسبق نحلل الزمن التصاعدي_الحكائي في المقطع الشعري للخمار الكنوني (ديوان رماد هسبريس، صص.53_59). 

2- تحولات التفاح الذهبي
أثمرت من حدود المحيط إلى النهر كل الحقول
فارتقت لغة، ولغات تزول
حينما أزهرت لم تكن لغة البيع والغبن قد بدأت
لم تكن كلمات السماسرة ارتفعت
إنما عبرت لغة هي بين الغناء وبين الذهول..
وصلوا، ليس للون لون، ولا للعبير عبير!
هل النهر أخضر، هل نزل الثلج في قمم الغرب، هل هبت الريح؟
ليس يهم السماسرة العابرين!
عاينوها، أما انخسفت من حسابهمو؟
سكتوا، وتكلمت اللغة المتعالية النبر:
هذا لكم وعليكم، وهذا لنا وعلينا،
سكتنا وما تتكلم أيامنا أو تقول!
(من يد ليد تتنقل هذي الحقول: ترابا، هواء، وماء  
ومابين لص قديم ولص جديد تحول تفاحها الذهبي،
فهل كان ذلكمو قدرا وقضاء؟)
أبحرت بالحقول السفين
إلى أين؟ ليس تجيب العيون
فلو أن هذي الحقول تقول: كلوا جسدي واشربوني دماء، 
لما كان حقا..
ولو أنها دون أهل - ينامون أو يجهلون -
لما كان حقا..
(هي الشجر المستباح لمن يعبرون
هي الثمر المستحيل لمن يزرعون)
وما كان حقا، وقد نزلت - في الموانئ أو في الموائد -
فوق رجال رأوها رأوا راية الوطن المستحيل عليها، بكوا...
إنها إنهم: Exporté du Maroc

يسم الزمن التصاعدي الحكاية في هذا المقطع الشعري انطلاقا من محور دلالي يختزل البرنامج الحكائي الأساس كما يلي:
الحيازة --- الفقدان

ذلك أن ملفوظ الحالة (Enoncé d’état) يحدد، في الأسطر الخمسة الأولى، علاقة اتصال الأهل بثمار الوطن، بالنظر إلى "تشاكل الإزهار" الذي تؤشر عليه الوحدات الدلالية 'التفاح الذهبي'، 'أثمرت'، 'ارتقت'، 'أزهرت'... غير أن الملفوظ ذاته يحدد، في الأسطر الموالية، علاقة انفصال الأهل عن ثمار الوطن بالنظر إلى تراكم تشاكل النهب الذي تعينه الوحدات 'تنتقل'، 'لص'، 'تحول'،  'أبحرت'، 'المستباح'، 'الموانئ'...

لقد ثم الانتقال - التحويل من الاتصال إلى الانفصال بواسطة ملفوظ الفعل (Enoncé de faire) الذي يعين تدخل ذوات غريبة؛ 'لص قديم'، 'لص جديد'، 'السماسرة'، مما يوحي ببوادر صراع درامي بين طرفين متناقضين يتسابقان نحو حيازة موضوع واحد.

وهكذا، فالانتقال من الحالة الأولية (الاتصال) إلى الحالة النهائية (الانفصال) مؤشر على دينامية الزمن التصاعدي الذي يجعل البرنامج الحكائي الأساس منشطرا إلى برامج صغرى هي: - برنامج الارتقاء-وصول السماسرة (العابرون) - سكوت الأهل - تهريب الثمار إلى الخارج- برنامج الغبن.

وقد انتظمت هذه البرنامج بواسطة قيد التتابع في الجهة الخطية بحيث تلاحقت الأحداث في سلسلة تطورية تربط كل حدث بآخر.

بيد أن الزمن التصاعدي لا يؤشر عليه التحويل فحسب، وإنما يشيد بواسطة الحجاج الشعري كذلك.


المواضيع الأكثر قراءة