واقع وآفاق التربية في المغرب خلال خمسين سنة.. بناء حاضر ومستقبل المغرب القوي بحداثيته وديمقراطيته المعرفية والمجتمعية



ورد في تقرير" 50سنة من التنمية البشرية وآفاق2025" فبما يخص المكون التربوي ما يلي:
"لم يلج المدرسة في عهد الحماية سوى عدد قليل من المغاربة، كما لم يلتحق بالتعليم الثانوي والعالي سوى أقلية محدودة. وبذلك، يعتبر الإقبال الكبير للمغاربة على المدرسة، غداة الاستقلال أمرا طبيعيا ومشروعا. ومن أجل الاستجابة لهذا الطموح، بذلت الدولة مجهودا كبيرا في ميدان التعليم.
 وهكذا، فإلى غاية نهاية السبعينيات تمكنت المنظومة التربوية من الاضطلاع بمهامها إلى حد كبير، حيث نجحت، بالرغم من العجز المهول، المسجل في البداية، ومن النمو الديموغرافي المطرد، في الرفع من فرص تمدرس الأطفال المغاربة وتزويد الإدارة والاقتصاد الوطنيين بالأطر المغربية الضرورية، لتعويض الخلف وتحقيق التنمية. هذا علاوة على أن التعليم فتح قناة حقيقية للحركية الاجتماعية والانفتاح على العالم، وولوج الحداثة، وتقوية الرابط الاجتماعي.
ومع بداية الثمانينيات، بدأت المنظومة التربوية، في التراجع، لتدخل بعد ذلك، في أزمة طويلة ؛ من بين مؤشراتها : الهدر المدرسي، وعودة المنقطعين عن الدراسة إلى الأمية، وضعف قيم المواطنة، ومحدودية الفكر النقدي، وبطالة حاملي الشهادات، وضعف التكوينات الأساسية (القراءة، الكتابة، الحساب، اللغات، التواصل).
وبالرغم من – وأحيانا بسبب - اعتماد سلسلة من الإصلاحات، التي كان بعضها مرتجلا، في بعض الأحيان، وبعضها الآخر غير تام، في كثير من الحالات ؛ فقد تحولت المنظومة التربوية إلى آلة ثقيلة، قليلة المردودية، ومنتجة لخريجين غير مهيئين لمواجهة تغيرات ومستلزمات الاقتصاد والمجتمع العصريين. وهذا ما سيؤدي إلى جعل المدرسة تسير بوتيرات متعددة، مع تراجع أدائها، ولاسيما في المناطق البعيدة عن مراكز المدن الكبرى.
على أنه يتعين تسجيل المجهود الكبير الذي تم القيام به في الثمانينات، في مجالات التكوين المهني وتكوين الأطر. وبصفة عامة، أسهم التعليم العالي بقوة وعلى مدى العقدين الأولين من الاستقلال في بناء الدولة الحديثة، اعتبارا للدور المهم الذي لعبه في تكوين الأطر لفائدة الإدارة، وفي إنتاج مثقفين وعلميين ذوي سمعة عالمية، كما أن منظومة التعليم العالي استطاعت أن توفر مجالات للخبرة والتفوق، منتجة لكفاءات ذات مستوى عال (مهندسون، أطباء، معلومياتيون، مسيرون، قانونيون، أساتذة... إلخ).
غير أن التطور الحالي لهذا القطاع، المرتبط بالسياسات التعليمية المتتالية التي خضع لها، والمزايدات التي كان موضوعا لها ؛ كل ذلك كشف عن الصعوبات التي أعاقته، كي يضطلع بالأدوار الجديدة التي أضحت تفرضها تحولات المجتمع والمحيط الدولي، ولكي يلعب دوره كرافعة لتنمية الرأسمال البشري، ولإنتاج المعرفة والتكنلوجيا.
وتقترن جوانب القصور المراكمة بالتأخر البارز المسجل في مجال محاربة الأمية بحيث تنعكس آثاره سلبيا على مجموع ميادين الحياة الاجتماعية الاقتصادية والسياسية : وضعية غير منصفة تجاه النساء، اختلالات الديمقراطية، الانتشار المحدود لقيام المواطنة والتقدم، معضلة البطالة وضعف تنافسية الاقتصاد...
وفي سنة 1999 تم إقرار مشروع توافقي إرادي وطموح لتجديد منظومة التربية والتكوين، حظي بدعم قوي من قبل أعلى سلطة في الدولة وتم تكريسه في ميثاق وطني. ومنذ ذلك الحين، أعلنت التربية أسبقية وطنية أولى، بعد الوحدة الترابية. وإلى غاية اليوم، بذلت مجهودات مهمة، غير أن النتائج المحرزة تظل غير كافية، بالنظر إلى الأهداف المرسومة. وإذا كان بالإمكان ملاحظة حصول تقدمات كمية ملموسة في تعميم التمدرس وفي إطلاق أوراش جديدة في المجالات البيداغوجية واللاتمركز وأساليب التدبير، فإن الكثير ما يزال يتعين القيام به، حيث إن المشاكل المرتبطة بالهدر المدرسي، والجودة ومضامين المناهج والبرامج، وبتكوين المدرسين، وبالقيم التي تروج لها المدرسة، ما تزال مطروحة."
ومن أجل توفير شروط اندماج قوي للمغرب في اقتصاد ومجتمع المعرفة،يقول التقرير، يجب أن"يشكل تجديد المدرسة رهانا بالغ الأهمية؛ يتعلق الأمر بمدرسة منتجة للمضامين ولقيم المواطنة وضامنة للرقي الاجتماعي. وبمدرسة يكون لها إشعاع في محيطها، مندمجة في بيئتها وحاملة لأفكار التقدم ؛ مدرسة قادرة على ربح رهان الجودة والاستجابة لمتطلبات القرن الواحد والعشرين، مدرسة يتحمل فيها رجال التعليم، بعد إعادة الاعتبار والمصداقية والاحترام لهم، كامل مسؤولياتهم تجاه أجيال المتعلمين الناشئين. وسيكون في مستطاع مدرسة كهذه أن تمد البلاد بالموارد البشرية ذات الكفاية القمينة بتمكينها من ولوج عوالم اقتصاد المعرفة وربح معركة التنمية. ومن شأن مدرسة بهذه المواصفات أن توفر للبلاد كذلك النخب السياسية والاجتماعية القادرة على إنجاح المشروع الديموقراطي الوطني .
ومن ناحية أخرى، فإن الأمة التي تنخرط في مجتمع المعرفة لا يمكنها الاكتفاء بنقل التكنولوجيات، بل ينبغي لها أن تتوافر على بنيات وقدرات ذاتية في مجال البحث والتنمية.
         وعلاوة على ذلك، فإن إنجاح الاندماج في مجتمع المعرفة لا يمكن أن يتحقق دون الانتشار الواسع لتكنولوجيا المعلوميات والاتصال في المقاولات والإدارات وكذا الأسر."
ونتمنى صادقين أن تأخذ بجدية مواطنة كل استنتاجات التقرير، لبناء منظومة تربوية وتكوينية أكثر جودة ونجاعة، للمساهمة الفعالة في بناء حاضر ومستقبل المغرب القوي بحداثيته وديمقراطيته المعرفية والمجتمعية عامة.


0 تعليقات:

إرسال تعليق