شرح وتحليل النص القرائي النزعة الإنسانية - مصطفى لطفي المنفلوطي



النص:
النزعة الإنسانية، ص- 64
النزعة الإنسانية هي النزعة التي يلجأ إلى كنفها المجتمع الإنساني كلما أزمته أزمة، أو نزلت به نازلة، وهي المطلع الذي تشرق منه شمس الرحمة الإلهية على هذا الكون إشراقا، في ظلمائه، وتكشف غماءه کشفا، وهي الحكم العادل الذي يفصل في قضايا المجتمعات البشرية حين تنفصم عروتها، ويدب دبيب العداوة والبغضاء بين أحيائها. فما من نزعة قومية أو جنسية أو دينية أو عائلية، إلا وتعتمد على النزعة الإنسانية في سيرها وتستظل بظلها و تهتدي بهديها.

فليس لصاحب وطن من الأوطان، أو صاحب دین من الأديان، أن يقول لغيره ممن يسكن وطنا غير وطنه، أو يدين بدين غير دينه: «أنا غيرك، فيجب أن أكون عدوك»، لأن الإنسانية وحدة لا إقصاء و أنانية فيها ، وهذه الفروق التي توجد بين الناس في آرائهم ومذاهبهم، ومواطن إقامتهم وألوان أجسادهم ، وأطوالهم وأعراضهم، إنما هي اختبارات أو مصادفات تعرض لجوهر الإنسانية بعد تكوينه واستتمام خلقه.

وإذا جاز لكل إقليم أن يتنكر لغيره من الأقاليم، جاز لكل بلد أن يتنكر لغيره من البلاد، بل جار لكل بيت أن ينظر تلك النظرة الشزراء إلى البيت الذي يجاوره، بل جاز للأب أن يقول لولده، والولد أن يقول لأبيه: «إليك عني، لا تمد عينيك إلى شيء مما في يدي، ولا تطمع أن أوثرك على نفسي بشيء مما تمتلكه، لأني غيرك، فيجب أن أكون عدوك المحارب لك، إذا جاز ذلك كله فستنحل كل عروة تفصم كل رابطة إنسانية ويحمل كل إنسان لأخيه بين أضلاعه من لواعج البغض والمقت ما يطيل سهاده، و يقلق مضجعه، ويبغض إليه وجه الحياة كل البغض، وآنذاك يصبح الإنسان أشبه بذلك الإنسان الأول في وحشته وانفراده، يقلب وجهه في آفاق السماء ، وينبش بيديه طبقات الأرض فلا يجد له في الوحشة مؤنسا ولا على الهموم معينا.

نعم، لا بأس بالفكرة الوطنية، ولا بأس بالحمية الدينية، ولا بأس بالعصبية لهما والذود عنهما، ولكن يجب أن ويكون ذلك في سبيل الإنسانية وتحت ظلالها، لأن النزعة الإنسانية هي أقرب إلى قلب الإنسان، وأعلقها بفؤاده، وألصقها بنفسه.
مصطفى لطفي المنفلوطي
مصدر النص:
كتاب النظرات.

صاحب النص:
مصطفى لطفي المنفلوطي.

اللغة:
غماء: المصيبة.
تنفصم: تنفصل.
الشزراء: من الشزر وهو نظرة الإعراض.

الفكرة العامة:
النزعة الإنسانية هي الحكم العادل الذي يفصل في النزاعات القومية والجنسية والدينية والعائلية.

الأفكار الأساسية:
1- النزعة الإنسانية هي الرحمة والتعاون بين البشرية جمعاء كلما ألمت بها مصيبة.
2- النزعة الإنسانية وحدة تشمل البشرية جمعاء ولا مجال لإقصاء أو نبذ مجموعة أو فرد عن الانتماء إلى الإنسانية.
3- تنبؤ الكاتب بمصير الإنسانية بين الأفراد بالرجوع إلى العيش البدائي.
4- لا بأس بالأفكار الوطنية والحمية الدينية إذا كان في سبيل الإنسانية.