دبلة الخطوبة ! ليكون قريبا من القلب رغم بعض الحواجز التي ترفضه



من الأمور التى انتشرت فى بلاد الإسلام ما يلبسه الخاطب أو الزوج ويُسمى بـ (دبلة الخطوبة) وهى عادة نصرانية، كان العروس ـ الزوج ـ يضع خاتم الزواج على رأس إبهام العروس اليسرى ـ الزوجة ـ ويقول باسم الآب، ثم على رأس السبابة  ويقول: باسم الابن، ثم على رأس الوسطى ويقول: باسم الروح القدس، ثم يستقر به فى الإصبع البنصر وينتقل من اليد اليمنى وقت الخطبة إلى اليد اليسرى بعد الزواج (ليكون قريبا من القلب !!!) .
وعادة ما يكون هذا الخاتم ـ أو الدبلة ـ من الذهب، وقد صح النهى من النبىr عن التختم بالذهب (1) للرجال ، فروى مسلم في صحيحه عن عبد اللخ بن عباس رضى الله عنهما قال أن رسول الله ص:" رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ : يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ ، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ r خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص "(2).
ـ وقال ص: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ حَرِيرًا وَلَا ذَهَبًا" (3).
ـ وقد عمد بعض الرجال إلى استبدال  لبس "دبلة" من ورِق ـ فضة ـ بدلاً من الذهب حتى لا يقع تحت النهى ، فوقع فى التشبه .
ـ وإنما صح عنه ص اتخاذ الخاتم من ورِق ـ أى فضة ـ فقد :"رَأَى ص عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَلْقَاهُ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ هَذَا شَرٌّ هَذَا حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ فَأَلْقَاهُ فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَسَكَتَ عَنْهُ ص" (1).
ـ حِل خاتم الذهب ونحوه على النساء: وقد ذهب العلامة الألبانى ـ رحمه الله تعالى ـ إلى تحريم خاتم الذهب ونحوه كالسوار والطوق على النساء (2) .
والعلامة الألبانى ـ رحمه الله تعالى ـ كان أحد المجددين وندعوا الله تعالى أن يجزينه عنا وعن الأمة الإسلامية كل خير لما قدم لهذه الأمة ، إلا أنه رحمه الله تعالى قد جانبه الصواب فى هذا المسألة مع محاولته التحرى والبحث والاستقصاء، وقد ذهب العلماء سلفاً وخلفاً إلى حِل الذهب المحلق للمرأة دون خلاف، واستقصاء هذه المسألة له موضع آخر، واكتفى هنا ببعض أقوال أهل العلم ممن ذهب إلى حِل الذهب دون تفصيل للمرأة.
يقول الإمام النووى فى شرح مسلم: "أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذهب للنساء"، وقال فى المجموع (3): "يجوز للنساء لبس الحرير والتحلى بالفضة والذهب بالإجماع للأحاديث الصحيحة"، وقال أيضاً: "أجمع المسلمون على أنه يجوز للنساء لبس أنواع الحلى من الفضة والذهب جميعاً كالنوق والعِقد والخاتم والسوار والخلخال والدمالج والقلائد والمخانق وكل ما يُتخذ فى العنق وغيره، وكل ما يعتدن لبسه، ولا خلاف فى شئ من هذا" (4).
وقال الحافظ فى الفتح (1) فى ثنايا تفسير نهى النبى ص عن خاتم الذهب: "نهى النبى ص عن خاتم الذهب أو التختم به مختص بالرجال دون النساء ، فقد نُقل الإجماع على إباحته للنساء"، وقال مثله الإمام المباركفورى فى التحفة (2).
