الصراع في الشرق الأوسط.. سرقة الأرض وتهويد المقدّسات وتهجير وقتل السكان الفلسطينيين الأصليين وملاحقتهم



مازالت حدود الألم ترتفع في منطقتنا مسجلّة كلّ يوم مستوى أعلى من الذي سبقه، ولكن دون أن تلفت هذه المستويات أنظار أحد من قادة العالم، أو تدفعهم ضمائرهم إلى اتخاذ موقف حضاري يتجاوز حديث "دعوة الطرفين للحوار"، ذلك لأن الأحداث هنا مبطّنة بشعور عنصري خفيّ تتم تغطيته بحوادث لا تؤثر على مستقبل هذا الصراع وجوهره، ولكن يتم الترويج لها لفترة كي تساعد في تمرير حقيقة ما يتم التخطيط له وتنفيذه على الأرض.

الحروب الغربية على العرب متواصلة منذ أكثر من مئة عام، ولكن في السنوات الأخيرة كانت ومازالت هناك جبهتان تعتصران قلوبنا ألماً. فللمرة الأولى نشاهد رجالاً عراقيين يبكون من هول الخسارة للولد أو الزوج أو العائلة.

وتمضي اللقطة التي لا تستمر إلا بضع ثوان، ويتحول جميع هؤلاء إلى أرقام على الشريط الإخباري بالعشرات أو المئات وصولاً إلى إبادة مليون عراقي. وجبهة الألم المتصاعدة هي فلسطين المكبّلة بأغلال الوحشيّة الإسرائيلية وكأنّ إبادة العرب أصبحت أمراً عادياً.

أمّا حين يكون الضحايا من أي جنسية أخرى، فتستعاد القدسيّة لحياة البشر ويستنكر العالم قتل الأبرياء، كما يجب أن يُستنكر بالفعل قتل أي إنسان، والإيحاء من ذلك هو أنّ العرب والمسلمين برمّتهم ليسوا أبرياء، ولذلك يجب عدم التوقف لدى قتلهم وكأنه جريمة قتل حقيقية ضد البشرية، وربما هذا هو الهدف الأول والأخير من الحرب ضد الإرهاب والتي صنّفت العرب والمسلمين بالإرهابيين، وشنت الحروب ضدهم في غرب آسيا ومحاكم التفتيش ضد جالياتهم في الولايات المتحدة وأوروبا.

وربما هذا هو أيضاً المرتجى من إستراتيجية مغلوطة لمواجهة الإرهاب، حيث تطلق النداءات لدى كل حادث إرهابي بإبادتهم والقضاء عليهم، ولا يعتبر أي قتل أو اغتيال للعربي أو المسلم إرهاباً، كما لاحظنا من اغتيال المبحوح، والآلاف ممن اغتالتهم ومازالت إسرائيل، بعمليات إرهابية معلنة ومخطّط لها وموقّعة من حكومة الكيان.

إلا أن ثمن هذا التضليل في فلسطين غالٍ وغالٍ جداً، لأن ثمنه تطهير عرقي يجري علناً في فلسطين حيث تتم سرقة الأرض، وتهويد المقدّسات، وتهجير وقتل السكان الأصليين، وملاحقتهم يومياً بالمصادرة والقتل وهدم المنازل من قرية إلى قرية ومن حيّ إلى حيّ. وآخر أساليب التطهير العرقي هو قتل العرب دهساً بالسيارات من قبل مستوطنين حاقدين.

إذ هل يمكن لأحد في العالم أن يتخيل أنّ التطهير العرقي الإسرائيلي للفلسطينيين، قد وصل حدّ إجبار الفلسطينيين على هدم منازلهم بأيديهم، أو طلب غرامة مالية كبرى لهدم المنزل لا يستطيع أي فلسطيني دفعها.

إن هذه الجرائم التي بدأ الإسرائيليون بارتكابها منذ عدة سنوات بشكل متصاعد وبدعم من صمت العالم الغربي "المتحضر"، قد تتصاعد أيضاً إلى حد إجبار الفلسطيني على ذبح أولاده بيديه.

وقد برهنت إجراءات التطهير العرقي للفلسطينيين على مدى الستين عاماً الماضية، أن قادة الكيان الصهيوني لا يأبهون بتصريحات غربية منمقة لتظهر وكأنها إدانات، وهي إدانات لا ترافقها إجراءات رادعة، بل يُراد منها إعطاء الإسرائيلي الوقت الكافي لتطهير بقية الفلسطينيين الذين ما يزالون موجودين على أرض فلسطين، بمصادرة بقية الأرض التي مازالت بحوزتهم.

كل الأحاديث عن مبادرات السلام، وكل الاتفاقات التي تم توقيعها، وكلّ الخطوات التي يدّعون اتخاذها، هدفها كسب الوقت للإسرائيليين للاستمرار في التطهير العرقي، ولذلك فإنّ كل ما يثار اليوم من سوء العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن الانتقادات الأوروبية لما تقوم به سلطات الكيان من استيطان، لا وزن له في أذهان قادة الكيان لأنها لا تترافق مع إجراءات رادعة كما يحدث في تعاملها مع إيران، وطالما أن عملية نهب الأراضي مستمرة، حيث ابتلع الاستيطان إلى حدّ اليوم 85% من أراضي فلسطين.

