العلاقة بين التداولية والسيميائية.. اللسانيات التداولية. التداولية الاجتماعية. دراسة الهدف اللساني من التداولية والشروط الأكثر محلية المفروضة على الاستعمال اللغوي



يمكن تقسيم التداولية العامة إلى اللسانيات التداولية والتداولية الاجتماعية.

فالأولى يمكن تطبيقها في دراسة الهدف اللساني من التداولية -المصادر التي توفرها لغة معينة لنقل أفعال إنجازيه  معينة.

والثانية تعنى بالشروط والظروف الأكثر محلية المفروضة على الاستعمال اللغوي وهو حقل أقل تجريداً من الأول.

فالتداولية تدرس المعنى في ضوء علاقته  بموقف الكلام.
والموقف الكلامي يشتمل على جوانب عديدة يمكن أن نجمعها فيما يلي:

1- المخاطبين (فتح الطـاء) والمخاطبين (كسر الطاء):
وهم المتحدثون والمستمعون.
وينبغي هنا التمييز بين المستلم والمخاطب فالأول شخص يتلقى ويؤول الرسالة في حين أن الثاني شخص مستلم مقصود للرسالة.

2- سياق التفوّه:
للسياق عدد من التعريفات، فهو ينطوي على الجوانب الفيزيائية والاجتماعية ذات الصلة بالتفوّه، وينظر إليه في التداولية على أنه المعرفة القبلية التي يفترض أن يشترك بها المتحدّث والسامع، وتسهم في تأويل الأخير لما يقصده الأول.

3- هدف  التفوّه:
تتحدث التداولية اللسانية خصوصاً عن الهدف أو الوظيفة بدلاً من؛ المعني المقصود.
والكلمة (هدف) أكثر حيادية من كلمة (القصد).

4- الفعل الإنجازي:
تتناول التداولية الأفعال اللفظية أو الأداء الذي يحصل في مواقف  معينة، في حين يتناول النحو كيانات مجردة مثل الجمل.
إذن فالتداولية تتعامل مع اللغة على مستوى أكثر ملموسية من النحو والدلالة.

5- التفوّه بوصفه نتاجاً:
تشير مفردة  تفوّه في التداولية إلى نتاج فعل اللفظ بدلاً من الفعل اللفظي نفسه.

أما أهم الموضوعات التي تعالجها التداولية لسانياً المفردات التأشيرية التي يمكن تقسيمها إلى شخصية، وزمانية ومكانية وخطابية واجتماعية؛ فضلاً عن التضمينات المحادثية والاقتضاء والمعاني الحرفية والمعاني السياقية، وأفعال الكلام وتصنيفاتها وتحليل الخطاب وتحليل المحادثة وغيرها الكثير من الموضوعات.

 فالتداولية تمتلك إمكانات تطبيقية في حقل الأدب الذي لا يتطلب مسائل تطبيقية محضة؛ وتفيد التداولية بوصفها منهجاً لحل المسائل في اللسانيات التطبيقية وفي تفاعل الإنسان والآلة، وفي الصعوبات الاتصالية التي تظهر في اللقاءات التي لا يتواجه فيها المتصلون.

وهناك نوع من التفاعل بين التداولية واللسانيات الاجتماعية في حقول اهتمام مشترك، فقد أسهمت الأخيرة في مجالات معينة من التداولية وخصوصاً في تحليل المحادثات والخطاب والأدوار الاجتماعية ودورها في تحديد صيغ المخاطبة.

فضلاً عن ذلك تمتلك التداولية علاقات مهمة وحيوية مع اللسانيات النفسية فهناك علاقة بينها وبين علم النفس الإدراكي وخصوصاً نظريات معالجة وإنتاج اللغة وتطور مفاهيم القوة الإنجازية والتضمينات والافتراضات السابقة.

إن السيميائية هي تساؤلات حول المعنى.
وهي دراسة للسلوك الإنساني باعتباره حالة ثقافية.

لأن السلوك لا يمكن أن يكون دالا إلا إذا كان وراءه  قصد ما.
فالتساؤل عن المعنى تساؤل عن معنى النشاط الإنساني وعن معنى التأريخ.

وفي نهاية هذه الورقة أقول إني قد وجدت كلمة "سيماهم" قد وردت ست مرات في القرآن الكريم، وذلك في الآيات التالية:
- الآية  273من سورة البقرة؛ ومنها: "تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا".
- الآية 46 من سورة الأعراف، وفيها: "وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم".
- الآية 48 من سورة الأعراف؛ وفيها: "ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم".
- الآية 30 من سورة محمد؛ وفيها: "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم".
- الآية 29 من سورة الفتح وفيها: "سيماهم في وجوههم من أثر السجود".
- الآية 41 من سورة الرحمن وفيها: "نعرف المجرمين بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام".

وقد وردت الكلمة مقصورة كما رأينا، ولكن الذي أثار انتباهي حقا هو ارتباطها بالتعرف.
فخمس من الآيات الست وردت فيها الكلمات التالية: تعرفهم، يعرفون، يعرفونهم، فلعرفتهم، نعرف.

أما الآية السادسة فلم يرد فيها فعل دال على التعرف صريحا ،ولكنه مفهوم من معنى الآية.
إن الآيات دعوة صريحة لاستخدام السيما للتعرف على الإنسان في الدنيا؛ وإعلام بأنها مستخدمة في الآخرة، فالمؤمنون حقا يعرفون بسيماهم التي منها أنهم لا يسألون الناس إلحافا  كما أن للسجود أثره في وجوههم.

والمنافقين كذلك يعرفون بسيماهم التي منها لحن القول هذا في الدنيا.
أما في الآخرة فأصحاب الأعراف يعرفون المؤمنين والكافرين كلا بسيماهم، وينادونهم فيحدثوهم حديث العارف لمن يحدث كلا بسيماهم.

وقد نسب الله جل جلاله لذاته العلية؛ أنه يعرف المجرمين بسيماهم فيجازيهم بما فعلوا أخذا بنواصيهم وأقدامهم.

 أيمكن أن أقترح بناء على تلك التأملات في الآيات الكريمة أن يسمى علم السيميائية "علم التعرف" لتكون السيما أهم مصطلحاته؟


المواضيع الأكثر قراءة