ملاحظات حول تقرير البنك الدولي عن التعليم في العالم العربي



شكرا للبنك الدولي... نعم شكرا له لتقريره الأخير الذي يشير إلى تردي مستوى التعليم في العالم العربي صدر التقرير يوم الثلاثاء 5/2/2008م في عمان.

فقد حذّر البنك الدولي في تقريره السادس من تخلف مستوى التعليم في العالم العربي، بالمقارنة بدول العالم الأخرى مما يُعرقل النمو الاقتصادي!

ما أكثر الصرخات التي نادت بضرورة إصلاح أنظمة التعليم في العالم العربي، وأنا أقول أنظمة التعليم وليس نظام التعليم، لأن لكل دولة عربية نظامها التعليمي الخاص بها، الذي لا يشبه الدولة العربية الأخرى، إلا في اللغة العربية، التي تُدرس بها المواد!

عندما ظهر كتاب د. أحمد زويل (عصر العلم) قبل سنوات، اشتراه كثيرون، وقرأه عديدون، وكان جوهره؛ إذا أراد العرب أن يدخلوا عصر العلم فليس أمامهم سوى سبيل واحد، وهو تطوير التعليم، ولكن لأن الدكتور زويل مصري الولادة تأمرك علما وحياةً، فلم يلتفت المسؤولون إلى إشاراته، بل طلبوا منه، بما أنه عربي شحما ولحما، أن يقوم هو بمفرده بواجبه (العربي)، ويفرك مصباحه السحري، مصباح علاء الدين بإصبعيه ليحول ظلام الجهل العربي، إلى نورِ العلم الساطع!

وليس د. زويل هو وحده الذي قرر أن أحد أهم أسباب تأخرنا ، تعود إلى سُقم التعليم في العالم العربي، فقد أشار إلى ذلك مفكرون وعلماء تربية كثيرون.

ولكن ما علينا، فما دام تقرير البنك الدولي السادس قد أرجع سبب تخلفنا عن الركب إلى نظامنا التعليمي؛ فهو قد دقّ ناقوس الخطر فلعلنا نتمكن من إعادة النظر في نظامنا التعليمي كله:
مقرراته وبرامجه، أدواته ومخرجاته، سياساته وأهدافه، سدنته ولجانه وهيئاته.

فعندما تتعرض الدول لهزيمة، فإنها لا تُلقي بالاتهامات على الزعماء والرؤساء، كما يحدث عند العرب بقدر ما تتهم نظامها التعليمي، فقد أجرت بريطانيا العظمى تعديلات على نظامها التعليمي لتتمكن من مواجهة التهديد الألماني، في الحرب الثانية، وكذلك فعل هتلر عندما شحن المقررات الألمانية، بالعنصرية والتفوق للجنس الآري ليتمكن من تحقيق مآربه في حكم العالم!

أما إسرائيل فهي الوحيدة بين دول الشرق الأوسط، التي تدرك أن حياتها وبقائها مرهونٌ بنظام التعليم.
ففي عام 2005 اشتعل الضوء الأحمر أمام حكومة شارون، والضوء الأحمر علامة لتخلف التعليم الإسرائيلي عن الركب العالمي، ففي إسرائيل امتحانات تسمى امتحانات(الستاندرد) وهي امتحانات عالمية، وفق المواصفات العالمية وتتجدد كل عام.

فقد أظهرت امتحانات الستاندرد التي يدخلها الطلاب الإسرائيليون بأن إسرائيل متخلفة في مادة الرياضيات، وهي تقع في المرتبة 32 بين دول العالم.

كما أن مؤشرات صناعة الهايتك الإلكترونية في وادي السيلكون الإسرائيلي اشتكت من قلة المبدعين والمخترعين الإسرائيليين، مضافا إلى ذلك، فإن معظم الإسرائيليين لا يثقون في المدارس الحكومية، فهم يُدرِّسون أبناءهم في المدارس الخاصة، ويضاف إلى ذلك أيضا، انخفاض كفاءة طلاب المدارس الذين يُجندون!

واعتمادا على ما سبق من ملاحظات قرر شارون تشكيل لجنة لتطوير التعليم برئاسة ليمور ليفنات وزيرة التعليم التي كلفت بدورها شلومو دوفرات، وسميت اللجنة باسم لجنة دوفرات لتطوير التعليم، بالاشتراك مع وزير التعليم السابق أمنون روبنشتاين في 9/1/2005م.

وقد مُنحت اللجنة من الصلاحيات، والميزانيات، ما يؤهلها للخروج بتوصيات تلائم مهمتها الخطيرة!
أما عن توصيات اللجنة فكانت خصخصة المدارس، بحيث يتمكن مدير المدرسة من اختيار المدرسين، وتأهيل المدرسين.

وكانت أهم التوصيات تتعلق بزيادة رواتب المعلمين.
وركزت التوصيات على رياض الأطفال بحيث جعلت التعليم فيها من سن الثانية، بدلا من سن الخامسة، واعتبارها أهم مراحل التعليم.
وأوصت بجذب الكفاءات لسلك التدريس.

كما أوصت اللجنة باعتماد اليوم الدراسي الكامل، الذي يبدأ من الساعة الثامنة، إلى الساعة الرابعة مساءً!
وأنا هنا لم أُشر إلى مضمون التعليم الذي شكلت له لجنة موازية، لدراسة المناهج التي يجب إعادة النظر فيها!

كم كنتُ أتمنى أن يؤسس العرب بواسطة منظمة التربية والثقافة والعلوم، أو أية منظمة تابعة للجامعة العربية لجنة لتطوير التعليم العربي، بعيدا عن السياسات العربية، تقوم باكتشاف المعوِّقات المنهجية في نظامنا التعليمي.

ولعلي لا أكون مبالغا إذا أشرتُ بحكم تجربتي الطويلة في مجال التعليم والإرشاد التربوي في كثير من الدول العربية إلى مواطن الضعف في التعليم العربي، وهي تتلخص في:
أن معظم الدول العربية تنظرُ إلى المناهج والمقررات نظرة تقديس، وتخشى أن تُعيد النظر في الموروث من المقررات التعليمية، خشية أن تُتهم بالخروج عن التقاليد والموروثات والثوابت المقدسات!

تخشى دولٌ كثيرة من المواد الدراسية التي تُفتح عقول الأبناء، كمواد الفلسفة والمنطق، وعلوم الفيزياء، لأن هذه المواد ستنجب في النهاية جيلا ثائرا على أنظمة الحكم في العالم العربي!

وفي الإطار نفسه، فإن المعامل المدرسية، وهي نواة الإبداع والاختراع، معاملُ هيكليةٌ، تُدار تحت حراسة مشددة، لها مسؤولٌ، تُحاسبه إدارة المدرسة في كل عام عما نقص، أو كُسر من أدوات، وعليه أن يدفع من جيبه أثمان ما أتلف من أدوات، لذلك فهو يلجأ إلى إغلاق المعمل، وإرهاب الطلاب، حتى لا يقوموا بالتجارب العملية!

تواظب دولٌ عربية كثيرة على الاهتمام بالكم التعليمي، وليس بالكيف، فتفخر دولٌ عربيةٌ كثيرة بافتتاح المدارس، وبعدد الطلاب، بغض النظر عن اكتظاظ الفصول بأعداد كبيرة من الطلاب، بحيث يستعصي على المدرس متابعتهم تعليميا وتربويا!

ما تزال دولٌ عربيةٌ كثيرة تنظرُ للمدرس نظرة شك وريبة، لأنه سيكون في يوم من الأيام مصدر فتنة وثورة، لذلك فإنها تقوم بإعدامه بالوسائل التالية: جعل راتبه الشهري أقل المرتبات في الدولة، وهذا بالطبع يجعله لا يزهد في مهنته ورسالته فقط، بل يدفعه للبحث عن مصدر دخل آخر، فتصبح مدرسته، مكانا ليرتاح فيه من أجل عمله الآخر، كما أن كثيرا من المدرسين الذين أنهكتهم الحياة لضآلة مرتباتهم يحضرون للمدارس من أجل اصطياد أبناء الأغنياء ليقوموا بتدريسهم في البيوت ليحسنوا دخلهم!

