استخدام التجهيل والدين لمنع الحرية والديمقراطية.. العالم العربي يواجه فجوة وعجزاً عميقاً في مجال المعرفة



الانظمة الديماغوجية، الدكتاتورية والشمولية بطبيعتها دائما في ازمة شرعية. لذلك تلجأ مثل هذه الانظمة الى سياسة الخوف، التلاعب في مشاعر وعواطف الناس الوطنية والدينية، على سبيل المثال استخدام الخطابة كما كان يفعل السوفستس ايام الاغريق.

غالبية الانظمة العربية هي غير ديمقراطية وبالتالي هي بدون شك في ازمة شرعية، لذ تلجأ لكبح مشاعر وعواطف الناس بوسائل ناعمة - من دون استثناء القوة الجبرية- ولكن اكثر فاعلية من القوة: اهم هذه الوسائل هي التجهيل والدين.

ان اي دراسة، سطحية، للمقارنة بين انفاق الدول العربية ودول أخرى في العالم على البحث العلمي والتعليمي كافية للاستنتاج أن العالم العربي يواجه فجوة وعجزاً عميقاً في مجال المعرفة.

إن الكثير منا يحاول تبرير ذلك بالاستعمار وغيره من اسباب خارجية.
برأيي هذا جزئيا صحيح ولكن نصيب الاسد يرجع لاسباب داخلية بامتياز.

فمدارسنا وجامعاتنا لا تعلم الطالب كيف يكون حراً في تفكيره وكيف يكون مواطناً حراً بالدرجة الاولى.
ناهيك عن الطرق التحفيظية الغيبية في التعليم التي تجعل نسيان القليل من المعرفة مؤكدا حال انتهاء الامتحان او الفصل الدراسي.

فينتج النظام التعليمي التابع لسياسات ضيقة تخدم الطبقة والاسرة الحاكمة مواطناً مجهلاً غير واثق من فهم تعقيدات الحياة اليومية وليس لديه القدرة على المشاركة الفاعلة لعدم وجود المعرفة وبالتالي فقدان الثقة بالنفس والخضوع لسيطرة الاخرين.
إن الخطر الحقيقي على العالم العربي لا ينبع فقط من اسرائيل او التدخل الاجنبي كما يعتقد البعض.

التدخل الاجنبي هو شيء طبيعي ولن يتوقف. ان العالم اصبح في هذا القرن اكثر تواصلا ومعتمدا على بعضه البعض.
ما يحدث في بلد ما قد نلمس تبعاته في وقت جد قصير في مكان آخر، هذا يعني ان التدخل الخارجي سيزيد على الدول، وكذلك تاثير هذا التدخل على الدول الفقيرة اكبر منه على الدول المتقدمة.

لذا، اقول ان سياسة التجهيل والفقر في العالم العربي هي الخطر الحقيقي على العرب، لان الشعب والمجتمع غير القادر على استيعاب روح ومتطلبات العصر الذي يعيش فيه سيكون عرضة لاحوال طقس السياسات الدولية من دون أن تكون له القدرة على التأثير واستغلال الفرص لخدمة مصالح الشعب. تلك الشعوب، قد تجد لها مكانا على هامش السياسة الدولية في احسن الاحوال.

ثانيا استخدام الدين. بما ان الغالبية العظمى من سكان العالم العربي هم من المسلمين ومن ثم المسيحيين فقد تم مأسسة الدين لخدمة النظام واستغلال الدين بطرق مباشرة وغير مباشرة لالهاء الناس وتخويفهم.

فمثلا أنظر لعدد الفتاوى التي تصدر كل يوم في ادق التفاصيل الحياتية والوقت الذي يقضيه الناس في مناقشة هذه الفتاوى والتحليل والتحريم وايضا التكفير بدلا من مناقشة امورهم ومشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
لكثرة الفتاوي أصبح الانسان بحاجة لحياة تمتد الى 200 عام على الاقل، مما يجعل العقل البشري غير قادر على فهم الدين.

كثيرا ما نجد من يدعي - خاصة ذوي المؤسسات الدينية - ان الديمقراطية هي نظام غربي لايتماشى ومجتمعاتنا والدين. انا لا ارى اي تناقض بين الديانات الثلاث والديمقراطية كما بينا في البداية (رزمة حريات فردية وجماعية واسلوب للحوار والتعليل).

إن الديانات الثلاث تعترف بكل الحريات الشخصية وتمنح الانسان حق الاختيار والمسؤولية عن اختياره.
والدين لم يمنح الحكام الحق في الحكم حتى اخر يوم بعمره، ولم يمنحه الحكم المطلق بل امر الشعب بمحاسبته.
ولا يوجد في الدين ما يمنع الشعب من المشاركة في الحكم وتغير ممثليهم ورئيس الدولة اذا رأوا ذلك.

الكثيرون يظنون ان الديمقراطية في العالم العربي هي الحل لمشاكلهم المتعدده والمعقدة. طبعا هذا غير واقعي، لأن الديمقراطية لا تتضمن
حلولا سحرية، وانما هي افضل نظام سياسي متطور للشرعية المنبثقة من مبدأ حرية الاختيار وقبول الشعب. ان الشعب العربي متنوع ومتعدد الاعراق والاعتقادات الدينية والسياسية والثقافية.

إن هذا التنوع قيمة بحد ذاته، لذا هناك ايضا افكار ومشاريع سياسية وغير سياسية متنوعة تطرح في الحياة اليومية.
الديمقراطية توفر الظروف والمعايير للحوار دون اللجوء الى العنف او الاحتكام للقوة لحل الخلاف.
إذن ببساطة، اذا فشل اي من الاطراف في اقناع الاخر بالحوار الشعبي العام، فان الديمقراطية افضل وسيلة لحل الخلاف، فهي بمثابة حكم بين الاطراف المختلفة.

إذن قد يوفر النظام الديمقراطي نوع من الإستقرار الضروري للنمو المعرفي، الإقتصادي، والإجتماعي.
كما ذكر في البداية، للديمقراطية اشكال متعددة، ليس بالضرورة ان يتبنى العرب النظام الديمقرطي كما هو في الغرب.

لكي أكون اكثر دقة، ان النظام الديمقراطي في الدول الاوروبية ليس متماثلا، هناك تنوع وإختلافات متناسبة وتاريخ وحضارة كل بلد، فالديمقراطية في فرنسا ليس كما في السويد.

ممن المكن تطوير نظام ديمقراطي قائم على الحريات، التعددية والمساواة في الفرص بما يتلاءم والقيم المجتمعية العربية.
طبعا هذا يحتاج الى الكثير من البحث العلمي الجاد والهادف من قبل المفكرين العرب وغير العرب.
هل هذا ممكن؟