أركان العرف الدستوري المادية والمعنوية.. الاعتقاد أو الإحساس من جانب هيئات الدولة وجميع الأطراف المعنية بضرورة أن تصبح العادة قاعدة واجبة الاحترام مقترنة بجزاء

قلنا إنَّ العرف الدستوري يعني إتباع هيئةٍ من الهيئات الحاكمة في الدولة لعادةٍ معينةٍ تتصل بنظام الحكم في الدولة دون معارضة غيرها من الهيئات الحكومية ذات الشأن، ويستقر في ضمير الجماعة ضرورة احترام هذه العادة والتقيد بها مما يكسبها صفة الإلزام القانوني.

ويتبين مما تقدَّم، أنَّ العرف الدستوري  شأنه شأن العرف بصفة عامة  يقوم على ركنين: أولهما «مادي» والآخر «معنوي»، وسنتحدث عن هذين الركنين وفق الآتي:

أولاً: الركن المادي:
يظهر الركن المادي المكوِّن للعرف الدستوري عندما تسير أو تطَّرد الهيئات العامة في الدولة (البرلمان، رئيس الدولة، مجلس الوزراء.... الخ) سواء في علاقتها مع بعضها البعض، أو في علاقتها مع الأفراد على إتباع منهج أو سلوك معين دون أن يصادف هذا المسلك اعتراضاً حقيقياً من قبل الهيئات العامة الأخرى ذات الشأن أو من جانب الأفراد.

فالركن المادي إذن يتمثل في العادة التي تتبعها أو تسير عليها هيئة من هيئات الدولة في أمر له طابع دستوري (يتصل بنظام الحكم في الدولة) دون أن تصادف هذه العادة معارضة من قبل هيئات الدولة الأخرى ذات الشأن.

ولكي يقوم الركن المادي في العرف يلزم توافر شروط معينة في العادة التي درجت على استعمالها الهيئات الحاكمة في الدولة، وتتمثل هذه الشروط في الآتي:

1- التكرار The Repetition:
لكي يتوفر الركن المادي للعرف لابد من تكرار التصرف أو العادة التي درجت الهيئات الحاكمة على إتباعها، بحيث يترسخ في ضمير الجماعة الشعور بوجوب احترامها، فالعادة المكوّنة للعرف لا تنشأ إذن من مجرد تصرف واحد، بل يلزم أن يتكرر هذا التصرف، وهذا التكرار هو بمنزلة إقرار أو شهادة اعتراف بنشوء هذا العرف وبإلزاميته.

2- العمومية The Generality:
وتعني أن العادة المتبعة من جانب إحدى الهيئات الحاكمة يجب أن تكون ذات صفة وطبيعة عامة، بمعنى أن جميع هيئات الدولة المعنية تلتزم بمضمونها، أما إذا أبدت إحدى هذه الهيئات احتجاجاً أو رفضاً أو عدم قبول بهذه العادة، انتفت عن هذه العادة صفة العمومية اللازمة لتوافر الركن المادي.

3- الوضوح The Clarity:
يجب أن تكون العادة المكوّنة للعرف على قدر معين من الوضوح والتحديد، بما ينفي الجهالة في شأنها، ويمنع من وقوع الاضطراب أو الخلط في تفسير مضمونها.

4- الثبات والاطِّراد The Constancy:
وهذا شرط منطقي، فلكي تكوّن العادة عرفاً، يجب أن تكون ثابتة مطَّردة، أي أنه يلزم أن يستقر على إتباعها ذوو الشأن، بغير خروج عليها، وأن يتكرر العمل بها بصورة تؤكِّد ثباتها واستقرارها.

وقد يكفي صدور إجراء واحد مخالف لمضمون تلك العادة للتشكيك في مدى ثباتها واستقرارها. وتكرار صدور هذا الإجراء المخالف لمضمون العادة يحطّم هذه العادة ويقضي عليها نهائياً.

ثانياً: الركن المعنوي:
لا يكفي لتوافر العرف الدستوري وجود الركن المادي فقط، بل من الضروري أن يقترن هذا الركن بركن آخر هو الركن المعنوي الذي يتجسد في الاعتقاد أو الإحساس من جانب هيئات الدولة وجميع الأطراف المعنية بضرورة أن تصبح العادة قاعدة واجبة الاحترام مقترنة بجزاء، بمعنى أن يكون الاعتقاد السائد لدى كل الأطراف المعنية بتنفيذ مضمون القاعدة العرفية أو العادة بأنهم يخضعون لقاعدة تملك أو تحوز صفة الإلزام بوصفها قاعدة قانونية.

والركن المعنوي لاحق للركن المادي، حيث يبدأ الأمر بتكرارٍ غير ملزم للعادة، ثم يتبعه اطِّراد على إتباعها والسير بمقتضاها، فينشأ الاعتقاد بضرورة هذه العادة وإلزامها، فالركن المادي يتطلب العادة من إحدى هيئات الدولة، بينما يتطلب الركن المعنوي قيام الاعتقاد بضرورتها وإلزامها لدى كل من الهيئات الحاكمة في الدولة والرأي العام.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال