واقع حقوق الأطفال الممدرسين في الميثاق الوطني للتربية والتكوين.. إدماج ثقافة حقوق الإنسان والطفل داخل المنظومة التربوية والمنهاج التعليمي الجديد



موضوعيا، ومنذ حكومة التناوب الأولى، بدلت مجهودات لإدماج ثقافة حقوق الإنسان والطفل داخل المنظومة التربوية والمنهاج التعليمي الجديد، غير أن هذه المجهودات تبقى غير شاملة وغير وكافية وفعالة بشكل كبير، وذلك نظرا لتردي وتعقد الواقع العيني للمدرسة المغربية وارتباطه البنيوي بإشكالات وصعوبات ومعوقات التنمية والفقر والتهميش و الدمقرطة والتحديث داخل المجتمع المغربي عامة.

وعليه، سنورد هنا، فقط، واقع بعض حقوق الطفل، المشار إليها سالفا، حيث يمكننا أن نخرج ببعض الملاحظات و الاستنتاجات التي تجعل تلك الحقوق مجرد مبادئ / مشاريع تحتاج إلى جهود أكثر جدية، وإلى إرادة مواطنة وحقوقية أكثر مسؤولية وتضحية، وإلى ديمقراطية شاملة وحقيقية.

وإذا نظرنا مثلا إلى الحق في المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص، نجد أن بلورة هذه الحقوق داخل المدرسة المغربية لا يتعدى المستويات التحسيسية الجنينية والتبسيطية والاختزالية، إذ لا تعدو المساواة سوى مجرد مساواة بين الذكر والأنثى في الالتحاق بالمدرسة، والإنصاف مجرد عامل غير تمييزي وموضوعية التقييم داخل المدرسة، وتكافؤ الفرص مجرد تهيئ لظروف بيداغوجية ما ليستفيد منها جل المتعلمين!.

نعم إن مثل هذه الإجراءات جد إيجابية، لكن تلك المبادئ الحقوقية تعني أكثر من ذلك مدرسيا ومجتمعيا؛ فإذا تأملنا العمق الفلسفي الإنساني و الاجتماعي لهذه الحقوق، يمكننا أن نلمس، واقعيا عدة حقائق ومفارقات، والتي ترجع أساسا إلى الاختلالات البنيوية للمنظومة السوسيو-ثقافية والاقتصادية لمحيط المدرسة؛ إذ نجد غيابا قبليا لمبادئ المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص بين أطفال المغرب، ساء أثناء التكوين البيداغوجي أو عند التأهيل المهني والتخرج لشغل المناصب الإدارية والمهنية المختلفة الوظائف والمراتب.

لنأخذ مثلا مسألة / مبدأ توحيد المدرسة المغربية (كمطلب لازال معلقا منذ فجر الاستقلال كغيره من المبادئ الأخرى التي نادت بها الحركة الوطنية والديمقراطية)، حيث لازلنا نجد أنفسنا في الواقع أمام عدة مدارس مغربية، وليس مدرسة واحدة كما يروج في خطاباتنا الرسمية، المغرقة في العموميات، حول المدرسة المغربية.

وهذه المدارس المتعددة هي انعكاس موضوعي لأشكال اللا مساواة والتمايزات الطبقية والفئوية والمجالية السائدة في المجتمع المغربي: إذ نجد مدرسة النخبة والأغنياء، ومدرسة الفقراء( المدرسة العمومية) التي توجد غالبا في الأحياء الهامشية والفقيرة وفي المجال القروي.

بل حتى هذا النوع من المدارس العمومية نجد تمايزات دالة بين مدرسة الأحياء"الرقية" والأحياء الشعبية، ومدرسة العالم القروي المهمش والفقير، ومدرسة العالم القروي الشبه حضري...

إن كل مدرسة من هذه المدارس تتمايز وتتميز عن الأخرى في جودة خدماتها البيداغوجية وبنياتها التحتية وخصوصياتها البشرية، بل كل نوع منها يرهن المستقبل المهني وموقع ووظيفة متعلميها داخل التراتبية المجتمعية وإعادة إنتاج النخب السياسية والتقنوقراطية والاقتصادية وحتى الثقافية.

إن ومجرد وجود هذا النوع من المدارس يكرس وينتج، واقعيا ومنطقيا، اللامسواة واللإنصاف وعدم تكافؤ الفرص أمام كل الأطفال المغاربة؛ إذ نجد مثلا، المدرسة العمومية (مدرسة العالم القروي و الأحياء الفقيرة والمهمشة) غالبا ما تتخبط في عدة مشاكل واختلالات، منها: غياب التجهيزات البيداغوجية والمادية الكافية والجيدة والحديثة، الاكتظاظ، تناسل الأقسام المشتركة، نقص الأطر الإدارية والتربوية، فقر الممدرسين الذي يؤثر سلبا على اندماجهم ونجاعتهم المدرسيين، الانقطاع والهدر، عدم القدرة على تتبع الدراسة، هزالة الخدمات الاجتماعية والثقافية ـ إن كانت موجودة أصلا- (المنحة، الإ يواء، الإطعام، المكتبات، الصحة...)، عدم الاستقرار المهني والاجتماعي للأطر العاملة، مما يؤثر سلبا على نجاعتهم وجودة العملية التعليمية عامة.

وعليه فإن تحقيق المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص لن يتأت إلا من خلال التفعيل السوسو-ثقافي والاقتصادي لهذه الحقوق، من خلال تحقيق العدالة المجتمعية أولا، والعمل على التأهيل المادي والمالي والبشري للمدرسة العمومية، وإنقادها من الاحتضار والاندثار لصالح طرحات أصحاب الخوصصة و الخصخصة، ثانيا، ثم التربية على الحقوق في المدرسة ليكون لها معنى حقيقي واوقعي.

ونظن كذلك بأن الحق في التعليم يعرف هو الآخر بعض الاختلالات على مستوى الأجرأة الحقيقية، حيث إن هذا الحق له علاقة متلازمة مع حقوق أخرى، كالحق في المجانية والإلزامية، والحق في مدرسة وتعليم جيدين...

والملاحظ أن مسألة الإلزامية ورغم صدور قانون لتفعيلها، فإن هذا التفعيل لا يتم بالجدية الضرورية، كما أن الإلزامية والتعميم يهتمان فقط بالتسجيلات (الولوج إلى المدرسة) دون العمل على تحقيقهما إلى آخر سنة من الإلزامية، وذلك بالحفاظ على المتعلمين ومحاربة الانقطاعات...

كما أن الإلزامية والمجانية، كما يحددهما الميثاق، لا يخدمان كثيرا الحق في التعليم، إذ يجب تطبيق المجانية والإلزامية، على الأقل إلى حدود البكالوريا، كحد أدنى للعيش والكرامة، وذلك حسب المتطلبات والمتغيرات الثقافية والاقتصادية الجديدة والمتجددة.

وفي الأخير، نظن بأن تفعيل كل الحقوق الأساسية للطفل/ة، والممدرس/ة خاصة، وا للإنسان عامة، كما هي في الواقع، لا تتحقق كثيرا كما هي في النصوص والخطابات الرسمية حول الحداثة ومجتمع الإعلام والمعرفة و الديمقراطية...

ورغم بعض المجهودات القليلة والمحدودة، نجد، مثلا، توجها من أجل تقليص المناصب المالية، والتقشف في الاعتمادات المخصصة للتجهيز والتسيير، عدم الوفاء بـ5 %كزيادة في ميزانية التعليم كما ورد في الميثاق (حسب معلوماتنا)، تزايد ظاهرة "التفييض"و إعادة الانتشار العشوائي، وما يتبع ذلك من عواقب نفسية واجتماعية سلبية على العاملين بالقطاع، ومخلفات المغادرة الطوعية...في حين أن قطاع التربية والتكوين يعرف خصاصا ماديا وماليا وبشريا كبيرا، كما ونوعا.

إن التفعيل الحقيقي للحقوق الأساسية للأطفال المتمدرسين، هي مسألة مركبة ومعقدة، تتجاوز الحدود البيداغوجية للمدرسة، حيث إنها مسألة مجتمعية، وتتعلق بإشكالية التحديث والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية الشاملة.