الصورة والبيداغوجيا.. معرفة عدد هام من التشكلات الدالة الأيقونية بالخصوص ومعرفة عدد مهم من الرموز الثقافية في عمومها



أصبح من التقليد التمييز، داخل الإشكال الواسع للعلاقات الناظمة بين الصورة والتعليم، بين مظهرين مختلفين: تعليم الصورة (الدروس التمهيدية للسينما...إلخ) والتعليم بواسطة الصورة (أفلام تربوية مهتمة بالتاريخ والجغرافيا..إلخ)؛ لقد بات من الواضح مع ذلك أن هذا الاختلاف ثانوي ابتداء، يمكن أن نضعه حيال نوع من الجذع المشترك، الذي يسبق منطقيا التخصصين معا: سواء تعلق الأمر بتعليم الصورة أم بالتعليم بواسطة الصورة، ينبغي في الحالتين معا التفكير في جعل روابط تخلق تحاورا بين الصورة و قابلية التعليم الذاتي؛ أي مع الثقافة (يتعلق الأمرهنا بالثقافة من حيث ما يقصد بها في الأنتروبولوجيا الثقافية: كل ثقافة هي خصوصية جيوتاريخية لعمل هام، إذ الإنسان يتكيف مع العالم ومع ذاته، وينفلق من ربقة الطبيعة.
تقابل كل ثقافة الثقافات الأخرى، قبل أن تصبح نقيضا لـ "اللاثقافة"، يعد ما سماه التقليد الإنساني لبلادنا، بطريقة غير دقيقة تماما، "اللاثقافة" خصوصية بعض الأفراد أومجموعة من الأفراد، الذين يساهمون بأقل من الآخرين كليا في ثقافة مجتمعهم). 
ما يهم قبل كل شيء هو تبديد المصدر الأول لسوء الفهم، حيث نقرأ هنا أوهناك أن الثانويات، على سبيل المثال، كلما خلت ذمتها من دروس النحو الفرنسي أوالنحو الألماني، ينبغي عليها كذلك أن تخلي ذمتها أيضا من دروس "النحو السينيماتوغرافي"؛ يطرح المشكل عموما في بعض الأحيان كما لو أنه من البديهي أن الصورة يمكن أن تدرس بالطريقة عينها التي تدرس بها اللغة، بحيث تكون المقارنات المختلفة، التقريبية في الغالب، أحيانا خاطئة.
تدرس اللغـة، سواء تعـلق الأمر باللغة الأم أم باللغات الأجنبية، من وحدة إلى أخرى، ومنذ الوحدات الأصغر: هكذا ينبغي للطفل أن يتعلم تحقيق وتحديد فونيمات لغته الخاصة (هذا الاكتساب بالأساس، لا يتلقاه من قبل المدرسة، لكن من المجتمع، الماثل أمامه، إلى حدود ما يدور حول مهده من قبل والديه وأقربائه: ليس أن يكون على الأقل، مع قوة المصطلح، اكتسابا).
يتم التلفيظ بالنسبة لتلاميذ كثر بطريقة مرعبة إذا، ومنطوية على نفسها؛ من هو الأستاذ الذي لا يذكر صمتا مطبقا وقع عند "تفسير النصوص" عندما يتابع قراءة النص ويفتتح لأول مرة، بطريقة متفردة تفسيراته؟
نعود الآن إلى المظهر الثاني الكبير لتعليم الصورة: تعليم الرموزالاجتماعية الأقل أوالأكثر خارج أيقونية في طبيعة هذا التعليم، لكن موضوع في صور(يتعلق الأمر بالسينما، حيث يمكن أن نسجل أنه في التعليم الثاني، المعلم عليه أن يقود نحو معالجة "مضمون" أفلام مخصوصة، أومجموعة مخصوصة لأفلام تعد" أجناسا و"مدارس"و"كتب"السينمائيين..إلخ، بيد أن التعليم الأول يتمحور حول دراسة "اللغة السينيماتوغرافية" انطلاقا من أمثلة متفردة).
عندما نتحدث عن الرموز الثقافية القابلة للظهور،غالبا، في الصورة، علينا أن نزود بمقولة عامة تخص وقائع سيميولوجية، التي تنتقل من الدلالة القوية "الحرفية" إلى حدود بناءات موحية بطريقة أكبر، ومجردة من كل براءة.
ينبغي في الحالة الأولى إقدارالتلميذ، بالخصوص، على وسم (الصور-الأنماط) التي لا يجهلها أي مواطن في المجتمع الصناعي؛ بدون أن تكون غير مصنفة تماما (= مشكل دمقرطة التعليم).
