نموذج لكتابة المناظرة.. مناظرة بين النخلة والسنبلة



في ليلة من ليالي الربيع، فيها ابتسم القمر، وصفا الجو، وتراقصت أغصان الأشجار، وتهامست أوراقها، وتنهدت ثمارها في الجو المفعم بالحيوية والنشاط، واللهو والمرح... وقفت النخلة وقد عركتها الحياة، وأنضجها الزمان المتطاول، مرتدية لباسًا عليه قسمات الأصالة، وقد طال تفكيرها وتأملها، وبجوارها سنبلة حسناء، أمالها المستقبلية تملأ عينها، وجمال الحياة يلمع في وجناتها، فيها خفة المعجب بنفسه، والمغتر بمنظره.

ودارت بينهما المحاورة التالية:

- النخلة (في تعقل): مَنْ أنت يا بنيتي؟

- السنبلة (معتدة بشبابها): أنا... من له في الأرض ملك مثل ملكي؟ فأنا أشرب الماء العذب من النهير الصافي، وأطعم من طَمْيِه الخصيب، أفخر بقول الشاعر:
مَنْ له  في الأرض  ملك مثل ملكي في الكثيب
كـلـل الفجــر جبـيـني بالـندى الـغـض الرطـيب

- النخلة: بنيتي، ألا ترين جمال منظري؟ فقد شققت السماء بهامتي، ولاث الجهام عمائم على رأسي.

- السنبلة: لا.. أيتها الشمطاء فمنظري أجمل، والفجر يضيء جبيني وتزينه قطرات الندى، أما قبيل الغروب فالأصيل يرسل خيوطه الذهبية على لجين قمحي، وفي المساء يكرمني القمر بنوره البهي، فأنا مكرمة محببة في جميع الأوقات: ليلاً ونهاراً.

- النخلة (في حلم وهدوء  تسر أغوار التاريخ والأدب) فتقول: الطول عز ...

- السنبلة: أفصحي.

- النخلة: إني مرتفعة عن الدنايا.
أما سمعت قول الشاعر:
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعًا
       يُرمى بصخر فيرمي أطيب الثمر

وتستطرد قائلة: أنا أنمو في الرمال صابرة على العطش، يتفيأ ظلي الناس.
انظري إلى رأسي وقد اعتصبت بفصوص حمراء من العقيق وحبات الزمرد الذهبي.
أنا ـ يا أختاه ـ ملكة الرياض، أميرة الحقول، عروس العزب، أنا طعام الفقير، وفاكهة الغني، وزاد المغترب... أنا لا أبخل بثماري على أحد، ولي فوائد كثيرة، ولست مثلك أجف سريعًا عندما تشتد علي وطأة الصيف.

- السنبلة: (معتدة بنفسها): أنا الذي ذكرني الله في كتابه الكريم، ووصفني بالكثرة والبركة في مضاعفة الأعمال: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم".

- النخلة: لا تنسي أن الله ذكرني في أكثر من آية فقال لمريم العذراء: "وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيًا"، وقال عز وجل: "والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقًا للعباد".
وفي هذه الأثناء ترتمي السنبلة في أحضان النخلة التي انحنت عليها في شفقة وحنان.