تحديات وطموحات النقل السككي في الجزائر: مسيرة الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية (SNTF)
تُعد الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية (SNTF)، وهي المؤسسة العمومية المسؤولة عن قطاع السكك الحديدية في الجزائر، لاعباً رئيسياً في البنية التحتية للنقل بالبلاد. تدير الشركة حالياً شبكة سكك حديدية تمتد على مسافة تُقارب 4200 كيلومتر، تربط هذه الشبكة بين العاصمة الجزائرية والعديد من المدن الكبرى الأخرى. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الامتداد، لا تزال فعالية هذه الشبكة محدودة في بعض الجوانب، مما يعكس تحديات تاريخية وتطلعات مستقبلية.
البنية الحالية للشبكة: إمكانات وتحديات
فيما يتعلق بالبنية التحتية للشبكة، تُشكل بعض الأجزاء منها شرياناً حيوياً للاقتصاد الوطني:
- خطوط الشحن المنجمي: توجد حالياً حوالي 300 كيلومتر من السكك الحديدية ذات المسار العريض، وهي مخصصة بشكل أساسي لنقل البضائع والمواد الخام، خصوصاً بين مناطق المناجم وميناء عنابة الاستراتيجي. تتميز هذه الخطوط بكونها مكهربة بالكامل، مما يعزز من كفاءتها وقدرتها على نقل الحمولات الثقيلة.
- الربط الإقليمي: تاريخياً، كانت شبكة السكك الحديدية الجزائرية موصولة بالشبكتين التونسية والمغربية، مما يُبرز إمكانية التكامل الإقليمي في مجال النقل. ومع ذلك، قد يتأثر هذا الربط بالعوامل الجيوسياسية والعلاقات الثنائية بين الدول.
تأثير العقبات التاريخية: التسعينات والأزمة الاقتصادية
شهد قطاع النقل بالسكك الحديدية في الجزائر تراجعاً ملحوظاً خلال فترة التسعينات. كانت هذه الفترة عصيبة على البلاد، حيث تضافرت عوامل الأزمة الاقتصادية الحادة مع الأوضاع الأمنية المتدهورة وأعمال الإرهاب. هذه الظروف القاسية أدت إلى:
- تقلص كبير في عدد مستخدمي القطار: حيث فضل الكثيرون تجنب السفر عبر السكك الحديدية لأسباب أمنية أو نتيجة لتدهور الخدمات.
- تراجع حمولة البضائع المشحونة بالسكك: تأثر النشاط الاقتصادي بصفة عامة، مما انعكس سلباً على حجم البضائع المنقولة عبر القطارات.
هذا التراجع أثر بشكل مباشر على قدرات الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية وعلى تطور البنية التحتية في تلك الفترة.
استراتيجية التنمية والتحديث: استثمارات ضخمة وأهداف طموحة
إدراكاً لأهمية قطاع السكك الحديدية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خصصت الدولة الجزائرية استثمارات ضخمة بلغت 5.5 مليار يورو بهدف تطوير وتحديث القطاع. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تحقيق قفزة نوعية في الخدمات والقدرات، وتشمل خططاً طموحة:
- توسيع الشبكة ودخول خطوط جديدة: كان من المخطط، وقبل نهاية عام 2010، أن تدخل العديد من الخطوط الجديدة حيز الخدمة، مما يُسهم في زيادة طول الشبكة وكفاءتها التشغيلية.
- كهربة شاملة للشبكة الشمالية: يُعد مشروع كهربة الخطوط الشمالية استثماراً مهماً لزيادة سرعة القطارات، تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتحسين الأداء البيئي للشبكة.
الأهداف الاستراتيجية لهذه الاستثمارات بعيدة المدى وتصب في مصلحة التنمية الشاملة للبلاد:
- مضاعفة عدد المسافرين السنوي: تطمح الجزائر إلى رفع عدد المسافرين عبر القطارات إلى حوالي 80 مليون مسافر سنوياً، مما يعكس رغبة في جعل القطار وسيلة نقل مفضلة للمواطنين.
- تخفيف الضغط على شبكة الطرقات: من خلال زيادة الاعتماد على السكك الحديدية، يمكن تقليل الازدحام المروري، حوادث السير، وتكاليف صيانة الطرق.
تحديث الأسطول وتحسين الخدمات الحضرية:
لم تقتصر جهود التحديث على البنية التحتية، بل شملت أيضاً تحديث أسطول القطارات. ففي نهاية عام 2007، قامت الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية باقتناء 30 عربة جر حديثة من شركة جنرال موتورز، لتعزيز قدرات القطر وتحسين جودة الخدمات.
إضافة إلى ذلك، أولت الجزائر اهتماماً خاصاً لتطوير النقل الحضري. كان من المخطط أن يدخل مترو الجزائر الخدمة في نهاية عام 2008، بأسطول مكون من 14 قاطرة مكهربة. هذا المشروع الحيوي يهدف إلى نقل ما يُقارب 41,000 مسافر في الساعة، مما يُسهم بشكل كبير في تخفيف الازدحام في العاصمة وتسهيل حركة التنقل اليومية للمواطنين، ويُعد نقلة نوعية في منظومة النقل العمومي بالجزائر.