سقوط النظريات.. حول مسألة استجلاب النصر والسباق بين أتباع الاديان المختلفة في العدو



لسنا ندري هل لا يزال يتفق البشر على صحة نظرية المدخلات والمخرجات أم أن هناك (مستجدات) على الساحة تشكك في صحتها بل وربما تهدمها من الأساس؟
هل يمكن ان يكون هناك مخرجات أي (نتائج) تختلف مكوناتها عن المدخلات اي عن (الاسباب)؟

سنحاول أن نفكر معا بصوت عال في هذا الطرح الذي بات شائعا على الساحة، وربما يفيد أن نسوق هذا المثال لمحاولة القاء الضوء على سلوكيات ظهرت في الافق ومدى درجة صدامها مع هذه النظرية الأزلية.

إذا افترضنا جدلا قيام فعالية رياضية على أساس ديني (سباق بين أتباع الاديان المختلفة في العدو مثلا)، تضم متسابقين مختلفين في العقائد والملل والنحل، منهم المسلم بتفرعاته والمسيحي بطوائفه واليهودي والهندوسي والبوذي والخ (بالمناسبة أنا لا أحبذ مصطلح الديانات السماوية وغير السماوية احتراما لحق كل انسان في قدسية ما يعتقد)، وبينما الجميع متأهبين تماما في المضمار، يطلق الحكم صفارته لبدء السباق، تلتهب المدرجات بالهتافات العارمة وتلتهب الأكف بالتصفيق الحاد المتواصل، كل يشجع ابن عقيدته برفع الرموز الدينية عاليا واطلاق الحناجر بالادعية لاستمطار المراحم السمائية لجلب الفوز والتتويج لهذا اللاعب او ذاك، وبالطبع لن يخلو الامر من بعض المتعصبين اللذين يطلقون الهتافات العدائية لتجريح وتسفيه عقائد الاخرين و(تذكير) الله بأن هناك متسابقون يعتقدون بعقائد تشرك به، أو أنهم وثنيون أو أنهم خارجون على الملة و و الخ من أنواع السباب الديني المنتشر الان على الساحة.

وبعيدا عن هذه الهتافات العنصرية، وبينما يجري الجميع وكل يحاول الفوز بالجائزة سوف نناقش معا- وحتى ينتهي هذا السباق المحموم - بعض الامور عمن هو الاجدر بالفوز.

الأمر الأول:
بالطبع هؤلاء الشباب مختلفون في الاجناس والاعراق والبيئة، لكنهم اشتركوا في الاستعداد للسباق بجدية التدريبات والنظم الغذائية الصارمة والرعاية الطبية والنفسية، وهم يعلمون تماما في قرارة أنفسهم أن حسم السباق لن يكون إلا في المضمار، ونتيجة حاصل جهد اللاعب والمدرب والطبيب وإخصائي العلاج الطبيعي وإخصائي التغذية ومنظومة المجتمع الذي أفرز هذا المتسابق من حيث قيم العدل والحرية والثقافة وحتى حالة الطقس و و ..إلخ، لكن لو تسرب الى عقول هؤلاء المتسابقين أن السباق محسوم لصالح فرد بعينه لأنه يدين بعقيدة ما أو طائفة منها، ترى هل تصلح بعد ذلك أي منظومة لإقامة أية مسابقات أو منافسات أو فعاليات من أي نوع، رياضية أو غير رياضية على وجه الارض.

