الشذوذ الجنسي لإلتون جون يجعله غير مرغوبا فيه بالمغرب.. محنة لغة الضاد في برامج التلفزيون



الدنيا حظوظ... وحظ أي مهرجان فني من الإعلام ـ لاسيما السمعي البصري ـ يتفاوت حسب الجهة التي تنظمه. ومن بين المهرجانات الفنية المغربية التي وُلدت وفي فمها ملعقة من ذهب: مهرجان 'موازين' الغنائي، الذي ما إن اشتدّ عوده، حتى انقضّ على مهرجان آخر كان أكثر قيمة وتنوعا منه، هو 'مهرجان الرباط الدولي'، وانتزع منه الشق الموسيقي المرتبط باستقطاب نجوم الغناء العرب والأجانب، بذريعة أنه لا يُستساغ أن يكون في مدينة واحدة مهرجانان اثنان، يملآن العاصمة طربا ومرحاً. انتصر هذا المنطق الغريب والعجيب، وانصاع منظمو 'مهرجان الرباط' له، فقط لأن المشرفين على مهرجان 'موازين' أقوى نفوذا منهم.
ورغم الغطاء الرسمي الكثيف المسدل على المهرجان الثاني، بحكم صلته بمراكز القرار في المغرب، فإن من سوء طالعه أن تثار حوله باستمرار سجالات حادة. فمرة، يحتج محتجون على كونه ينظم في وقت غير ملائم، إذ يتزامن مع فترة الامتحانات لدى التلاميذ. ومرة ثانية، اقترن المهرجان بمأساة إنسانية تمثلت في سقوط عشرات الضحايا من الجمهور (ما بين جرحى وقتلى) بسبب الازدحام والتدافع في إحدى سهرات العام الماضي. وهذه السنة، ما إن شرع التلفزيون في بث فقرات إعلانية عن مواعيد مهرجان 'موازين' الذي سيقام ما بين 21 و29 من الشهر الحالي، حتى أثير جدال حول استقدام المغني البريطاني 'إلتون جون'.
موضوع الجدال، ليس هو جنسية هذا المغني، ولا حتى ميوله الجنسية الشاذة والغريبة عن طبيعة المخلوقات؛ فذاك شأن شخصي لا يلزم سوى صاحبه، لأن 'كل شاة تعلّق من كراعها' (كما يقول المغاربة، أو من 'عرقوبها' أو 'كرعوبها' كما يقول المشارقة)؛ ولكنْ، أن يتحول الشذوذ الجنسي إلى موقف يعبر عنه صاحبه، ويحاول أن يستفز به مشاعر الناس ومعتقداتهم وقيمهم، فهنا مربط الفرس. فالفنان، أو على الأصح الفنانة التي تحمل اسم إلتون جون، عمدت إلى الإساءة لمشاعر معتنقي الديانات السماوية بالافتراء على المسيح عيسى عليه السلام ووصفه بأنه كان 'شاذا جنسيا'... هنا، إذن، ينتهي النقاش حول موضوع الحرية الشخصية، ما دام الأمر وصل إلى إلصاق صفة ذميمة بنبي عظيم. وإمعانا في استفزاز أهل البلد الذي سيستضيفه، نقلت وسائل إعلام أجنبية عن 'المستر' أو 'المسز' جون قوله، إنه قادم عند 'مِثليي' المغرب! (والمثليون مصطلح لطيف وظريف يحاول إضفاء الشرعية على الشذوذ الجنسي).
كان طبيعيا، إذنْ، أن يرفض بلد مثل مصر إقامة حفل لإلتون جون بين ظهراني أهله المسلمين والمسيحيين. وما ليس طبيعيا أن يتغاضى منظمو مهرجان 'موازين' عن كل ذلك، ويشرعوا في إعداد العدة لاستقبال الضيف 'الناعم' بما يليق به من كرم وحفاوة، ومجازاته بملايين الدولارات. أما مشاعر المجتمع المغربي وقيمه وكرامته التي عبر عنها عدد من الصحافيين في كتاباتهم وبعض البرلمانيين في أسئلتهم بمجلس النواب فذهبت أدراج الرياح.
'المخزن' يكشف عن ميوله الفنية
* نبقى في مهرجان 'موازين'، ولكننا سنتحدث هذه المرة عن المسابقة المقامة على هامشه، تحت اسم 'أجيال موازين'. ففي كل سنة، تنظم حملة إعلامية مكثفة لهذه التظاهرة، من أجل إجراء مسابقة لاختيار الموسيقيين الشباب من مختلف أقاليم المغرب. اللافت للانتباه أن هذه المسابقة تقتصر على أنواع بعينها من الموسيقى والغناء: 'الهيب هوب' و'الراب' و'الموسيقى الإلكترونية'. وكلها ـ كما يبدو ـ أشكال مستوردة من الغرب. لا خلاف، ولكن لماذا الاقتصار عليها فقط؟ هل هذه هي الأنواع الوحيدة التي يمارسها كل الشباب في هذا البلد الشاسع المعروف بتعدد ثقافاته وفنونه وأشكاله التراثية؟ أبدًا، فالاهتمامات الموسيقية للشباب المغاربة متنوعة، تشمل الموسيقى والغناء العصريين والطرب العتيق من أندلسي وملحون وأمازيغي بالإضافة إلى أغاني المجموعات. لكن الجمعية المنظمة لمسابقة 'أجيال موازين' لا تجسد حتى الشعار الذي تحمله: 'مغرب الثقافات'، وإنما تحاول أن تقدم ثقافة واحدة على أنها هي الثقافة المغربية.
