التغيرات العالمية وتحول أمريكا من "الديمقراطية" شبه المطلقة إلى دكتاتورية شاملة



ظلت الولايات المتحدة الأميركية في نظر الكثيرين، ولعقود طويلة من الزمن، موطناً تجتذب الكثير من مواطني ما يسمونه (العالم الثالث)، الذين لا تزال الحرية والديمقراطية بالنسبة إليهم حلماً بعيد المنال، وقد لا يستطيعون أحياناً حتى مجرد أن يحلموا.

وكانت أميركا طوال العقود الماضية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وخاصة أثناء ما سمي (الحرب الباردة)، تعتبر نفسها (زعيمة العالم) في مواجهة النظم الشمولية في المعسكر الشرقي (الاشتراكي) بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق.

وبالتأكيد، لم تكن هذه الادعاءات الأميركية تنطلي على الكثيرين، أو تحجب عنهم حجم الممارسات والعمليات السرية التي كانت أميركا تقوم بها في الخارج، من قلب لأنظمة الحكم أو اغتيال لزعماء منتخبين أو زعزعة متعمدة للأمن والاستقرار في الكثير من بلدان العالم، خاصة في الدول النامية، فضلاً عن اغتيال الأميركيين من أصول أفريقية وغيرهم من الأقليات الأخرى في الولايات المتحدة.

غير أنه منذ أن بدأ اليمين المتطرف يزداد قوة ونفوذاً في المجتمع الأميركي عامة، وفي دوائر الحكم وصنع القرار بصفة خاصة، بدأت الحريات العامة تتناقص، وأخذ دور الأجهزة الأمنية يتنامى شيئاً فشيئاً في حياة الأميركيين عامة.

وجاءت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 لتشكل فرصة غير مسبوقة بالنسبة إلى أطراف اليمين الأميركي ليحكموا سيطرتهم أكثر، ويبدأوا فعلياً في تطبيق الأفكار والممارسة الأكثر عنصرية ودكتاتورية في التاريخ الأميركي كله وفي العالم أجمع، باتفاق شبه كامل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، رغم بعض الأصوات التي ما زالت تعارض أو تتحفظ داخل مجلس النواب الأمريكي "الكونغرس"، ورغم الإدانات والانتقادات الواسعة من المنظمات والهيئات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، داخل الولايات المتحدة نفسها وعلى المستوى الدولي بشكل عام.

ولا شك أن أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 تشكل منعطفاً تاريخياً بكل المقاييس إن بالنسبة لأمريكا أو لدول العالم كافة، بغض النظر عن الفاعل الحقيقي الذي لا يزال عملياً مجهولاً، وضمنياً معروفاً لكل حر وشريف في العالم، وستكون تداعيات تلك الأحداث ذات أثر بالغ على العالم أجمع وعلى مستقبل العلاقات الدولية لأمد غير قصير، وهو ما بدأ يظهر فعلاً وفي أكثر من بلد وموقع.

غير أن حجم ما حدث في أيلول/سبتمبر وكونه التفجير الأكبر والأول من نوعه في عقر دار الولايات المتحدة، الذي استهدف بعض "أهم رموزها السيادية والاقتصادية" كما يقولون، كل ذلك ما كان له أن يدفع بهذه السرعة الكبيرة والاندفاع غير المتوازن في اتجاه تضييق الحريات على المواطنين الأميركيين، وملاحقة المهاجرين من مختلف الأعراق، لولا أن هناك أرضية فكرية وسياسية مهيأة لمثل هذا (الانقلاب) من "الديمقراطية" شبه المطلقة إلى دكتاتورية شاملة.

ثم أن خطورة هذا التحول الكبير، لا تقف عند حدود الداخل الأميركي، بل وضعت العالم كله تحت وصاية دكتاتورية، دون أي رادع قانوني، أو أخلاقي، أو اعتبار لمقتضيات السيادة وخيارات الشعوب المعنية.

لذلك فإن العالم كله، وبمختلف هيئاته ومنظماته الجماهيرية المختلفة، مطالب بالعمل لحماية نفسه من بطش هذه الدكتاتورية الأمريكية الأوروبية المنفلتة، وبما أنه ليس بإمكان أي من الدول مقاومة أو مواجهة القوة الأمريكية المنفلتة من عقالها كما البعير في الصحراء، فأن المطلوب ليس المواجهة العسكرية لهذه القوة المنفلتة، وإنما بعدم تمكين الإدارة الأميركية الحالية وأتباعها في القارة العجوز التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية، من تنفيذ مخططاتهم وسياساتهم في أي جزء من بلاد العالم.

