شروط صوغ فعلي التعجب.. فعلٍ ثلاثي الأحرف، مُثبتٍ، متصرّفٍ، معلومٍ، تامٍّ، قابلٍ للتفضيل، لا تأتي الصفة المُشبَّهةُ منه على وزن أفعلُ



شروط صوغ فعلي التعجب:

فعلا التعجُّب، كاسم التفضيل، لا يُصاغان إلا من فعلٍ ثلاثي الأحرف، مُثبتٍ، متصرّفٍ، معلومٍ، تامٍّ، قابلٍ للتفضيل، لا تأتي الصفة المُشبَّهةُ منه على وزن "أفعلُ".

فلا يُبنيان مما لا فعل له. كالصخر والحمار ونحوهما. وشذّ قولهم. "ما أرجله!" فقد بنوه من الرجولية ولا فعلَ لها، ولا من غير الثلاثي المجرد.
وشذّ قولهم، ما اعطاه للدراهم، وما أولاه للمعروف!"، بنوهما من "أعطى وأولى" وهما رباعيا الأحرف.
وقولهم: "ما اتقاه! وما املاء القربة! وما اخصره!" بنوها من (اتقى وامتلاء واختُصر)، وهي خماسية الأحرف، وفي اختصر (بالبناء للمجهول) شذوذ وهو انه فعل مجهول.

وكذلك لا يبنيان من فعل منفي، خشية التباس النفي بالاثبات، ولا من فعل مجهول، خشية التباس الفاعلية بالمفعولية. لأنك ان بنيته من (نُصر) المجهول، فقلت: (ما انصره!) التمس الأمر على السامع، فلا يدري أتتعجب من نصره أم من منصوريته.
فان أمن اللبس بأن كان الفعل مما لا يرد إلا مجهولا، نحو: (زُهِي علينا، وعُنيت بالأمر) جاز التعجب به على الأصح، فتقول: (ما أزهاه علينا وما أعناه بالأمر!) ولا يبنيان من فعل ناقص. ككان وأخواتها، وكاد واخواتها.

واما قولهم: "ما أصبح أبرَدَها! وما أمسى أدفأها!" ففعل التعجب إنما هو أبرد وادفأ" واصبح وامسى زائدتان، كما تزاد (كان) بين (ما) وفعل التعجب، كما سيأتي.
غير أن زيادتهما نادرة، وزيادتها كثيرة، ولا يبنيان مما لا يقبل المفاضلة.
كمات وفني، إلا أن يراد بمات معنى البلادة، فيجوز نحو: "ما أمْوت قلبه!".

ولا مما تأتي الصفة المشبهة منه على وزن (أفعلَ) كأحمرَ واعرجَ واكْحل واشيب وشذ قولهم: (ما اهوجه، وما احمقه وما ارعنه! لأن الصفة منها هي اهوج واحمق وارعن).
وإذا أردتَ صوْغَ فِعلي التعجب مما لم يستوف الشروط، أتيت بمصدره منصوبا بعد "أشدّ" أو "أكثر" ونحوهما، ومجروراً بالباءِ الزائدة بعد "أشدِدْ" أو "أكثرْ" ونحوهما، تقول: "ما أشدَّ إيمانهُ، أَو ابتهاجَهُ، أَو سوادَ عينيه!"، وتقول: "أَبْلِغ بعورِه، أَو كحلهِ، أَو اجتهاده!".

صيغة (ما أفعله!):

يَلي صيغةَ "ما أفعلَ" في التعجُّبِ المُتعجَّبُ منه منصوباً على المفعولية لأفعل.
والهمزةُ في "ما أفعلَ" للتَّعدية. فمعنى قولك: "ما أجملَ الفضيلةَ": شيءٌ جعلها جميلةً، كما تقولُ: "أمرٌ أقعدَهُ واقامه!"، تريدُ أنَّ قُعودَه وقيامَهُ لم يكونا إلاّ لأمرٍ. ثمَّ حُملَ الكلامُ على معنى التعجب، فجرى مَجرى المَثل، فلزِمَ طريقاً واحدةً في التعبير. و (ما) اسمٌ نكرةٌ تامةٌ بمعنى "شيءٌ"، وقيلَ: هي (ما) الاستفهاميةُ خرجت عن معناها إلى معنى التعجب.
(وعلى كل فهي في موضع رفع على الابتداء. وجاز الابتداء بها مع أنها نكرة، لتضمنها معنى التعجب. والفعل بعدها فعل ماض للتعجب، وفاعله ضمير مستتر وجوباً يعود اليها. والمنصوب مفعوله. والجملة في محل رفع المبتدأ الذي هو (ما).

أحكام (ما):

و(ما) النكرة التامة، هي التي تكون مكتفية بنفسها، فلا تحتاج أي صلة او صفة، نحو: "أَكرم رجلا ما". ومنه المثل: "لأمر ما جدع قصير انفه". ومنها (ما) قبل فعل التعجب.
فإن احتاجت (ما) إلى جملة توصل بها فهي، معرفة موصولة. نحو: "افعل ما تراه خيراً": وان احتاجت إلى ما توصف به من مفرد او جملة، فهي نكرة موصوفة، نحو: "اعمل ما نافعاً للأمة" اي: شيئاً نافعاً لها، ونحو: "اعمل ما من الأمور ينفع"، اي: "شيئاً من الأمور نافعاً"، فجملة (ينفع) في موضع نصب نعت لما).

