شرح وتحليل النص المسترسل أثر خالد لمحمود تيمور - في رحاب اللغة العربية - السنة الثانية إعدادي



النص:
أثر خالد، ص- 112.
لعشرين عاما خلت، كنت أدرس مادة التاريخ، وأمضيت حقبة اختصصت فيها بتاريخ مصر القديم ، فراعني ما يكتنف هذا الجانب من غموض يثير الطلع، فأقبلت على شراء ما وسعني شراؤه من تلك الآثار التي يتفنن في صوغها الصناع، يحاكون بها قديم الآثار في تحليل و إتقان، ويبيعونها للناس بثمن بخس.

وعلى الرغم من تفاهة هذه الآثار الزائفة، فقد كنت أحتفي بها كل الحفاوة، وأعتني  بعرضها في المنزل ببهو الضيافة، فإذا شرّف الزوار داري، وقفت أشرح لهم ما يوجد بالبهو من تلك التماثيل والتحف، فهذه «نفرتيتي»، وذلك «أبو الهول»، وذاك «رمسيس الثاني».
ومازلت على حالي حتى عينت ناظرا لإحدى المدارس، فانقطعت صلتي بتدريس التاريخ، ومن ثم تضاءل ما كان لي من ولع بالتحف واهتمام بالتماثيل. فأصبح ما كنت أملكه منها مهملا في بهو الضيافة لا يأبه به أحد. 

وتواصلت الأيام إلى أن كان يوم رن فيه جرس الهاتف، فإذا المتكلم صديق لي، فأخذنا نتبادل التحية والسؤال عن الصحة والأحوال، وسمعته يقول لي: 
« إني أعمل الآن في مصلحة السياحة، وقد كلفت بمصاحبة عالم أجنبي يعنی بدراسة التاريخ المصري القديم، ورأيت أن أعرف هذا العالم بك ليفيد من علمك وخبرتك. فهل لك أن تضرب لنا موعدا نلقاك فيه؟»
فبادرت أقول:
- «ولكني يا صديقي تركت هذا الاهتمام بهذا الموضوع منذ زمن...» فقاطعني يقول: 
- «لقد اخترتك لهذه المهمة، فلا تتردد في قبولها. إن من حق وطننا علينا أن يعرف الأجانب ما عندنا من آثار وعلماء في هذا الميدان.» 
وبينما أنا في بهو الدار، وقع بصري على تمثال رمسيس الثاني» و رأس «نفرتيتي» وقد تهشم جزء منه وحطام «أبي الهول»، فأخذت كيسا بالية وألقيت فيه هذه الآثار، ثم واریت الكيس في ركن مستخف من أركان بهو الضيافة.

رن جرس الباب فركضت نحو الباب أفتحه، فواجهني صديقي مندور ومعه عالم الآثار الأجنبي. تبادلنا التحية المجاملة ودخلنا بهو الضيافة. ولم يمض كبير وقت حتى كانت الألفة قد تمت بيني و بين العالم الذي راح يحدثني عن شغفه بآثار مصر وعن إعجابه بتاريخها القديم. ثم التفت مندور إلى العالم الأجنبي و بدأ يحدثه عني، قائلا:
«إن صديقنا من هواة الآثار النفيسة، ولديه مجموعة منها يفاخر بها ويعتز...». 
قلت في حيرة لا تخلو من غضب: 
- «أية آثار نفيسة يا مندور؟ ليس هذا موقف تسلية و دعابة.». فتضاحك العالم يقول لي: - «لا تخش على آثارك... إننا لن نسلبك منها شيئا.»

