منهج الإسلام في تقرير مبدأ التربية بالمداعبة.. الإسلام يهذب من سلوك المسلم حتى في مواطن المزاح



منهج الإسلام في تقرير مبدأ التربية بالمداعبة:
لقد اختصت السنة النبوية بتقرير هذا المبدأ، فكان رسول الله (ص) وهو الذي لا ينطق عن الهوى، ولايقول إلا حقاً، يداعب أصحابه ويمازحهم ويدخل السرور على أنفسهم.

ولقد حفلت السنة النبوية المطهرة بكثير من الحوادث التي تقر هذا الأسلوب المحبب إلى النفوس، وسيأتي ضرب الأمثلة على ذلك في الحلقة القادمة، والذي لا يكاد يخلو من تأديب وتهذيب، وتلطيف وتلميح، يزيل الملل، ويذهب السآمة، ويعين على الطاعة ويدخل السرور إلى النفس.

على أن هذا المزاح لم يكن به ما يخدش الحياء، أو يجرح الكرامة، وإنما كان خالياً من الإثم والتهتك، بعيداً عن الشتائم والسباب، لأن الإسلام يهذب من سلوك المسلم حتى في مواطن المزاح.

لقد كان رسول الله  ص  يداعب أصحابه مابين الفينة والأخرى، ولعل من أبرز المواقف في ذلك، ولربما هذا الموقف من أول المواقف التي داعب فيها الرسول  ص  أصحابه، ما رواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 360) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يارسول الله إنك تداعبنا! فقال (ص): إني لا اقول إلا حقاً.

لقد تعجب الصحابة رضوان الله عليهم من هذه الممازحة، وثار في أنفسهم هذا السؤال، بعد أن عادوا بأذهانهم إلى الجدية التامة في حياته  ص، ثم عايشوا ممازحته، فانبعث من نفوسهم هذا السؤال، فكان جوابه (ص) فيه جانب تربوي كبير، إذ لم يقل (ص): نعم، وإنما كان جوابه متضمناً الإقرار بجواز الممازحة، وزاد على ذلك بقوله: إني لا أقول إلا حقاً، ومعنى هذا أن المزاح بالباطل لا يجوز؛ لأنه يناقض حينئذ التربية الصحيحة التي هي هدف الإسلام.

على أن مزاحه (ص) لم يتعد القول إلى الفعل، لأنه حينئذ يصل بصاحبه إلى المزاح المذموم الذي نهى عنه الشارع الحكيم، يقول الأستاذ العودة في كتابه الترويح التربوي (ص 91): من الملاحظ أن مزاح الرسول  ص كان لا يتعدى القول إلى الفعل كما كان لا يتعدى الصدق إلى غيره.

وإلى لقاء آخر في الحلقة القادمة مع جملة من القصص الطريفة التي مازح فيها رسول الله (ص) أهله وأصحابه وبعض القصص التي مازح السلف فيها بعضهم بعضاً، وكان لذلك كله أبلغ الأثر في نفوسهم.. وليكن هذا زاداً للمربين في استخدام هذا الأسلوب التربوي المؤثر في دعوتهم بشرط مراعات الضوابط الشرعية في ذلك. والله أعلم..