الضرورة الشعرية في الشعر الحر: إثبات ألف (أنا) في الوصل



اللغة الفصحى في (أنا) إثبات ألفه وقفا ، وحذفها وصلا [1]، ذلك  أن (الألــف في [أنا] زائدة وليست بأصل،... من حيث كان الوصل يزيلها ويُذْهِبها،... ألا ترى أنك تقول في الوصل أنا زيد، كما قال الله تعالى {إني أنا ربك} [12 طه]، يكتب في الوقف بألف بعد النون، وليست الألف في اللفظ، وإنما كتبت على الوقف)[2]، و(ربما اضطر الشاعر فيثبتها وهو واصل، قال الشاعر:
أنا سيف العشيرة فاعرفوني
حُمَيْدٌ قد تذريت السناما...

فإن قيل: كيف يكون هذا ضرورة وفي القراء من يثبت هذه الألف في الوصل فيقــرأ {وأنا أعلم بما أخفيتم} [1 الممتحنة]، وما كان في القرآن مثله لايقال له ضرورة، قيل له: يجوز أن يكـون هذا القارئ وصل في نية الوقف كما قرأ بعضهم {فبهداهم اقتـده} [90 الأنعام]، {وما أدراك ماهيه، نار حامية} [10، 11 القارعة])[3].

ولننظر إلى مابين أيدينا من دواوين لنتلمس فيها آثار هذه الضرورة، وأجد بين يديَّ الآن قول القرشي:
أنكرتك أمسِ أنا أنكرتك يا (بيروت)
أنكرت عروس الفجر عجوزاً في التابوت (ص 282).

ومنه قول القصيبي:
وكل أغاني الحنين
بكل اللغاتِ
كلام قديمٌ قديمٌ
أنا كنت حملْتُهُ الشعر
من قبل عنكِ (ص 726 ـ 727).

وللثبيتي:
أنا خاتم الماثلين على النطعِ
هذا حسام الخطيئة يعبر خاصرتي
فأسلسل نبعا من النار يجري دماً
في عروق العذارى (ص 39).

ومما جاء في ديوان (ياساكنة القلب) للعشماوي:
الليل يحتضن الربى
والصمت ينسج من خيوط الوهم حولي ..
مثل بيت العنكبوتِ
وأنا..
ألف ردائي اليمني
أبحث فيه عن دفء المبيتِ (ص 85 ـ 86).
ولم أعثر في الدواوين على مواضع أخرى.

ومثل هذا الإشباع لألف (أنا) كثيرا ما يلجأ إليه الشاعر ليحقق له نغما موسيقيا ملائماً، أو ليقيم به الوزن إن كان لا يقوم إلا به، وربما ساغ أن نقول ما قاله د.حماسه من أن فيه إشعارا بالثقة والاعتداد بالنفس[4].

وأما ماذهب إليه من أن صلاحا استفتح قصيدته بمخالفة لغوية - هي مد أنا - ليؤكد اختلاف الشاعر عن غيره، فهو منهم ولكنه مغاير لهم، فمن ثم عمد إلى المخالفة اللغوية لإثبات مغايرته للناس، ففي هذا نظر، إذ يُستشف منه أن للشاعر أن يفعل في اللغة ماشاء دون حسيب أو رقيب بحجة أنه نموذج فريد لا يشبه سائر البشر!.

على أن الذي تميل إليه النفس إجازة هذا الاستعمال وعدم اعتباره ضرورة، وذلك لوروده في قراءة سبعية هي قراءة نافع[5]، فمن أصول نافع أن ألف (أنا) تثبت إن وقع بعدها همز مفتوح أو مضموم، أما إن وقع بعدها همز مكسور فورش[6] يحذف الألف وقالون[7] يثبتها بخُلْفٍ عنه، أما إذا جاء بعد (أنا) حرف غير الهمزة فلا خلاف بينهما في عدم إثبات الألــف عند الوصل [8]، وإذ قد ثبت هذا الإثبات في قراءة متواترة سبعية فما وجه عدِّه ضرورة؟

[1] الضرائر 81.
[2] المنصف لابن جني 1/9 بتصرف.
[3] السيرافي 86، والإشباع في (أنا) قراءة المدنيين [المحرر الوجيز لابن عطية 15/485].
[4] ظواهر نحوية 98.
[5] هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي مولاهم أبو رُوَيْم المقرئ المدني، قرأ على سبعين من التابعين وأقرأ الناس دهرا طويلا، وهو أحد السبعة، توفي عام 169 هـ [معرفة القراء الكبار 1/107].
[6] هو أحد راويَيْ نافع، أبو سعيد المصري المقرئ ، وقيل أبو عمرو، وقيل: ابو القاسم عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان، لقب بورش لشدة بياضه، وكان ثقة حجة في القراءة، توفي بمصر سنة 197 هـ. [معرفة القراء الكبار للذهبي 1/152].
[7] الراوي الثاني لنافع، اسمه عيسى بن ميناء بن وردان الزُّرَقي مولى بني زُهرة، لقبه نافع بقالون لجودة قراءته، وهي لفظة رومية معناها: جيد، توفي عام 220 هـ [معرفة القراء الكبار 1/155].
[8] انظر: القصد النافع لبغية الناشئ والبارع للتازي 341 ـ 343.


0 تعليقات:

إرسال تعليق