النوع الأدبي وتصنيف الإبداعات الأدبية التي تنطوي على تحولات الأنواع وتداخلها مع بعضها. إشكالية تجنيس القصة القصيرة جدا من منطلق الأنواع الفرعية



إن النوع الأدبي مهما اكتنف هذا المفهوم من تعقيد أو تشابك فهو لا يخرج عن كونه محاولة لتصنيف الإبداعات الأدبية التي تنطوي على تحولات الأنواع وتداخلها مع بعضها أي عبور خصائص فنية من نوع إلى آخر (فالنوع يزداد غنى بالأعمال الأدبية الجديدة التي تلتحم بالأعمال التي سبق وجودها للنوع المعين.

إن السبب الذي عمل على نمو نوع يمكن أن يفقد فعاليته، والملامح الأساسية للنوع ويمكن أن تتغير ببطء، لكن النوع يستمر في الحياة كصنف أي عن طريق الربط المعتاد للأعمال الجديدة بالأنواع الموجودة سلفا.

وقد يتعرض النوع لتطور وأحيانا لثورة مفاجئة، مع ذلك وبسبب الربط المعتاد للعمل الأدبي إلى الأنواع المحددة سلفا يحتفظ النوع باسمه على الرغم من حدوث تبدل جذري في بناء الأعمال التي تنتمي إليه).

وهذا ما دعا (كلوس همبفر) إلى اقتراح نظام متسلسل ضمني تدرجت فيه الطبقات الداخلية من العام إلى الخاص (وهو ما نصطلح عليه بالصيغ مثل: (السردي/ الدرامي).
ثم تأتي الأنماط وهي تخصصات للصيغ مثل: السرد على لسان المتكلم، أو السرد على لسان الغائب.

وتلي الأنماط الأنواع وهي تحققات مادية وتاريخية كالرواية والقصة القصيرة والملحمة ثم الأنواع التحتية وهي تخصصات محصورة داخل  الأنواع مثل رواية المغامرة التي تدخل ضمن نوع الرواية).

ومن هذا الاقتراح سنقارب القصة القصيرة جدا بوصفها انزياحا نوعيا يحيل في احد مفاهيمه إلى مرونة النوع وقدرته على الإفادة من معطيات الأنواع الأخرى، ومن تقنيات تزيده فرادة وتطورا يمثل الخطوة الأولى في المسير باتجاه المغايرة والاختلاف عن نوع قصصي راسخ هو القصة القصيرة.

وأننا مهما بحثنا عن النقاء النوعي لنعالجها من منظور صارم فإننا لن نستطيع المقاومة أمام هدم الفواصل بين الأنواع.

وعليه سنبقى في تداخل الأنواع كثيرا فلا وجود لانقراض تام للنوع في هذه الحالة، وستبقى تمارس آليات التداخل دورها في نقل الخصائص الفنية القديمة القابلة للتجدد إلى أنواع جديدة وسيتحقق هذا القول بشكل إجرائي في مواقع أخرى من البحث.

ومن الصعوبة أن نحصل على خروج كلي عن النسق السابق ولكن هذا لا يمنع من تحديد المعايير والخصائص الفنية، وسواء تمت دراسة الأعمال المتحققة أو الممكنة التي يتم من خلالها تحديد السمات النوعية للقصة القصيرة جدا، أو دراسة النوع بوصفه بنية متعالية تنظم حركة النصوص الداخلية، فـكل عمل جديد ـ خاصة إذا كان عملا أصيلا ـ يضيف إلى النوع، وكل كاتب متميز يغير من طبيعة النوع.

ومن ناحية أخرى، يدخل النوع الأدبي في علاقات متبادلة مع الأنواع والفنون المجاورة وغير المجاورة ويستعير منها تقنيات وموضوعات جديدة تغير من طبيعته.

وأمام هذا التغيير الدائم للنوع الأدبي ,يسعى النقاد إلى ضبط مصطلحاتهم وتنميتها، بحيث تنجح في متابعة النصوص الجديدة ,وسرعان ما يصك الناقد مصطلحاته وفقا لجانب جديد ظهر له في قراءة العمل.

وسيسعى نقاد آخرون إلى أن يوقفوا التغير ويتعالوا عليه، حتى يصلوا إلى مفاهيم تتمتع بقدر من الاستمرارية والثبات، وسيحاول نقاد آخرون ـ من جهة ثالثة ـ أن يجمعوا  بين الثبات والتغير، بين العام والخاص، بين ما هو نظري وما هو تاريخي.

كل ذلك في (أنموذج نوعي واحد) لذا فإننا سنتعامل مع إشكالية تجنيس القصة القصيرة جدا من منطلق الأنواع الفرعية sub-genres وسنحاول أن نؤشر إلى حدود القصة القصيرة جدا وفق رؤيتنا المتواضعة في التعامل مع هذا الموضوع بمرونة عالية لعلها تضيف إلى ما كتب عنها، لأن النظرية كما هو معلوم لا يمكن أن تتحقق بوساطة كتابات فردية وإنما جمعية.