إن "صراع المسارح" يعكس دينامية المسرح الغربي بشكل واضح، والمقصود بالدينامية هنا، هو ذلك التفاعل القائم بين قضايا النقد والنظرية والإبداع المسرحي داخل المتخيل المسرحي نفسه، وبين قضايا الواقع والإنسان الغربي بشكل عام.
فإذا كانت صيغة " الصراع " تعكس المظهر الجدالي للخطاب الميتامسرحي في الغرب، فإنها تعبر، من جهة أخرى، عن نزوع المسرح الغربي منذ بداياته الأولى نحو دمقرطة Démocratisation قيمه الفكرية والجمالية، وذلك من خلال جعلها موضوعا للفرجة والتداول والجدل والصراع والمحاكمة على مرأى ومسمع من الجمهور، وبالتالي من الشعب.
لقد اتخذ " صراع المسارح" مظاهر مختلفة أملتها طبيعة السياقات التاريخية والثقافية من جهة، وقناعات المبدعين المسرحيين واتجاهاتهم الفنية والفكرية من جهة ثانية. ففي " الضفادع " نجد صراعا بين نموذجين من التراجيديا اليونانية، وفي " مرتجلة فرساي " نجد صراعا بين اتجاهين في التمثيل الكوميدي أحدهما أكثر ميلا نحو المهزلة، وفي " مرتجلة باريس " نصادف صراعا بين مسرح أدبي يقوم على أخلاقيات لغوية مضبوطة، وبين مسرح مفتوح على الشفوية أكثر من اللازم، ثم في " مرتجلة ألما " نلاحظ مواجهة بين خطابين إبداعيين ونقديين أحدهما ملحمي والآخر عبثي.
ويقوم " صراع المسارح " بمختلف صيغه على مبدإ التقويض والبناء، أي تقويض مسرح الآخر بقيمه ومبادئه وآلياته، وذلك قصد بناء مسرح الذات. وقد تأسس هذا المبدأ على استراتيجيات نصية مختلفة اتخذت طابع المحاكاة الساخرة أو اعتمدت تقنية المضاعفة المسرحية أو استثمرت آفاق التناص.
وقد صيغ " صراع المسارح " - نوعيا - في قوالب دارمية مختلفة كالكوميديا في صيغتها الكلاسيكية بالنسبة لأرسطوفان، وفي توجهها نحو المهزلة بالنسبة لموليير. وإذا كان جيرودو قد اعتمد الدراما الساخرة لتحقيق هدفه المزدوج المتمثل في صياغة نص يحتفي ب " أدبية اللغة " دون أن يخطئ هدفه النقدي إزاء " شفوية المسرح "، فإن يونسكو اختار صيغة المهزلة التراجيدية، وهي صيغة أفرزها الوضع المسرحي الجديد القائم على تفجير المنظور الكلاسيكي للأنواع الدرامية، وعلى المزج بين التراجيدي والكوميدي تماشيا مع ما يسمى بالضحك الأسود في مسرح العبث.
وإذا كان " صراع المسارح " قد صيغ عبر بنى نصية ونوعية مختلفة، فإن الخطاب الميتامسرحي الموازي لها لم يكن خطابا لازما، أي مقتصرا على البنى المسرحية، وإنما تحول إلى صياغة لرؤى مختلفة إزاء العصر والواقع والإنسان. لذا، نلاحظ أن أغلب الخطابات اتخذت إما بعدا سياسيا محليا (أرسطوفان)، أو وطنيا (موليير وجيرودو) أو إنسانيا (يونسكو). ولعل في هذا تجسيدا واضحا لانفتاح الميتامسرح في المسرح الغربي على التاريخ.
التسميات
ميتامسرح