العلاقات بين طهران وواشنطن.. عداوة في الظاهر وتحالف تحت الطاولة لتدمير العراق وترهيب دول الخليج



عندما استدعاها جلالته ليستفسر منها سبب تكسير كل 'الاراكيل' في القصر ما جعله غير قادر حتى هو شخصيا على استخدام التنبك، قالت له بكلام واضح وشفاف: 'الذي حللني عليك حرم التنبك عليك'!
هذا ما قالته الشهبانو زوجة ناصر الدين شاه لزوجها الملك القاجاري المقتدر!.
وهكذا سقط مشروع احتكار التنبك من جانب الانكليز، وذلك بفتوى بسيطة من العالم الديني الشهير آية الله الشيرازي لم تتجاوز كلماتها عدد اصابع اليد الواحدة:' اليوم استعمال دخانيات حرام است'!
كان هذا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وهي الواقعة التي فتحت الباب واسعا لانطلاق الثورة الدستورية الايرانية المشهورة بـ 'المشروطة' في بدايات القرن العشرين، والتي كانت بدورها فاتحة انطلاقة حركة التحرر الوطني الايرانية الاستقلالية الحديثة!
عندما تحلقوا حوله مذهولين بسبب مفاجأة انطلاق الحرب عليهم من جانب نظام بغداد وتقدم القوات العراقية بنسق متسارع نحو عمق الاراضي الايرانية قال لهم بالحرف الواحد وهو في اكثر حالات يقينه تجليا: 'الخير في ما وقع'!
هذه الكلمات القصار للامام الخميني باعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة يومها اضافة لكونه المرجع الديني الاعلى، هي التي حولت 'المفاجأة الكارثة' الى' فرصة' نادرة ليس فقط لتجاوز تحدي الحرب المفروضة بل ولبناء ايران الدولة الاقليمية العظمى، وتحويلها الى الرقم الصعب الذي عجز الغرب والشرق في فك رموز قدرتها حتى الآن!
هو نفسه صاحب الكلمة الشهيرة: 'انكم تستطيعون كل شيء اذا ما اردتم'!
وبالفعل استطاعوا ان يفعلوا ما يشاؤون، وان يضعوا كل التحديات التي رفعها الغرب وربيببه الكيان الصهيوني بوجههم.
وكما اخطأ كارتر في حساباته مع ايران في بداية الثورة ولم ينل سوى الخسران، فان اوباما هو الآخر سيخرج من الاختبار فاشلا، بل انه سيسقط الى الهاوية باسرع ما يتصور!
خبران ومفاجأة كلها تؤكد قرب سقوط اوباما في الاختبار:
الخبر الاول: اصراره على اصدار عقوبات احادية ضد ايران يزعم انها ستصيب القدرة الايرانية في الصميم رغم معرفته المبرهنة بالوقائع بان المتضرر الاكبر هم حلفاؤه او منافسوه على الاسواق الايرانية اكثر من تضرر ايران منها!
الخبر الثاني: ارساله رسالة من تحت الطاولة للقيادة العليا في طهران بانه مستعد لاعادة النظر في كل شيء شرط ان ترفعوا ايديكم عن فلسطين!
اما المفاجأة فهي رد القائد العام للقوات المسلحة الايرانية والمرجع الديني الاعلى باعتباره الولي الفقيه على اوباما: 'لسنا اهل الكوفة حتى نترك اهلنا في فلسطين لوحدهم'!
وهو الكلام الذي سبق ان سمعه بوش البائد عهده عندما طلب مساعدة ايرانية فعالة في مكافحة رجال القاعدة الذين قيل انهم لجأوا الى ايران بعد احداث سبتمر الشهيرة، وهو نفس الكلام الذي سمعه عندما كرر هذا الطلب لحماية قوات الاحتلال الامريكية في العراق من هجمات المقاومين!
هذا هو جوهر ما يجري بين واشنطن وطهران تحت 'عباءة' العقوبات اليوم!
اما حكاية وقف صادرات البنزين مثلا فهي 'مزحة بكل معنى الكلمة' كما يقول كبار المسؤولين الايرانيين والذين يتمنون ان يجد الامريكيون ويجتهدون فعلا في تطبيقها ضد ايران حتى يروا بام اعينهم مفاجآت جديدة تماما كما هي المفاجآت في حقل الطاقة النووية!
لن يمضي وقت طويل حتى يكتشف العالم بان ايران ليست بحاجة الى تبادل الوقود مع احد، كما انها ليست بحاجة لاحد في انتاج النظائر المشعة للاغراض الطبية لمعالجة الامراض الصعبة لمواطنيها، بعد ان اصبح موضوع انتاج الوقود النووي محليا لتشغيل مفاعل طهران بحكم الامر المنتهي!
ان اكثر ما يذهل الغرب المتعالي والمتعجرف هذا هو ان ما انجزته دول صاعدة مثل الهند مثلا في عشرين عاما انجزته طهران في سنة واحدة 'والخير لقدام' كما يقول الدكتور علي اكبر صالحي رئيس هيئة الطاقة النووية الايرانية، والذي يضيف واثقا بان موضوع التبادل بات في حكم الحاجة السياسية للغرب في محاولة لابقاء شعرة معاوية مع طهران اكثر مماهي حاجة تقنية اصبحنا في حكم المكتفين ذاتيا لها!
لقد قال لي مبكرا الصديق الراحل الجنرال ابراهيم يونس، وهو الذي شغل منصب سفير سورية لدى ايران، وكانت الحرب العراقية على ايران في ايامها الاولى: سيأتي يوم تشكرون فيه الرئيس صدام حسين على الفرصة الذهبية التي وفرها للامة الايرانية للصعود الى قمة المجد بسبب خطيئته القاتلة'!
قبل ايام كان الرئيس احمدي نجاد يكرر مثل هذا الكلام عن الرئيس اوباما بسبب اصراره على ارتكاب خطيئة مشابهة!
حتى الكيان الاسرائيلي وصل الى قناعة استحالة مواجهة ايران بالحرب، والكلام للجنرال الامريكي الاول المسؤول عن قيادة القوات الامريكية في الخارج!
ان الامريكيين بقراراتهم الجديدة انما يعاقبون العالم الآخر كله، بذريعة محاصرة القدرة الايرانية، رغم معرفتهم استحالة ذلك بالمطلق، لكنهم مجبرون عليه لان اعينهم شاخصة نحو انقاذ الكيان الاسرائيلي المتسارع في انهياراته المعنوية والمادية!
من هنا يأتي طلبهم الحقيقي من ايران والذي يمررونه تحت الطاولة!
انها معركة من فقد كل اوراقه التاريخية في حروب خاسرة ورطه فيها حليف متحصن بترسانة نووية مقتدرة في الظاهر لكنه ظالم ومتجبر انهكت قواه في معارك خاسرة وصارقاب قوسين او ادنى من الزوال بسبب انكشاف خداعه وزيف كيانه، مع من لا يزال يملك اقوى اوراقه التاريخية وهي ارادة نصرة حليف مظلوم ومستضعف قد يكون ضعيفا في قدراته العسكرية لكنه يستمد قوته المتنامية من قوة منطقه ووعي العالم المتزايد بعدالة قضيته.
اليوم وبعد كل الذي جربته واشنطن مع طهران النظام الاسلامي من ايام كارتر الى ايام اوباما يبقى كلام طهران هو نفسه كلام ذلك المرجع الديني الكبير حول التنبك:
الذي حلل التجارة بين الناس حرم خيانة اهل الجوار!
وبالتالي فان فتوى قصيرة من خمس كلمات فقط باستطاعتها ان تعيد الكرة مع هذا الرجل العنصري الابيض وتجعله يشرب بنزينه او يرميه في الاطلسي، فيما تجعل من ايران تسارع الخطى لتصبح خلال وقت قصير دولة مصدرة لهذه المادة!
وبالتالي فان ما لم تستطع ان تنتزعه واشنطن بالحرب لن تستطيع نيله بالحصار ولو جمعت من جمعت من ارباب الغش والخداع والاحتكار من حولها! 
محمد صادق الحسيني 


المواضيع الأكثر قراءة