الحياة الدينية في العصر الجاهلي.. المجوسية يؤمنون بإلهين يدبّران العالم هما إله الخير وإله الشر. الأحناف دينهم الحنيفية كانوا يتطلّعون إلى دين التوحيد دين إبراهيم على أنه الدين المبرّأ من الشك



الدين عند عرب الجاهلية

تعدّدت ديانات العرب في العصر الجاهلي فكان منهم وثنيون، والوثنية من أهم الأديان التي عرفتها الجزيرة العربية، ومن أكثرها شيوعاً وانتشاراً، فكانت الدين السائد في جزيرة العرب، وهي عبادة الأصنام والأوثان.

وعلى الرغم من انتشارها وذيوعها إلا أن الشعر العربي الذي صور الناحية الدينية من نواحي العرب العامة كان غير كثير، ويعود ذلك لعدة أسباب منها: تشاغل العرب عنه بالجهاد وغزو فارس والروم، ومن ثم موت الرواة في هذه الغزوات، وإهمالهم من الشعر بعد الإسلام ما ظهرت فيه الوثنية، لتعارضه مع الإسلام، ولأنه يذكّرهم بوثنيتهم الجاهلية، اعتزازاً بالإسلام.

وشهدت الجزيرة العربية أدياناً أخرى غير الوثنية كاليهودية والنصرانية، وانتشرت اليهودية في جنوب الجزيرة العربية في اليمن، وفي شمالها في يثرب وخيبر وفدك وتيماء، وكان من أشهر شعرائها السّموأل بن عادياء.

النصرانية واليهودية عند عرب الجاهلية

وانتشرت النصرانية في جنوب الجزيرة في اليمن ونجران وفي شمالي بلاد العرب بجزأيه الشرقي والغربي، أي العراق والشام؛ فكان من القبائل التي تنصّرت غسان وجِذام وإياد وبكر وتغلب.

وقد تهيأت الظروف لأن تنتشر النصرانية بين عرب الجاهلية على نحو أوسع من انتشار اليهودية، لأن النصرانية – كالدين الإسلامي – دين تبشيري، في حين أن اليهودية دين قومي قبلي خاص ببني إسرائيل.

وكان من شعرائها المشهورين عدي بن زيد العبادي، ولكن لم يكن لأتباع هاتين الديانتين كبير أثر في الحياة العامة للجاهليين، إذ لم تستطع أي منهما أن تلغي الوثنية أو أن توسّع نفوذها، والدليل على ذلك أن التأثير اللغوي والأدبي العربي على اليهود الجاهليين كان تأثيراً واضحاً: في أسماء قبائلهم وبطونهم وحتى أسماء الأشخاص منهم فكانت كلها عربية، وفي تحدثهم باللغة العربيةإذ كانت لغة التخاطب اليومي بين اليهودي واليهودي، حتى في دور عبادتهم، وفي اتخاذهم اللغة العربية لغة أدبية لهم، فكان فيهم شعراء نظموا الشعر في الموضوعات التي مارسها العرب، فلم يكن يختلف شعرهم عن الشعر العربي وزنا وقافية ومعنىً وتصويراً وخيالاً.

وأما النصرانية فلم يكن إيمان العرب بها إيماناً متمكّناً عميقاً أو يدل على فَهْم وإدراك لها، وما ظهر من شعائرها وطقوسها في شعر الشعراء الجاهليين وهم يشبهون بدمى الكنائس وقناديلها ونواقيسها ورهبانها إنما كان ذلك وصف أمور مشاهدة أو مسموعة، وأمكنة وأبنية وأحفال وأعياد ومواسم رآها الشاعر جاهليا كان أم غير جاهلي فتبدّت في شعره.

ديانات غير سماوية عند عرب الجاهلية

وعرفتْ الجزيرة العربية عبادات أخرى، منها: المجوسية التي دخلت عن طريق الحيرة إلى العراق فانتشرت في بعض القبائل كقبيلة تميم، والمجوسية ثنوية وهم طائفة من الزنادقة يؤمنون بإلهين يدبّران العالم، هما إله الخير وإله الشر، كما عرفتْ جماعة من الجاهليين عُرِفوا بأصحاب الدَّهر أو الدَّهريين، وهؤلاء أنكروا البعث والخالق والجزاء، وعبد بعضهم الكواكب، مثل الشمس والقمر ونجم الشِّعْرى، منهم ثمود وتميم وعرب من حِمْيَر عبدوا الشمس قبل أن يتهوّدوا.

وكان العرب على تعدّد آلهتهم يعتقدون بوحدانية الله، ويقرّون به سبحانه وتعالى خالق الكون، والمحيي والمميت، القوي الذي بيده الأمر كله، ولم يخالف أحد منهم إلاّ الثنوية المتأثرون بالمجوسية، ولكنهم كانوا يشوبون توحيدهم بالشرك، فقد اتّخذوا الأصنام وسائط وشفاعات تقرِّبهم إلى الله زلفى، وفي الشعر الجاهلي إشارات كثيرة تؤكّد إيمان الجاهليين بوحدانية الله، ويكفي أن يكون في العصر الجاهلي شاعر واحد هو أمية بن أبي الصلت يَسِم الطابع الديني شعره، لنسمّيه شاعراً دينياً.

كان هذا شأن الكثرة من عرب الجاهلية، وقد عُرِفتْ في ذلك العهد فئة من المستبصرين، الذين كانوا يترفّعون عن عبادة تلك النُّصُب والتماثيل، وكانوا يتطلّعون إلى دين التوحيد دين إبراهيم على أنه الدين المبرّأ من الشك، وقد عرفت تلك الفئة بالأحناف ودينهم بالحنيفية، ولم تكن الحنيفية امتداداً أو تقليداً لليهودية أو النصرانية، وإنما هم على دين العرب القديم دين إبراهيم، وإبراهيم ليس يهودياً ولا نصرانياً ولم يكن من المشركين.