إن من خلال دعم الأصوات والقوى الأميركية التي تعارض توجهات ما يسمونه "السياسة الناعمة" في إدارة أوباما "الديمقراطية" التي لا تختلف عملياً عن سياسة الأرعن بوش الصغير "الجمهوري" داخلياً أو خارجياً سوى بالأسلوب، لأن ما يجري في اليمن وفي فلسطين وفي الصومال وفي إرتريا وفي موريتانيا وفي السودان وغيرهم من البلاد العربية، وما جرى في مؤتمر كوبنهاغن مؤخراً حول المناخ، والأهم والأخطر هو القانون الذي أقره مجلس النواب الأمريكي الذي يطالب إدارة أوباما بمعاقبة "قنوات تلفزيون في الشرق الأوسط"، والمقصود بالطبع بعض القنوات العربية بغض النظر عن رأينا في كل منها، فأنه وبحسب مشروع هذا القانون، فأن هذه القنوات متهمة "بالتحريض على العنف والإرهاب، ضد القوات الأمريكية والأمريكيين التي غزت العراق وأفغانستان وتغزو باسم "الاتفاقيات الأمنية" اليمن ومنطقة الخليج العربي دون استثناء، حيث قرر مجلس النواب "الديمقراطي" وبالتعاون مع "الجمهوريين" داخل "الكونغرس" معاقبة هذه القنوات التي تفتح جلسات حوار حر مع بعض الشخصيات والمفكرين والناشطين العرب وغيرهم، وأيضا بغض النظر عن رأينا في كل منهم.

وبحسب مشروع هذا القانون فأن هؤلاء يمثلون خطراً لما يحملونه من آراء وأفكار، تعتبرها إدارة الشر الأمريكية "ذات الطابع الإرهابي" كما جاء في "مشروع القانون"، كل ذلك إنما هو دليل واضح على أن إدارة أوباما لا تختلف عن إدارة بوش الصغير، إلا في التسمية ليس أكثر.

فهل أمام الأحرار والشرفاء من أبناء الأمة العربية وكل الأحرار والشرفاء في العالم سوى الوقوف صفاً واحداً في مواجهة طاغوت الشر وقول كلمة حق بوجه سلطان جائر، مع التركيز على حماية العالم من بطش الشركات العابرة التي تريد نقل نتاج بعض مصانعها المُدمرة للبيئة ليتم تجميع تلك المنتجات في بعض البلاد العربية، تحت عنوان "التنمية الاقتصادية" وتشغيل العاطلين عن العمل، وما إلى هنالك من تسميات براقة، بعد أن تم للغرب العربيد بقيادة أمريكا السيطرة التامة على النفط العربي، وعلى اقتصاد كل البلاد العربية، بفضل صندوق النقد والبنك الدوليين، وهم الآن يسعون للسيطرة على الشمس في بلاد العرب، تحت مسمى "الطاقة النظيفة" وذلك ضمن مخطط طويل الأمد، بدأته أمريكا برصد ميزانية تقدر بـ (67 مليار دولار) للطاقة الشمسية، تبعتها أوروبا بإقامة سلسلة من محطات الطاقة الشمسية في (صحراء المغرب العربي) تحت مسمى "تكنولوجيا الصحراء" بكلفة تقدر بـ (460 مليار دولار) حيث سيتم بدءا من عام 2015 بتزويد أوروبا عبر المتوسط بـ(15%) من حاجة أوروبا إلى الطاقة في البداية، لترتفع النسبة تدريجيا بعد ذلك.

لذلك أقول أنه ليس أمام الأحرار والشرفاء من أبناء الأمة العربية أولاً، إلا خيار رص الصفوف لمواجهة قوى الشر العالمية بقيادة أمريكا وأتباعها، فليس هناك من خيار آخر.. لأنها باعتقادي مسألة حياة أو موت!!
فهل يعي أبناء الأمة والأحرار في العالم دورهم في هذه القضايا؟
فؤاد الحاج


0 تعليقات:

إرسال تعليق