ويقول الإمام ابن عبد البر فى التمهيد (3): "النهى عن لباس الحرير وتختم الذهب إنما قصد به إلى الرجال دون النساء وقد أوضحنا هذا المعنى فيما تقدم من حديث نافع ولا نعلم خلافاً بين علماء الأمصار فى جواز تختم الذهب للنساء وفى ذلك ما يدل على أن الخبر المروى من حديث ثوبان ومن حديث أخت حذيفة عن النبىr فى نهى النساء عن التختم بالذهب إما أن يكون منسوخاً بالإجماع وبأخبار العدول فى ذلك على ما قدمنا ذكره فى حديث نافع أو يكون غير ثابت، فأما حديث ثوبان فإنه يرويه يحيى بن أبى كثير قال: حدثنا أبو سلام عن أبى أسماء الرحبى عن ثوبان ولم يسمعه يحيى بن أبى سلام ولا يصح، وأما حديث أخت حذيفة فيرويه منصور عن  ربعى بن خراش عن امرأته عن أخت حذيفة قالت : "قام رسول اللهr فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر النساء أما لكن فى الفضة ما تحلينه أما إنكن ليس منكن امرأة تحلي ذهابا تظهره إلا عذبت به" ، والعلماء على دفع هذا الخبر لأن امرأة ربعى مجهولة لا تعرف بعدالة وقد تأوله بعض من يرى الزكاة فى الحلى من أجل منع الزكاة منه إن منعت ولو كان ذلك لذكر وهو تأويل بعيد .
وقد روى محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عن عائشة أن النجاشى أهدى إلى النبىr حلية فيها خاتم من ذهب فصه حبشى فأخذه رسول الله r بعود أو ببعض أصابعه وإنه لمعرض عنه فدعا ابنة ابنته أمامة بنت أبى العاص ، فقال : تَحَلَّيْ بِهَذَا يَا بُنَيَّةُ " (1)، وعلى هذا القياس للنساء خاصة والله الموفق للصواب .
ويقول الإمام الجصاص فى تفسيره (2): "الأخبار الواردة فى إباحته للنساء ـ يعنى الذهب ـ عن النبىr والصحابة أظهر وأشهر من أخبار الحظر ، ودلالة الآية ـ قوله تعالى : (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) ـ أيضاً ظاهرة فى إباحته للنساء ، وقد استفاض لبس الحلى للنساء منذ قرن النبىr إلى يومنا هذا من غير نكير من أحد عليهن ، ومثل ذلك لا يُعترض عليه بأخبار الآحاد" .
وقال مثله الإمام الكيا الهراسى عند تفسيره للآية السابقة .
ـ وأورد الحكيم الترمذى فى نوادر الأصول : عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : "أهدى النجاشى إلى رسول اللهr حلية فيها خاتم من ذهب فيه فص حبشى فأخذه رسول الله r بعود أو ببعض أصابعه وإنه لمعرض عنه ثم دعا ابنة ابنته أمامة ابنة أبى العاص فقال : تحلى بهذا يا بنية" (3) .
قال : جعل r الحلية زينة لجوارح الإنسان فإذا لبسها زانه لذلك وإذا زانه حلاه فصار ذلك العضو أحلى فى أعين الناظرين ولذا سمى حلية لأنه تحلى تلك الجوارح فى أعين الناظرين وفى قلوبهم قال الله تعالى وتستخرجون منه حلية تلبسونها وهى اللؤلؤ فما كان من ذهب فللإناث ويحرم على الذكور و ما كان من فضة أو جوهر فمطلق للرجال والنساء و قد لبس r خاتماً اتخذه من فضة وفصه منه" (1).
قلت : وفى الحديث السابق دليل قوى لإباحة خاتم الذهب للنساء ، فتأمل (2) .  
(1) أخرجه البخارى ومسلم . (2) أخرجه مسلم وغيره ، ولكل مسلم أقول له : لو أنك كنت مكان ذلك الصاحبى الكريم ، وجرى عليك ما جرى عليه ، فهل كنت ستفعل مثل ما فعل ، فإن كنتَ فافعل الآن !. (3) حسن: أخرجه أحمد. (1) حسن: أخرجه أحمد وغيره. (2) انظر : آداب الزفاف للعلامة الألبانى رحمه الله تعالى . (3) انظر المجموع (4\443) . (4) السابق (6\40) . (1) انظر : فتح البارى (10\317) . (2) انظر : تحفة الاحوذى (5\340) . (3) انظر التمهيد : (16\115) . (1) صحيح : أخرجه أبو داود (4253) ومن طريقه البيهقى (4\141) وابن ماجة (4644) وابن أبى شيبة (5\194) وأحمد (6\119) . (2) انظر تفسير الجصاص (3\388) . (3) تقدم . (1) نوادر الأصول (2\5) . (2) وانظر المحلى لابن حزم (10\84) .


0 تعليقات:

إرسال تعليق