وفي هذه اللحظة سمعت نقرا خفيفا بالباب، فعلمت أن زوجتي تطلبني، فأخبرتني بأن الشاي جاهز، فذهبت معها إلى المطبخ، وهناك عاونتها في تنسيق الإبريق و الكؤوس على الصينية، ثم حملتها و توجهت نحو البهو للاحتفاء بضيفي. وما إن خطوت، في البهو، بضع خطوات حتى وقع بصري على مشهد انځلع له قلبي : الكيس الذي طرحت فيه مجموعة التحف والتماثيل الزائفة، بين يدي صديقي مندور ، وتمثال «رمسيس الثاني » بين يدي العالم الأجنبي يمعن فيه النظر.
ولما رآني مندور تضاحك قائلا:
- «لا تظن أن كنزك النفيس يفلت منا. لقد كشفنا سرك!» فتهدج صوتي وأنا أقول: 
- « أي كنز؟ أنت تحرجني يا مندور!» فتدخل العالم الأجنبي قائلا: 
- «إني أعلم ما طُبعتم عليه أنتم العرب من تواضع.. أرجو أن تكف عن الاستهانة بمجموعتك، فهي تكشف عن نفاستها على الرغم منك.» 
بدأنا نرشف كؤوس الشاي على مهل، ولمحت الأجنبي مهتما بالتمثال يفكر، ثم نهض به إلى النافذة حيث يسطع النور، وهو يقلبه بين يديه مرة بعد مرة، ويمعن في التفحص، وأنا أرقبه في حيرة وعجب. ثم سألني: 
- «بكم اشتريت هذا التمثال؟» 
- « لا أذكر لقد اشتريته منذ زمن بعيد.». 

والحق أني لست أذكر على وجه الدقة بكم اشتري ذلك التمثال، ولكني أعلم، علم اليقين، أنه زهيد الثمن لا يتجاوز بضعة قروش.
وبينما أنا أرفع بصري إلى الأجنبي، و أهم بأن أفضي إليه بتلك الحقيقة، إذ ألفيته ما زال يرنو إلى التمثال، مأخوذا به، فأحسست بكلماتي تذوب في حلقي. وبينما أنا متردد، تدخل مندور قائلا وهو يتحدث إلى العالم الأجنبي عني:
- «إن ولع صديقي بالآثار يجعله لا يبخل ببذل الثمن مهما غلا... » فسألني الأجنبي، وهو يمسك المال بقوة وكأنه يخاف أن يضيع منه: 
- «ألا تذكر على وجه التقريب، ما أديته من ثمن؟». فأخذت الأفكار تتصارع في رأسي. ووجدتني أقول له: 
- «كل ما أذكره أنه كلفني ثمنا باهضا! » لم أكمل قولي حتى رد على بلهجة حاسمة:
- « إذا طاب لك أن تستغني عن هذا التمثال فإن أؤدي لك مقابله أي ثمن تطلبه.»
أجبته:
- « أتحسبني أستطيع أن أرد طلب ضيف مثلك، كله رقة و لطف!». وما كاد يسمع قولي حتى مد لي رزمة من الأوراق المالية يفوق مبلغها، بكثير، الثمن الحقيقي لذلك التمثال الزائف. 

تناول التمثال و أحسن لفه و أودعه حقيبة كانت معه. ثم شد على يدي يصافحني، وقد تألقت على محياه ابتسامة الفوز، قائلا : 
- « أشكر لك كرم الضيافة.»
وبينما أنا بجوار الباب مشتت الذهن، إذ أقبلت علي زوجتي تقول: 
- «ما هذا الظرف الذي في يدك ». أجبتها في تهلل : 
- « لقد بعت رمسيس الثاني ». التمعت عيناها و هي تقول: - «و لكن أي تمثال هذا الذي بعته ؟»
- «إنه تمثال الشخص الجالس على مقعد، و تحت قدمه فريسة الصيد.» ضربت صدرها و هي تقول: 
- « إذن هو تمثال نفیس، وليس زائفا.» رفعت صوتي أقهقه، وأنا أقول: 
- «هكذا يحسب عالم الآثار الأجنبي... الأبله!». أطرقت زوجتي لحظة، وعقدت ما بين حاجبيها تفكر، ثم رفعت رأسها تقول: 
- «ولم لا تكون أنت الأبله ؟ ومن أين لك أن التمثال رائف ؟! هذا عالم أثري يعرف القيمة الحضارية للتحف النادرة. و يميز بين الحقيقي منها والزائف ... يالك من متسرع .. كيف تفرط في هذا التمثال النفيس وترضى أن تبيع ثرات بلدك بهذا الثمن البخس؟.» أجبتها ، و أنا منفعل: 
-«ليس في التمثال شيء من النفاسة ... إنه كما تعلمين ... ». قاطعتني قائلة:
- «تريد أن تدعي أنك أكثر خبرة من هذا العالم الأثري الأجنبي ؟ » 
-« الأمر لا يحتاج إلى جدال ... لقد اشتريت هذا التمثال بثمن بخس » اعتدلت في وقفتها تقول:
- «و لم لا يكون الذي باعك إياه يجهل هو أيضا قيمته الحقيقية.»
لم أجبها و تراجعت أحدث نفسي في حيرة و ضيق: « أيكون التمثال حقا تحفة غالية من التحف المجهولة، سقط في يدي بطريق المصادفة ؟! »

صاحب النص:
محمود تيمور رائد القصة العربية، كاتب مصري، توفي سنة 1973.

نوعية النص:
نص سردي قصة.

اللغة:
واريت: سترته وأخفيته.
أفيته: وجدته.
تهدج  الصوت: تقطع في ارتعاش.
يرنو: يديم النظر.

التعريف بالأعلام:
نفرتيتي: ملكة مصرية قديمة..
أبوة الهول: نصب فرعوني..
رمسيس الثاني: أحمد ملوك الفراعنة.

الفكرة المحورية:
تدور أحداث القصة حول هاو بجمع التحف والآثار المصرية، الذي اقتادته الصدف إلى أن يبيع تمثال رمسيس إلى أحد الأجانب بثمن باهض، وتحسره على هذا الأمر بعد فوات الأوان.

أحداث القصة:
1- ولع الكاتب بالتحف والآثار المصرية القديمة وجمعها في منزله؟
2- انقطاع صلة الكاتب بعلم الآثار بعد تعيينه ناظرا.
3- تكليفه من طرف أحد أصدقائه لتعريف أجنبيا بتاريخ بلده.
4- إخفاؤه الآثار المكسرة عن صديقة والأجنبي.
5- اكتشافهما للكيس الملقى وتفحص العالم الأثري لتمثال رمسيس.
6- شراؤه بثمن باهض وأداؤه المبلغ للكاتب.
7- تحسر زوجة الكاتب عن بيعه آثار بلاده، وتخوفها من أن يكون التمثال أصليا وذا قيمة تاريخية.

تحليل النص:
استخراج أهم الشخصيات في النص.
ذكر زمان ومكان القصة إن وجدت.
تلخيص القصة.

العناصر الفنية للقصة:
- الالفاظ الدالة على الزمان:
لعشرين عاما خلت -  تاريخ مصر القديم- حقبة - تواصلت الايام - منذ زمن -كبير وقت -منذ زمن بعيد.

- الألفاظ الدالة على المكان:
مصر - المنزل -بهو الضيافة - المدارس - مصلحة السياحة - المطبخ.

الشخصيات الرئيسية:
- الناظر: رجل كان مهتما بجمع التحف والتماثيل الزائفة بحكم ارتباط ذلك بمادة التاريخ التي كان مدرسا لها.
- العالم الاجنبي: مهتم بتاريخ مصر القديم اشترى تمثال رمسيس الثاني من الناظر.

الشخصيات الثانوية:
تجار وصناع التحف الزائفة المقلدة- صديق الناظر يعمل في مصلحة السياحة - زوجة الناظر التي كانت السبب في وقوعه  في الحيرة والشك بعد اخباره بحقيقة التمثال...

الأُسلوب:
استخدم الكاتب أسلوبًا خبريًا لسرد الأحداث والوقائع، والذي يتجلى باستخدام الأفعال الماضية، مثل: (كنت أدرس مادة التاريخ... أمضيت حقبة اختصصت بها بتاريخ مصر القديم... كنت أحتفي بها كل الحفاوة... رنّ فيه جرس الهاتف... فأخذنا نتبادل التحيّة والسؤال... رنّ جرس الباب... فأخبرتني بأنَّ الشاي جاهز).
كما استخدم أُسلوب الحوار، ويتمثل بالحوار الذي دار بين كل من السارد وصديقه، والسارد والباحث الأجنبي، والسارد وزوجته.

المغزى العام من النص:
يظهر النص القيمة التاريخية للآثار والتحف القديمة، وإصرار بعض العلماء الأجانب على اقتناء كل ما يعكس ويخلد حضارتنا القديمة، ويبرز إهمال الجانب العربي وخاصة المصري لمثل هذه الجوانب المهمة في الحفاظ على التراث والتاريخ.


هناك تعليقان (2):