وأدّى بناء جدار الفصل العنصري، إلى الاستيلاء على خمسمئة وخمس وخمسون ألف دونم من الضفة الغربية، أي ما نسبته حوالي 8ر9% من مساحة الضفة الغربية، في حين تبلغ المساحة الواقعة شرقي الجدار والمحاطة بجدار جزئي أو كامل حوالي 0ر191 كم2، أي ما نسبته حوالي 4ر3% من مساحة الضفة الغربية، وهناك حوالي 29% من مساحة الضفة الغربية توجد قيود على استخدامها في منطقة الأغوار، إضافة إلى أن 2ر3% من مساحة الضفة الغربية تمت مصادرتها بالطرق الالتفافية والمستعمرات التي حصلت على 60 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين لبنائها في الضفة الغربية.

وفي قطاع غزة أيضاً أقام الاحتلال الإسرائيلي منطقة عازلة على طول الحدود الشرقية للقطاع والبالغة نحو 58 كم2 ما يعني أنه اقتطع 87 كم2 من إجمالي مساحة قطاع غزة، وبهذا يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على ما قدره 24% من مساحة القطاع البالغة 365 كم2، والذي يعتبر من أكثر مناطق العالم ازدحاماً وكثافة سكانية.

كما قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم 100ر23 منزل فلسطيني ما بين عام 1967 و2009 في إطار سياسة التطهير العرقي، منها 400ر13 منزل فلسطيني تم هدمه بشكل كامل بين عامي 2000 وحتى نهاية أيار 2009 في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويضاف إلى هذه الأرقام ما يزيد عن 100ر4 منزل تم تدميرها بشكل كامل ونحو 000ر17 مبنى تم تدميره بشكل جزئي في قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كانون أول وكانون ثاني 2008- 2009.

مقابل هذا التدمير والتهجير، ازدادت المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية، حيث بلغت 440 موقعاً في عام 2008، وأصبح هناك ما يزيد على نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية يسكن معظمهم في محافظة القدس، بحيث أصبحت نسبة المستوطنين اليوم في محافظة القدس حوالي 41% من مجموعة السكان في هذه المحافظة!!

ولذلك، ربما من المناسب، أن نذكر مقال مجلة "الإيكونومست" (27 آذار 2010) بعنوان "جدار من الشكوك: إسرائيل، أميركا والعالم" الذي بدأ كالتالي في وصف دخول نتنياهو إلى البيت الأبيض في لقائه الأخير مع الرئيس أوباما: "بعض الإسرائيليين شبّهوا الحدث بلصوص يدخلون في الليل. حين التقى نتنياهو ومساعدوه الرئيس أوباما في البيت الأبيض في 23 آذار، حين منع الرئيس أي تغطية إعلامية ولا حتى صورة سريعة في المكتب البيضاوي".

فالتاريخ في الشرق الأوسط هو منذ أكثر من مئة عام، تاريخ لصوص ينهبون أرض ومياه وثروات ومقدّسات العرب، ولذلك فإنّ ما يتم الحديث عنه عن سوء علاقة أو توبيخ أو نقد أو طرد دبلوماسي، لن يجدي نفعاً مع من يسيرون في مخطّط تطهير عرقي مدروس يتم تنفيذه بقوة السلاح على مسمع ومرأى قادة العالم الذين يدّعون أن عالمهم ديمقراطي ومتحضّر، ولكن أي وحش صنعوه في الشرق الأوسط !

ولذلك أيضاً فإن استنتاج المقال في "الإيكونومست " صحيح بأنه رغم المهانة التي تعرّض لها رئيس الكيان في البيت الأبيض، فإنه لم يتراجع، رغم اعترافه بأنّ قوات الاحتلال قتلت وبدم بارد أربعة فلسطينيين في الضفة الغربية دون أن تذكر أسماءهم.

وبعد هذا المقال، وفي يوم الأرض قتل الإسرائيليون بالرّصاص الحيّ الطفل محمد الفراموة في مدينة رفح جنوب شرق غزة لأنه كان يتظاهر ضدّ الاحتلال العنصري، وللإطلاع على من قتلتهم إسرائيل في يوم الأرض خلال الأعوام الأخيرة، اقرأ مقال رهام الهلسي بعنوان "الاحتفاء بالأرض، الاحتفاء بفلسطين" في كاونتر كورنتز دوت أورغ في 30 آذار 2010.

بعيداً عن كل ما يُثار عن أزمة علاقات بين الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، فإن سياسة الكيان الإسرائيلي تصبّ في إطار واحد: تهجير الفلسطينيين واستبدالهم بمستعمرين يهود، ومن أجل ذلك تم اختراع مسألة الأمن، والخوف من الإرهاب، وتوصيف المقاومة على أنها إرهاب ووصم العرب والمسلمين بالإرهاب.

المسألة في العالم اليوم ليست مسألة إرهاب، بل مسألة عدالة، والمطلوب أولاً وقبل كل شيء من أجل محاربة حقيقية للإرهاب، هو الوقوف في وجه الظلم الإجرامي اللاحق بالشعب الفلسطيني الأعزل، وتمكينه من نيل حريّته وتأسيس دولته المستقلّة، وذلك بتحريره من الاضطهاد والقمع والطغيان الإسرائيلي.

والطّرف الوحيد الذي يتضرّر من إحقاق العدالة هو الكيان الإسرائيلي، الذي يروّج لصراعات عرقية ودينية وأمنية لا وجود لها، إلا كنتيجة لأعماله الإجراميّة، أمّا المستفيد فسيكون العالم برمّته، لأن جوهر كل ما يجري في الشرق الأوسط ينبع من استعمار إسرائيلي يقوم بقتل وتهجير السكان وتهويد الأرض والمقدّسات.

فهل هناك من يجرؤ على ردع اللصوص والمجرمين، وإسعاد العالم برمّته بدعم قضية العدالة والحرية وحقوق الإنسان في فلسطين؟
بثينة شعبان


0 تعليقات:

إرسال تعليق