النص القراني (الفداء حتى النصر) لمبارك ربيع

الفداء حتى النصر

لم تطل فترة اللقاء والمجاملات، إذ سرعان ما انعقد اجتماع في أحد الاكواخ قرب الضيعة... تحدث الرفاق عن أخبار إخوانهم في السجن، والعمليات الفدائية التي يقوم بها المتطوعون في الدار البيضاء ومراكش وفاس... ومدن أخرى... لم ينتهوا حتى حضر العشاء...

وأثناء تناوله تحدثوا في قضايا سياسية مختلفة، وكانت فرصة ليسأل سليمان عن أخبار الملك وأسرته في المنفى... كانوا جميعا متفائلين واثقين من النصر... لابد من الاستقلال، ولابد من رجوع الملك... وكان فرصة للحديث عن نضال الشعب وتعلقه بملكه، ورمز استقلاله.

ودارت بينهم وقائع وأحاديث شاعت في أوساط الشعب... منها تلك الحادثة التي أثارت مظاهرة في السجن... مظاهرة عجيبة غريبة قادها محمد الخامس بنفسه... وهو في منفاه حيث ظهرت ذات صباح أمام سجن بالدار البيضاء إحدى المناضلات الفدائيات في زي امرأة قروية، تنتظر وقت الزيارة مع المنتظرين.

وصل وقت الزيارة ففتح الباب، وفي المدخل كان الحارس يسجل أسماء ذوي الزيارة من السجناء... جاء دور المرأة، فسألها عن اسم السجين الذي تريد أن تزوره، قالت المرأة بسذاجة وغباء: أخي... إنه أخي...
ظهر التذمر على الحارس من جهلها، وصاح: أنا أسألك عن اسمه.

قالت  المرأة بهدوء: إنه أخي... أعرفه... أنا أعرفه... ألا تعرفه أنت؟
بلغ الغضب مبلغه من الحارس، ونادى حارسا آخر، يساعده في التفاهم مع هذه الجاهلة. سألها الحارس الثاني بهدوء عن اسمها.

قالت: اسمي زهرة بنت الميلودي بن علال.
ابتسم الحارس، وسألها عن اسم أخيها السجين.
قالت متألمة: آه (يا خويي العزيز، كيف أنت؟).

أعاد الرجل سؤاله:
قولي ما اسم (خويك العزيز؟).
أجابت: يحيى ... العزيز علي (خوي): يحيى ...
سألها الثاني مرة أخرى: ابن من؟

عاد الألم يظهر على المرأة وهي تقول: آه على (خويي) العزيز بنيوسف. (آسيدي. اييه يا سيدي: بنيوسف ...).
سجل الحارس الأول الاسم كاملا، وطلب منها أن تدخل قاعة الزيارة وتنتظر مع المنتظرين.

اكتظت قاعة الزيارة بالزائرين، أمام سياج عازل مزدوج، يقف وراءه السجناء أثناء الزيارة، وترتفع أصوات التحيات والسلام والأخبار عن الأهل والصحة... بينما يبقى الحراس وقوفا يستمعون ويراقبون، إلى أن يدق الجرس بانتهاء الزيارة.

كان الحارس المكلف بالزيارة قد أخذ لائحة الأسماء، وتوقف داخل السجن بين الزنازن، ينادي الأسماء واحدا واحدا... حتى نادى: يحيا بنيوسف...، وإذا أصوات السجناء كلها تنطلق مرددة: يحيا... يحيا ابن يوسف، يحيا ابن يوسف.

وعندما تناهى النداء إلى الزائرين، شاركوا بدورهم في النداء والهتاف: يحيا ابن يوسف – ابن يوسف إلى عرشه – عاش ابن يوسف ... عاش الملك..! يا لها من وقائع يومية وأحداث ... يقاوم بها الشعب كله، وكل فرد منه، بما يملك وبما يستطيع ...؟
مبارك ربيع، طريق الحرية، مطبعة النجاح الجديدة، ص: 151 – 153 (بتصرف).

تحليل النص:

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال