مواقف في السلم.. موقف من صلح الحديبية. فتح مكة

موقف من صلح الحديبية:
أراد الرسول (ص) أداء العمرة مع أصحابه، فخرج إلى مكة مسالما دون سلاح، ولمّا علمت به قريش حاولت صدّه، فعرضت عليه صلحا لمدة 10 سنوات، وعلى أن يرجع هذا العام دون عمرة، ثم يعتمر في العام المقبل، فاستشار أصحابه في قبول أو عدم قبول الصلح، فكان الرأي عند البعض بدخول مكة بالقوة، والبعض الآخر رأى وجوب الصلح لأن فيه خيرا خاصة وأن المسلمين قد اتعبتهم الغزوات، فأنزل الله في هذا الأمر قرآنا في سورة الفتح، فيه تبشير بالنصر بناء على الصلح الذي اختاره المسلمون فيما بعد.

فتح مكة:
جاء فتح مكة تحقيقا للبشارة التي جاءت في قوله سبحانه وتعالى في سورة الفتح: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا}. آية: 1-3.
ونزلت هذه السورة الكريمة وهو في طريق عودته صلى الله عليه وسلم من الحديبية بعد أن عقد مع قريش صلح الحديبية في العام السادس من الهجرة فبراير 628م وتبعا لهذا الصلح التحقت خزاعة بالمسلمين، والتحق بنو بكر بقريش، وحدث صراع بين خزاعة وبني بكر ساعدت قريش بني بكر وطلبت خزاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم المساعدة بناء على ما جاء في اتفاق الصلح.
 كان الحال في مكة آنذاك مختلفا عن ذي قبل فقد اتسع نفوذ المسلمين شمالا وجنوبا وأحاط بمكة مما هدد تجارة قريش، وأهل مكة أنفسهم أحسوا بالخجل لأن أكثر العرب دخلوا الإسلام ولكن أهله بمكة بقوا على الشرك، ونشأ جيل جديد في مكة سمع بالإسلام منذ نعومة أظفاره فلم تتعمق عبادة الأصنام في نفسه.
 وكان الرسول صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على دخول مكة دون قتال كما أن أهل المدينة معظمهم هاجروا إليها من مكة، لو حدث قتال سيكون فيه قطع لصلة الأرحام، ولذلك أعد الرسول صلى الله عليه وسلم عدته لفتح مكة دون قتال، فخرج من المدينة سرا بجيش كبير، ولم تحس قريش بهذه الحركة إلا بعد وصول المسلمين إلى مشارف مكة، وكان ذلك في العاشر من رمضان سنة 8هـ.
 وحينئذ خرج أبو سفيان زعيم مكة ليحاول النجاة لأهله فالتقى بالمسلمين في المكان الذي عسكروا فيه، ورفض الرسول صلى الله عليه وسلم مقابلته أول يوم ليفت في عضده، وفى صباح اليوم التالي قابله، وفى هذا اللقاء آمن أبو سفيان بالله ورسوله وعاد إلى مكة، بعد أن شاهد عظمة قوات المسلمين، يحمل لأهلها اليأس من المقاومة والأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يطمئنهم على حياتهم وجاء تأكيد الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يبعد كل نزعة إلى الحرب، ويبعد كل متطرف ولو كان من المقربين، فلقد سمع سعد بن عبادة، حامل راية الأنصار يقول: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا". ولما علم الرسول الكريم بهذا قال: (اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله قريشا).
وجاء تعبير "يوم المرحمة" عن فتح مكة قمة آداب الجهاد في الإسلام ، وتطبيقا عمليا منه عليه السلام بأن الجهاد في الإسلام يختلف عن كل صور القتال والحرب اختلافا ظاهرا جليا منذ البداية وحتى النهاية.
 ثم توج عليه أفضل الصلاة والسلام هذا بالعفو الشامل، الذي مازال التاريخ يردده، ليس في العالم الإسلامي فحسب، بل وتردده كل الدنيا على مر العصور، حين قال: «يا معشر قريش ما ترون أنى فاعل بكم؟» قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال رسول الله: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».