جانب الحيوانية في الإنسان .. شهوات الإنسان تجوع بعد شبع وتشبع بعد جوع



"الحيوان": صيغة، مثل: "الغليان"، و"الميدان"، وهي تعني الحركة الحيّة كقوله تعالى في وصف الآخرة: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون}، أي: لهي الحياة الكاملة السالمة من المنغّصات، ولا تكون الحيوانية في الكائن الحيّ، إلا إذا دبّت فيه "الروح"، فالروح جزء لا غنى عنه في هذا الجانب، من كل كائن حيّ، ومن هنا ندرك: أن الذين يصنّفون "الروح" في الجانب الآخر للإنسان، فيقولون: "الإنسان: مادة وروح"، ويعنون بالمادة: الجسد، وبالروح: العقل والفكر، وما يتعلق بهما، هم مخطئون في هذا التصنيف، لأن المادة لا تعتبر شيئا مهما من دون "الروح"، فأجرام جسد الإنسان وغير من الأحياء، وخلاياه كلها، لا تشكّل من دون الروح جانبا يذكر، لذلك لا يصح التصنيف المتبع للجسم البشري والشخص الإنساني بأنه: "مادة وروح"، بل الصحيح أن يقال:" إنه حيوان وعقل" كما سنبيّن لاحقا في كلامنا عن "المادة والروح" في البند الخامس.

  إن جانب "الحيوانية" في الإنسان، يشمل جميع الشهوات والميولات والرغبات، التي خلقها الله تعالى فيه، ومن أهمها وأخطرها: شهوتا "البطن" و "الفرج"،  وما يتعلق بهما، فشهوة"البطن" تتعلق بالمأكل والمشرب، وبالسعي الى كسب ما يمكّن الإنسان منهما من وسائل وأسباب، وشهوة "الفرج" تتعلق بالزواج، وما يترتّب عليه من إنجاب الذريّة، والإنسان مأمور بسلوك السبل المشروعة، وهو يسعى للحصول على هذه الشهوات، ولا يجوز له أن يسلك المسالك المحرمة لتحقيق رغبة من رغائبه، وإن فعل فهو آثم، تماما مثلما يؤجر ويثاب على سلوك السبل الشرعية، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم الى هذا المعنى فيما روه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أضمن له الجنة" أي: اللسان والفرج.
وليس هذا غريبا، فإن المتأمل يدرك: أن مآل كل سعي الإنسان، ينتهي إلى إشباع شهوتي بطنه وفرجه.

  إذن: فجانب "الحيوانية" في الإنسان هو عبارة عما يلي: جسد حيّ من لحم ودم وعصب وعظم، يحتاج الى: المأكل، والمشرب، والمنكح، والملبس، والمسكن.. إلخ. وشهواته هذه تجوع بعد شبع، وتشبع بعد جوع، وهكذا دواليك، وهو يطلب هذه المطالب الفطرية، ويسعى ويتعب من اجل الحصول عليها إشباعا لرغائبه وشهواته، فهو والحالة هذه، يتفق مع أي كائن حيّ آخر، يشاركه الشّبه في التكوين، فالإنسان من هذا الجانب: "حيوان"، و"الحصان" كذلك "حيوان".

  ولو أن الإنسان كان بلا عقل، لكان بهيمة بهماء، ودابّة عجماء، وهذا الجانب هو نقطة الضعف في الإنسان كما وصفه الله عز وجل بقوله: {وخلق الإنسان ضعيفا}، فهو ضعيف في قوته الجسدية، وضعيف في مواجهة الصعوبات والمغريات، وعلى الأخص: إغراء المال...، والجاه...، والمرأة...، فالإنسان  في مواجهة هذه الإغراءات أضعف ما يكون، لأنها شهوات  حلوة، مزيّنة، مغرية فاتنة، كما وصفها الله تعالى بقوله: {زيّن للناس حبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث}.

  لذلك كان على المسلم أن يستعين بالله تعالى في مواجهة كل المغريات، وأن يكون حذرا في تعامله وتعاطيه وتصرّفاته مع الناس، لئلا يغريه الشيطان، فتزلّ قدمه على الصراط، ويقع في الزلل؛ ولكي يتمكّن الإنسان من الإحتفاظ بتوازنه، فقد أكرمه الله عز وجل بالجانب الآخر، وهو: جانب "العقل" الذي اختصه به من بين سائر "الحيوان"..


المواضيع الأكثر قراءة