الهجاء في الشعر الجاهلي.. عكس الفضائل الاجتماعية التي أقرتها الحياة العربية في الجاهلية كالكرم والسيادة والشجاعة والنجدة والمروءة والشرف

إذا كان المديح قائما على الإعجاب دالا على المحبة والاحترام، فإن الهجاء نقيض ذلك، دليل البغض والازدراء، واحتقار المهجو.

والهجاء قديم نشأ منذ اليوم الذي سعى فيه الإنسان إلى التعبير عن سخطه، حين اصطدم بواقع أثار فيه الحقد والكراهية، وجعله يشمئز، ويعلن اشمئزازه بطريقة فنية.

ومن هنا كان الهجاء عملا فنيا، وبابا من أبواب الأدب. ولم ينشأ عبثا، ولم يكن نزوة من نزوات بعض الشعراء، بل هو في أساسه ضرب من معاناة الإنسان للوجود، وإحساس بما هو مستكره، وتمرد على الرذيلة والخسة والسوء. هو نقد قائم على الوعي، فيه تبرم بالفساد، ونقمة على النقائض التي تشوه وجه الحياة، وتؤذي الذوق والإحساس والخلق وتتنكر لقيم الإنسان.

ويقوم الهجاء على عكس الفضائل الاجتماعية التي أقرتها الحياة العربية في الجاهلية، كالكرم، والسيادة، والشجاعة، والنجدة، والمروءة والشرف.

وارتبط الهجاء الجاهلي بالحروب، وازدهر بازدهارها، ولم يكن جمهور هجائهم يفرد بالقصائد، بل كانوا يسوقونه غالبا في تضاعيف حماستهم، وإشادتهم بأمجاهم، وانتصاراتهم الحربية".

ويبدو أن نموذج الهجاء الجاهلي قد انبثق عن ممارسة وثنية قديمة كان أصحابها يعمدون إلى استنزال نقمة الآلهة ولعناتها على خصومهم، من خلال شعائر وطقوس نلمح امتداد آثارها إلى ظروف انشاد قصيدة الهجاء في مرحلة متأخرة من العصر الجاهلي.