تدريب الأبناء على العدوانيّة.. زرع الروح القتالية في نفوس الأطفال وتعويدهم على مواجهة الخصوم



القدس – الشيء الرئيسي الذي اجتذبني إلى إسرائيل هو أنك تعرّض حياتك للمخاطرة هنا من أجل صراع سياسي عظيم، بعكس الغرب، حيث النضال السياسي أمر تتحدث عنه من مسافة مأمونة.

النضال السياسي بالنسبة للإسرائيليين، كما أراه، هو إيجاد طريقة للحياة في حي خطير دون أن تتصرف كبلطجي من ناحية أو كمن تسهل هزيمته من ناحية أخرى. أن تكون قوياً بما يكفي لتصد الهجمات ولكن دون أن تثير العراك. أن تدافع عن حقوقك ولكن أن تعرف أين تنتهي حقوقك وتبدأ حقوق جارك. ليس الأمر سهلاً، ولكن هذا هو التحدّي. أن تعلّم ولديك القدرة على القتال، وأن يكون لك ضمير في الوقت نفسه. باختصار، أن تكون رجلاً لبقاً (أو امرأة بنفس الصفات).

بالنسبة للإسرائيليين الذين لا يعتبرون مسالمين سلبيين، فإن جزءاً من كونهم رجالاً لَبِقين هو الخدمة في "جيش المواطن". كنت سعيداً عندما سنحت لي الفرصة لأخدم في ذلك الجيش وأتوقع من أولادي وأريدهم أن يفعلوا ذلك أيضاً. إنه جزء من فكرة شاملة مفادها ألا نعيش حياة محميّة، وألا نترك الآخرين يحاربون معركتنا وأن نقوم بدورنا في حماية دولتنا.

ولكنني أخاف اليوم أن فكرة الانضمام إلى الجيش لا تتعلق بكونك رجلاً لبقاً أو بتعلّم كيف تدافع عن حقوقك دون أن تتحكّم في الآخرين، وإنما أصبحت تهدف بالذات إلى التحكّم بالآخرين.

في هذا الجو شديد الوطنية، ينظر عدد زائد من المراهقين إلى الجيش على أنه فرصة للثأر من أعداء الوطن، وللإثبات للعرب وللعالم العدائي المنافق بأكمله مدى قوتنا وشجاعتنا وعظمتنا مقابل الشعوب الأخرى.

نشرت صحيفة هآارتس في عددها يوم الجمعة الماضي تقريراً حول "خطوات المقاتلين" وهو معسكر تحفيزي في مرتفعات الجولان لتلاميذ الصف الثاني عشر يديره أفيغادور كاهالاني، وهو أحد أبطال حرب يوم الغفران وأحد صقور حزب العمل السابقين في الكنيست. حضر البرنامج منذ بدئه قبل خمس سنوات حوالي 180,000 من تلامذة الصف الثاني عشر "لزيارة مواقع المعارك ومقابلة الجنود المقاتلين ومشاهدة عملية إطلاق نار حيّة" والإصغاء لمحاضرة يلقيها كاهالاني لتحفيزهم وتشجيعهم.

"كنت عضواً في الكنيست. قابلت عرفات واستضفت أبو مازن في منزلي. فعلت الكثير من أجل السلام. أقول لكم إن الحقد تجاهنا لا يمكن جَسره. يمكن تحقيق السلام إذا انتقلنا جميعاً غداً إلى نيويورك. لن يقبلنا هناك أحد على كل حال. لا يمكننا التوقف عن حماية أنفسنا. ليس لدينا دولة أخرى"، يقول كاهالاني للصغار، حسب شخص نقل كلامه إلى هآارتس، التي قامت بدورها بالتأكد منه شخصياً.

ألقى سمومه على الإسرائيليين الذين يرفضون التجنيد، قائلاً بصوت أجش كيف كان بإمكانه قتل شخصية شهيرة خرج من الجيش وكيف كان يتعامل شخصيا مع آخرين حاولوا ذلك.

"هؤلاء الذين لا يخدمون الجيش لن يدفعوا الضرائب وسوف يأتون بالجريمة والمخدرات. لا تقبلوا بهم. ألقوا بهم بعيداً عن صفوفكم"، قال كاهالاني.

ليس ذلك كل شيء. قام أيضاً بتسفيه الجنود الذين يطلبون الخدمة بالقرب من منازلهم، وسماهم بأطفال أمهاتهم. وعند بلوغ حماسته ذروتها، رفع كاهالاني علماً إسرائيلياً كبيراً وقال "أريد أن أقدم لكم هدية. أريد أن أعطيكم هذا العلم. العالم كله لديه أعلام، ولكنها أعلام قبيحة. الأحمر والأسود والأخضر. من منهم لديه علماً عليه نجمة داود؟ من منهم لديه علم ألوانه الأزرق والأبيض؟"

ذكر المراسل في تقريره أن تلاميذ الصف الثاني عشر ردوا على خطاب كاهالاني "بالهتاف العاصف". جرى وضع 180,000 طفل عبر هذا النظام من تلقين وجهات النظر المتشددة، قبل دخولهم الجيش بفترة قصيرة. ويعني هذا خلال السنوات الخمس الماضية أعداداً ضخمة من المجندين في الجيش الإسرائيلي. وإذا كانوا مثل ما وصفته صحيفة هآارتس، فقد ابتلعوا الموضوع كاملاً.

لا ألقي باللوم على تلاميذ الصف الثاني عشر بالطبع، فمعسكر "خطوات المقاتلين" يعكس فقط الأوقات التي نشأوا فيها: ليس هناك من أمل بالسلام. العرب يكرهوننا وطالما كرهونا وسيكرهوننا إلى الأبد. ليس لدينا دولة أخرى لأنه ليست هناك دولة تقبلنا، وعلى كل حال جميعها بشعة. بلدنا فقط هي الجميلة. الأزرق والأبيض. أنصتوا لي جميعاً. نحن ضد العالم. والآن اذهبوا وقاتلوهم.

أتذكر الوقت الذي كان يوجد فيه ما يسمى "جندي السلام"، عندما كان هناك إيمان بأن ذلك ممكن ولا يشكل تناقضاً أبداً، أن تكون جندياً تكرس نفسك للجيش الإسرائيلي ولمعارضة الحرب والغزو. كانت المؤسسة العسكرية والإسرائيلية، من هذا العقد السيء، وحسب معرفتي، المؤسسة العسكرية الوحيدة في العالم التي مالت إلى يسار الطيف السياسي في دولتها. كان ذلك صوت من أجل السلام.

لم يعد ذلك صحيحاً. يأتي اليوم صوت المؤسسة العسكرية من الجنرالات المتقاعدين الذين يظهرون في غرف الأخبار في التلفزيون يحثّوننا على الحرب ويهنئون الجيش الإسرائيلي والشين بيت والموساد على كل عملية قصف رعناء واغتيال إجرامي تقوم بتنفيذه.
لم يعد هناك توازن أو تهذيب لروح الجندي وتركيز على منع القتل والموت. لم تعد هناك محاولة لرؤية ما إذا كان باستطاعتنا ببساطة أن نقف ورؤوسنا مرفوعة وأن نبقى. كلا. الأمر هو إما أن نختال فيها تبجحاً أو أن ننكمش خوفاً وذلاً، ونحن نفضل أن نختال.

هذا ما يعنيه كونك رجلاً في إسرائيل القرن الحادي والعشرين. ولكن أحداً لا يعرف كيف يكون رجلاً حاذقاً.


0 تعليقات:

إرسال تعليق