الأسلوب العادي لانتهاء الدساتير المرنة والجامدة.. السلطة التشريعية بإتباع ذات الإجراءات والشروط المقررة لتعديل القوانين العادية. السلطة التأسيسية المنشأة

يقصد بالأسلوب العادي لانتهاء الدستور، وضع حد لحياة الدستور القديم، وذلك بالإعلان عن إلغائه ووقف العمل بأحكامه بشكل هادئ من دون اللجوء إلى استخدام القوة أو العنف، واستبداله بدستور آخر يتلاءم مع التغييرات التي طرأت على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة.

والمبدأ العام أن الأمة صاحبة السيادة تملك على وجه الدوام تغيير دستورها، وحقها هذا يعد مظهراً من مظاهر ممارسة سيادتها، ولهذا رأينا سابقاً أن حق الأمة في هذا الخصوص لا يتقادم ولا يسقط بمرور الزمن.

وإذا كانت دساتير الدول المختلفة تنص على طريقة تعديل أحكامها بصورة جزئية، حيث تُفرد معظمها باباً أو فصلاً مستقلاً في الوثيقة الدستورية لبيان الجهة المختصة بتعديل الدستور، والقواعد والإجراءات الواجب إتباعها عند إجراء التعديل، فإنها على العكس من ذلك لا تبين أسلوب أو كيفية انتهائها أو إلغائها بصورة كلية، ولهذا يثور التساؤل الآتي: هل يمكن للسلطة التي تملك من الناحية الدستورية صلاحية تعديل الدستور جزئياً (أي السلطة التأسيسية المنشأة) أن تقوم بإلغاء هذا الدستور إلغاءً كلياً أو شاملاً؟

وللإجابة على هذا التساؤل يجب أن نميّز بين الدساتير المرنة والدساتير الجامدة:

أولاً: بالنسبة للدساتير المرنة:
إن الدساتير المرنة هي تلك الدساتير التي تُعدَّل أحكامها بواسطة السلطة التي تسنّ القوانين العادية ذاتها (وهي السلطة التشريعية)، وبإتباع ذات الإجراءات والشروط المقررة لتعديل هذه القوانين؛ ولهذا رأينا أنه لا توجد أية تفرقة  من الناحية الشكلية لا الموضوعية  بين القوانين الدستورية والقوانين العادية.

وبناء عليه، فإن السلطة التي تملك تعديل الدستور تعديلاً جزئياً هي التي تملك أيضاً تعديل الدستور تعديلاً كلياً بإتباع ذات الإجراءات المقررة لتعديل وإلغاء القوانين العادية؛ فالدساتير المرنة يتم تعديلها جزئياً أو إلغاؤها كلياً بواسطة السلطة التي تسنّ القوانين العادية، وبإتباع ذات الإجراءات والشروط المقررة لتعديل أو إلغاء هذه القوانين.

ثانياً: بالنسبة للدساتير الجامدة:
هناك شبه إجماع لدى فقهاء القانون الدستوري على منع السلطة التي تملك حق تعديل الدستور جزئياً (أي السلطة التأسيسية المنشأة) من حق تعديله تعديلاً كلياً أو شاملاً، لأن مثل هذا التعديل يعني إلغاء الدستور بوضع دستور جديد محله، ومثل هذا الحق لا تملكه أية سلطة منشأة، وإنما هو ملك للسلطة التأسيسية الأصلية التي تمثل الشعب وتعبر عن سيادة الأمة.

فإذا أقدمت السلطة التي تملك صلاحية التعديل الجزئي على تعديل الدستور كله أو حاولت المساس بفكرته الأساسية، فإنها تتخطى بذلك حدود اختصاصها، وتجعل من نفسها وبقرار منها "سلطة تأسيسية أصلية" وهو ما لا يجوز.

وحاصل القول أن الإلغاء الكلي للدساتير ـ سواء كان صريحاً أو ضمنياً إنما هو ملك للسلطة التأسيسية الأصلية فقط، فمن تكون هذه السلطة الأخيرة؟

بداية نقول إن السلطة التأسيسية الأصلية هي التي قامت بوضع الدستور القديم بإتباع أحد أساليب نشأة ووضع الدساتير السابق بيانها، ومن ثم فإن الذي يملك حق إلغاء الدستور كليةً: إما الحاكم إذا كان هذا الدستور قد صدر بأسلوب المنحة، وإما الحاكم والشعب معاً إذا كان الدستور قد صدر بأسلوب التعاقد، وإما الجمعية النيابية التأسيسية في حال صدور الدستور عن طريق هذه الجمعية، وإما الأمة (أو الشعب) إذا كان الدستور قد صدر بعد أن تم عرضه على الشعب في صورة استفتاءٍ عامٍ لأخذ موافقته عليه، أي وفقاً لأسلوب الاستفتاء التأسيسي.

وإذا كان ما سبق يعد تطبيقاً لقاعدة ﴿توازي الأشكال﴾، إلا أن هذه القاعدة ليست ملزمة، إذ لا يشترط أن تتولى السلطة التأسيسية التي وضعت الدستور القديم مهمة وضع الدستور الجديد، لأنه لا يلزم أن يصدر الدستور الجديد بنفس الأسلوب الذي نشأ به الدستور القديم المُلْغَى.

فقد يكون الدستور القديم قد تم وضعه عن طريق المنحة أو العقد أي عن طريق الحاكم أو الحاكم والشعب معاً، بينما يتم وضع الدستور الجديد بطريق الجمعية التأسيسية أو بطريق الاستفتاء التأسيسي، أي عن طريق الشعب وحده.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال