الدعاية الصهيونية الموجهة نحو الصهاينة والغرب.. رفع معنويات الجندي الصهيوني الذي يهاجم غزة وهو يحمل على كتفيه عبء هزيمة ثقيلة في لبنان



عملت الآلة الدعائية الصهيونية خلال العدوان على غزة بإشراف مباشر من خبراء جيش الاحتلال وركزت في معظمها على ثلاثة عناوين رئيسية: أولها، رفع معنويات الجندي الصهيوني الذي يهاجم غزة وهو يحمل على كتفيه عبء هزيمة ثقيلة في لبنان، وأمام عينيه تتراءى صورة هزيمة جديدة، أما العنوان الثاني، فهو إظهار اضطرار الجيش الصهيوني لمهاجمة غزة مع علمه بالتكلفة البشرية الباهظة التي سيدفعها المدنيون في غزة وأن الأمر لا يعدو كونه دفاعاً عن النفس. أما العنوان الأخير، والأكثر خطورة، فهو محاولة التغطية على الجرائم الصهيونية التي ارتكبت ضد قطاع غزة وتحييد المشاعر الإنسانية للمتابعين وتحويلهم من متفاعلين مع الأطفال والشهداء والأسر المنكوبة ليصبح هؤلاء المتابعون مجرد عدادات لأعداد القتلى والجرحى في الحرب فيما يسمى تسطيح الحرب أو المعاناة، وجعل الاهتمام منصباً على الأرقام دون مضمونها. 
وبالعودة إلى العنوان الأول نجد أن الصهاينة حاولوا تحقيق الانتصار في غزة بأي ثمن ومهما استخدموا من قوة، وذلك ليس لسعيهم فقط وراء الأهداف المعلنة والخفية لحربهم ضد قطاع غزة، ولكن لأنهم يخوضون هذه الحرب وشبح هزيمة تموز 2006 في لبنان يطاردهم ويؤرقهم، ومن هذا المنطلق كان الاهتمام مركزاً على نسيان هزيمة الجيش الصهيوني في لبنان، ومسحها من ذاكرة الجندي الصهيوني. ومن أمثلة سعي الصهاينة لرفع معنويات جنودهم محاولة إحياء الصهاينة لتراث الكتيبة 101 للعمليات الخاصة (أو ما يسمى بكتيبة هيئة الأركان سبيدت متكال) التي قادها شارون في حرب تشرين 1973 وإعادة ترميم صورة هذه الكتيبة للتذكير بإنجازاتها. لكن المشكلة لديهم كانت في إصابة قائد الكتيبة ومقتل عدد من جنودها وضباطها منذ الساعات الأولى للهجوم البري. 
وكان لسلاح الجو الصهيوني نصيبه من محاولات الترميم ورفع المعنويات (في إطار الهدف الأكثر أهمية عسكرياً لإسرائيل وهو استعادة هيبة الردع) خاصة بعد فشل الضربة الجوية الأولى، وسبق أن فشل هذا السلاح في حسم حرب تموز في لبنان عام 2006 رغم الإمكانات الكبيرة والمتفوقة، وتم دعم معنويات الطيارين الصهاينة من خلال زيارات قادة الكيان الصهيوني لقواعد سلاح الجو والثناء على جهودهم وإنجازاتهم التي حققوها، وكذلك زارت قنوات التلفزة الصهيونية هذه القواعد وأجرت العديد من اللقاءات مع الطيارين مع إبراز صور لطائرات سلاح الجو وإمكاناتها القتالية ومحاولة تصوير الطيارين كأبطال وأنهم يتأثرون بصور القتل والدمار التي تخلفها غاراتهم لكنهم مضطرون لقصف الأماكن السكنية لوجود المقاومين فيها. وظهرت بعض الأفلام التي صورتها الطائرات تحدد فيها بعض الأهداف وتقصفها لإظهار براعة الطيارين الصهاينة ودقة تصويبهم وتطور سلاحهم. 
ومن محاولات رفع معنويات الجنود نشرت الصحف الصهيونية صورة لجندي صهيوني يستمتع بمصاصة(حلوى) على تخوم غزة، وكذلك ظهرت صور لجنود يلتقطون صوراً تذكارية أمام ساتر ترابي على حدود غزة كذلك نشرت صور لجنود صهاينة من قوات الاحتياط وهم في حلقة رقص قبل توجههم للقتال في غزة إضافة إلى صور الجنود على دباباتهم يرفعون شارات النصر. 
أما العنوان الثاني فهو الهروب من تداعيات المجازر التي كان الصهاينة يرتكبونها في كل ساعة أمام نظر العالم وسمعه وظهرت أولا الحاجة إلى حماية الجنود الصهاينة من صور القتل والدمار والدماء وتأثيرها على معنوياتهم ومنعهم من رفض أوامر قصف غزة، ولذلك طار قائد سلاح الجو بطائرة مقاتلة وقصف غزة ليعتبر الطيارون الصهاينة أن هذا الأمر طبيعي، وكذلك أبحر قائد سلاح البحرية بسفينة حربية وقصف بيده مدينة غزة، وكذلك قام قائد القوات البرية بقيادة عربة تابعة للكتيبة 401 وقصف مواقع ضمن قطاع غزة، ولتسويغ هذا القصف والتدمير ركزت وسائل الإعلام الصهيونية على آثار الصواريخ الفلسطينية على المستعمرات الصهيونية وتضخيم وتهويل آثارها وتكرر إظهار حالة الفزع التي تنتاب المستوطنين وخاصة من النساء وعندما تقول إحداهن إن صوت سقوط الصاروخ كان مفزعاً، فتكرر المذيعة «إذاً كان مفزعاً» ثم تتجول الكاميرا لتصور آثار سقوط الصاروخ وتركز وسائل الإعلام على عدد القتلى والجرحى وتبرز حالات الهلع بين الجرحى، بل وتركز عليهم وكأن هلعهم كارثة كبيرة، حتى أصبحت هذه الفكرة وسيلة للدعابة، فتنشر إحدى الصحف الإسرائيلية صورة كاريكاتير وتظهر مستوطنة تبدو سعيدة وتقول «لقد أصبت بالهلع» هذا في الوقت الذي تنسى هذه الصحف ووسائل الإعلام الفلسطينيين الذين تمزقهم القذائف الصهيونية وتحرق أشلاءهم ولن نتحدث عن الذين أصابهم الرعب والهلع. 
وفي هذا الإطار نجد أن الصحف الصهيونية التي كانت تنشر صور الدمار والمجازر باللونين الأبيض والأسود، وكذلك صور المظاهرات التي نددت بجرائم الاحتلال ولم تنشر هذه الصحف صور الشهداء والجرحى من الأطفال مطلقاً. 
ومن صور رفع معنويات الجنود الصهاينة ورداً على تقارير صحفية قالت إن الجيش ترك الجنود في لبنان 2006 دون طعام أو إمداد لفترات طويلة نشرت إحدى الصحف صوراً لمجندات فيما يشبه السوبر ماركت على حدود قطاع غزة ويقمن بتوزيع الأكل والشرب والرصاص والخوذ على الجنود. 
أما العنوان الثالث فهو تحويل مشاهدة جرائم الاحتلال إلى أمر عادي يهتم فيه المشاهد والقارئ بأعداد الشهداء والجرحى أكثر من اهتمامه بمعاناة الناس في قطاع غزة، وهنا لعبت الدعاية الإرهابية الصهيونية بخبث شديد من خلال إيجاد بدائل إنسانية لقصص معاناة أهالي قطاع غزة من خلال التركيز على قصص أخرى لأبطال وهميين يقومون ببطولات وهمية ومن هذه القصص نتابع ما يلي: 
صورة مذيعة صهيونية شابة اسمها يونيت ذرفت الدموع حزناً على أطفال غزة لتلتقط آلة الدعاية الصهيونية هذه الصورة وتبرزها، وتركز على المذيعة الشابة الجميلة التي جرحت مشاعرها، وتنشر الصحف صورها الملونة، فتصبح المشكلة هي مواساة المذيعة، وتنسى مأساة الأطفال الشهداء والجرحى. 
صورة مجندة صهيونية جميلة تبدل ملابسها خلف دبابة وتبدو وقد استيقظت لتوها وهي تحرك شعرها بحيوية، وتحت الصورة كتب تعليق بأنها «ذاهبة للقتال في غزة» وطبعاً لا ينتهي الأمر عند هذا الحد ففي اليوم التالي تنشر الصحيفة وفي المكان ذاته صورة للمجندة نفسها وهي في دبابة وتقاتل في غزة ويتحول الاهتمام من متابعة مأساة حقيقية تجري في محرقة غزة إلى مسلسل ما يحدث مع هذه المجندة. 
حاولت الدعاية الصهيونية إظهار الجانب الإنساني للجنود الصهاينة من خلال الحديث عن مجندة وأمها التي تطوعت للذهاب معها إلى غزة، أو والدة المجند التي ذهبت لزيارة ابنها الذي يقاتل في غزة مصطحبة الهدايا، وعندما تلتقي الصحف بجنود الاحتياط تسألهم: هل أنتم خائفون؟ فيقولون: نعم!! ولكن عندما يسألون عن سبب خوفهم فهم يجيبون بأن لديهم أسراً وأطفالاً وهم حريصون على العودة بسلام إلى أسرهم، ولا بأس هنا من ذكر مقابلة صحفية لمجندة تنتظر حبيبها المجند الذي يقاتل في غزة ليتزوجا، وقصص أخرى عن مجندين ومجندات ينتظرون انتهاء الحرب ليتزوجوا ويعيشوا حياتهم الطبيعية، أو جندي الاحتياط سيئ الحظ الذي ذهب إلى لبنان فأصيب وذهب إلى غزة وأصيب، وتجدر الإشارة إلى أن جميع هذه الصور كانت تنشر في الصحف الصهيونية بالألوان..


المواضيع الأكثر قراءة