الأمر الثاني:
لو أقيم السباق مثلا بين مجموعة من المتسابقين (متحدي الملة والطائفة) ترى هل يمكن أن يتغير معيار الفوز على اساس مدى تقرب هذا المتسابق أو ذاك الى الله مثلا، وفي هذه الحالة ترى من سيحدد مقياس الابتعاد والاقتراب، وهل هناك آلية محايدة يمكن بها الحكم على ذلك؟ وربما يساعدنا الاستدلال بهذا المشهد الواقعي في الاقتراب أكثر من حجم المأساه التي نحن بصددها: في مباراة لكرة القدم جرت منذ فترة فازت مصر على السودان بعدد كبير من الأهداف وعقب كل هدف يظهر اللاعبون المصريين طقوس الشكر الواجب لله على النصر(على الأعداء) بالسجود الجماعي على أرض الملعب وفي اليوم التالي قرأت في أحد الصحف السودانية تعليق أرسله قارئ يتساءل فيه كيف نطبق الشريعة في بلادنا ثم يفوزعلينا باعة الخمور وآكلو لحوم الخنازير، (كان ذاك قبل اعدام الخنازير في مصر) وبقدر ما كان التساؤل فطريا كانت المأساه عميقة ،عميقه في قلب هذا الشاب وكل جيله، مأساة أنشأتها وأصلتها ومولتها قوى شريرة حجبت عن أعين ثلاثمئة مليون من البشر في هذه المنطقة المنكوبة، حجبت بديهيات وأغرقت عقول في غيبيات لاتمت للعقائد بصلة وها هي النتائج على الساحة واضحة للعيان، فشل هزائم كوارث فقر جهل مرض حروب و و إلخ.. وهي كلها مخرجات محكومة بنوع المدخلات فمما تزرع فبالضرورة يجب أن تحصد.

الأمر الثالث:
هل من الصفات الالهية (حاشا) أن يحابي الله إنسانا ليفوز بسباق لمجرد أن هذا الانسان قرر أن يعبده كخالق للكون طبقا لطقوس هذه العقيدة أو تلك وهذا يجرنا إلى تساؤلات قد تبدو صادمة لكنها مشروعة. هل يحتاج الله الى عبوديتنا أم نحتاج نحن إلى ربوبيته؟

هل يكره الله بقية سكان هذا الكوكب من غير المؤمنين (وغير المؤمنين هم الاغلبية في العالم لمن لا يعلم) الصينيين والهنود واليابانيون وكل شرق وجنوب شرق اسيا، وهم بشر لهم معتقداتهم التي نطلق عليها (ديانات وضعية) ولماذا يشرق شمسه عليهم، ولماذا لا يستجيب لتضرعاتنا اليومية بإبادتهم لأنهم وثنيون.

الأمر الرابع:
إن شروحات ثقافة نصرة ألله المتداولة خلقت نوعا من الالتباس في العلاقه بين ألله والانسان نوعا من علاقات تبادل المنفعة فما دمت أعبدك يارب فلزاما عليك أن تنصرني على غيري (ظالما أو مظلوما) وقد ينجر ضعاف الايمان الى مراجعة هذه العلاقة وربما تقييمها كل فترة على ضوء تنفيذ كل طرف لالتزاماته أي المبدأ المتفق عليه أنصرني وأنصرك أو بالمعنى المصري الدارج(شيلني واشيلك).

الأمر الخامس:
يتناسى بشر كثيرون وخصوصا المتعصبين منهم أن مظلة الله كاملة وسليمة ليس بها ثقوب وهي تظلل كل من حاز على لقب إنسان أما مسألة أعبده أو لا أعبده فتلك مسألة حدد لها الله طبقا لكل ماهو بين أيدينا من كل الكتب المقدسة - وغير المقدسة- حدد لها يوما ومكانا للحساب هناك في ملكوته، ملكوته هو وامام عرشه هو ولم يوكل أحدا على الاطلاق للقيام بدوره أو اختطاف صلاحياته أو جزءا منها على الارض.

الأمر السادس:
إن منطق الهتافات المدوية لاستجلاب النصر الذي دخل مجال الرياضة مؤخرا ربما يمكن استغلاله في مجالات كثيرة فلماذا مثلا لا يجتمع المصريون أو غيرهم في أمسية ما ويهتفون كلهم في لحظة واحدة -ولا بأس من استعمال الميكروفونات- لصنع موجة صوتية عارمة تخترق السماء وتحل كل المشاكل من فقر ومرض وبطالة و،و، وفي حال نجاحها تتبعهم كل الشعوب الاخرى فلن يستغرق الامر سوى أمسية فتعود الحقوق المغتصبة في فلسطين ويفيض القمح من صحارينا الشاسعة بدلا من استجدائه (من الكفرة والمشركين) ونسود الامم بسياراتنا وهواتفنا النقالة وطائراتنا و و و.. وتنتهي كل مشاكلنا في الصومال والسودان واليمن ولبنان و مصر وتختفي الصور المؤلمة للنساء العجفاوات الباكيات الذين يحملن أطفالا نصف موتى عيونهم جاحظة ويغطي اجسادهم الذباب والبثور، الصور التي تبثها 'الميديا' علينا كل يوم من مخيمات التهجير المنتشرة هنا وهناك في هذه المنطقة الموبوءة.

ونتعامى عن قصد سيئ عن الأسباب (أي المدخلات) التي ولدت هذه النتائج (المخرجات).
نعود الى السباق فإنه يبدو على وشك الانتهاء وقسم من المشجعين يهتفون لأحد المتسابقين يستمطرون له المعونة الالهية لنصرته ويبدو أنهم أغلبية في المضمار لأن أصواتهم أعلى وهتافاتهم قوية لكن يبدو أن متسابقهم على وشك أن يخذلهم فتخبو أصواتهم شيئا فشيئا ثم يصل الحميع تباعا الى خط النهاية وبينما الفائز يتلقى التهاني من مشجعيه يخرج الباقون متسابقون ومشجعون وعلامات البؤس على وجوههم جميعا فقد خذلهم الاله رغم قوة الهتافات التي أدمت حناجرهم والهبت أكفهم.

الأمر السابع:
إن الذين يضعون العقيدة (أي عقيدة) في المواجهة لاختبارها هم الخبثاء فإن جاء النصر فهي معجزة بكل المقاييس لادخل فيها لاي جهد بشري وإن جاء الاخفاق يسود البكاء والعويل وتتوه الاجيال في التفسير والتأويل وتشريح النصوص للبحث عن الاسباب، أسباب الاخفاق المزمن ويستبعد الجميع القانون الالهي الصارم مما تزرع يجب أن تحصد أي نظرية المدخلات والمخرجات الازلية والعلماء الاجلاء الذين أعملوا العقل وتجرأوا ووضعوا أيديهم على الداء المستشري تم مطاردتهم وتكفيرهم وشطبهم من كل القوائم بدءا من غاليليو وابن رشد وابن خلدون ومرورا بمحمد عبده وصولا لأبي زيد.

الأمر الأخير:
أعتقد أن ألله العادل الكامل حاشا إلا أن يكون عادلا وكاملا في كل وقت وكل زمان وكل مكان ومع أي إنسان بغض النظر عن لونه أو دينه أو عرقه، ألله بعدله المطلق يكافئ الامم والشعوب والافراد بقدر احترامها لحياة الانسان وحقوقه، وبعدله المطلق يكافئهم بقدر العلم والعمل والبحث وقيم الحرية والعداله بين البشر، وهي المدخلات الاساسية لصنع حضارة وتقدم وفوز وانتصار، وبعدله المطلق يكافئهم بقدر استثمار الهبة الالهية التي منحها الله للانسان دون غيره من الكائنات وهي العقل، العقل الذي تتجنب إعماله أمم كثيرة حتى تتجنب الاجابة على السؤال الكبير الخطير هل المخرجات يجب أن تكون نواتج المدخلات أم لا، والله بعدله المطلق لا يكافئ الناس بدرجة قوة الهتاف في أمسيات كرة القدم ولا بقدر النفاق على الميديا فان ألله لايحب المنافقين.

عيد اسطفانوس
كاتب مصري