والواقع أن هذه الجمعية لا تعمل سوى على ترجمة التوجه الرسمي السائد الآن في البلاد، والمتجلي في إيلاء كل الدعم المادي والمعنوي والإعلامي للمجموعات التي انتشرت كالفطر في مختلف المناطق المغربية تحت اسم 'الراب' و'الهيب هوب'، حتى صار ضروريا أن يفسح لها المجال الواسع في مختلف البرامج والسهرات الإذاعية والتلفزيونية وفي شتى المهرجانات الفنية. أما الوصفة السحرية لتكوين أية مجموعة للهيب هوب فهي بسيطة: 'يجتمع بضعة شباب ويشرعون في تقليد رقصات وحركات الهيب هوب، ثم يلصقون عليها كلمات دارجة أغلبها سوقي، ولابد أن يظهروا بمظهر غريب في اللباس وطريقة حلاقة الشعر'. وهنا، يكتمل التناسخ بين مختلف المجموعات التي تدعي أنها تقدم موسيقى معبرة عن جيل اليوم.
المثير للانتباه أن بعض المطربين والمطربات الذين يحترمهم الجمهور أخذوا في الانسياق مع هذه الموجة، ووجدنا بعضهم يتقرب من مجموعات 'الهيب هوب'، بهدف إنجاز عمل غنائي مشترك معهم. المطربة سميرة سعيد واحدة من النجوم الذين أقدموا على هذه الخطوة، حيث ظهرت أخيرا في سهرة تلفزيونية بالقناة الثانية المغربية وهي تقدم أغنية مشتركة مع إحدى المجموعات 'الهيب هوبية'، ما أثار امتعاض الكثيرين ممن اعتبروا هذا العمل مسيئا لرصيد سميرة سعيد ولتجربتها ولمكانتها عند المعجبين بفنها. وما زاد الطين بلة هو المظهر الذي ظهرت به سميرة سعيد في تلك السهرة، سواء من حيث اللباس أو طريقة قص الشعر، مما يتعارض مع سنها ومع قيمتها الفنية.
لعل سميرة في إقدامها على هذه الخطوة، تحاول إيصال رسالة يحملها غيرها من الفنانين المغاربة: نحن مع هذه الموسيقى المحتضنة من طرف 'المخزن' (مصطلح تقليدي يطلق على السلطة)، موسيقى الجيل الجديد بالمغرب! أما غيرها من الأنواع الموسيقية العصرية والتراثية فصارت في عداد المتخلى عنه.
في الماضي القريب، كان 'المخزن' يحتضن 'الأغاني الوطنية '، ويبوئها الصدارة في السهرات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، من منطلق أنها تقوي روابط الوطنية ومشاعر الانتماء. والواقع أن الكثير منها كان عصارة طيبة في الأشعار والألحان والأصوات الغنائية والتوزيعات الموسيقية. واليوم، لا تخفي السلطة عطفها وحدبها وعطاءها المجزي على أغاني الراب والهيب هوب.
هل هذه حقا هي الموسيقى الوحيدة التي يفضلها المخزن، ولماذا؟ لعل في ذلك ـ إذا صحّ ـ محاولة للانصهار في السياق العالمي الحالي، الذي يسعى إلى تكريس نمط واحد في كل شيء: اللباس، والأكل، والموسيقى، والفكر، والاعتقاد، والقيم... الخ، إنه بعبارة صريحة النموذج الأمريكي الحامل لشعارات التحرر والانفتاح والعالمية.
محنة لغة الضاد في برامج التلفزيون
* ثمة هيمنة ملحوظة للمذيعين التونسيين على 'الجزيرة الرياضية' بتفريعاتها المتعددة. اللكنة المحلية تفضحهم، والتعبيرات التي ترد على الألسنة تكشف جنسيتهم. لا اعتراض، ولكن الاعتراض حول الأخطاء النحوية واللغوية الكثيرة التي يرتكبونها في تقاريرهم وتعليقاتهم التلفزيونية.
* الملاحظة نفسها تنطبق على قناة أبو ظبي الوثائقية، ولاسيما في فقرات الدعاية لبرامجها، التي لا ترحم 'سيبويه'.
* في المغرب، توجد جمعية للدفاع عن اللغة العربية، تقوم بنشاطات متعددة أهمها ندوات ومحاضرات وأيام دراسية. جهد محمود، لكن، ماذا لو أنشأت تلك الجمعية مرصدا خاصا بتتبع الأخطاء اللغوية والنحوية التي ترتكب في البرامج ونشرات الأخبار، وتولي تصحيحها وتنبيه المؤسسات الإذاعية والتلفزيونية إليها؟


0 تعليقات:

إرسال تعليق