هكذا ينبغي أن يكون قادرا على التعرف إليها عندما تظهر في الصورة، مثلا: مدخل ميناء نيويورك، (تمثال الحرية) التمظهر المتوسط لدروب مدينة قديمة عربية (= يميزها فورا منذ إدراكه لشارع في هونغ كونغ، وأوراق نقدية من فئة دولار واحد، (في الويستيرن Western، وسيماء لينين (L’énine) أوتروتسكي(Trotzky) (أفلام سوفياتية)..إلخ.
هناك معرفة أيقونية قليلة، وهي معرفة ثقافية في الواقع، تعد عموما عملا للاكتساب، وتصنف بوصفها مهملة لما لم يستوعب: المدرسة، حاليا،ليست معفية بطريقة ما من الوارثين (بالمعنى الذي يقدمه بورديو(Bourdieu) وباسيرون (Passeron) لهذه الكلمة) الذين لا يرثونه.
سيصبح التعليم أيضا مظهرا متحررا بالنسبة لما يعد صورا للإيحاء، فهو في حاجة إلى الحث كيفما كان الحال، لكن من خلال الفعل الأبسط للتسريع، الذي سيندفع داخل الحركية الاجتماعية للمعلومات الأكثر "بساطة " (معلومات تقتضي بالنسبة للطفل محيطا ممدرسا، وهي في واقع الأمر صعبة الاكتساب للغاية، لأنه ليست هناك أي جهة جاهزة حوله، ولم تشرك في الحوارات اليومية التي يسمعها). 
سيكفي إذا جعل التلميذ يلاحظ ما إذا صح أن إيطالي الأفلام يكون دائما ذكيـا، وأن عددا مهما من إيطاليي إيطاليا شقر، حيث التأثير الأعمى للقوالب الجاهزة الإثنية، معممة غير مفتقرة للعنصرية "الشعبية"، ما لم تكن بدأت مسبقا ترتج في ذهنه (وينبغي للأمثلة الأخرى أن تضخم الحركة المدخرة): وهذا أيضا "يكون" الشباب ،لأنه إذا أردنا أن نعطيهم حظوظهم داخل الحياة السوسيومهنية، فينبغي من بين الأشياء التي يكتسبونها، أن يمتنعوا عندما يلغون عن الأخطاء التافهة والحكمية، التي يزيحونها فورا من مجتمع ملايين المتعلمين، ويلقون بها من خلال حلقة مفرغة رهيبة، داخل الجماهير الأقل تمدرسا، حيث هذه المعادلات هي الوحيدة التي سيدركونها.
سيكفي، بالطريقة نفسها، أن نوضح في الأفلام الفرنسية ذات الاستهلاك المستمر أن سيارة البطل تكون في الغالب من نوع D.S19 (بيد أن هذا النموذج أقل انتشارا بين السائقين غير المشتغلين بالأفلام)، فمن أجل أن يبدأ التلميذ في تحزير طبيعة ووظيفة هذه القوالب الجاهزة المستعبدة، التي تهدف، في الإنتاج الأيقوني للسلسلة، إلى تقديم صورة للمتفرج خاطئة تداولا عن الواقع السوسيوقتصادي، تتكفل بإخماد نار المطالبة وتخدره داخل إسهام مكافأ عليه صوريا.
تصبح الدراسة النسقية للإيحاءات الثقافية للصورة على العموم، قادرة جدا على تعليم الطفل كيفية فك الأيديولوجيات والبلاغات السائدة التي تقض مضجعه، انطلاقا من أمثلة ملموسة جدا وملائمة جدا للعقول الشابة.
وفي الوقت نفسه الذي نعلمه فيه كيف يخلق الاختلاف بين إخلاص الصورة للشيء وإخلاصها للواقع، الأول بالكاد تلقائي، والثاني لا يكتسب البتة، و عندما يوجد فهو دائما مغلوب على أمره؛ في الوقت نفسه حيث نعلمه أن الصورة يمكن أن تكون قياسية، من دون أن تكون بريئة؛ سنجعله يرسخ مبادئ السيميولوجيا الأيقونية: هكذا تقدم نظرية الإيحاء المقدمة ببساطة، في هذا المستوى، بوصفها تدخلا لنسق ثان دال مضاف إلى المعنى الأول. 
ملاحظة أخيرة، ينبغي لتعلم الصورة تجنب أن يصير معياريا بطريقة غير متوقعة، يمكن أحيانا أن نقرأ "مشاريع برنامج تعليم السينما"، حيث النشاط التربوي يأخد على كاهله ابتداء انتقادا موجها للطفل، وكذلك الطالب في الكلية، بصدد قائمة أسماء الأفلام "الجيدة" و"الرديئة" التي تعرض في الأسبوع على شاشات المدينة: ليس عمليا طلب الريادة بوساطة خلق تعليم جديد، إلا أن يكون استعمال هذا التعليم لتنمية شكل من التعقيل لدى المتعلم، الذي سيأخده بعيدا عن كل أبحاث السيكولوجيين والسوسيولوجيين واللسانيين..إلخ، وكذلك الأمر بالنسبة لعلم الجمال، حيث ستحل روح التحليل محل تصورات "الذوق "الخالص.
