العرف الدستوري.. العادات والأعراف والتقاليد في تحديد القواعد المتعلقة بالتنظيم السياسي للدولة أي القواعد المنظمة للسلطة من حيث تأسيسها وانتقالها وممارستها



من الثابت أنَّ العرف La Coutume هو أول وأقدم المصادر القانونية على الإطلاق، فالعرف هو الذي كان يحكم الجماعة البشرية طوال الحقبة السابقة على معرفة الإنسان للكتابة، بل إنَّ القواعد القانونية المكتوبة التي ظهرت فيما بعد لم تكن في الواقع إلا تدويناً لما استقرت عليه العادات والتقاليد المرعية في ذلك الوقت.

وبالرغم من أنَّ حركة تدوين القواعد الدستورية قد شملت سائر أرجاء المعمورة ابتداءً من أواخر القرن الثامن عشر، فإنَّ العرف لا يزال يلعب دوراً مهماً في تكوين البناء الدستوري للدولة الحديثة.

وسواءً كان للدولة دستور مكتوب أو لم يكن لها دستور مكتوب، فإنَّ جانباً من القواعد المتعلقة بنظامها الدستوري يكون مصدره العرف، ويختلف هذا الجانب في أهميته باختلاف الدول، وحسب ما إذا كان لها دستور مكتوب أو لم يكن لها ذلك.

فلكل دولةٍ دستور، ما دامت هذه الدولة على قدر من التنظيم، وتقوم فيها سلطة سياسية تتولى أمور الحكم وفقاً لقواعد معينة، ومن ثمّ يعدّ العرف مصدراً أساسياً للدستور حيثما لا يوجد قواعد مكتوبة تنظّم أمور الحكم.

ومن الأمور المسلَّمة أنَّ الدول التي لا يكون لها دستور مكتوب أو مدوَّن تعتمد على العادات والأعراف والتقاليد في تحديد القواعد المتعلقة بالتنظيم السياسي للدولة أي القواعد المنظمة للسلطة من حيث تأسيسها وانتقالها وممارستها.

وتسمى تبعاً لذلك أمثال هذه الدول "دول الدساتير العرفية"، ومثالها التقليدي بريطانيا العظمى، ومن ثمَّ لا نكون في حاجة إلى بحث دور العرف باعتباره مصدراً للقواعد الدستورية في هذا النوع من الدول، لأن هذا الدور أمرٌ مسلَّم به، ولم ينكره أحدٌ كائناً مَن كان.

أما حيث يكون للدولة دستور مدوَّن، فإن أهمية العرف تتضاءل إذا قورنت بالدور الذي يلعبه العرف في البلاد ذات الدساتير غير المدوَّنة، غير أن ذلك لا يعني بتاتاً غياب دور وأهمية العرف في مثل هذه الدول ذات الدساتير المدوَّنة.

فالدساتير المدوَّنة أو المكتوبة Les Constitutions écrites كما هو معروف يصوغها مفكرون وأساتذة متخصصون، وينصرف هَمّ هؤلاء إلى العناية بقوة السبك وتوازن المؤسسات الدستورية، فيبتعدون بذلك عن الواقع.

وتُظْهِر الحياة السياسية ما في الدستور الوضعي من مواطن ضعف. وكثيراً ما يسكت الدستور عن بعض الأمور المتصلة بشؤون الحكم، وفي الحالتين يعالج الأمر على نحو ما قد يتكرر على نمط واحد رتيب، فتنشأ بذلك سوابق وعادات.

وبتأثير هذه السوابق وتلك العادات تتولّد القناعة لدى الحكام والمحكومين بأنها ملزمة واجبة الإتباع، وفي هذه الحالة نجد أنفسنا أمام عرف دستوري، يكمل نصاً قاصراً أو يفسّر حكماً غامضاً أو ينظّم ما سكت عنه الدستور.


المواضيع الأكثر قراءة