كما أن هناك دولٌ أخرى، لم تأخذ في اعتبارها التطور العقلي للطالب في الألفية الثالثة، فالطالب في الألفية الثالثة يختلف بالطبع عن الطالب منذ قرن مضى، في سعة عقلة، وتوسع مداركه، فهي تُلزمه بأن يجلس على مقعد غير مريح، وعلى كرسي مزعج.

وفي الغالب تكون المدرسة خالية من عناصر الجمال، تعيسة البناء مُنفِّرة، لا يتوفر فيها الحد الأدني لحياة الطالب اليومية.

وأنا أعرف مدارس كثيرة كان الطلابُ فيها لا يتمكنون من الذهاب حتى لدورات المياه لعدم صلاحياتها، على الرغم من أن الدولة دولة غنية بكل المقاييس.

وإذا أضفنا إلى ذلك ما يفرضه النظامُ التعليمي على طالب الألفية الثالثة، من فروض لا تلائم عقله، كأن يحفظ شعرا تافها استظهارا، أو أن يحفظ الجدول الدوري للعلوم عن ظهر قلب، أو أن يسرد المعارك التي دارت بين أمه العرب والروم والفرس غيبا.

وعندما يعود الطالب إلى منزله يجلس أمام كمبيوتر حديث، ويأخذ كل المعلومات من شبكة الإنترنت بسهولة أكثر من سهولة التعليم المدرسي.

كل هذا يجعل الطالب يتجرّع اليوم الدراسي، كما يتجرّع الدواء، فتصبح المدرسة في نظره سجنا، مما يدفعه للهروب منها والجنوح، حتى ارتكاب الجرائم!

وإزاء ما سبق فإن العالم العربي في حاجة إلى ثورة في مجال التربية والتعليم، ليتمكن العرب من اللحاق حتى بآخر قطار تكنلوجيا التقدم والرقي، وذلك بالخطوات التالية:

- رفع الحصانة عن كثيرٍ من المقررات، بإعادة ترتيبها وتغييرها وفق مطلوبات العصر، ووفق قدرات طالب الألفية الثالثة.

- إدخال الحواسيب في كل المواد التعليم، إدخالا برمجيا، وليس بروتوكوليا، كما يحدث في مدارسنا العربية، فالكمبيوتر في معظم المدارس العربية ما يزال يشبه المعمل الذي أشرتُ إليه سابقا!

- إعادة الاعتبار للمعلمين، من حيث المرتبات الشهرية، ومنحهم بدل مهنة يناسب قدراتهم وكفاءاتهم، وفق التقارير المقدمة عنهم من قبل التربويين!

إشراك المدارس العربية في أنظمة الامتحانات العالمية، مع الاهتمام باللغات الأجنبية كأساس للتدريس في المدارس والجامعات.

ومن الملاحظات السريعة جدا، أنَّ تردي مستوى التعليم العربي، مسؤول عن جنوح أبنائنا إلى التطرف، وانصرافهم عن إكمال مسيرة مستقبلهم، وانخراطهم في تيارات العنف والتطرف وصولا إلى عصابات الإجرام!

ونظرلضعف برامج التعليم، وعدم قدرتها على ملء عقول الأبناء، فإن منظماتٍ وجمعياتٍ ودولا أجنبية تنجح في اصطياد أبنائنا وتحولهم إلى قنابل متفجرة في وجوهنا!

ومن الملاحظات السريعة أيضا أن معظم الجامعات العربية لا تشارك في البحوث العلمية المحكمة، وفق كتاب عصر العلم للدكتور زويل، بأن نسبة الأوراق العلمية المقدمة من الجامعات العربية تتراوح بين صفر في المائة، وثلاثة في ألألف في المائة من مجموع الأبحاث المحكمة التي تقدمها جامعات العالم!

كما أن معظم الجامعات العربية تخلَّت عن دورها التثقيفي، وتحولت إلى مؤسسات لمنح الشهادات للوظائف الرسمية العامة أي (الميري)!.

فمعظم الجامعات العربية تحت إشراف الحكومات العربية، وليست جامعات مستقلة، وهذا بالطبع يحُدُّ من قدراتها وتأثيرها الثقافي والفكري والإبداعي!