يبقى صحيحا، بطبيعة الحال (وسنجد هنا مشكل دمقرطة التعليم) أن بعض الأذواق لا تصنف كذلك إنسانا حقا إلا بتجاهلات معينة: هكذا المتفرج الذي يستحسن أفلام جيمس بوند (James Bond) بخلاف تراجع عالم الاجتماع أو فكاهة الباحثين.
بينما إذا كان هناك ذوق خالص للطبقة الاجتماعية ممدرس جدا، فلا يعفي ذلك من وجود تعليم دوغمائي ومعياري حينما نجعل جمهور التلاميذ قادرا على الانضمام في هذا الذوق.
الراشد الذي انضم إلى هذا الذوق لم ينضم إليه إلا بوساطة اللغـة الوسيطة، و من خلال معارفه العديدة، وكل تنقلاته الشخصية (غالبا الاجتماعية بالأساس) التي تولد معلومات مختلفة وأفقا رحبا؛ ثم التخلي عن "أذواق" داخلية متعددة متتابعة مصقولة جدا، وأقل اندماجا (هكذا نفهم و نستوعب فيلما ما في علاقته بجنسه). 
لا يكفي فقط من خلال إثبات الذوق أن نجعل تشكله إيجابيا بالنسبة للغير، لكن من خلال استبدال الشروط العامة به في علاقتها بالغير، (غير مباشر أو على الأقل فعال) التي تدفع بذوقه إلى التطور "اعتمادا على ذاته" تجاه أشكال أكثر فأكثر نضجا وأقل فأقل سذاجة.
ليس لـ "أستاذ الصورة" الحق في أن ينتقد، أمام مستمعه الصغير، نموذج الجيد والرديء الذي يرجع نفسه إلى ذوق مختلف بينيا: فمن خلال التحليل اللامعياري لعدد مهم من الصور (جيدة أو رديئة)، واعتماد بداهة بناء الصور المكرورة (="تفاهة") أوعلى العكس أشكال/صور أيقونية مستحدثة (="أصلية")، ومن خلال المعلومة والوصف (بمعناه القوي في اللسانيات)، وكذلك مساره الخاص سيمتلك الطفل قائمة شخصية من الصور"الجيدة" والصور "الرديئة" التي تتعالق أساسا مع صور الطبقات الاجتماعية الأكثر تمدرسا في دولته وحقبته.
اختصارا، نشدد على أننا لا نعلم إلا الثقافة، نفهم من خلال هذا، ليس فقط (شيء بديهي) بالنسبة للفرد الممدرس أوالمسمى "مثقف" بالمعنى الشائع للكلمة، لكن أيضا وبالخصوص أن الهدف الوحيد الممكن للتعليم هو دفع المتعلم إلى المساهمة ما أمكن في الطابع الاجتماعي، كما يعرفه مجتمعه وحقبته، بمعنى ثقافته (بالمعنى الأنتروبولوجي)، ومنه، فإن أي تعليم محافظ بالأساس هو حر أيضا، لأن التغييرات الثقافية في الغالب منتج لما نعرفه ونعتاده في الثقافة الموجودة سالفا.
مادام التعليم لا ينقل إلا الثقافة، فسيصبح اليوم كالأمس يمنح مكانة للغة أكثر من الصورة، لأن اللغة (كما قلنا في البداية) ملك ثقافي أكبر من الصورة، وتلعب دورا مركزيا جدا في الحياة الاجتماعية (نعلم أن "مجتمعات الصورة" ليست قط مجتمعات للكلام). 
ومادام التعليم لا ينقل إلا الثقافة، ولأن اللغة تلعب دورا كبيرا في ثقافتنا، فيبدو أن معلم الصورة مطلوب شرط أن لا تعطاه فرصة نشر التعصب "السمعي البصري"، لكن الذي سيدرس سيكون هو الصورة نفسها ومجموع مستحضرات ومتعلقات الصورة ومجموع الأشكال الدالة، حيث الصورة نفسها هي الأقل بنينة داخل هذه المكونات في النهاية، إذ تعود إلى نوع من الوضوح فتكون الجهة المقابلة للأنتروبولوجي أقوى، والجهة التي ترتبط بالثقافي تغدو ضعيفة من أجل تمدرس مخصوص وعلى نطاق واسع.
كريستيان ميتز.