المستوى الأيقوني للخطاب الإشهاري.. إعادة صياغة المعنى اللساني المثبت باللفظ وإضفاء الحياة والدينامية عليه وتحويل العوالم المجردة والمثالية إلى عوالم ممكنة



مما يسهم في تكوين العلامة الإشهارية الدالة في الخطاب الإشهاري الصورة والصوت واللون والحركة والموسيقى والديكور.

وتهدف هذه العلامات السيميائية إلى إعادة صياغة المعنى اللساني المثبت باللفظ، وإضفاء الحياة و الدينامية عليه فيضحي حركة مشهدية نامية.

ولعل أهم الوظائف التبليغية التي تحققها الصورة أنها تخرج القيم المجردة من حيز الكمون إلى حيز التجلي فتصبح واقعا ماديا محسوسا في ضوء ما ينتج من مشاهد إشهارية تتخلل أو توازي الخطاب اللساني.

وربما حولت الصورة العوالم المجردة والمثالية إلى عوالم ممكنة بالرغم من تشبثها بالسباحة الغرائبية في الهواء، أو الدوران حول الأرض والقفز بين مسافات شاسعة بفضل بدلة رياضية أو حذاء من ماركة عالمية.
وربما تحول الضعف الإنساني إلى قوة أسطورية خارقة بفضل تناول مشروب ما.

هذا وتفيد الصورة المتعلقة بالإشارات والحركة الجسدية في تثبيت العلاقة وتوطيد عراها بين المرسل والمستهلك فتجعله أكثر وثوقا ورغبة فيما يعرض على ناظريه بخاصة إذا دعمت بالصوت الشجي والنغمة الموسيقية، واللون المختار بعناية فائقة في تواؤمه مع موضوع الإشهار.

وهذا يتطلب معرفة متخصصة بسيمياء الألوان في النسق الحضاري المعين[1].
إن القيمة الإقناعية للصورة في الخطاب الإشهاري لا تتحقق نجاعتها إلا في ضوء النسق اللغوي.

فأنظمة الحركة واللباس والموسيقى لا تكتسب صفة البنية الدالة إلا إذا مرت عبر محطة اللغة التي تقطع دوالها وتسمي مدلولاتها.

وفي هذا السياق يذهب إيريك بويسنس (E.Bryssens) إلى أن الصورة نسق دلالي قائم بذاته، لها وظيفة أساسة في التواصل، وليست حشوية فيه، بالنسبة إلى العلامة اللسانية الطبيعية، بل إن اللغة في كثير من الأحيان تحتاج إلى مثل هذه النظم السيميولوجية لتحقق وظيفتها التبليغية فهي وإن كانت دالة دلالة رئيسة إلا أنها لا تستطيع احتكار الدلالة.

إن البلاغة لاتقف عند حدود النص اللغوي المكتوب أو المنطوق بل إن الصورة أيضا تتضمن أحداثا بلاغية على عكس ما هو سائد من أن البلاغة حكر على اللغة، وأن الصورة نسق بدائي قياسا إلى اللغة.
ويرى البعض الآخر أن الدلالة تستنفذ ثراء الصورةالذي لايمكن وصفه.

ومن ناحية ثانية يمكن النظر إلى العلامة اللغوية في الخطاب الإشهاري  من زاوية وظيفية بحتة وذلك في مستوى كفاءتها التفسيرية المحققة للوظيفة المعجمية (الميتالغوية) فهي تحدد دلالة الصورة كي لايجمح الخيال الفني بالمتلقي فيبعد عن الأغراض الأساسية للصورة الإشهارية المنجزة في الخطاب.

[1]- انظر أبيات مسكين الدارمي الإشهارية في ترويجه لسلعة الخمار الأسود بعد كسادها، وكيف ربطها بالجمال الفاتن والمغري:
قل للمليحة في الخمار الأسود -- ماذا فعلت بزاهد متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه -- حتى خطرت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه -- لا تقتليه بحق دين محمد