الرفق والرحمة وحسن التأني في التربية للوصول إلى الكمال والنجاح



{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

لقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الرفق سبباً من أسباب الكمال والنجاح؛ فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه». وفي حديث جرير بن عبد الله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حُرِمَ الرفق حُرِمَ الخير».

على هذه القاعدة العظيمة في التعامل (الرفق والرحمة) كان تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه؛ فعن أبي هريرة ـ رضي اله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالـد أُعَلِّمُكُم؛ فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها...»، فتأمل كيف ابتدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الأسلوب اللطيف في التعليم، وكم سيكون له من أثر في نفس السامع..!!
وعن مالك بن الحويرث ـ رضي الله عنه ـ قال: أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رحيماً رفيقاً؛ فلما ظن أنَّا قد اشتقنا أهلنا، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه قال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلِّموهم» الحديث. إن هذه الرحمة من النبي -صلى الله عليه وسلم- بهؤلاء الشباب فيها التوجيه إلى ضرورة مراعاة طبائع النفوس، الشيء الذي قد يغفل عنه بعض المربين بحجة (الجدية والحزم) فربما كلفوا النفوس ما لا تطيق، وحَمَلوها على ما يسبب لها الانقطاع.

وتتأكد الحاجة إلى الرفق والرحمة عند وقوع الخطأ غير المتعمد؛ لأن النفوس أحياناً قد يستثيرها الخطأ فتنسى التعامل معه بالرحمة والرفق، وتميل بقوةٍ إلى الردع والتأديب؛ فعن معاوية بن الحكم السلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: «بينا أنا أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ عطس رجُلٌ من القوم، فقلت: رحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكل أمِّيَاه! ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم؛ فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منــه؛ فوالله ما نهــرني ولا ضــربني، ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن».

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء أعرابي، فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما قضى بوله أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذَنوب من ماء فأُهريق عليه»، وفي رواية: فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر؛ إنما هي لذكر الله ـ عزَّ وجل ـ والصلاة وقراءة القرآن».

تأمل هذا الموقف لو وقع في مسجد حيِّك، لو أن ـ رضيعاً ـ بال في مصلى النساء فكم ستتابع على أمه كلمات التعنيف وربما السب، وسيكون ذلك حديث جماعة المسجد، وأهل الحي أياماً.

إن التعامل بالرفق والرحمة يورث النفس نوعاً من الطمأنينة والهدوء، ويجعل تَفَهُّم المشكلة والتعامل معها أكثر نجاحاً وتحقيقاً للأهداف بخلاف ما لو صَحِب ذلك نوعٌ من التوتر.