عيد الاستقلال في أمريكا : مناسبة وطنية ذات أبعاد اجتماعية



تحتفل الولايات المتحدة بعيد استقلالها يوم الرابع من تموز/يوليو، وهي مناسبة تتخللها احتفالات وطنية وأحداث عائلية في طول البلاد وعرضها. واستشهاداً بكلمات أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، جون آدامز، سيكون هذا العيد "مهرجاناً رائعاً للذكرى السنوية. ويجب أن تحيى هذه الذكرى كيوم الخلاص وأن تكون مناسبة جليلة تخيم عليها الأبّهة وتتخللها استعراضات وعروض وألعاب ومباريات رياضية، وتطلق فيها المدافع وتقرع فيها الأجراس وتشعل فيها نيران وإضاءات- من هذا الطرف للقارة الى طرفها الآخر، ومن الآن وصاعداً والى الأبد."
وعيد الرابع من تموز/يوليو هو مناسبة وطنية كبرى تمتد جذورها الى أعماق التقليد الإنجليزي الأميركي للحرية السياسية.
عطلة صيفية
في كل عام تتقاطر الجموع الى فناء المول القومي بواشنطن، وهي فسحة خضراء تمتد من مبنى الكابيتول (مقر مجلسي الشيوخ والنواب) الى نصب واشنطن التذكاري، وذلك لحضور مهرجان سميثسونيان الشعبي الذي يصادف تنظيمه على مدى فترة الأسبوعين التي تسبق عطلة عيد الاستقلال. وقد احتفى مهرجان العام 2008 بثقافة وحضارة ممكلة بوتان، وأبرز موسيقى ومأكولات ونبيذ ولاية تكساس، وتاريخ وكالة الفضاء الأميركية (ناسا). وفي العام 2007 تمحورت حاجات أجنحة المعرض الدولية على منطقة نهر الميكونغ بفيتنام وإيرلندا الشمالية.
وفي طول الولايات المتحدة وعرضها تحظى الألعاب النارية بشعبية، لا سيما تلك التي تجري في "المول"، وغيرها على نطاق أصغر في متنزهات مدن البلاد. وفي نيويورك درجت محلات "ميسيز" طوال 31 عاماً على رعاية ما تسميه بأكبر عرض للألعاب النارية يوم 4 تموز/يوليو. ففي العام 2008، تضمن العرض على مدى 30 دقيقة إطلاق 35 ألف عبوة نارية انطلقت من ست عبّارات تجوب نهر "ايست ريفر" بنيويورك وميناء نيويورك. وقدّرت مؤسسة محلات ميسيز أن أكثر من 3 ملايين شخص شاهدوا العرض شخصياً، فيما كانت التلفزة تنقل وقائعه في السنوات الأخيرة.
واحتفال "الرابع" (كما يعرف عيد الإستقلال شعبيا) هو احتفال عائلي. إذ تتكاثر النزهات وولائم المشاوي. وتموز/يوليو هو أحد أشهر الصيف في الولايات المتحدة الذي يتقاطر الأميركيون فيها على الشواطئ والمسابح وغيرها من المنتجعات. وعيد الاستقلال ليس من بين الأعياد التي يحتفى بها كي تصادف يوم الجمعة أو الإثنين (أي مباشرة قبل أو بعد عطلة نهاية الأسبوع) بل دائما في يوم حلول 4 تموز/يوليو، إلا أن العديد من الموظفين يستخدمونه لإطالة عطلتهم السنوية أو لتمديد فترة عطلة نهاية الأسبوع.
وأحيانا تدشن مشاريع أشغال عامة هامة يوم 4 تموز/يوليو. فقناة إيري مثلا، ونصب واشنطن التذكاري وسكة حديد بلتيمور- أوهايو وضع حجر أساسها يوم 4 تموز/يوليو وهو تاريخ يعكس رغبة رمزية بإظهار هذه المشاريع بمظهر تحسينات وطنية حقيقية.
والرابع من تموز/يوليو هو مناسبة يلقي فيها مسؤولون منتخبون أو رسميون غيرهم خطبا يمجدون فيها التقاليد والقيم الأميركية.
وقد أتاحت مناسبة عيد الاستقلال إصدار أكثر البيانات حماسية عن الحرية في هذه البلاد. ففي العام 1788 تحدّث الأب المؤسس جيمس ولسون الى جمع من الناس بفيلادلفيا، لعله كان أكبر احتفال بالاستقلال وقتئذ في تاريخ الأمة الحديث العهد. وقد حضّ مواطنيه على إبرام الدستور المقترح. وقال في خطابه: "إن شعباً حراً ومتنوراً يؤسس ويبرم نظام حكم... بل شعب بكامله يمارس أهم وأعظم سلطة لديه... ويقوم بعمل من السيادة، الأصلية وغير المحدودة."
ويوم 4 تموز/يوليو، 1852، استنكر الصحفي وداعية إلغاء الرق من أصل افريقي فريدريك دوغلاس شرّ الاستعباد الذي كان لا يزال سائدا في الجنوب الأميركي آنذاك، إلا أنه حدّد قوى "كانت تستمد تشجيعها من إعلان الاستقلال والمبادئ العظيمة التي كان يحتويها، وعبقرية المؤسسات الأميركية العاملة التي يجب، لا محالة، أن تعمل من أجل إسقاط الرقّ."
وبعد 90 عاماً، وفي وقت لامس أحلك سنوات الحرب العالمية الثانية ذكّر الرئيس فرانكلين روزفلت الأمة أنه بالنسبة "لجيش الثورة الأميركية المنهك والجائع والمفتقر للعتاد، فإن الرابع من تموز/يوليو هو بمثابة الإكسير الباعث على الأمل والإلهام. إذن الآن... فإن الرجال الأشاوس والمتجهّمين الذين يقاتلون من أجل الحرية في هذه الساعة الحالكة يتشجعون من رسالته القائلة بضمان الحق بالحياة في ظل الخالق – لجميع الناس والأعراق والجماعات والأمم في كل مكان من العالم."
ويوم 4 تموز/يوليو من العام 2008، تحدّث الرئيس أنذاك، جورج بوش خارج مبنى الاستقلال بفيلادلفيا، مهد إعلان الإستقلال. وقال إن هذه الوثيقة ما انفكت تمثل "المعيار الذي نقيّم الآخرين به والمعيار الذي نقيم أنفسنا في ضوئه. وأعظم إنجازاتنا تحققت حينما تمسكنا بهذه المثل العليا. اما أفدح مآسينا فقد تأتّت حينما أحجمنا عن معاضدتها."
وعبر البلاد فإن القادة الوطنيين، حتى الأكثرهم تواضعاً، يردّدون هذه الكلمات ويقدم مستمعوهم الشكر للحريات التي كسبها الآباء المؤسّسون للأميركيين كافة.
من مايكل فريدمان؛ المحرّر في موقع اميركا دوت غوف


0 تعليقات:

إرسال تعليق