العلاقة بين المبدع والمتلقي.. مشاركة التجربة الشعورية والتأثير في عقول الناس ووجدانهم



العلاقةُ بين المبدع أديبا أم فنانا، والمتلقي شائكة ٌومعقدة، و العملية ُالإبداعية تتوفرُ على ثلاثة أركان أساسية، وهي المرسل أي المبدع، والمستقبل أي المرسل إليه، والرسالة وتعني الخصائص المعنوية والفنية، التي يريد المبدع توصيلها الى المتلقي، والمبدع يسعى إلى التميز والصدق، وبحاجة لأن يخاطب متلقيا معينا، محاولا أن يقيم علاقة تفاهم بدون تنازلات،على حساب فنية العمل الإبداعي او قيمته الفكرية والشعورية، ويريد أن يدخل عالم المتلقي، ويحاوره وينال إعجابه من غير ان يتملقه أو يهبط إلى مستواه الفكري والذوقي إن كان المتلقي، لا يتميز بالثقافة العالية، والقدرة على الفهم والاستيعاب لما يرسله إليه المبدع.

المتلقي يطمح إلى أن يجد الإبداع الذي يعبر عن أمانيه وأهدافه، وان يلمس همومه وأن يجني في نفس الوقت الفائدة، والمتعة والغذاء الروحي والفكري، ولكنه مطالبٌ أن يكون على مستوى النص،وان يتصف بمعطيات الفهم والتذوق وان يكون أهلا للتمييز والإدراك ،والقصيدة كأي جنس أدبي هي الطريق الموصل بين المرسل والمرسل إليه ولا بد ان تتصف بالتوهج والقدرة على الإيحاء والتأثير وألا تكون عالما مغلقا.

ولكن هل يكون فهم المتلقي هو الأساس في جمالية القصيدة؟ فقد وجدنا في عصور الأدب المتعددة، أن كثيرا من الشعراء صفقت لهم الجماهير الشعبية، لكن قصائدهم لم تبق في الذاكرة لأنها وليدة اللحظة، وأرادت ان ترضي جماهير المتلقين على حساب القيمة الفنية، وتلاشت في نفس الوقت، ونجد شعراء كبار ظلوا غريبين عن المتلقي، ولم يكتب لشعرهم الانتشار والذيوع، وهناك شعراء استطاعوا ان يحافظوا على الخصائص الجمالية، فقدموا قصائد رائعة، عبّرت عن ذواتهم الحقيقية ووجد ت فيها الجماهير نفسها، أحلامها واحباطاتها ومخاوفها..

العلاقة وطيدة بين المبدع والمتلقي، حيث يقوم المبدع بنقل الأحاسيس التي عاشها، ويكون إبداعه موحيا مؤثرا، فتجعل المتلقي يعيش تلك المشاعر التي عبّر عنها المبدع.

فالشاعر بحاجة الى من يشاركه تجربته الشعورية، ومهما كان الإبداع الفني معقدا غامضا لا يمنح نفسه بسهولة، فأنه يحمل رسالة واضحة يستطيع المبدع إيصالها.

ولا يمكن لأي مبدع ان يتوقع ان إبداعه يحقق النجاح المرجو، ما لم يقم على الأركان الثلاثة وهي المرسل والمرسل إليه والرسالة.
وكل مبدع يضع في حسبانه نوعا من المتلقين، فلا يكتب الشاعر لنفسه بل للآخر، وان زعم احد الشعراء انه يكتب لنفسه فقط وانه يلغي المتلقي ولا يبالي بوجوده فيصبح من حقنا أن نسأل: فلماذا يحرص على جمع قصائده وإيصالها إلى الناس، وتحمل تكاليف طباعتها في ديوان، والعمل على توزيعها ولماذا يحرص الشعراء والكتاب على نشر إبداعهم في الانترنت إن تعذر عليهم الطباعة الورقية.
وقد يجمعون بين الطريقتين في النشر.

وقد أدرك الشعراء ان المتلقي ركن أساس في العملية الإبداعية لهذا حسبوا حسابه واحترموا مقام المخاطب فيأتي كلامهم متناسبا مع حالة من يتوجهون إليهم، وقد عرفت البلاغة إنها مراعاة الكلام لمقتضى الحال.

فالشعر وان كان معبرا عن الذات فليس مخاطبا لهذه الذات بل يوجه الى الآخرين وهو نوع من الاتصال مع الجمهور ، والشاعر شخصية حية في فترة زمنية معينة و مكان محدد وبيئة اجتماعية معينة، ولكنه فرد في المجتمع يلعب دورا أساسيا في شعره، ويرغب في توصيل حقيقة موقفه من ذلك المجتمع ان كان متعاطفا معه او متمردا عليه، ولكل عمل إبداعي بعدان أولهما اجتماعي، ينطلق من الواقع المعيش، وثانيهما فردي، ينطلق من خيال المبدع.

ومن حق الشاعر أن يكتب لمن يشاء، وان يختار الجمهور الذي يحب ان يخاطبه، والشعراء يختلفون في نوعية جمهورهم ، بعضهم يفخر انه يخاطب النخبة، والبعض الآخر يحرص على مخاطبة الجماهير العريضة..

ومهما قيل عن غايات الشعر، فان الغاية الأسمى له ان يجمل الحياة بأعين المتلقين، وان يجعل الشخص الوحيد قادرا على أن يعيش حيوات متعددة بان ينقل لهم تجارب إنسانية، تقدم المتعة والفائدة، وتعمق المعرفة بالحياة، وكلما كانت صلة الشاعر بالحياة عميقة، كان شعره كبير التأثير في عقول الناس ووجدانهم.

لهذا وجدنا بعض الشعراء خالدين في وجدان الناس لأنهم استطاعوا ان يكونوا إنسانيين يؤثر إبداعهم على مختلف المتلقين، ورغم بعد الزمان والمكان، رغم فترة حياتهم المحدودة، فالشاعر حين يوجه للمتلقي رسالته، فانه يحرص على غرس المثل الإنسانية والمحبة وقيم التفاؤل، والنضال من اجل مستقبل أفضل، يسوده الود والثقة.
صبيحة شبر