ارتفاع المقاييس الأخلاقية عند عرب الجاهلية.. تحريم الشعراء الخمر على النفس. قيس بن عاصم. عفيف بن معد يكرب الكندي. عامر بن الظرب العدواني



نرى طائفة كبيرة من أبناء ذلك العصر ترتفع مقاييسهم الأخلاقيةُ على مقاييس كثير من أبناء عصرهم، فيحرّمون على أنفسهم الخمرة.

وقد أورد ابن حبيب قائمة كبيرة بأسمائهم، ويبدو أنهم لم يحرّموا الخمرة محض صدفة، أو لأن دينا وعقيدة أمراهما بذلك، ولكن ربما كان للتجربة سببٌ في ذلك.

فقيس بن عاصم قد سكر ذات ليلة، حتى تعتعه السّكْر، فغمز عُكنة ابنته، وَهَمّ بها، فكادت هذه الحادثةُ تثلم كرامته، وتذهب بكبريائه  وتجعله سُبّةً مدى الدهر، فلمّا أُخبر بذلك حَرّمها، وقال:
رأيتُ الخمَر مُصلحةً وفيها -- خِصالٌ تفسد الرّجلَ الكريما
فـلا والله اشربهـا حياتي -- ولا أدعو لهـا أبـدا نديما
فان الخمر تفضح  شاربيها -- وتجنيهم بها الأمر العظيما
إذا رادتْ حميـّاها  تعلّت -- طوالع تسفه المرءَ الحليما
 
وعفيفُ بنُ معد يكرب الكنديّ، يحرم الخمرة تكرماً وصيانةً لنفسه، وسمي عفيفاً لتعففه عن الخمرة قال:
وقالتْ لي : هَلُمّ إلى التّصابي -- فقلتُ :عَفَفْتُ عمـا تعلمينا
وودّعتُ القِـداحَ  وقد أراني -- بها في الدهر مشغوفاً رهينا
وَحَرّمْتُ الخمورَ علـيّ حتى -- أكونَ لقعر ملحـودٍ دفينـا

ومنهم عامرُ بنُ الظّرب العدواني، أحدُ حكماء العرب عصرئذ، آلى على نفسه ألاّ يشربها، قال:
إن اشرب الخمر أشربْها للذتها -- وإنْ أدعْها فانـي ماقـتٌ قالِ
لولا اللّذاذةُ والفتيان ُ لم أرها -- ولا رأتني إلا من  مدى الغال
سآلةٌ للفتى ما ليس فـي يـده -- ذهّابةٌ بعقـول  القـوم والمال
مورثة القوم أضغاناً بلا  أحنٍ -- مُزريةٌ بالفتى ذي النجدة الحال


0 تعليقات:

إرسال تعليق