الممارسات الميتامسرحية في النص الدرامي العربي مظهر ثقافي يتصل بالقضايا الكبرى للمسرح العربي أكثر منه مظهر جمالي

يستخلص من هذا التحليل لثلاثة نماذج للميتامسرح التأصيلي  يمثل أصحابها أجيالا مختلفة في مسار المسرح العربي، أن هذه الصيغة الميتامسرحية وليدة حتمية تاريخية وثقافية ملحة، وليست نابعة من رغبة محاكية للتجربة الغربية.
 إن حاجة المجتمع العربي إلى سبل كفيلة لترسيخ فن طارئ عليه، جعلت المسرحيين العرب يقومون بدورهم في خلق شروط فنية لتكييف المسرح مع طبيعة الثقافة السائدة. وقد اختلفت وسائل التكييف، كما رأينا ذلك في ما عكسه صنوع حول تجربته الذاتية، وفي ما قدمه لنا كل من عاشور وونوس من قراءة تاريخية، بأدوات وثائقية حينا وجمالية حينا آخر، في تجربة رواد المسرح العربي.
إن ما عبر عنه هؤلاء جعل من النص المسرحي العربي مرآة لذاته ولواقعه في آن واحد، وذلك بشكل أفرز نزعة تأملية ذاتية داخل هذا النص ارتهنت، في الغالب، وبحكم إكراهات السياق الحضاري، بهاجس ثقافي كبير هو هاجس التأصيل. لذا، يبدو واضحا أن كل الممارسات الميتامسرحية التي وقفنا عليها يتحكم فيها هذا الهاجس. وهو الذي كان وراء مفارقات عديدة في الخطاب المسرحي العربي أبرزها مفارقة الاعتقاد الراسخ بأن المسرح فن دخيل وارد من الثقافة الغربية، بموازاة النزوع نحو تأصيله بتجاهل هذه الحقيقة أو التحايل عليها.
يستفاد من هذا أن الميتامسرح في النص الدرامي العربي مظهر ثقافي يتصل بالقضايا الكبرى للمسرح العربي أكثر منه مظهر جمالي. وإن كانت النماذج التي حللناها تشي بمظاهر فنية خاصة، تتصادى، من جهة، مع بعض النقلات الميتامسرحية الغربية، لكنها تحاول، من جهة أخرى، أن تفرز صيغا أكثر ملاءمة لهاجسها التأصيلي.
فمن حيث البنية النوعية للنصوص، تراوحت بين صيغة المرتجلة التي تحولت إلى سيرة ذاتية مسرحية مع يعقوب صنوع، وصيغة الدراما الوثائقية التي تم إفراغها من محتواها السياسي وتحويلها إلى أطروحة ثقافية مع نعمان عاشور، ثم صيغة "النص المفتوح " الذي يمزج بين الواقعي والمتخيل ولا يعير اهتماما لشعرية النوع مع سعد الله ونوس.
فـإذا كانـت شعـريـة الميتامسـرح فـي الغـرب قد ظلت وفية لقضية النـوع
الدرامي، فإن ارتهان الميتامسرح بقضية التأصيل في المسرح العربي قد أملى صيغا أخرى تتقاطع أحيانا مع التجربة الغربية دون الإعلان عن ذلك صراحة (صنوع والمرتجلة المولييرية)، لكنها تحاول، غالبا، خلق مبدأ الملاءمة مع قضيتها الأساسية.
ومن حيث البنية النصية، لاحظنا تعاملا جزئيا، في الغالب، مع بعض الممارسات الميتامسرحية الغربية كالتناص، والمسرح داخل المسرح والمزج بين التوثيق والتمسرح؛ وذلك باعتبارها تقنيات مسرحية واعية أحيانا ولا واعية أحيانا أخرى، لم يتم الارتقاء بها نحو بلوة شعريات قائمة بذاتها كما رأينا، مثلا، بالنسبة للمسرح الغربي. وحتى محاولة سعد الله ونوس تبقى، في نهاية المطاف، محاولة لاختبار وتطبيق شعرية ملحمية مهيأة سلفا، على سياق مسرحي عربي.
إن هذا التجاذب - المجسد نصيا ونوعيا - يعكس بوضوح ذلك المأزق الذي ظل يعيشه الميتامسرح التأصيلي العربي، بين أن يكون أداة لترسيخ المسرح داخل الثقافة العربية، وأن يتحول إلى وسيلة لجعل المسرح العربي ينخرط، منذ مراحله الأولى، في سياق الحداثة المسرحية. ولعل هذا التجاذب هو الذي يفسر إلى حد ما، لماذا كتب صنوع مرتجلة ولم يسمها كذلك، ولماذا خلص عاشور مسرحيته الوثائقية من الأطروحة السياسية، كما هو الشأن في الغرب، وجعل منها مسرحية تحمل موقفا ثقافيا أسقطه في مطب إشكالية أخرى هي تنازع الوطني والقومي في المسرح العربي، ولماذا كتب ونوس مسرحية تغريبية بكل المواصفات، واضطر أن يبحث لها عن امتدادات في التغريب الفطري الذي ميز مسرح أبي خليل القباني.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال