المدح الجاهلي لحب العطاء.. مدح النابغة الذبياني الحارث بن أبي شمر الغساني. القيم الأخلاقية والمثل النبيلة في المدح عند حسان بن ثابت



على الرغم مما لمسناه من شدة تعلق الشاعر بقبيلته، نجد طائفة من شعراء الجاهلية، يخرجون أحيانا عن نطاق الجاذبية القبلية، فيقفون جانبا من شعرهم على أغراض تنافي ما ذكرنا، وكانت العرب لا تتكسب بالشعر، وكان الغالب على طباعهم الأنفة من السؤال، وقلة التعرض به لما في أيدي الناس، فلما نشأ النابغة مدح الملوك، وقبل الصلة على الشعر، وخضع للنعمان بن المنذر، وكسب مالا جسيما، حتى قيل: إن أكله وشربه في صحاف الذهب والفضة. فلما جاء الأعشى جعل الشعر متجرا يتجر فيه نحو البلدان.

ونحن لا نشك أن هذه الظاهرة ليست قديمة في الشعر العربي، وإنما عرفت في أواخر العصر الجاهلي، وهي تمثل مرحلة من حياة الشعر العربي، وانتقاله من طور الهواية إلى طور الاحتراف.

ونماذج المدح في العصر الجاهلي، كان ينطلق معظمها من قيم الفروسية وتصوير البطولات الحربية، ومن ذلك ما مدح به النابغة الذبياني الحارث بن أبي شمر الغساني، وفيه يقول:
وثقت له بالنصر إذ قيل قد غزت
كتائب من غسان غيـر أشائب
بنو عمه دنيا وعمرو بن عامر
أولئك قوم بأسهم غير كاذب
إذا ما غزوا بالجيش حلق  فوقهم
عصائب طير تهتدي بعصائب
يصاحبنهم حتى يغرن مـغارهم
من الضاريات بالـدماء الدوارب
تراهن خلف القوم خزرا عيونها
جلوس الشيوخ في ثياب المرانب
جوانـح قـد أيقـن أن  قبيـله
إذا ما التقى الجيشان أول غالـب
لهن عليهم عادة قـد عرفنهـا
إذا عرض الخطي فـوق الكواثب
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب

وانطلق نموذج المدح عند حسان بن ثابت من القيم الأخلاقية، والمثل النبيلة التي رآها تتحقق في ممدوحيه. وقصيدته اللامية التي مدح بها أولاد جفنة وثيقة تؤكد ما ذهبنا إليه، وفيهم يقول:
لـله در عصـابـة نادمـتهـم
يوما بجلـق فـي الـزمان الأول
يمشون في الحلل المضاعف نسجها
مشي الجمال إلى الجمال البزل
الضاربون الكبش يبـرق بيضـه
ضربا يطيح له بنـان المعصـم
والخالطون فقيرهــم بغنيهــم
والمنعمون على الضعيف المرمل
أولاد جفنة حـول قبـر أبيــهم
قبـر ابـن مارية الكريم المفضل
يغشـون حتـى ما تهر كلابهم
لا يسألـون عـن السـواد المقبل
يسقون مـن ورد البريص عليهم
بردى يصفق بالرحيق الـسلسل
يسقون درياق ا لرحيق ولم  تكـن
تـدعى ولائـدهم لنقـف الحنظل
بيـض الوجـوه كريمـة أحسابهم
شـم الأنـوف من الطراز الأول


0 تعليقات:

إرسال تعليق