وتُزادُ (كان) كثيراً بين (ما). وفعلِ التعجب، نحو: "ما (كان) أعدَلَ "عمَرَ!" ومنهُ قولُ الشاعر:
ما (كانَ) أَسْعَدَ مَنْ أَجابكَ آخِذاً -- بِهُداكَ، مُجْتَنِباً هَوىً وعِنادا

وقل الآخر:
حَجَبَتْ تَحِيَّتَها، فقلتُ لصاحبي: -- ما كانَ أَكثرها لنا وأَقَلّها!
فكان: تامة رافعة ما بعدها على الفاعلية و (ما): مصدرية والفعل بعدها في تأويل مصدر منصوب على انه مفعول به لفعل التعجب والمصدر المؤول هو المتعجب منه فإنه اردت الإستقبال قلت: "ما احسن ما يكون البدر ليلة الغد".

صيغة (افعل به!):

كما يَلي المُتعجَّبُ منهُ صيغةَ "ما أفعَلَ"، منصوباً على المفعولية، يلي صيغة "أفعِلْ" المُتعجَّبُ منه، مجروراً بباءٍ زائدةٍ لفظاً، مرفوعا على الفاعلية مَحلاًّ.

ويبقى الفعل بلفظٍ واحد للجميع، تقول: "يا رجلُ أكرمْ بسعادَ! ويا رجلان ويا امرأتان أكرمْ بها! ويا رجالُ أكرمْ بها ويا نساء أكرِم بها!".
فقولُك: "أقبحْ بالجهل" أصله: أقبحَ الجهلُ" أي: صار ذا قُبحٍ. فالهمزةُ للصَّيرورة، كما قالوا: أغدَّ البعير"، أي صار ذا غُدَّةٍ. ثم أُخرِجَ عن لفظ الخبر إلى لفظ الأمر، لإفادة التعجُّب، كما أُخرِجَ الأمر بمعنى الدعاءِ عن لفظه إلى لفظ الخبر في قولهم: "رحمه الله، ويرحمك الله".
والباء هنا زائدة في الفاعل، كما في: "كفى بالله شهيداً". وذلك أنه لما غُيِّرتْ صورة الماضي إلى الأمر، لارادة التعجب، قَبُحَ إسنادُ صيغة الأمر إلى الإسم الظاهر إسناداً صريحاً، فزيدت الباءُ في "أكرمْ" زيادةً مُلتزمة، ليكون على صورة المفعول به المجرور بحرف الجر الزائد لفظاً، كما في قوله تعالى: "ولا تُلقوا بأيدكم إلى التَّهلكة" وزيادتُها هنا بخلافها في فاعل "كفى" فهي غيرُ مُلتزمةٍ فيه، فيجوز حذفها، كما قال الشاعر:
عُمَيْرَةً ودِّعْ، إِنْ تَجَهَّزْتَ عاديا + كفى الشَّيْبُ والإِسلامُ لِلمَرْءِ ناهيا

(وأما اعراب: "اقبح بالجهل، فأقبح: فعل ماض، جاء على صيغة الأمر، لإنشاء التعجب. وهو مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره السكون الذي اقتضته صيغة الأمر، والباء: حرف جر زائد، والجاهل: فاعل (أقبح) وهو مجرور لفظاً بالباء الزائدة، مرفوع محلا لأنه فاعل.
وقال الزمخشري في (المفصل) في قولهم: "اكرم بزيد": "إِنه أمر لكل احد بأن يجعل زيداً كريماً"، اي: بأن يصفه بالكرم والباء مزيدة - مثلها في قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} للتأكيد والاختصاص او هو أمر بأن يصيره ذا كرم والباء للتعدية هذا اصله ثم جرى مجرى المثل فلم يغير عن لفظ الواحد في قولك: يا رجلان اكرم بزيد ويا رجال اكرم بزيد) أهـ.

فعلى هذا فمجرور الباء في موضع المفعول به لأنه في موضع الفاعل ويكون فاعل (اكرم) مستتراً تقديره انت مثله في كل امر للواحد وما هذا ببعيد وهو قول جماعة من العلماء غير الزمخشري كالفراء والزجاج وابن كيسان وابن خروف.
وثمرة الخلاف بين جعله امرا صورة ماضياً حقيقة وجعله امراً صورة وحقيقة انه لو اضطرّ شاعر الى حذف هذه الباء الداخلة على المتوجب منه لزمه ان ينصب ما بعدها على رأي الفراء ومن تابعه لأنه مفعول به وان يرفعه على رأي الجمهور لانه فاعل.

ولا يجوزُ حذفُ الباءِ الداخلة على المُتعجَّب منه في نحو قولك: أجملْ بالفضيلة!"، وإن كانت زائدةً، لأنّ زيادتها مُلتزِمةٌ، كما قدَّمنا، إلا ان تكون قبل "أنْ وأنَّ"، فيجوز حذفُها، لاطِّراد حذف حرف الجرِّ قبلهما، كقول الشاعر:
وقال نَبيُّ المُسْلمين: تَقَدَّموا -- وأَحبِبْ إِلينا أَن يكون المُقَدَما
أي: أحببْ إلينا بأن يكون المُقدَّم.