التشبث بالعز المهلهل.. استخدام العنف والثروة والمعرفة للسيطرة على المستقبل وإحداث تحولات في السلطة والنفوذ

لا يمكن أن ينتشر نظام ثوري جديد لخلق الثروة دون أن يولد نزاعاً شخصياً وسياسياً ودولياً.

قم بتغيير الطريقة التي يتم بها الحصول على الثروة وستجد فوراً أنك قد دخلت في صدام مع كافة المصالح الراسخة لأولئك الذين نشأت سلطتهم من نظام الثروة السابق، فتنشب الصراعات المريرة فيما يستميت كل طرف من أجل السيطرة على المستقبل.

إن هذا التصارع، الآخذ في الإنتشار حول العالم اليوم، هو أحد العوامل المفسرة لما يحدث حالياً من تحولات في السلطة والنفوذ.

إذن، لكي نتنبأ بما قد تأتي به الأيام، من المفيد أن نلقي إلى الخلف نظرة عجلى على آخر صراع دولي كهذا.

قبل ثلاثمائة عام أوجدت الثورة الصناعية، فيما أوجدته، نظاماً جديداً لخلق الثروة.
فقد ظهرت المداخن تناطح سماء الحقول التي كانت تزرع فيما مضى وانتشرت المصانع. وجلبت (هذه المنشآت الشيطانية الداكنة) معها نوعاً جديداً من الحياة.. ونظاماً جديداً للسلطة.

فالفلاحون الذين تحرروا مما يشبه العبودية تحولوا إلى عمَّال في المناطق الحضرية خاضعين لجهات الاستخدام الخاصة والعامة.

ورافقت هذا التغير تغيرات في العلاقات السلطوية داخل المنزل أيضاً. فالأسر الريفية، التي عاشت عدة قرون تحت سقف واحد في ظل حكم كبير العائلة المبجل، تفككت إلى أُسر صغيرة يتألف كل منها من الأبوين وأبنائهما.

ومالبث أن تلاشى، أوتضاءل، ماكان للكبار من مكانة ونفوذ في هذه الأسر الصغيرة وفقدت الأسرة نفسها – كمؤسسة – كثيرا من نفوذها الاجتماعي فيها تمَّ تحويل العديد من وظائفها إلى مؤسسات أخرى – كتحويل وظيفة التربية إلى المدرسة، مثلاً.

كذلك جاءت، عاجلاً أو آجلاً، التغيرات السياسية الكبرى حيثما قامت وانتشرت المحركات البخارية والمصانع ذات المداخن، فانهارت الممالك أو تحولت إلى مزارات للسياح.. وجرى إدخال أشكال سياسية جديدة.

وقد انتقل من كان يتمتع بقدر كاف من الذكاء وبعد النظر من ملاك الأراضي الريفيين، أصحاب النفوذ السابق في مناطقهم، إلى المدن لكي يركبوا موجة التوسع الصناعي فيما أصبح أبناؤهم سماسرة في أسواق الأوراق المالية والأسهم أو قباطنة في ميدان الصناعة.

أما اسياد الأرض الذين تشبثوا بطريقتهم الريفية في الحياة فقد إنتهى أغلبهم إلى صور مهلهلة لما كانوا عليه في سالف أيامهم من عز وسطوة.. وتحولت قصورهم في نهاية المطاف إلى متاحف أو منتزهات.

بيد أن نفوذهم الآفل كان يقابله ظهور أنواع جديدة من أصحاب السطوة متمثلة في رؤساء الشركات والبيرقراطيين وأباطرة وسائل الإعلام.

ومع نشوء وانتشار الإنتاج بالجملة والتوزيع بالجملة والتعليم الجماعي ووسـائل الاتصــال الجماعي نشأت وانتشرت الديمقراطية الجمـاعية أو الدكتوتوريات التي تزعم أنها ديمقراطية.

هذه التغيرات الداخلية اقترنت بتحولات هائلة في السلطة الدولية أيضاً، فيما أخذت الأقطار الصناعية تستعمر أو تغزو أو تهيمن على العديد من مناطق العالم خالقة بذلك تسلسلاً هرمياً للسلطة العالمية لازال باقياً في بعض المناطق.

وموجز القول هو أن ظهور نظام جديد لخلق الثروة قوض كل عمود من أعمدة نظام السلطة القديم وأدى في نهاية المطاف إلى تبدُل شكل الحياة الأسرية والعمل والسياسة ونظام الدولة وتركيبة السلطة الدولية نفسها.

لقد لجأ أولئك الذين قاتلو من أجل السيطرة على المستقبل إلى إستخدام العنف والثروة والمعرفة. واليوم بدأت ثورة مماثلة لتلك وإن كانت أشد تسارعاً وعنفواناً.

وما التغيرات التي رأيناها مؤخراً في مجال الأعمال التجارية والاقتصاد والسياسة سوى المناوشات الأولى لما هو مقبل من صراعات أعظم وأشمل على السلطة والنفوذ. إننا الآن نقف على مشارف أعمق تحول للسلطة في التاريخ.