إجراءات الخطوبة في الحجاز.. تعاليم الشريعة تبيح الرؤية إلا أن العادات والتقاليد لها حكمها الذي كان يبدو في تلك الأيام وكأنه لا يقاوم



تبدأ إجراءات الخطوبة بعد التسامع بأن عائلة ما لديها فتاة حلوة وجميلة وذات خلق رفيع، فتسارع العائلة التي تبحث لإبنها عن عروس بالسؤال عنها، وعندما يصح العزم على التقدم للخطوبة تأخذ التحريات طريقها لمعرفة الأوضاع العائلية ودخائلها.

بيد أن للتزكية من ذوي العلاقات اللصيقة في الحارة أو العمل أو الصداقة او التعامل ما يمكن أن يضفي قدراً من الثقة ويحفّز على التقدم للخطوبة، وينشط الوسطاء وأهل (اللزمة) لجسّ نبض والد العروس وأهلها، وهؤلاء بدورهم يبحثون ويتقصّون أخبار وسمعة وأحوال العريس وسلوكياته ثم أوضاع أهله من والد ووالدة وعمّات وخالات وأصهار، وأقارب الى آخر القائمة إيّاها.

ثم ينقل الوسيط الموافقة على مبدأ التقدم للخطوبة، فتذهب الأم والعمّة مع الصديقات الخُلّص في سريّة كاملة، ومظهر ملؤه الحشمة والوقار، فيستقبلون بحفاوة بالغة من قبل أهل العروس، الذين يقدمون لهم أنواعاً من المرطبات (صناعة البيت) كعصير التوت والليمون والسفرجل، ثم القهوة والشاي بلونيه مع قليل من المكسرات المنتقاة وبسكويت مالح وحلو الى جانب الفوفل والهيل وحلاوة النعناع.
 وهكذا تبدو معالم الحفاوة مع ما يخامر الطرفان من أمر المستقبل وما يحمل في طياته، ولا يعلم الغيب إلا الله.

وتقوم إحدى السيدات الصديقات رافعة يدها الى السماء معلنة الرغبة في قراءة الفاتحة من القرآن الكريم، وتقول: (جينا خاطبين راغبين في ست الحسن والجمال لولدنا).

ثم يأت الرد بطيئاً بالقول: إن شاء الله نخبر الوالد برغبتكم ونرد عليكم قريباً، وكل شيء قسمة ونصيب، ثم يتم الإستئذان للعودة للمنزل.

هنا تكون البنت المخطوبة في فرحة غامرة، رغم أن العريس غائب عن الصورة والمواجهة، وكذلك العروس إذ تتم الخطوبة على وصف الصديقات والأصدقاء من المعارف فلم يكن في الماضي ما يبيح للعريس رؤية عروسه ولا من وراء جدر أو ثقب باب، فذلك أمر غير لائق، وعلى العريس أن يكتفي بوصف عروسه من خلال الأهل الذين يصفون له تقاسيم وجه العروس وجسمها طولاً أو قصراً أو بين بين ثم لونها هل هو وردي .. خمري .. شقراوي .. أسمراني.. أو قمحي، وعلى العريس أن يستعين بالتخيلات،  وبطبيعة الحال فإن الأمر ينسحب على العروس أيضاً عندما يوصف لها العريس، إلا إذا حانت فرصة الزيارات المتبادلة بين الأصهار والأقارب والأصدقاء، فإن من (الحيلة) ما يفوق الوصف لمعرفة شكل أو وضع الطرفين دون علم الكبار، وإلا فالويل كل الويل لمن يتطاول أو يتحايل أو يتغامز لأن الأمر يتعلق بالعار (والمعابة يا خويا) مع أن تعاليم الشريعة تبيح الرؤية إلا أن العادات والتقاليد لها حكمها الذي كان يبدو في تلك الأيام وكأنه لا يقاوم.

وتمر أسابيع وشهور وربما أكثر حتى يأتي الرد إيجابياً، وهنا يقوم أهل العريس من النساء بزيارة أخرى لمشاهدة العروس في غلالة من ثوب أنيق ورائحة عطرة، ويجتمع الرجال من أهل العروسين لتحديد موعد عقد القران (المِلْكَة) ويتم خلال هذا اللقاء قراءة الفاتحة والدعاء للخطيبين بالتوفيق والقبول.


المواضيع الأكثر قراءة