الخطاب الإشهاري.. عملية لسانية وعقلية لاستمالة الآخر وترويض مشاعره وفكره تمهيدا لتعديل سلوكه ومواقفه العامة من الأشياء المادية والفكرية



إن الكشف عن خصائص البنية الحجاجية للخطاب الإشهاري من منظور ثلة من الدارسين الذين عنوا بتوصيف الحجاج والإشهار بوصفهما عمليتين  لسانيتين وعقليتين  تعتمدان مبدأ استمالة الآخر، وترويض مشاعره وفكره تمهيدا لتعديل سلوكه ومواقفه العامة من الأشياء المادية والفكرية المشكلة لرؤية العالم عنده، مع تبيان أنواع الحجج، وكيفية بنائها وترتيبها في الخطاب الإشهاري  تحقيقا للترابط النصي، وتفسير بنياتها.

كما تهدف هذه الدراسة إلى إبراز الفروق بين الحجاج السليم والمغالط في العملية الإشهارية  في ضوء مقاربات تطبيقية لبعض الخطابات المتداولة.

وتقوم هذه الدراسة على محورين أساسين أولهما يمهد بالتعريف والتحديد الاصطلاحي للحجاج بوصفه عملية واستراتيجية خطابية متميزة من ناحية، وبكونه نصا منتجا لمقاصد معينة في ظروف مقامية محددة.

أما المحور الثاني فيمعن خصوصيات الخطاب الإشهاري، ومكوناته اللسانية والأيقونية، والأغراض الأساسية التي يحققها المشهر باختياره تقنيات ومبادئ إشهارية معينة تستهدف الزبون (السلعة المادية والمعنوية) فتثير عواطفه، وتستهوي فكره للإقبال على اقتناء المعروض برغبة متعالية.

وفي هذا السياق يمكن تحديد كفاءة الخطاب الإشهاري وقوته الإنجازية من حيث هو فعل كلامي كلي مقامي.
ويتكون الخطاب الإشهاري من نسقين دلاليين أساسيين: النسق اللساني، والنسق الأيقوني البصري.

أما النسق اللساني فتكمن أهميته بالنسبة للنسق الأيقوني، من حيث كونه يوجه القارئ نحو قراءة محددة، ويربط بين مختلف مقاطع النسق الأيقوني، لا سيما عندما يتعلق الأمر بصورة ثابتة.

إلا أن أهمية النسق اللساني تبقى رغم ذلك قاصرة أمام بلاغة الصورة وإوالياتها المتفاعلة والمؤثرة، فهي ذات التأثير في نفس المتلقي، كما تستوقف المشاهد لتثير فيه الرغبة والاستجابة، وبلغة التجربة البافلوفية (نسبة إلى بافلوف) أمام لعاب يسيل لمجرد سماع صوت الناقوس.

ويكتسي النسق الأيقوني هذه الأهمية نظرا لوظائفه المتعددة، التي يمكن اختزالها في النقاط الآتية:

ـ أولا، الوظيفة الجمالية: ترمي إلى إثارة الذوق قصد اقتراح البضاعة.

- ثانيا، الوظيفة التوجيهية: الصورة فضاء مفتوح على كل التأويلات، لهذا تكون مرفوقة في أغلب الأحيان بتعليق لغوي قد يطول أو يقصر.

وفي هذا الإطار تحيلنا الصورة على قراءة النص الذي يثبت فيه الداعي أفكاره وحججه.